الفصل 229
تحت ضوء القمر الخافت، بدت القلعة شامخة في الظلام، لكن الممرات الداخلية كانت مليئة برهبة لم يسبق لها مثيل.
كان هاجريد يتقدم بخطوات واسعة ومضطربة، صوت حذائه الثقيل يضرب الأرضية الحجرية بصدى يملأ المكان. بين ذراعيه كان يحمل آلبرت، جسده الهزيل متدلى بلا حياة تقريبًا، والدماء تنساب على وجهه كأنها عرق كثيف يتدحرج بلا توقف.
خلفه هرول هاري، هيرميون، ورون، وجوههم يكسوها الذعر، وأنفاسهم متقطعة بفعل الجري والخوف.
هاجريد، الذي كان دائمًا رمزًا للقوة والصلابة، بدا هذه المرة وكأن ثقلاً يفوق احتماله قد انكسر فوق كتفيه. كان وجهه متجهمًا، وعيناه تحملان حزنًا عميقًا لا يتناسب مع هيئته الضخمة.
تمتم بصوت خافت، وكأنه يحاول طمأنة آلبرت الذي كان يئن بصوت بالكاد يُسمع: "استحمل يا صديقي... استحمل قليلا فقط ... سنصل الى مدام بومفري حالًا !!."
لكن داخله، كان يعلم أن الوقت ينفد. كان يشعر بذلك مع كل ثانية تمر، مع كل قطرة دم تتساقط من آلبرت وتترك أثرًا مروّعًا على الأرضية خلفهم.
"هاجريد، أسرع !" صرخت هيرميون، صوتها يرتجف بينما تحاول مواكبة خطواته الضخمة. رون، الذي بدا وكأن كل لون غادر وجهه، حاول أن يقول شيئًا لكنه لم يستطع. أما هاري، فقد ركض بصمت إلى جانبهما، عينيه تركزان على آلبرت، الذي بدا كأنه يتلاشى بين يدي هاجريد.
وأخيرًا، وصلوا إلى الجناح الطبي في القلعة ، دفع هاجريد الباب بقوة، فتحه على مصراعيه، واندفع إلى الداخل دون أن يتوقف.
مدام بومفري، التي كانت مرتدية زيها الأبيض النظيف، رفعت رأسها فور سماع صوت الباب. نظرتها الأولى إلى هاجريد وما يحمله بين ذراعيه كانت كافية لتفهم كل شيء.
"ضعه هنا، فورًا !" قالت بحدة، مشيرة إلى السرير الأقرب.
كان صوتها مليئًا بالحزم، لكنها لم تستطع إخفاء القلق الذي لمع في عينيها بحيث شعرت بالقلق الشديد بعدما رأت حالة آلبرت الحالية !!.
هاجريد وضع آلبرت على السرير بحذر، كما لو أن أقل حركة قد تزيد من معاناته. عندما انسحب للخلف، كانت الدماء قد لطخت يديه وعباءته. آلبرت بدا شاحبًا لدرجة مرعبة، وعيناه نصف مغلقتين، وكأنه يوشك على الاستسلام.
مدام بومفري انحنت فوقه فورًا، وأخذت تفحصه بعناية شديدة. "هذا ليس اضرارا عادية..." قالت بصوت منخفض، وكأنها تتحدث لنفسها. لمست وجهه بلطف، ثم نظرت إلى الدماء التي ما زالت تتدفق ببطء. "هذا سحر قوي جدا اصيب به ... ...
إنه معقد."
"هل... هل يمكنك إنقاذه؟" سأل هاري، صوته مليء بالرجاء والخوف في آن واحد.
مدام بومفري رفعت يدها لتطلب منه الصمت. "سأفعل كل ما بوسعي، لكن هذا يحتاج إلى أكثر من جرعات الشفاء العادية. يحتاج إلى تعاويذ خاصة، وربما وقت أطول مما نملك. !! أولا يجب ان نعرف ما هي فصيلة دمه !! "
تحدثت هيرميون بسرعة فائقة لتقول " انها B يا سيدي !!"
بعدما سمعت بومفري هذه الكلمة ، شعرت بالدعر اكثر لتقول " اللعنة !! انها فصيلة نادرة جدا الحصول عليها !! في هذا الوقت فل تبحثوا عن شخص يملك هذه الفصيلة دم و يريد ان يتبرع بالدماء لهذا الفتى !! هيا اسرعا لا وقت لدينا !!"
خرج كل من هاري و رون و هيرميون بسرعة من الغرفة و هم متفرقين املين في ايجاد شخص يملك هذه الفصيلة
هاجريد، الذي وقف بالقرب من السرير، غطى وجهه بيديه للحظة ثم قال بصوت مبحوح: "لابد بأن ينجو... آلبرت شجاع ولا يستحق ما يحصل له."
"سأحتاج مساعدتك" قالت مدام بومفري فجأة، وهي تمسك بعدد من الزجاجات الصغيرة الممتلئة بسوائل مختلفة. "هاجريد، أحضر لي هذا الجرع من الخزانة هناك. انا سأراقب نبضه ..."
