الفصل 232

بعد مرور ست ساعات متتالية، استيقظ آلبرت ببطء من نومه العميق، وأول إحساس شعر به كان ثقل الضمادات التي غطت جبهته ووجنتيه، بل حتى يده وقدمه.

كان جسده لا يزال مرهقًا، ولكن الألم الذي كان يعاني منه سابقًا قد تراجع قليلًا، وكأن جسده بدأ يستعيد عافيته ببطء.

رفع نصف جسده من السرير بحذر، مغمضًا عينيه للحظة بسبب الدوار الذي شعر به.

عندما فتح عينيه مجددًا، تفاجأ بأن الغرفة كانت خالية تمامًا، لم يكن هناك أي شخص بجانبه، لم يكن يسمع أي همسات أو أنفاس تدل على وجود أحد، للحظة، شعر بوحدة غريبة، وكأن العالم من حوله قد تبخر، لكنه سرعان ما انتبه إلى شيء آخر.

أمام السرير، على كرسي صغير، كانت هيرميون نائمة، رأسها مستند على اللحاف الذي نام به ، كانت تجلس بشكل غير مريح، وقد بدا عليها الإرهاق الشديد، وكأنها كانت تقاوم النوم لساعات لكنها استسلمت أخيرًا.

نظر إليها آلبرت بصمت، شعر بدفء غريب في قلبه. كان واضحًا أنها بقيت هنا طوال الوقت، ربما كانت تراقبه أو تنتظر أن يستيقظ. كان يمكنه رؤية التعب مرسومًا على ملامحها، وجفونها المغلقة كانت تبدو ثقيلة، وكأنها لم تنم جيدًا منذ أيام.

حاول تحريك يده لكنه شعر بألم طفيف، فزفر بهدوء قبل أن يحاول تعديل جلسته قليلاً دون أن يصدر أي صوت قد يوقظها. لم يكن يريد أن يزعجها

نظر إلى السقف للحظات، محاولًا تذكر كل ما حدث. تذكر الألم، تذكر كيف شعر وكأنه كان على حافة الموت، كيف بدأ جسده ينهار تدريجيًا، وكيف كان مقتنعًا أنه لن يخرج من هذه المعركة حيًا. لكن الجميع لم يستسلموا من اجله.

لقد حاولوا بكل طاقتهم، حتى أنهم بحثوا عن متبرع لفصيلة دمه في كل أرجاء القلعة.

وفجأة، تذكر جورج ويزلي. تذكر اللحظة التي دخل فيها إلى الجناح وهو يلهث، معلنًا أن لديه نفس فصيلة الدم. عندها، شعر آلبرت بامتنان شديد، لكنه لم يكن قادرًا على التعبير عنه بعد.

بعدما حرك آلبرت جسده قليلًا محاولًا التأقلم مع الألم الذي ما زال يعتريه، شعرت هيرميون بحركته، فبدأت جفونها ترتعش قليلًا قبل أن تستيقظ من نومها.

رفعت رأسها بسرعة، متفاجئة عندما رأت آلبرت مستيقظًا بالفعل، وعيناه نصف مفتوحتين بينما يحاول تحريك يده اليمنى المصابة.

لم تستطع منع نفسها من الاندفاع نحوه بسرعة، عيناها مليئتان بالقلق، ولكن عندما لاحظت أن وجهه لم يعد بنفسجيًا كما كان سابقًا، وأن لون جلده عاد إلى طبيعته، شعرت بسعادة غامرة، وضعت يدها على كتفه برفق، ونظرت إليه بتمعن قبل أن تقول بصوت دافئ: "آلبرت ! أنت مستيقظ ! كيف تشعر الآن؟ هل يؤلمك شيء؟"

نظر إليها آلبرت للحظة قبل أن يبتسم ابتسامة خفيفة، لا تخلو من التعب. "أنا بخير... أفضل بكثير مما كنت عليه، على الأقل."

تنهدت هيرميون براحة، شعرت وكأن جبلًا قد أُزيح عن صدرها، لقد كانت خائفة طوال الوقت من أن آلبرت قد لا ينجو من محنته، ولكن رؤيته الآن، وهو مستيقظ ويتحدث، جعلت الساعات الطويلة من الانتظار والقلق تستحق كل ذلك العناء.

لكن سرعان ما ساد الصمت بينهما، ولم يكن آلبرت معتادًا على هذا النوع من اللحظات الهادئة، فشعر بقليل من الإحراج. نظر حوله قليلًا، محاولًا كسر الصمت، قبل أن يسأل: "كم الوقت الآن؟ وأين الجميع؟"

التفتت هيرميون إلى يمينها، حيث كانت هناك ساعة معلقة على الحائط، ثم أجابت بعد لحظة من التأمل: "الساعة الآن الثانية مساءً. أما البقية، فأظن أنهم جميعًا في أسرتهم نائمين ( جمع سرير )، لقد بقوا هنا لفترة طويلة، لكن مدام بومفري طلبت منهم العودة للحصول على بعض الراحة."

