الفصل 226

قبل عشر دقائق

كان آلبرت يقف في قلب المعركة، أنفاسه متسارعة وعيناه تتنقلان بين خصميه: فيكتور كرام وفلور ديلاكور. كان الموقف متوترًا للغاية، والهواء من حوله يشتعل بطاقة سحرية لا تهدأ.

كرام، بقوته البدنية ، كان يوجه سلسلة من الهجمات السحرية القوية نحو آلبرت، الذي كان يصدها بمهارة بارعة. كانت كل حركة منهما محسوبة، وكل تعويذة تطلق كأنها تحمل معها قرارًا مصيريًا.

في لحظة حاسمة، استغل آلبرت فرصة صغيرة عندما أخطأ كرام في توقيت إحدى تعويذاته. رفع آلبرت عصاه وصرخ:

"إكسبيليارموس !"

خرج شعاع أحمر قوي من عصاه السحرية، متجهًا مباشرة نحو كرام. كان التأثير مدويًا؛ عصا كرام السحرية طارت بعيدًا عن يده وسقطت على الأرض على بعد عدة أمتار، بينما اندفع كرام للخلف بقوة، ليسقط أرضًا بشكل عنيف.

ارتطم جسده بالأرض بقوة، وبدا لوهلة وكأنه لن يتمكن من النهوض بسرعة.

أدرك آلبرت أن هذه كانت فرصته. كان عليه الآن أن يركز كل طاقته على فلور، التي كانت تستعد للهجوم. التفت نحوها بسرعة، ورفع عصاه استعدادًا لصد أي تعويذة قد تطلقها نحوه. لكن فلور كانت سريعة. بحركة خاطفة، وجهت عصاها نحوه وأطلقت تعويذة قوية، شعاعها البرّاق يتقدم نحوه بسرعة.

كان بإمكان آلبرت أن يراوغ أو يصد الهجوم بتعويذة مضادة، لكنه في اللحظة التي رفع فيها عصاه لتحضير دفاعه، شعر بألم مفاجئ يندفع عبر جسده كالسهم. كان الألم مروعًا لدرجة أن عصاه كادت تسقط من يده. تراجع خطوة إلى الوراء، ثم سقط على ركبتيه وهو يصرخ من شدة الألم. أمسك برأسه بكلتا يديه، وكأنها كانت على وشك الانفجار.

كان الألم داخله مختلفًا عن أي شيء شعر به من قبل. لم يكن مجرد ألم جسدي؛ كان وكأن قوة غريبة تهاجم روحه من الداخل. ارتجف جسده، وشعر بأن كل عضلة فيه تتوتر بشدة. كان يتنفس بصعوبة، وعيناه تغيمان، وكأن العالم من حوله بدأ يتلاشى.

كان آلبرت مستلقيًا على الأرض، جسده يرتجف وألم مروع يجتاح كل ذرة من كيانه، لم يكن الألم جسديًا فقط؛ بل كان شعورًا داخليًا أشبه بأن روحه تتمزق ببطء.

كان يشعر وكأن عقله سيخرج من مكانه، وكأن قوة مظلمة غامضة تحاول السيطرة عليه من الداخل، عيونه البيضاء الفارغة لم تكن ترى شيئًا من حوله، وكل ما كان يسمعه هو صوت أنفاسه المتقطعة وصدى صرخاته المكتومة.

لكن وسط هذا الظلام الساحق، بدأ يسمع صوتًا خافتًا، أشبه بهمس لطيف لكنه قوي. كان صوت امرأة، ناعمًا ودافئًا بطريقة غريبة، وكأنها تعرفه جيدًا.

لم يكن الصوت عاديًا، بل كان وكأنه ينبع من داخله، يتردد في عقله بوضوح رغم الألم الذي يغطي كل حواسه.

قال الصوت بصوت هادئ ومطمئن:

"آلبرت... أرجوك، تحمل قليلاً. لا تستسلم لهذا الألم. أنت أقوى مما تعتقد."

حاول آلبرت التركيز على الصوت، على الرغم من أن جسده كان يرفض الاستجابة. حاول أن يتذكر من تكون صاحبة هذا الصوت، لكن عقله كان غارقًا في الضباب. تكرر الصوت مرة أخرى:

"آلبرت، عليك أن تستعمل تعويذة شفاء. ستساعدك على تخطي هذا الألم. ثق بي."

