🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿

📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة

🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان اليوم الثالث من العمل القسري لشعب لوزون

لم يكن الفجر قد بزغ بعد، والسماء بالكاد بدأت تميل إلى الرمادي، حين مزّق صفير حاد الهواء، كأنه نصل يخترق طبلة الأذن

فُتح باب المعسكر، وتم اقتياد مجموعات من أهل لوزون إلى موقع البناء

كانوا يرتدون ملابس رمادية خشنة موحّدة وزعتها الإدارة، لكن مقاساتها كانت عشوائية؛ فبعضها يكفي لشخصين، وبعضها يكشف نصف الركبة

معظمهم كان ينتعل صنادل من القش، لكن بعضهم حُرم من الحذاء تمامًا، واضطر للمشي حافيًا على أرض إسمنتية مغطاة بالحصى، حتى تشققت أقدامهم ونزفت

وكان كل واحد منهم يضع على ظهره بطاقة خشبية، مرسوم عليها حرف أحمر كبير "لو"، يتبعه أرقام مختلفة

ملامحهم شاردة، وخطواتهم مضطربة

بعضهم كان ما يزال يهمس بالدعاء، وبعضهم يتمتم بصلوات نصرانية، وآخرون صمتوا تمامًا، وعيونهم كالماء الراكد بلا تموج

في موقع البناء، امتزجت أصوات صياح البشر وصهيل الخيل، وقرع البراميل الحديدية، وطحن الحصى تحت الأقدام

وكانت رائحة الكيروسين والصدأ وغبار الإسمنت الجاف، مع بقايا طعام سُكبت من المطعم، تختلط في الجو

أُسندت للمجموعة الأولى مهمة حمل الطوب

كانوا يتحركون جماعات من عشرة تقريبًا، يحمل اثنان عربة واحدة، لكنهم يخطئون كثيرًا لأنهم لا يفهمون الأوامر جيدًا

رجل بدين يُدعى دريك تأخر خطوة، فاصطدمت به العربة التي خلفه

حاول النهوض لكنه أسقط نصف حمولة الطوب

وقبل أن ينطق بكلمة، انهال عليه المشرف الهاني بالسوط على ظهره مباشرة!

"هل أنت خنزير؟! ألا تعرف أن هذا منحدر صاعد؟! من سمح لك بالوقوف هنا؟!"

"ألا تفهم؟!"

"إن لم تفهم فسأضربك حتى تفهم!!!"

انهال السوط مرة بعد مرة، حتى انكمش يحمي رأسه، واصطدم جبينه بشق في الحجر، فسال الدم من أنفه

تجمد من حوله من أهل لوزون، لكنهم لم يجرؤوا على الحركة

ظلوا حائرين — هل كان هذا حادثًا؟ هل يمكن لتبرير أن يغير شيئًا؟

لكن لم يستمع أحد للتبريرات

لوّح المشرف بيده: "التالي، تقدّم"

المجموعة الثانية كُلفت بخلط الملاط

أربعة في كل مجموعة، ومعهم حوض حديدي ومجرفة، وعليهم خلط مئتي ج jin خلال خمس عشرة دقيقة

كان الإسمنت مسحوقًا خامًا، والجير يخنق الأنف ويفيض الدموع من العيون

داس شاب يُدعى يوجين حافي القدمين على كومة من الجير، فاحترق جلده وتقشرت طبقة من باطن قدمه في الحال

صرخ "آه—!" ففُسرت على أنها "مقاومة للمشرف"

ضربة سوط واحدة أرسلته يتدحرج في حفرة، وفمه ممتلئ بالوحل

سخر المشرف: "لست هنا للغناء"

أما المجموعة الثالثة، فكانت مهمتها الأثقل — تنظيف الطين وتصريف المياه من الخنادق

كانت الخنادق ضيقة موحلة بلا قاع، مياهها سوداء نتنة، مليئة بالعلَق، والمسامير الحديدية، وجثة كلب نافق منذ يومين

وقف أهل لوزون مصطفين، يحملون خطاطيف حديدية، ينظفون الطين على حافة الخندق

دخل عامل يُدعى مانويل متأخرًا ثلاث دقائق عن موعده، فكانت النتيجة معاقبة فريقه كاملًا بتمديد العمل لساعتين إضافيتين، حتى الثالثة فجرًا

