الفصل 231
داخل جناح المستشفى، كان الجو مشحونًا بالتوتر والانتظار. الجميع كان يقف بترقب بينما بدأت مدام بومفري بإعداد الحقن والأدوات اللازمة لتوصيل الدماء التي أخذتها من جورج إلى آلبرت.
رغم أن العملية بدت روتينية، إلا أن الأجواء كانت ثقيلة كأن الوقت نفسه قد توقف، وكل الأنظار كانت متجهة نحو السرير الذي يرقد عليه آلبرت، جسده شاحب، وبشرته تزداد لونًا بنفسجيًا بشكل مقلق.
مدام بومفري، التي اشتهرت بهدوئها في أكثر المواقف توترًا، كانت تعمل بسرعة ودقة لا تصدق. وضعت الكيس الأول من الدم بعناية، وبدأت بتوصيل أنبوب الحقن إلى وريد آلبرت. رفعت رأسها وقالت بثبات للجميع: "يجب أن نتحرك بسرعة. كل ثانية تهم. الأكياس التي جمعناها ربما تكون كافية، لكن لا مجال للتأخير."
جورج، الذي كان جالسًا على كرسي التبرع، بدا مرهقًا لكنه مبتسم برضا. قال بصوت متقطع وهو يمسح عرقه: "تأكدوا أن هذا يكفي. أعطيته كل ما أملك."
بومفري نظرت إليه وابتسمت بخفة، ثم وضعت يدها على كتفه وقالت: "لقد فعلت ما يكفي يا عزيزي. ثلاثة أكياس من الدماء هي أكثر مما كنت أعتقد أنك قادر على تقديمه. قد يكون هذا ما ينقذ حياته."
كان الجميع ينظر إلى آلبرت بصمت، وكأنهم ينتظرون معجزة تحدث أمام أعينهم. رون كان يقف بجانب هاري، يمسك بيده بشدة، بينما كانت هيرميون تضم كتبها إلى صدرها، تحاول كبح دموعها التي لم تستطع أن تخفيها تمامًا.
بعد أن انتهت من تركيب الكيس الأول، بدأت بربط الكيس الثاني، وعملها كان يسير بسرعة لكنها كانت حذرة جدًا، وكأنها تعمل على خيوط رفيعة من الحياة والموت. وجهها كان متصلبًا، لكنه مليء بالإصرار.
بعد الانتهاء من تركيب الكيس الثالث، رفعت رأسها ونظرت إلى الجميع في الغرفة. قالت بنبرة صارمة ولكنها هادئة: "حسنًا، هذا كل ما يمكننا فعله الآن. أنا بحاجة إلى التركيز الكامل. أريدكم جميعًا أن تخرجوا من هنا، لا أريد أي ضغط أو تشتيت."
هاري فتح فمه ليعترض، لكنه رأى في عينيها أنها لن تتراجع عن طلبها. أمسكه رون من كتفه وقال بهدوء: "دعها تعمل يا هاري. هي تعرف ما تفعله."
هاري نظر مرة أخرى إلى آلبرت، الذي كان لا يزال مستلقيًا على السرير، أنفاسه ضعيفة وبشرته مقلقة. ثم أومأ ببطء، وخرج مع رون وهيرميون.
خارج الغرفة، وقف الجميع في صمت مشوب بالقلق. جورج، الذي بالكاد يستطيع الوقوف بعد تبرعه بالدماء، جلس على كرسي بجانب فريد. قال فريد محاولاً كسر الصمت: "جورج، أعتقد أنك الآن البطل الحقيقي هنا."
لكن جورج لم يبتسم كثيرًا، بل قال بهدوء: "آمل فقط أن يكون هذا كافيًا."
هيرميون جلست بجانبهم، وبدأت تقلب كتابًا كانت تمسكه دون أن تقرأ فعليًا، فقط لإلهاء نفسها. أما هاري، فكان يسير ذهابًا وإيابًا في الممر، وكأنه لا يستطيع الجلوس أو الوقوف بهدوء.
مر الوقت ببطء شديد في الممر خارج جناح المستشفى، وكان الجميع يشعر أن كل دقيقة تمر كأنها ساعة. هيرميون كانت جالسة على أحد الكراسي، تحرك قدميها بتوتر بينما تمسك بكتابها، دون أن تقرأ فعليًا أي كلمة. فجأة، رفعت رأسها وقالت بصوت يشوبه القلق: "لقد مرت عشرون دقيقة... لماذا يستغرق الأمر كل هذا الوقت؟"
نظر إليها هاري، الذي كان يقف بجانب الباب وكأنه على وشك اقتحامه في أي لحظة، وقال بصوت متردد: "ماذا لو حدث شيء ما في الداخل؟ ماذا لو..."