حاول آلبرت أن يرفع عصاه السحرية، أن يستجمع ما تبقى لديه من قوة ليلقي تعويذة الشفاء، لكن يديه كانتا ترتعشان بشدة. الألم كان أقوى مما يستطيع احتماله، وكانت كل عضلة في جسده ترفض الاستجابة. همس في داخله: "من أنتِ؟ لماذا يبدو صوتك مألوفًا؟" لكن لم يحصل على إجابة، وكان الصوت يواصل توجيهه بإصرار.

في تلك اللحظة، وبينما كان آلبرت غارقًا في محاولته للسيطرة على الألم، استغلت فلور الفرصة. كانت عيناها لا تزال بيضاء، وطاقة السيطرة المظلمة تحكم قبضتها عليها. رفعت عصاها السحرية، وأطلقت تعويذة قوية باتجاه آلبرت.

الشعاع السحري ضربه مباشرة، ودفعه بعيدًا عن مكانه. جسده ارتطم بالأرض بقوة، والدماء بدأت تسيل من جروحه. الجروح ظهرت على يديه ووجهه، وكأنها خُدشت بسكاكين حادة. كان الألم الجديد يضاف إلى معاناته السابقة، مما جعله يبدو وكأنه قد وصل إلى نهايته.

لبضع لحظات، بدا وكأن كل شيء انتهى، آلبرت كان مستلقيًا بلا حراك، جسده غارق في الدماء، وأنفاسه تكاد لا تُسمع. لكن فجأة، بدأ وعيه يعود تدريجيًا. فتح عينيه ببطء، وعاد له الإحساس بما حوله.

كان جسده يئن من الألم، لكنه تمكن من النهوض ببطء، مستندًا على عصاه. كان الدم يسيل من جبينه، لكنه لم يهتم.

قال بصوت مبحوح لكنه مليء بالتحدي:

"هذا الألم... لا شيء مقارنة بما شعرت به قبل أن أفقد وعيي."

نظر إلى فلور التي كانت تستعد لتوجيه ضربة أخرى، لكنه لم يعد الشخص نفسه. شيء ما بداخله قد تغير. كانت تلك اللحظة الفاصلة التي أدرك فيها أن الألم الذي شعر به قد أيقظ قوة جديدة داخله. رفع عصاه ببطء، واستجمع كل طاقته السحرية. كانت القوة التي شعر بها أشبه بإعصار صغير يتجمع في داخله، ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار.

صرخ آلبرت بصوت قوي:

"كفاكِ يا فلور! إذا كنتِ تحت سيطرة هذا الظلام، فسأحررك منه الآن!"

بجزء من قوته، أطلق تعويذة قوية جدًا لم يسبق له أن أطلق مثلها من قبل. كان الشعاع السحري المنطلق من عصاه مشعًا بطاقة لا تُصدق، كأنه يحمل معها القوة والإرادة التي استيقظت داخله. الشعاع اخترق الهواء، متجهًا نحو فلور بسرعة البرق.

حاولت فلور الدفاع، لكنها لم تستطع مجاراة قوة آلبرت. درعها السحري الذي شكلته لتحمي نفسها تحطم في لحظة، والشعاع أصابها مباشرة. دفعتها الضربة إلى الوراء، وأسقطتها أرضًا بعنف.

عيناها بدأتا تعودان تدريجيًا إلى حالتهما الطبيعية، بينما انكسر تأثير السيطرة المظلمة الذي كان يحكمها.

وقف آلبرت بثبات، رغم الجروح التي تغطي جسده والألم الذي لا يزال يعصف به. نظر إلى فلور التي كانت مستلقية على الأرض، ووجهها يعبر عن صدمة مما حدث.

ثم نظر إلى كرام، الذي كان قد أصيب بنفس الطريقة، مستلقيًا بلا حراك. أدرك أن معركته لم تكن فقط مع أصدقائه، بل مع الظلام الذي سيطر عليهم.

قال بصوت هادئ ولكنه مليء بالعزم:

" فل تعودا إلى المدرسة .. "

آلبرت وقف بين فلور وكرام، جسده المثقل بالجروح يحكي عن معركة لا تُنسى، نظر إليهما بعينين تملؤهما الإصرار والعزيمة، وقال بصوت حازم:

"فلور، كرام... ما حدث لم يكن خطأكما. أنتما كنتما تحت تأثير قوة مظلمة، وأنا لا ألومكما. لكن الآن يجب أن تعودا إلى المدرسة فورًا. هذا المكان... ليس مكانكما. ما ينتظركم هنا انه مصير مظلم قد يؤدي إلى موتكما. أريد منكما أن تخرجا من هذا المتاهة وتعودا بأمان."

