الفصل 236
هب هاري واقفا وتمطى، فقد كانت الخالة بيتونيا والخال فرنون يرون أن الموعد الذي يصل فيه ددلى إلى البيت هو الموعد المناسب للعودة، وأي تأخير بعده غير مقبول.
هدد الخال فرنون بحبس هاري في السقيفة إن جاء إلى البيت بعد وصول ددلى لذا توجه إلى بوابة الحديقة.
كان طريق ماجنوليا مثله مثل شارع بريفت درايف تشغله بيوت كبيرة، لها حدائق أمامية مشذبة، ويملكها أشخاص ضخام الجثة ومربعو الشكل، يركبون سيارات نظيفة مثل سيارة الخال فرنون.
كان هاری يفضل ليتل ويننج ليلاً، عندما تلقى النوافذ ذات الستائر ببقع من الضوء
على الليل بالطريق فتعطى تأثيرا أشبه ببريق المجوهرات في الظلام، كما لم يزعجه احتمال سماع غمغمات ممتعضة عن مظهره البائس وهو يمر أمام ساكني البيوت.
سار بسرعة، حتى إنه في منتصف طريق ماجنوليا رأى عصابة ددلى ثانية.. كانوا يودعون بعضهم البعض عند مدخل ماجنوليا کریسنت خطا هارى إلى ظل شجرة " ليلك " ضخمة وانتظر.
كان ملكولم يقول: " ... أخذ يصرخ مثل الخنزير.. أليس كذلك؟" متلقيا ضحكات حمقاء من أفراد العصابة.
قال بيرس: "لكمته لكمة خطافية رائعة يا (دودى الشجاع)."
سألهم ددلى: " نتقابل في نفس الموعد غدا؟".
أجاب چوردن: " لنجتمع عند بيتي فأبواى سيكونان بالخارج."
قال ددلی: " اراكم وقتها إذن".
" إلى اللقاء يا دود."
انتظر هاری حتى مضى أفراد العصابة في طريقهم قبل أن يستأنف سيره.
عندما تلاشت أصواتهم ثانية عاد إلى ما جنوليا كريسنت، وهرول حتى اقترب كثيرا من ددلى، الذي كان يسير متمهلا وهو يدندن بصوت منخفض.
"هلا يا (دودي الشجاع)."
التفت ددلى اليه، وقال بامتعاض:" هاه؟ إنه أنت "
قال هاري " منذ متى وهم يطلقون عليك (دودى الشجاع)؟" .
زجرج ددلی مشيحا بوجهه عنه قائلاً: " اصمت !! "
قال هارى وهو يبتسم ويسير بجانب ابن خالته: " ياله من اسم خطير ... لكنك بالنسبة لى ستكون دوما (دادلي حبيبة ماما. ) "
قال ددلى وقد تكورت يداه الشبيهتان بأقدام الخنازيز في قبضتين محكمتين: " قلت لك اصمت !"
" ألا يعرف الأولاد أن هذا هو الاسم الذي تناديك به أمك؟"
" اصمت والا !! .."
" لا تقل لى اصمت وإلا .. ماذا عن اسم دادة ، و ديدى حبيبتي، هل يمكن استعمال هذه الأسماء؟".
لم ينطق ددلى. وبدا أن مجهوده الذي يبذله ليمنع نفسه من ضرب هارى يتطلب كل ما لديه من قدرة على ضبط النفس.
سأله هاری وابتسامته تتلاشى: " إذن من ضربتم الليلة؟ ولدًا آخر في العاشرة من عمره؟ أعرف أنك ضربت مارك إيفانز منذ ليلتين ...... "
زمجر ددلی قائلا: " هو من استفزني".
" حقا؟ "
" لقد استهزأ بي".
" فعلاً؟ هل قال: إنك تبدو كخنزير تعلم المشى على قدميه الخلفيتين؟! إن هذا ليس استهزاء يا سيدي إنه الحقيقة" .
كان هناك عضلة تختلج في فك ددلى. فأعطى هذا هاري الكثير من الرضاء مع معرفته مدى استفزازه له شعر كأنه يتخلص من إحباطه وغضبه بكل سهولة بنقلهما إلى ابن خالته، وهو المخرج الوحيد المتاح أمامه.