"إثقال كاهل الآخرين، ثلاثة أشخاص متورطون"

هذه هي قاعدة مينغ: العقاب الجماعي، بلا رحمة

عند الظهيرة، اجتاحت موجات الحرارة الموقع، والغبار يملأ الجو

بعض أهل لوزون جلسوا في الزوايا يلهثون، والعرق الممزوج بالطين يسيل كجرح مفتوح

وبعضهم فقعت البثور في أقدامهم، فمزقوها بأظافرهم، سال الدم واختلط بالماء على الأرض

وبعضهم جمدت عيونهم، يعضون شفاههم، ثم همسوا لأول مرة "لا أستطيع المتابعة" — لكنهم سُحبوا فورًا وتلقوا عشر جلدات

"إن لم تستطع المتابعة، فازحف!"

"أنت هنا للموت، فهمت؟! لا لتختار عملك!"

كان اليابانيون القريبون يراقبون بلا تعبير

بعضهم ينقل الطوب، بعضهم يخلط الإسمنت، وبعضهم ضحك بخفة حين رأى أهل لوزون يخطئون:

"تمامًا مثلنا عندما وصلنا أول مرة"

"البكاء لا يفيد"

"عاجلًا أم آجلًا، ستفهم"

لم يكن في أعينهم تعاطف، ولا شماتة، بل خدر كامل

هدوء وصمت لا يبقيهما إلا من تلقى عددًا كبيرًا من السياط ورأى كثيرًا من الموت

لم يكن الأمر أنهم لا يكرهون —

بل لم يعد لديهم قوة

كانت الشمس تحرق، والأنابيب الحديدية ساخنة، والهواء يحمل رائحة الصدأ والعظام

هناك من يصرخ، وهناك من ينهار، وهناك من يتقيأ، وهناك من يعض لسانه متجنبًا البكاء

وكان ضوء الشمس من الأعلى ساطعًا لدرجة أنه أضاء جحيمًا في وضح النهار

بحلول اليوم الثالث — اختفت ملامح "القادم الجديد" تحت وقع السياط، ولم يبق سوى وجوه شاحبة مغطاة بالملاط والكدمات

شاب آخر من لوزون يُدعى مارتينو كُلف بحمل دلاء الإسمنت تحت القوس الحجري

كان قوي البنية، لكن خطواته بطيئة وغير متقنة

وبينما كان يحمل دلو الجير الممزوج نصف المسافة، ارتطم حافته فانسكب نصفه على الأرض، ملتصقًا بحافة القناة

في أماكن أخرى، قد يكون الأمر مجرد "نظفه"

لكن في هذا الموقع —

هو "إهدار لموارد الإمبراطورية، وإخلال بانضباط البناء، وإعاقة تقدم المشروع"

"صفع!"

سوط على لوح كتفه!

"صفع!!"

الثانية على فخذه، ممزقة بنطاله، كاشفة كدمة حمراء متورمة!

"هل تظن أن هذا بيتك في لوزون حيث تزرع القلقاس؟!"

"من علمك أن تحمل الدلاء دون أن تنظر؟!"

المشرف الهاني يسب ويجلد، ويأمر بجلب عصا سلكية

جثا مارتينو على الأرض من الألم، فمه مليء بالدم والعرق، يكرر "آسف" و"سأغيّر"

لكنه كان يتكلم بلهجة لوزونية، فلم يفهمه أحد

وبكل كلمة، تلقى ركلة

"تحاول استدرار الشفقة؟"

"ما فائدة البكاء بلغة غريبة بالنسبة لي؟!"

"لا تستحق الكلام!"

انتفخت شفتاه، وتشققت أطراف عينيه، والدم ممتزج بالملاط على الأرض

راقب عدة يابانيين قريبين بلا تعبير

رفع أحدهم المعول إلى كتفه، يمضغ غلاف كرة أرز، نظر إليه وقال ببرود:

"عندما جئنا أول مرة، ضُربنا هكذا أيضًا"

"إن كان يستطيع البكاء بعد، فهذا يعني أنه لم يُضرب بما فيه الكفاية"

أومأ آخر: "ثلاث جلدات فقط لأول خطأ، هذا رحيم"

لم يتقدم أحد للمساعدة

لم يلتفت أحد مرة أخرى

كان الأمر أشبه بمشاهدة حيوان جامح يتم "ترويضه" بالقسوة

تمدّد مارتينو على الأرض، خده ملتصق بالطريق الجيري الساخن، ودمه جف، والملاط تصلب على جلده كندوب رمادية