اندفع هاجريد إلى الأمام و هو يقول " حسنا !!"
بعدما خرج هاري، رون، وهيرميون من جناح المستشفى بعد أن تركوا آلبرت في حالة يرثى لها، جسده ممددًا بلا حراك على السرير، ووجهه تحول إلى ظل مخيف بلون بنفسجي غريب، دليلًا على استنزاف الدماء ونقص الحياة فيه.
كان الثلاثة يسيرون في الممرات بصمت ثقيل، كأنهم يحملون ثقل العالم على أكتافهم ، بعد لحظات من الصمت، قال هاري بصوت حازم "علينا أن نتحرك الآن. آلبرت بحاجة إلى دم. سننقسم ونبحث عن أي شخص يمتلك فصيلة دم B. لا يمكننا أن ننتظر أكثر."
رون نظر إليه بنظرة قلقة وقال: "ولكن ماذا لو لم نجد أحدًا؟ ماذا لو...؟"
قاطعه هيرميون، وقد بدا الإصرار واضحًا في صوتها: "لا وقت لليأس. علينا المحاولة. هيا، كل دقيقة تضيع قد تكون الأخيرة بالنسبة لآلبرت !"
تفرق الثلاثة في الممرات، وكل واحد منهم كان يحمل أملًا ضعيفًا ورعبًا كبيرًا. هاري توجه بسرعة إلى الأجزاء الأكثر ازدحامًا في القلعة، عازمًا على التحدث إلى كل من يعرفه. بدأ بأصدقائه المقربين، فركض إلى غرفة غريفندور، حيث وجد شيموس، دين، ونيفيل.
"هل أي منكم لديه فصيلة دم B؟" سألهم هاري بنبرة مستعجلة، كأن حياته تعتمد على الإجابة.
شيموس هز رأسه بحزن، ونيفل قال بصوت خافت: "آسف، هاري... أنا فصيلة دمي A." أما دين فقال: "جرب مع الآخرين، ربما أحدهم يستطيع مساعدته."
هاري لم يستسلم. واصل البحث وسؤال كل من يراه، من رفاقه في غريفندور وحتى طلاب من هافلباف ورافنكلو، لكن دون جدوى. حتى عندما قرر أن يكسر كبرياءه وسأل بعض طلاب سليذرين، الذين لم يكن يطيقهم، قوبل بنظرات ازدراء وسخرية من البعض، بينما أجابه آخرون بأنهم لا يملكون الفصيلة المطلوبة.
في تلك الأثناء، كانت هيرميون تسير بسرعة عبر ممرات القلعة، تدخل القاعات وتسأل الطلاب والمعلمين. وجهها كان شاحبًا، وعقلها يشتعل بالقلق. أما رون، فقد كان يركض بشكل عشوائي، يسأل الجميع بلا استثناء، حتى أنه دخل إلى المطبخ حيث تجمع الجان المنزليون، يسألهم إن كانوا يعرفون أي شيء عن الفصائل أو إن كان بإمكانهم المساعدة.
لكن كل الجهود بدت وكأنها تصطدم بجدار اليأس.
داخل جناح المستشفى، كانت الأجواء مشحونة بالقلق ، مدام بومفري كانت واقفة بجانب السرير، يديها تحاولان تهدئة النزيف الذي توقف بصعوبة بالغة. لكن الوضع كان لا يزال حرجًا للغاية.
وفجأة، فتح الباب بقوة، ودخلت الأستاذة ماكجونجال، متبوعة بالمدير دمبلدور. نظرة واحدة إلى آلبرت كانت كافية لإصابة ماكجونجال بالتوتر الشديد. وجهها صار شاحبًا، وعيناها تراقبان آلبرت الذي بدا وكأنه يتلاشى أمامها.
"يا للهول..." تمتمت وهي تضع يدها على فمها. "كيف وصلت حالته إلى هذا الحد؟"
دمبلدور، الذي بدا هادئًا كعادته، لكنه كان يحمل في عينيه نظرة قلق عميق، اقترب من السرير وقال بصوت منخفض: "أخبريني، مدام بومفري، ما الذي يحدث الآن؟"
أجابت بومفري بنبرة مضطربة: "لقد أوقفنا النزيف بصعوبة، لكن المشكلة الآن هي فقدانه للدم. جسده بالكاد يستطيع الاحتمال. إذا لم نحصل على دماء تتطابق مع فصيلته في أسرع وقت، فلن يكون هناك ما يمكن فعله."
ماكجونجال وضعت يدها على رأسها، ثم نظرت إلى دمبلدور وقالت: "هل يمكن أن نستخدم سحرًا بديلًا؟ جرعة دم؟ أي شيء؟"
لكن بومفري هزت رأسها وقالت بحزم: "هذه لعنة معقدة. الجروح التي أصابته ليست عادية. السحر البديل لن ينفع هنا. نحن بحاجة إلى دم بشري حقيقي، من نفس فصيلته. والوقت ينفد... إذا لم يتحمل جسده الوضع لفترة أطول، فإن..." توقفت عن الكلام، لكنها لم تكن بحاجة لإنهاء الجملة. الجميع فهموا ما تعنيه.