دارا مع الزقاق الضيق الذى رأى هارى فيه سيريوس للمرة الأولى عندما كان لا يزال سيريوس هاربا و كان على شكل كلب
و كان هدا المكان بمثابة طريق مختصرة بين ما جنوليا كريسنت و ويستريا ووك ، كان خاليا وأكثر إظلاما من الشوارع المحيطة فلم يكن به مصابيح.
كان صوت خطوات أقدامهما مكتوماً بسبب حوائط جراج على جانب، وسور مرتفع على الجانب الآخر. قال ددلي»
بعد عدة ثوان: " هل تعتقد أن ذلك الشيء يجعلك رجلاً قوياً؟" . "أي شيء؟"
" ذلك.. ذلك الشيء الذي تخفيه" .
ابتسم هاری ثانية.
" لست غبياً كما حسبتك يا (ديدي)، أليس كذلك؟ لكن أعتقد أنه لو كنت غبياً حقا ما كنت لتقدر على المشى والحديث في نفس الوقت "
شهر هارى عصاه السحرية. ورأى ددلى يختلس نظرة سريعة إليها.
قال ددلی على الفور: " ليس مسموح لك باستخدامها.. أعرف أنه غير مسموح لك سيطردونك من تلك المدرسة العجيبة لو استعملتها ".
"وكيف تعرف إن كانوا قد عدلوا القواعد أم لا يا (دودي الشجاع)؟".
قال ددلی: " لم يغيروها " وإن بدا غير مقتنع بكلامه.
ضحك هاری بهدوء. وزمجر ددلی قائلا: " لست شجاعا بما يكفى للعراك معى دون هذا الشيء، أليس كذلك!؟"
" آه صحيح.. وأنت لا تضرب الأولاد ذوى الأعوام العشرة دون أربعة أصدقاء من خلفك. هل تذكر لقب بطل الملاكمة الذي تتفاخر به هذا؟ كم كان عمر خصمك؟ سبعة أعوام؟ ثمانية أعوام؟!" .
قال ددلی بغضب: " لمعلوماتك، كان في السادسة عشر.. وأمضى عشرين دقيقة مغشيا عليه بعدما انتهيت منه، وكان وزنه ضعف وزنك. انتظر حتى أخبر بابا بأنك أخرجت هذا الشيء ..... "
زمجر ددلی " لكنك لا تكون شجاعاً هكذا ليلاً.. أليس كذلك؟"
توقف عن المشى و هارى كذلك، وحدق في ابن خالته من القليل الذي يراه على وجه ددلى»
الضخم، وصله إحساس بأنه نال منه.
قال هاري "ماذا تعنى بقولك : إنني لست شجاعا في الفراش؟.. مم تحسبني أخاف؟ الوسائد أو ما شابه؟".
قال ددلى لاهثا: "سمعتك ليلة أمس.. تتحدث في نومك، وأنت تتأوه".
قال هاری ثانية: " ماذا تعنى؟" لكنه كان يشعر بإحساس بارد مقبض في صدره، فقد عاود زيارة المقابر في أحلام ليلة أمس.
ضحك ددلى ضحكة قاسية شبيهة بالنباح، ثم قلد صوتا مذعوراً: «لا تقتل آلبرت ! لا تقتل آلبرت من آلبرت هذا؟ صديقك؟".
قال هاری بصورة آلية: " أنا.. أنت تكذب " لكن حلقه جف. كان يعرف أن ددلي لا يكذب.. وإلا كيف عرف بشأن آلبرت ؟
" بابا النجدة يا بابا سيقتلني يا بابا! آآآه !!" .
قال هاری بهدوء: "اصمت.. اصمت یا ددلى، أنا أحذرك "
تراجع ددلی ليلتصق بجدار الزقاق. كان هارى يصوب عصاه السحرية إلى قلبه مباشرة. شعر بكراهية أربعة عشر عاما تتدفق في عروقه نابضة بقوة...
ماذا يمنعه الآن من إطلاق ضربته على ددلى.. ماذا يمنعه من إطلاق لعنة عليه تجعله يزحف إلى البيت مثل حشرة، أو يسقط هامدًا والأهداب تنبت من جسده... هدر قائلاً: " إياك والتحدث عن هذه المسألة ثانية.. هل تفهمني؟".
صوب هذا الشيء إلى أي مكان آخر.
" قلت لك.. هل تفهمني؟"
"صوبها بعيدا"
" هل تفهمني؟".
"أبعد هذا الشيء عن..".
شهق ددلی شهقة غريبة مرتجفة، كأنه سقط في مياه مثلجة.