قبل أن يكمل جملته، فتحت مدام بومفري الباب فجأة. كانت تقف هناك، ووجهها متعب ولكن تعلوه ابتسامة صغيرة، وهي تمسح يديها بمنشفة بيضاء. قالت بصوت مليء بالارتياح: "الأمر أخيرًا قد نجح."
لمعت أعين الجميع، وتجمدوا في أماكنهم للحظة وكأنهم غير مصدقين ما سمعوه. أكملت بومفري: "يمكنكم الدخول الآن، لكن تذكروا، بدون أي ضجيج. الفتى في حالة نوم عميق. أعطيته مسكن نوم قوي حتى لا يشعر بأي ألم من جروحه."
أخذ الجميع نفسًا عميقًا وكأن ثقلًا كبيرًا قد أزيح عن صدورهم.
كانت هيرميون أول من دخل الغرفة، تلتها هاري ورون، ثم التوأم جورج وفريد، الذين بدت ملامح الراحة والفرح على وجهيهما بعد كل ما حدث.
داخل الغرفة، كان آلبرت مستلقيًا على السرير، وجهه لا يزال شاحبًا ولكن بشرته لم تعد بنفسجية كما كانت، كانت الأجهزة الطبية السحرية تعمل بهدوء حوله، ونور ناعم ينساب من النوافذ. بدا أنه في حالة سلام عميق، بعيدًا عن كل الألم الذي كان يعانيه منذ ساعات.
هيرميون اقتربت من السرير، تنظر إليه بصمت بينما عيناها تلمعان بشيء من التأثر. قالت بصوت خافت: " الحمد الله انك بخير يا آلبرت. أنت أقوى مما نتصور."
هاري وقف بجانبها، يتأمل صديقه. كان يشعر بمزيج من الراحة والندم في آنٍ واحد. "كنا قريبين جدًا من فقدانه..." قال بصوت بالكاد يُسمع.
أما التوأم جورج وفريد، فقد وقفا قرب نهاية السرير، يتبادلان النظرات وكأنهما يعبران عن فخرهما بما قاما به. قال جورج بابتسامة: "إذا كنت تستطيع أن تسمعني، يا آلبرت، فأنا سعيد أن دمي يجري في عروقك الآن. لا تنسَ، هذا يجعلنا مرتبطين بطريقة ما."
فريد ضحك بخفة وقال: "نعم، وأعتقد أنه يجب أن يدفع لنا مقابل هذا الرابط العائلي الجديد. ربما يزيد لنا من الاستثمار على المنتوج الذي نعمل عليه "
ضحك كل من فريد و جورج الذين يعلمان فقط عن هذا الموضوع
ضحكت هيرميون ايضا برفق، وقالت: "أنتم لا تتوقفون عن المزاح، حتى في مثل هذه اللحظات، لكن ما الامر مع هذا المنتوج الذين تتحدثون عنه ؟! وما علاقته بآلبرت ؟ "
تحدث فريد بخفة و هو يشير بيده على أن لا تأخد الامر بجدية " هاهاها لا شيء فقط تحدثت بهراء لا غير ، أليس كدالك يا جورج ؟!"
اومأ جورج برأسه بمعنى الموافقة
أما عن البروفيسورة ماكجونجال والمدير دمبلدور، فقد غادرا قبل عشر دقائق فقط. بدا على ماكجونجال التوتر أثناء مغادرتها، وكانت تقول لهيرميون و رون : "لا أستطيع الانتظار أكثر، هذا يقتلني. سأذهب للتأكد من بعض الأمور. أعلموني فور حصول أي جديد."
الآن، في الغرفة، كان الهدوء يسيطر على الجميع. جلسوا بهدوء، مراقبين آلبرت وهو يستريح. كان من الواضح أنهم أدركوا الآن قيمة اللحظة، وأهمية أن يبقوا بجانب بعضهم البعض مهما كانت التحديات.
على الجانب الاخر
في منزل آل ريدل القديم، الذي غطاه الغبار والنسيان، كان اللورد فولدمورت جالسًا فوق أريكة بالية، بردائه الأسود الطويل الذي ينساب على الأرض مثل ظل مرعب.
كانت عصاه السحرية البيضاء التي تشبه عظام الإنسان في يدٍ نحيلة، تلمع في ضوء الشموع الخافتة المنتشرة في المكان.
الجو كان باردًا وكأن الموت نفسه قد حل في هذا المنزل، وفولدمورت بدا مستغرقًا في أفكاره، عينيه الضيقتين تشعان بريقًا شريرًا وهو ينظر إلى بيتر بيتيجرو، خادمه المخلص الذي يقف أمامه بوجل، وكأن جسده الصغير ينكمش تحت نظرات سيده.
