🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 "﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (سورة طه، آية 114)"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل قاعة الجانب الشرقي في المدينة المحرمة لم تكن الأنوار قد أُضيئت بعد، وقد انسكب خيط رقيق من العتمة المضيئة على المكتب الإمبراطوري، فارتسم خلف كرسي التنين الذهبي ظلّ كأنه عظيم جالس
خارج القاعة، جثا ثلاثة مبعوثين أجانب من جديد عند درجات العرش، وقدّموا ثلاث نسخ سميكة من نصوص اتفاقات مربوطة بخيوط ذهبية، منسوخة بالبرتغالية والهولندية والإسبانية
راح المترجم يترجم كلمة بكلمة:
«من أجل حفظ السلام والنظام بين أسرة مينغ العظمى والدول الثلاث، نحن مستعدون لتقديم جزية سنوية مقدارها خمسة ملايين دولار فضة»
«يُوضع خط الملاحة من مضيق ملقا إلى جاوة تحت إدارة مينغ العظمى، ونتنازل طوعًا عن 30% من حقوقنا التجارية علامة على الصدق والسلام»
«لن نقيم بعد اليوم حاميات عسكرية، ولن ننفّذ أي تسلل في شتى أقاليمنا بجنوب شرق آسيا، ولن نطمع في حكم الجزر في بحر الصين الجنوبي»
«ونحن نعترف بمينغ العظمى حاكمًا شريكًا للمحيط الشرقي، حيث يقيم تفويض العالم السماوي»
كان هذا هو «اتفاق بحر الصين الجنوبي»
ليس معاهدة ما بعد الحرب، بل اتفاق استسلام يسبقها
ساد السكون الغريب في الحجرة، لا يُسمع سوى حفيف الريح الخفيف على مشربيات النوافذ ممتزجًا بهسيس حشرات الليل
حدّق تشو يوجيان في نص الاتفاق، وارتعشت جفونه قليلًا، وغرق في التفكير
انزلقت أنامله ببطء فوق الورق، يطالع عبارات من قبيل «التنازل عن خطوط الملاحة»، و«جزية من ثلاث دول»، و«الإقرار بالسيادة»، ثم تمتم كمن يحدّث نفسه:
«كيف… الحبكة هنا تبدو غير منطقية»
«ألم يكن ينبغي أن أقاتلكم حتى تستعطفوا»
«ما إن لوّحت بمدفع حتى أتيتم مهرولين إلى الركوع»
توقّف لحظة ثم تبسّم خافتًا: «أأنتم… تأخذون نص سلالة تشينغ، لكنكم تصطدمون ببطل أسرة مينغ»
وقف وانغ تشنغ أن إلى جواره، وقد عقد حاجبيه خفيفًا لما سمعه
إنه موظف قديم خبر الصراعات الداخلية والتهديدات الخارجية، ويعرف أن جلالته حكيم حاسم، غير أن مشهد اليوم… كان سابقة في حياته
من دون أن تُنشر راية واحدة تنازلت ثلاث دول وقدّمت الجزية
وبرقية واحدة فتحت شهية عشر دول للتهنئة والتمس السلام
تسلّل القلق إلى قلبه — فلو كان غيرُ جلالته لابتهج فورًا ووافق، ثم أغدق عليهم لقب «دولة تجارة صديقة» ضمانًا للسلام والاستقرار
لكن خشيته أن يكون جلالته «رؤوفًا» إلى حد يمنح الدول الثلاث مخرجًا فيخلف وراءه فتنة مؤجلة
وما كاد يهمّ بكلمة نصحٍ لطيفة —
حتى رفع تشو يوجيان نظره
«وانغ تشنغ أن»
«عبدك حاضر»
«أتظنّ ما على هذا الورق ملكًا لهم»
دهش وانغ تشنغ أن وتفلتت منه عبارة: «بالطبع هو لهم…»
وقبل أن يتم كلمته نهض تشو يوجيان مرتديًا حُلّة إمبراطورية سوداء مذهّبة، ووقف خلف مكتب التنين، وقاطعه ببرود:
«خطأ»
«تلك الأمكنة —»
«هي أصلاً لي»
لم يكن صوته عاليًا، لكنه جعل الجدران الأربع ترتجف قليلًا، وقرعت الأجراس النحاسية تحت الأفاريز رنينًا صافيًا متتاليًا
«حيثما تشرق الشمس والقمر، وحيثما تجري الأنهار، وحيثما تنتصب الجبال، وحيثما يقيم الناس — هناك أراضي هان»
«وهم اليوم يأخذون أرضي وطرقي وبحري، ثم يأتون ليقولوا: هذا لك»
«نكتة»
قهقه قهقهة باردة، ولوّح بكمّه فتناثرَت اللفائف على سطح المكتب
«أنتم لا توقّعون «اتفاقًا»، بل تسدّدون دينًا»
«ضعوا كل ما سرقتموه»
«ثم اخرجوا»
ارتعد وانغ تشنغ أن واهتز قلبه، لكنه انحنى حالًا انحناءة عميقة:
«جلالتك بصير حكيم»
في الرواق الخارجي تبدّلت وجوه المبعوثين الثلاثة تبدّلًا شديدًا
شحبت ملامح التاجر الهولندي وأخذ يُطأطئ رأسه مرارًا: «يا صاحب الجلالة، جئنا لنتفاوض على السلام، لا — لا لنتجرأ…»
كاد الكاهن البرتغالي أن يُحطّم الصليب في يده: «يا رب… ما هذه القدرة… لا، إنه أمر خارق…»