حدث شيء غريب لليل من حولهما. تحولت السماء الداكنة الزرقة فجأة إلى لون أسود . حالك.. واختفت أضواء النجوم والقمر ومصابيح الشوارع عند طرفي الزقاق.
سكت صخب السيارات البعيدة وهمس الأشجار. أصيب الليل الدافئ فجأة ببرودة رهيبة لاذعة. كانا محاطين بظلام تام صامت لا قبل لهما باختراقه، كأن يدا عملاقة قد أسقطت فجأة حاجزا سميكا وثلجى البرودة على الزقاق بأكمله لتصيبهما بالعمى.
لجزء من الثانية فكر هارى أنه ربما يكون قد أدى السحر دون أن يقصد رغم حذره.. ثم عاوده المنطق مع استعادته لحواسه.. ليس لديه القوة السحرية الكافية لإطفاء النجوم.
أدار رأسه إلى هذه الناحية وتلك محاولاً اختراق حجب الظلام ببصره، لكن الظلال كانت كثيفة على عينيه مثل حاجز بلا وزن أو وجود. وصل صوت ددلى الخائف إلى أذنيه: " مـ... ماذا ت... تفعل؟ كف عما تفعله !!".
" أنا لا أفعل أي شيء اصمت ولا تتحرك".
"ل.. لا أستطيع رؤية أى شيء لقد أصبت بالعمى أن...".
"قلت لك اصمت".
وقف هاری بثبات، وعيناه تدوران إلى اليسار وإلى اليمين. كانت البرودة شديدة فارتجف وانتصب الشعر على ذراعيه وعلى ظهره.. فتح عينيه على آخرهما، محدقا في الظلام من حوله، وهو لا يرى أي شيء.
" هذا مستحيل.. لا يمكن أن يكونوا هنا.. ليس في ليتل ويننج ".. أخذ يسترق السمع.. سيسمعهم قبل أن يراهم...
أخذ ددلى ينشج: " س... سأخبر بابا .. أ.. أين أنت؟ م... ماذا تفعل؟".
همس هاری بغضب: " ألن تصمت؟ أنا أحاول الإنصا..... "
لكنه صمت. سمع لتوه شيئًا يرهبه.
ثمة شيء ما في الزقاق معهما شيء يقترب بأنفاسه المبحوحة اللاهثة.
أحس هاری برعب هائل وهو واقف يرتجف في الهواء القارس البرودة.
"كف عما تفعله توقف سأضربك، أقسم إنني سأضربك"
طراخ !!
تلامست قبضة يد مع جانب وجه هاری، لترفعه عن الأرض. برقت أضواء بيضاء خافتة أمام عينيه. وللمرة الثانية خلال ساعة شعر هاری كأن رأسه انقسم إلى نصفين، ثم سقط على الأرض وطارت عصاه من يده.
صاح هارى: " أيها المجنون... " ددلى وعيناه مغرورقتان بدموع الألم وهو ينهض على يديه وركبتيه، باحثا بجنون عن العصا في الظلام.
سمع ددلى يبتعد عنه، وهو يتعثر ويتخبط في سور الزقاق.
" عد یا ددلى إنك تعدو في طريقك إليه !! "
سمع صرخة رهيبة، وسكت صوت خطوات ددلى. وشعر هاری ببرودة بشعة من خلفه، لا تعنى سوى شيء واحد: هناك أكثر من واحد.
أخذ يغمغم بجنون: " أبق فمك مغلقا يا ددلى !! . أيا كان ما تفعله، فأبق فمك مغلقا أين العصا ؟! " أخذت يداه تمسحان الأرض مثل قدمي عنكبوت. "أين العصا؟! أين؟! لوموس " .
ردد تعويذة الإضاءة بصورة آلية، في خضم بحثه اليائس عن الضوء لمساعدته في بحثه، ياللعجب تدفق الضوء بالقرب من يده اليمنى.. أضاء طرف العصا السحرية ليقبض هارى عليها، وهب واقفا واستدار.
شعر بمعدته تتقلب من التوتر والخوف
كان هناك كائن عملاق مغطى الرأس بمعطف مهترئ يسرى بنعومة نحوه ثابت في حركته فوق الأرض دون قدمين أو وجه يراه من تحت معطفه، يبدو كأنه يسحب الليل مع أنفاسه وهو يقترب.