قال فولدمورت بصوته الهامس الذي يحمل قوة مخيفة: "وورمتيل ... أنت تعلم جيدًا أن أتباعي الأكثر إخلاصًا ليسوا هنا. إنهم داخل سجن أزكابان، مقيدون بالسلاسل الحديدية، بينما يعيشون في بؤس لا نهاية له. أولئك الذين قاتلوا بجانبي في الحرب الأولى، والذين ضحوا من أجلي، يجب أن يعودوا. فهم جزء من قوتي، وبدونهم، سأظل محاطًا بالخونة والمترددين."
توقف للحظة، يتأمل بيتر بعينين متسعتين مثل الثعابين. ثم تابع، بصوت يحمل نبرة قاتمة: "أنا أفكر، يا وورمتيل... بأن أهجم على ذلك المكان بنفسي. أزكابان... قلعة الرعب والسجن الذي لا يُهرب منه. ولكن بالنسبة لي؟ لا شيء مستحيل. أخرجهم من هناك. أستعيدهم إلى صفوفي، ليعود اسمي إلى القمة، وتعود هيبتي لتزلزل العالم السحري."
بيتر بيتيجرو، الذي كان يقف على بعد خطوات قليلة، بدا كأنه يتصبب عرقًا من الخوف رغم برودة المكان. لم يكن يجرؤ على رفع عينيه لملاقاة سيده. كان يعلم أن فولدمورت لا يحتاج إلى مشورته، بل إلى طاعته العمياء.
كل ما استطاع فعله هو التظاهر بالشجاعة، رغم أن صوته المهتز فضحه.
قال بيتر بصوت منخفض بينما كان ينظر إلى الأرض: "كل ما تراه يا سيدي... يتوافق مع حكمتك وخططك. إذا كنت ترى أن الهجوم على أزكابان هو الخطوة التالية، فمن المؤكد أنه سيكون ذلك رائعًا... وجميلًا."
لكن حتى وهو يتحدث، كان بيتر يشعر بالخوف يتغلغل إلى أعماق روحه. أزكابان ليس مكانًا عاديًا، إنه حصن محاط بالدمنتورات، مخلوقات الظلام التي تسحب السعادة من أرواح البشر. فكرة الاقتراب من ذلك المكان كانت كافية لجعل بيتر يرتجف من رأسه إلى أخمص قدميه.
لكنه كان يعلم أنه لا يملك خيارًا. ما يقوله سيده يجب أن يتحقق، سواء وافق أو اعترض.
فولدمورت نظر إلى خادمه بنظرة باردة، وكأنه يقرأ أفكاره. قال بصوت مهيب: "أعلم أنك تخاف، وورمتيل. لكن الخوف ليس مبررًا للتردد. أنا لا أسمح بالتردد أو الضعف في صفوفي. إن أزكابان مكان مظلم، نعم، ولكنه لن يكون مظلمًا بالنسبة لي. سأقلبه رأسًا على عقب. الدمنتورات؟ سيصبحون حلفائي، كما كان الحال في الماضي. أما السجانون والسحرة الذين يعتقدون أنهم في مأمن خلف جدرانه... فسيتعلمون الدرس بالطريقة الصعبة."
بيتر ابتلع ريقه بصعوبة، وقال بصوت مرتعش: "نعم، يا سيدي. أنت دائمًا على حق. خططك عظيمة، ولا يمكن أن تفشل."
فولدمورت لم يرد، بل أمسك عصاه السحرية وقلبها بين أصابعه كما لو كان يفكر في الخطوة القادمة. ثم وقف ببطء، رداؤه الطويل ينسحب خلفه، وخطواته ترن على الأرض الصلبة. نظر نحو نافذة متشققة تطل على الحديقة المظلمة، وقال بنبرة جليدية: "لن يستغرق الأمر طويلًا، وورمتيل. سنعيد ترتيب الصفوف قريبًا. أتباعي سيعودون، وسأعطيهم سببًا جديدًا للولاء. أما من يتردد أو يخون... فإن مصيره سيكون أسوأ مما يتخيل. الآن، اذهب. لدي أمور عليّ التفكير فيها."
انحنى بيتر سريعًا، وخرج من الغرفة بخطوات متعثرة. كان يعلم أن سيده لن يتراجع عن خططه، وأنه، سواء أحب ذلك أم لا، سيكون جزءًا منها. أما فولدمورت، فقد وقف في مكانه للحظات طويلة، يتأمل الظلام خلف النافذة، وابتسامة باردة ترتسم على شفتيه. بدا وكأنه يرى المستقبل أمامه، مستقبلًا يعج بالدمار والانتصارات.
يتبع ...