أومأ آلبرت برأسه ببطء، مستوعبًا أن الجميع قد غادروا. كان يشعر بالامتنان لهم، خاصة لهاري، رون، وهيرميون و ايضا هاجريد، الذين لم يتخلوا عنه للحظة.

ولكنه لم يكن يريد أن يشغل أحدًا أكثر مما ينبغي، خاصة هيرميون، التي من الواضح أنها قد أنهكها السهر بجانبه.

نظر إليها بابتسامة صغيرة وقال بصوت هادئ: "لقد تأخر الوقت، هيرميون. لماذا لا تذهبين إلى غرفتك المشتركة في جريفندور لتكملي نومك؟ أنا بخير الآن، لا داعي للقلق."

ترددت هيرميون للحظة، لكنها رأت في ملامحه أنه كان صادقًا فيما يقول. لقد استعاد وعيه، بدا أقوى مما كان عليه من قبل، وربما يحتاج الآن إلى بعض الوقت ليهدأ وحده.

ابتسمت له ابتسامة دافئة وقالت: "حسنًا، لكن تأكد من أنك ستستريح جيدًا، حسن؟ لا تجهد نفسك كثيرًا."

ضحك آلبرت بهدوء وقال: "أعدك، لن أفعل أي شيء جنوني... على الأقل ليس الليلة."

ضحكت هيرميون هي الأخرى، ثم حملت معطفها، وألقت عليه نظرة أخيرة قبل أن تتجه نحو باب الجناح. وعندما خرجت، أغلقت الباب بهدوء خلفها، وهي تشعر براحة كبيرة لأنها تركت آلبرت في حالة أفضل بكثير مما كان عليه.

أما آلبرت، فقد استلقى مجددًا على السرير، ينظر إلى السقف وهو يسترجع كل ما حدث. كانت هذه ليلة طويلة، لكنه كان ممتنًا لأنه نجا، ولأن لديه أصدقاء رائعين كانوا على استعداد لفعل أي شيء من أجله

وضع آلبرت رأسه على الوسادة مجددًا، محاولًا إراحة جسده الذي لا يزال متعبًا من كل ما مر به.

كان يشعر بثقل شديد في جفنيه، لكن عقله لم يكن مستعدًا للاستسلام للنوم بسهولة. كانت هناك فكرة تزعجه، ذكرى غامضة عادت إليه فجأة، وكأنها تسللت من بين طيات عقله عندما بدأ يسترخي.

" ذلك الصوت ... "

تذكر تمامًا أنه سمعه عندما كان في المتاهة. لم يكن صوتًا عاديًا، بل كان مختلفًا عن أي شيء مر به من قبل.

كان صوت امرأة، ولكن ليس أي امرأة. كان دافئًا، ناعمًا بطريقة غريبة، يحمل في طياته إحساسًا بالحنين، وكأنه ينتمي إلى شخص كان يعرفه في زمن بعيد، لكنه لا يستطيع تذكره بوضوح.

شعر بقشعريرة خفيفة تمر على جسده وهو يعيد استرجاع اللحظة التي سمع فيها ذلك الصوت لأول مرة.

كانت المتاهة تحيط به بالظلام والغموض، وكان كل شيء مخيفًا وغير متوقع، لكن وسط كل ذلك، جاء ذلك الصوت ليخترق مخاوفه، ليمنحه شعورًا غير مفهوم من الطمأنينة.

" لكن... من تكون صاحبة ذلك الصوت؟ ولماذا شعر وكأنه يعرفها رغم أنه متأكد تمامًا من أنه لم يسمعه من قبل؟ "

حاول البحث في ذاكرته عن أي ذكرى قديمة قد تفسر هذا الشعور، لكنه لم يجد شيئًا واضحًا. كان الأمر أشبه بمحاولة تذكر حلم قديم، كلما حاول الإمساك به، تلاشى أكثر.

شعر بصداع خفيف في رأسه بسبب تفكيره العميق، فزفر بهدوء وهو يدرك أنه لن يجد الإجابة هذه الليلة. ربما كان مجرد وهم؟ أو ربما شيء أكثر من ذلك؟ لم يكن متأكدًا.

في النهاية، استسلم آلبرت أخيرًا للنوم، رغم أنه كان قد نام سابقًا. لكن هذه المرة، نام وعقله مليء بالتساؤلات، وأحلامه كانت أكثر غموضًا من أي وقت مضى

مرت خمسة أيام منذ انتهاء بطولة الدورة الثلاثية للسحر، و بدأ آلبرت في التعافي رغم انه كان لا يزال الضمادات في جروحه و حصوله على عجاز يساعده في المشي

بعد مرور هذا الوقت ، عادت الحياة في مدرسة هوجورتس إلى طبيعتها بعد فترة طويلة من التوتر والمنافسة الشرسة.