دمبلدور أومأ برأسه وقال بصوت عميق: "لا يزال هناك أمل. علينا أن نثق في هاري، رون، وهيرميون. إن كان هناك أي شخص يمكنه العثور على ما نحتاجه، فهو هم."
لكن الوقت كان يمر، وجسد آلبرت بدا وكأنه ينزلق أكثر فأكثر نحو هاوية لا عودة منها. ماكجونجال، التي عادةً ما تكون رمزًا للصلابة، بدت وكأنها على وشك الانهيار وهي تنظر إلى الطالب الذي كان يومًا مليئًا بالحياة، والآن يرقد بلا حول ولا قوة.
"أرجوك، آلبرت... تحمل قليلاً فقط..." تمتمت بصوت بالكاد يُسمع، بينما كانت مدام بومفري تحاول بكل ما لديها من مهارة وخبرة أن تبقيه على قيد الحياة.
وقفت ماكجونجال إلى جانب دمبلدور، عيناها مشحونتان بالقلق، ووجهها المشدود بالكاد يخفي شعورها بالعجز.
أخيرًا، وبصوت مبحوح يكسوه التوتر، قالت: "ألباس ... يجب أن نفكر في إخبار والده، سيريوس بلاك. إذا كان هناك من يمكنه إنقاذه الآن، فهو سيريوس. إنهما يتشاركان نفس الدم... وهو الأقرب لفصيلته."
دمبلدور، الذي كان يقف بهدوء على غير المعتاد، نظر إليها بعينيه الزرقاوين المخترقتين، ثم قال بلطف، ولكن بحزم: "أوافقك الرأي، مينيرفا. لكن دعيني أحاول أولاً."
وبدون أن ينتظر إجابة، أخرج عصاه، ولوّح بها بحركة معقدة قبل أن يختفي من مكانه بصوت خافت. كانت ماكجونجال تراقب المكان الذي كان يقف فيه للتو، وكأنها تأمل أن يعود حاملًا الحل الذي يضع حدًا لهذا الكابوس.
لم تمر سوى خمس ثوانٍ، ثم عاد دمبلدور إلى مكانه، مظهره هادئ كعادته، لكنه بدا وكأنه يحمل خبرًا سيئًا.
"للاسف،" قال بصوت منخفض، وكأن الكلمات تثقل عليه. "لم أجد سيريوس في منزله. حاولت التحدث إلى الجني المنزلي الخاص بالعائلة، لكنه اخبرني انه لا يعرف مكان وجوده. يبدو أن سيريوس ليس في الجريمولد بليس. هذا يعني أنه قد يكون في مكان آخر... مكان لا يمكنني تحديده الآن."
ماكجونجال، التي كانت قد علقت كل أملها على سيريوس، شعرت بصدمة في قلبها. كانت تؤمن أن سيريوس هو الحل الأخير لإنقاذ آلبرت، وغيابه عن متناولهم كان كالصاعقة.
"ألباس،" قالت بصوت مرتجف، "ماذا نفعل الآن؟ كل شيء يبدو وكأنه يغلق في وجهنا. لا نملك وقتًا، وكل دقيقة تمر تجعل حالته أسوأ."
دمبلدور نظر إليها بنظرة عميقة، لكنه لم يجب فورًا. كان يعلم أن الكلمات لن تغيّر شيئًا في هذا الموقف، وأن الحلول تنفد سريعًا.
ماكجونجال أغمضت عينيها للحظة، وكأنها تحاول أن تجد طريقة لاستيعاب ما يحدث. عندما فتحت عينيها مجددًا، كانت دموعها على وشك السقوط، لكنها تمالكت نفسها وقالت بصوت منخفض، بالكاد يسمع: "ربما... ربما هذا هو قدره. ربما لا يمكننا إنقاذه."
كان الصمت يملأ الغرفة، ولم يقطعه سوى صوت أنين آلبرت، الذي بدا وكأنه يضعف أكثر مع كل نفس. ماكجونجال شعرت بعجز لم تشعر به من قبل، وكأنها تخسر أحد أبنائها دون أن تستطيع فعل شيء.
"ألباس،" تابعت بصوت مبحوح، "هل هذا كل ما يمكننا فعله؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي ونشاهد هذا الفتى يضيع أمامنا؟"
دمبلدور، الذي عادةً ما يكون هو الملاذ الأخير والأمل الأكبر للجميع، بدا وكأنه يشعر بثقل الموقف. لكنه قال بنبرة هادئة وثابتة: "مينيرفا، لا يزال هناك أمل. لن أستسلم حتى آخر لحظة. علينا أن نبقي إيماننا، مهما بدا الموقف ميؤوسًا منه."
لكن بالنسبة لماكجونجال، بدا أن الأمل يتلاشى مع كل لحظة تمر. شعرت وكأن الغرفة تغلق عليها، وكأن العالم كله يتآمر ضد هذا الفتى، الذي كان يرقد بلا حول ولا قوة. في أعماقها، كانت تخشى أن النهاية قد كُتبت بالفعل، وأن كل الجهود التي بذلت لن تكون كافية لإنقاذه.
يتبع ....