رفع هارى عصاه السحرية وهو يتعثر للخلف.
" إكسبكتو باترونام "
انبعث من طرف عصاه السحرية خيط دخاني فضى هزيل فأبطأ الديمنتور من تقدمه، لكن التعويذة لم تعمل كما يجب..
تراجع هاري متعثرا والديمنتور ينحنى عليه، فحجب الذعر المنطق عنه...
خرج من تحت معطف الديمنتور زوج من الأذرع الرمادية اللزجة المجروحة باحثة عنه. وملأ صخب شديد أذنى هاری.
" إكسبكتو باترونام !!"
بدا صوته ضئيلاً وبعيدًا، وخرج خيط آخر من الدخان الفضي أضعف من سابقه من طرف العصا.. لم يعد قادرا على أداء التعويذة بنجاح.
سمع صوت ضحك داخل رأسه.. صوتاً حاداً ومرتفعا.. شم رائحة أنفاس الديمنتور المفعمة بالبرودة والموت والعفن، وأحس بها تملأ رئتيه لتغرقه...
فكر.. فكر في شيء سعيد...
لكن لم يعد بداخله سعادة.. كانت أصابع الديمنتور الباردة الثلجية تحيط برقبته.. والضحك الحاد المرتفع ينمو أعلى وأعلى، والصوت يتحدث داخل رأسه .....
إذن لن يرى آلبرت أو رون أو هيرميون ثانية أبدا...
فجأة ظهر وجهاهما في عقله وهو يجاهد باحثا عن أنفاس.
" إكسبكتو باترونام ".
خرج من طرف عصاه السحرية أيل فضى هائل الحجم.. أصاب قرنا الديمنتور في موضع القلب فسقط إلى الخلف، بلا وزن كالظلام، فهاجمه الأيل، وتراجع الديمنتور مثل وطواط مهزوم.
صاح هارى في الأيل: " من هنا !!" والتفت وأخذ يعدو بطول الزقاق وعصاه السحرية مضاءة أمامه مشهرة مرفوعة.. " ددلی. ددلی !!! "
جرى مسافة اثنتي عشرة خطوة حتى وصل إليهما، كان ددلى مكوما على الأرض، وذراعاه متشابكتان فوق وجهه والديمنتور الثاني جاثم فوقه، وقد أمسك بمعصميه في يديه اللزجتين، وأحنى رأسه مقتربا من وجه ددلي إلى أقصى درجة.
صاح هاری: " هاجمه !!" وبصوت مندفع زائر ركض الأيل الفضى الذي استحضره من جواره، كان وجه الديمنتور الخالي من العيون على مسافة بوصة من ددلى عندما داهمه القرنان الفضيان.. طار الكائن الكابوسي في الهواء، ومثله مثل رفيقه، انساب بعيدا وامتصه الظلام.. وصل الأيل إلى نهاية الزقاق، ثم اختفى وسط سحابة من الضباب الفضى.
دبت الحياة في القمر والنجوم ومصابيح الشوارع ثانية، ومرت نسمة دافئة عبر الزقاق أخذت الأشجار فى حدائق الجيران تتهامس، وعاد صخب السيارات إلى ما جنوليا كريسنت.. وقف هاری جامدا، وكل حواسه مهتزة، محاولاً العودة إلى الحالة الطبيعية للدنيا.
وبعد لحظة صار على وعى بأن الـقميص الذي يرتديه ملتصق به بسبب العرق الغزير.
لم يقدر على تصديق ما حدث منذ لحظات ، ديمنتورات هنا في ليتل ويننج، رقد ددلی مكوما على الأرض، وهو يغمغم ويرتجف.
انحنى هاری فوقه ليرى إن كان في حالة مناسبة للنهوض، لكنه سمع صوت خطوات لشخص يعدو من خلفه. وبصورة غريزية شهر عصاه السحرية ثانية ودار على عقبيه لمواجهة القادم.
كانت السيدة فيج جارتهم العجوز الشمطاء تقترب لاهثة، شعرها الرمادي الحائل اللون متناثر على غطاء رأسها، وفى يدها حقيبة بقالة تتأرجح، وقدماها بارزتان من حذائها، كاد هارى يخبئ عصاه السحرية عن ناظريها. لكن...
صاحت فيه: " لا تخبئها أيها الولد الأحمق ماذا لو كان هناك المزيد منهم بالقرب منا ؟؟!"
يتبع ....