أما النبيل الإسباني فقد أُخرس تمامًا، كانوا يعدّون أنفسهم «سادة العالم الجديد»، غير أن هذا الإمبراطور في حُلّة شرقية استطاع بنظرة واحدة أن يجعلهم يركعون صامتين
ولم يدركوا إلا الآن —
إن مينغ العظمى ليست «البلاد الشرقية المنغلقة» كما ظنّوا
بل إمبراطورية تقف على منصة مكرّمة وتعلن: «أعيدوا إليّ عالمي»
في الخارج كان الليل عميقًا والنجوم تومض في السماء
وفي المدينة المحرمة أُضيئت الأنوار كأنها النهار، فمصابيح القصر مثل لآلئ تنين، والشمعدانات النحاسية أشجار من فضة، وقد أنارت قاعة تشيانتشينغ كلها إنارة تُشبه الشمس
وقف تشو يوجيان على الدرجات اليشمية أمام القاعة، ولواء التنين الذهبي يرفرف خلفه، ورداؤه الإمبراطوري يختلج قليلًا، ويمناه تمسك بالاتفاق الذي وضع ختمه عليه آنفًا
كانت أطراف الورقة ملتفّة قليلًا، وحوافّها الذهبية تلمع
حدّق في المبعوثين الثلاثة الراكعين عند أسفل الدرجات، وكانت نظرته باردة كالسكين، ونبرته هادئة لكن كل كلمة كالرعد:
«كان المفترض أصلًا أن تُقطَع رؤوسكم الثلاثة»
برد الهواء فجأة، وخيّم صمتٌ ثقيل على القاعة
أطرق المبعوث الإسباني رأسه أكثر، وعرقُه البارد يغمر ظهره حتى ابتلّت ثيابه الرسمية
ووهنَت ساقا التاجر الهولندي حتى كاد يخرّ أرضًا
أما الكاهن البرتغالي فقبض على أسنانه حتى ابيضّت شفتاه
واصل تشو يوجيان ببطء:
«لكنكم جئتم بأدب، ولبستم لياقة، وتكلّمتم بترتيب، وركعتم بسرعة»
«سأدعكم تعودون أحياء، تقديرًا لهذه «التربية»»
خُيّل إليهم أنهم نالوا النعمة العظمى، فأخذوا يخبطون جباههم شكرًا، حتى كادوا يلتصقون ببلاط اليشم، وجباههم على رسوم الحجر البارد، يرتجفون ولا يجرؤون على النهوض
وحين غادروا المدينة المحرمة ولَفَحت وجوهَهم نسمات الليل، لم يشعروا بالارتياح، بل ازداد ثِقَلٌ في قلوبهم
قادهم حرس الهان عبر بوابة دونغهوا، وساروا ببطء على امتداد الشارع المحوري
وعلى الطريق رأوا مناظر مدينية لم تقع عليها أعينهم من قبل
أعمدة إنارة مصطفّة، أضواؤها الكهربائية كمثل النهار، وقبابها من خزف زجاجي تلتمع ببَهاء
طرقات ملساء كالمرآة، فسيحة تسع ستة خيول جنبًا إلى جنب، لا طين فيها، وعلى الجوانب مجارٍ وتصاوير إرشاد مرورية
وفي الأبعد تتقاطع خطوط السكك الحديدية، وترام بخاري يشقّ الطريق كالرعد، والركّاب يصعدون وينزلون بانضباط
أما المباني على الجانبين فتختلف في العلو، على بعض الأقواس أفاريز طائرة وعوارض معشّقة، وعلى بعضها الآخر جدران رمادية شاهقة وقورة
هنا معابد كونفوشيوسية بزخارف ونقوش، وهناك «أكاديميات علوم» بنافذات شفافة وأبراج عالية، وعلى أبوابها نُقشت أربع كلمات ذهبية: «معهد الاستنارة»
وكان بثٌّ شارعِي يذيع بصوت واضح: «اليوم قدّم مبعوثو دول بحر الصين الجنوبي الجزية وأقرّوا بالسيادة. المهابة الإمبراطورية تمتد بعيدًا، فتخضع لها الأمم»
«الإمبراطور المكرّم لأسرة مينغ يردع قراصنة البحر، وينشر الحضارة على نطاق واسع، ويحظى بتأييد الناس»
عضّ التاجر الهولندي على أسنانه وهمس: «هذا أنظف عشر مرات من أمستردام عندنا»
«لا مجاري مكشوفة، لا مراحيض في العراء، لا سكّارى في الطرقات»
طأطأ الكاهن البرتغالي رأسه وهو يُعمل فكره، وفي عينيه لمعة حيرة:
«أيمكن لِقباب كنائسنا المذهّبة أن تُضاهي هذه المصابيح القصرية»
ثم صمت الثلاثة
فبلادهم على وشك أن تواجه خصمًا جديدًا تمامًا لا تُقاوَم رهبته
إمبراطورية تستطيع بطلقة واحدة أن تنسف مقدّمات مراكبهم في البحر، وبصولة واحدة من فرسانها أن تُسقط مئة مدينة في البر، وتحفظ التقاليد العتيقة وهي تُحكم الآلة، وتجعل شعبها كجسم من حديد في السياسة
وأدركوا فجأة —
أنهم عند عودتهم لن يرفعوا تقريرًا عن «بلد شرقي قديم وديّ متعاون»
بل عن حضارة عظمى بلغت ذروة العالم، قادرة على أن ترفع شفرة وتبتلع أوروبا في أي لحظة
لم يعودوا يتحدّثون عن التجارة
ولا عن الاتفاقات
ولا حتى عن السلام
لم تبقَ في أذهانهم إلا كلمة واحدة — «الفناء»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