فلور، التي كانت دموعها تنساب على وجهها، نظرت إلى آلبرت بعينين مليئتين بالندم، وقالت بصوت مكسور:

"أنا آسفة جدًا، آلبرت. لم أكن أستطيع التحكم في نفسي... لم أكن أعرف حتى ما الذي يحدث. فجأة، وجدت نفسي أهاجمك... أنا آسفة."

توجه آلبرت نحوها، وضع يده على كتفها، ونظر إليها نظرة دافئة رغم ألمه:

"لا تقلقي، فلور. ما حدث خارج عن إرادتك. الأهم الآن أن تهتمي بسلامتك. أنتِ وكرام يجب أن تغادرا. هذا المكان ليس آمنًا لأي منا، لكن عليّ أن أكمل الطريق."

كرام، الذي كان جالسًا على الأرض ويمسك برأسه بسبب الألم الذي كان يشعر به نتيجة السيطرة التي تعرض لها، رفع رأسه بصعوبة ونظر إلى آلبرت. كان وجهه يعبر عن مزيج من الإرهاق والندم، لكنه لم يستطع الكلام. كل ما فعله هو الإيماء برأسه، كأنه يوافق على كلمات آلبرت دون أن يكون لديه القوة للتعبير عن ذلك.

بعدما أبلغهم آلبرت بما يجب عليهم فعله، أدار ظهره لهما وبدأ يسير بثبات نحو الطريق الطويل الذي كان يؤدي إلى الكأس.

نظر مرة أخيرة خلفه ليتأكد أنهما بخير، ثم ركض بكل قوته، عصاه السحرية مشتعلة في يده، والدماء تنساب من جروحه لتسقط على وجهه وعلى الأرض أثناء ركضه. كان يعلم أن الوقت ضيق، وأنه يجب أن يصل إلى الكأس قبل أن يحدث أي شيء آخر.

فلور، التي كانت لا تزال تبكي، توجهت نحو كرام وساعدته على الوقوف. أمسكت بذراعه بحذر وقالت:

"يجب أن نعود، كما قال آلبرت. لا يمكننا أن نتركه، لكن... لا خيار آخر لدينا."

أما آلبرت، فقد واصل ركضه نحو كأس النار. الشعاع الأزرق الذي كان ينبعث منه كان يضيء الطريق أمامه في ظلام المتاهة، لكنه شعر بأن هذا النور يخفي وراءه شيئًا أكبر من مجرد نهاية التحدي. كان هناك شعور غريب يسيطر عليه، كأن الكأس نفسه كان يحاول أن يحذره مما سيأتي.

عندما وصل أخيرًا إلى الكأس، وقف أمامه لوهلة، يتأمل الضوء الأزرق الذي ينبعث منه. كان هذا الكأس يمثل كل شيء خاضه حتى الآن، لكنه أيضًا كان مفتاحًا لما هو قادم. مد يده ببطء ولمس الكأس، وعندها بدأ العالم من حوله يختفي.

شعر بجسده وكأنه ينجذب بقوة نحو شيء مجهول. كان الانتقال سريعًا وعنيفًا، وكأن قوة مظلمة تمزق الهواء من حوله. عندما فتح عينيه مجددًا، وجد نفسه في مكان كئيب ومظلم، الجو يملؤه رائحة الدم والخوف. الأرض تحت قدميه كانت مغطاة برماد داكن، والسماء فوقه مظلمة وكأنها تُخفي شرًا لا يوصف.

سقط كأس النار من يده، وارتطم بالأرض مُصدرًا صوتًا حادًا. آلبرت أمسك عصاه بإحكام، ينظر يمينًا ويسارًا محاولًا استيعاب المكان الذي وجد نفسه فيه.

بدأ يسير بخطوات حذرة، وكلما خطا خطوة، كان شعور الخوف والغموض يزداد. فجأة، توقف عندما رأى شيئًا أمامه جعله يتجمد في مكانه.

كان المشهد أمامه أشبه بكابوس حي. ما رآه جعله ينصدم صدمة عمره، وكأن كل الأسئلة التي كانت تدور في ذهنه عن هذا التحدي وجدت إجابتها الآن. ولكن هذه الإجابة كانت أكثر رعبًا مما توقع.

يتبع ...

2025/01/19 · 51 مشاهدة · 1402 كلمة
نادي الروايات - 2025