عيناه ما تزالان مفتوحتين، تحدقان في لوحة "ترتيب نقاط الولاء" القريبة

ثلاث جلدات جعلته يرى نجومًا، وأذناه تصفران

لم يكن أنه لا يريد أن يتفادى —

بل لم يكن يعرف إلى أين يتفادى

كان اليابانيون حوله يصطفون لتسلم الملاط، وحركاتهم منسقة ومتقنة

لم يلتفت أحد للخلف

الياباني الذي قال "ثلاث جلدات فقط رحيم" التقط الآن دلو إسمنت رطب وسكبه في قالب فولاذي

لم ينظر حتى لمارتينو، صوته بارد: "انهض"

"أنت تحجب الطريق"

أدار مارتينو عنقه بصعوبة، فرأى على وجه الرجل ويديه وكاحليه آثار سياط قديمة — ندوب مشققة متقشرة، كقروح مزمنة لا تلتئم

ولم يعد صاحبها يشعر بها كجروح، فقد اعتاد عليها

"دعني أساعدك" قال عامل من لوزون، لكنه سُحب للخلف

رجل ياباني متوسط البنية، وجهه قاتم، جذبه نصف خطوة وقال همسًا: "لا تتحرك"

"إن ذهبت، ستُضرب أنت أيضًا"

تجمد الرجل من لوزون، وارتعشت شفتاه، ثم خفض رأسه وتراجع

تلك الليلة، أُعيد تنظيم مجموعات المعسكر

وبسبب "أخطاء لوزون التي تؤثر على سير البناء"، أمر المشرف الهاني:

"سيتولى العمال اليابانيون ذوو الخبرة تدريب فريق لوزون، ويجب على كل منهم تقديم تقرير مسؤولية يومي، وإذا أخطأ واحد، يُعاقب الفريق كله"

ماذا يعني هذا؟

يعني — أن اليابانيين لأول مرة يمكنهم "الإشراف على الآخرين"

في صباح اليوم التالي، في موقع البناء

كان مارتينو لا يزال يخلط الملاط، بالكاد أمسك الدلو الحديدي مستقيمًا، فجأة تلقى ركلة قوية من الخلف أسقطته!

"أأنت أصم؟! يجب تقليب الملاط ثلاثين مرة، كم مرة قلبته؟!"

نزل السوط، يحمله نفس الياباني الذي تكلم ببرود بالأمس

"إن تهاونت مجددًا، سأجعلك تأكل القذارة"

لم يدرك مارتينو أول الأمر — هل المشرف من يضربه أم زميله العامل؟

لكنه سرعان ما فهم

الذي يضربه هو "الياباني" الذي شرب معه ماءً عكرًا قبل يومين

اليوم صار "المشرف"

صار لديهم الآن نقاط، ومناصب، وحق "العيش أطول قليلًا"

ولم يكن الأمر مقتصرًا عليه وحده

كل فريق لوزون — من نقل الطوب، وحمل الرماد، وخلط المواد، إلى تنظيف الخنادق، ونشر الحديد، وتركيب القوالب — صار تحت قيادة اليابانيين

خطوة زائدة، تعنيف

بطء بسيط، إعادة توزيع

تجاهل السؤال، حرمان من الطعام

وبعض اليابانيين تعمدوا حرمان أهل لوزون من الطعام فقط "لجمع نقاط الولاء"، ثم يرفعون تقريرًا: "هذا الشخص غير متعاون ويسبب المشاكل"

بدأ الجو في موقع البناء يتغير

لم يعد أهل لوزون يتكلمون

لم يسألوا "أين نحن؟" أو "متى نعود للبيت؟" ولم يعد أحد يحلم "هل الهان جاؤوا لينقذونا؟"

لقد عرفوا جميعًا

أنهم —

وصلوا إلى عرين الشيطان

حجارة هذا المكان مرصوصة بالدماء

طعامه يُنتزع بدهس الرؤوس

وأهله —

إما كلب ما زال حيًا

أو كلب قد مات بالفعل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهى الفصل

شاركنا رأيك واقتراحاتك في التعليقات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2025/08/15 · 5 مشاهدة · 1314 كلمة
AHMED JB
نادي الروايات - 2025