مع مغادرة طلاب مدرسة بوباتون عائدين إلى فرنسا، وتوجه بعثة مدرسة دارمسترانج إلى هنغاريا، بدا وكأن المدرسة استعادت أخيرًا هدوءها المعتاد، حيث لم يعد هناك ضجيج المتفرجين أو تحديات البطولة التي أبقت الجميع على أعصابهم لأسابيع.

لكن بالنسبة لآلبرت، لم تكن هذه الأيام مجرد فترة هدوء، بل كانت لحظات فارقة في حياته. فبعد تحقيقه المركز الأول في البطولة، حصل على مكافأة فريدة لم تكن متوقعة حتى بالنسبة له، إلى جانب الجائزة المالية البالغة 2000 عملة ذهبية، منحته وزارة السحر وسامًا وزاريًا، والذي كان بمثابة تكريم رسمي لإنجازاته، كما خوله بأن يكون الرجل الثاني داخل المدرسة، مما يعني أنه حصل على صلاحيات خاصة تكاد تقترب من صلاحيات مدير المدرسة نفسه، ألباس دمبلدور.

كان آلبرت سعيدًا بهذا الإنجاز، لكنه لم يكن مهتمًا كثيرًا بالمكافأة المالية. بالنسبة له، كان هناك أشخاص بحاجة إلى هذا المال أكثر منه، وأول من خطر بباله كان التوأمان جورج وفريد ويزلي، اللذان كانا مساعديه في الاعمال الاختراعات السحرية والمزاح الذكي. لكنه لم يرغب في دعم مزحاتهم فحسب، بل أراد أن يساعدهم على إحداث تغيير حقيقي في العالم.

اختراع يمكن أن يغير المستقبل

عندما التقى بالتوأمين وأخبرهما بأنه سيعطيهما كل 2000 عملة ذهبية، كانت ردة فعلهما مزيجًا من الدهشة والسعادة الجامحة. لكن ما أثار فضولهما أكثر لم يكن المال، بل السبب الذي دفعه لاتخاذ هذا القرار. جلس الثلاثة معًا في زاوية هادئة في المكتبة، حيث بدأ آلبرت يشرح فكرته بإثارة واضحة في صوته:

"لقد لاحظت أن العالم السحري يعتمد بشكل شبه كامل على المكنسة الطائرة والبوابات السحرية للتنقل، لكن العالم غير السحري ، أو كما نطلق عليه عالم العامة، يعتمد على السيارات، الدراجات، والقطارات التي تلوث البيئة بشكل كبير بسبب احتراق الوقود."

رفع فريد حاجبه بتعجب وقال: "وماذا عن ذلك؟ ما علاقة هذا بما نفعله نحن؟"

ابتسم آلبرت وأكمل: "أريدكما أن تحتكرا سوق الطاقة النظيفة. هناك اختراع في عالم العامة يُدعى (بطارية الهيدروجين)، يمكنها تشغيل المركبات دون أي انبعاثات ضارة، وإذا تمكنا من تطويرها بتقنيات سحرية، يمكننا إنشاء مصدر طاقة ثوري يجعل التنقل أكثر كفاءة، سواء للعامة أو حتى في عالمنا السحري، و بهذا الارباح تتزايد كلما كان الامر اكثر احتكارا ، الا تريدون المال ؟!"

نظر جورج إلى أخيه ثم إلى آلبرت، ثم قال بابتسامة مفعمة بالحماس: "أنت تريدنا أن نصبح أثرياء، أليس كذلك؟"

ضحك آلبرت قائلاً: "ليس الأمر يتعلق بالمال فقط، بل بالتأثير الذي يمكن أن نحدثه. إذا استطعنا تطوير هذه التكنولوجيا، فسنغير قواعد اللعبة، وربما نفتح الباب أمام تعاون أكبر بين العالمين."

لم يتردد التوأمان لحظة واحدة، وأخذا المال بسعادة، لكن الأهم من ذلك هو أنهما قررا العمل بجد على تطوير الاختراع. بل إن آلبرت نفسه بدأ يساعدهما في بعض المخططات، مستخدمًا معرفته الواسعة حول الفيزياء التي تعلمها خلال حياته السابقة.

ابتسم وهو ينظر من نافذة برج جريفندور نحو الأفق البعيد، ثم همس لنفسه: "هذه مجرد البداية..."

يتبع ...

2025/01/25 · 47 مشاهدة · 1496 كلمة
نادي الروايات - 2025