الفصل 287
وقف ألبرت في القبو الصامت، عيناه مثبتتان على الخاتم. الهواء من حوله كان مشحونًا بسحر قديم، واللعنة التي تسكن الخاتم لا تزال حيّة، تتحرك كما لو كانت تراقب الدخلاء بصمت.
لكن ما أقلقه أكثر لم يكن اللعنة…
بل نظافة الخاتم.
كان يبدو كأن أحدهم التقطه، تفحصه، ثم أعاده مكانه. لا أثر للغبار عليه، ولا طيف لعنصر الإهمال. وهذا وحده كان كافيًا ليدق جرس الإنذار في عقل ألبرت.
"لا يمكن أن يكون مرّ وقت طويل…" قال لنفسه وهو ينحني ليفحص الأرضية.
الغبار الذي يغطي الخزانة رقيق ومتناثر، وعليه آثار قديمة – آثار زمن – باستثناء تلك الدائرة الصغيرة حيث وُضع الخاتم. ملساء، نظيفة تمامًا.
"أسبوع… على الأكثر." تمتم وهو ينهض.
رفع عصاه نحو محفظته الجلدية الصغيرة المعلقة على خصره، فتحها بإشارة بسيطة… ثم فجأة، كأن العالم انكمش من حوله، شُفط جسده داخلها في لحظة، ليختفي من القبو دون أثر.
كان الدخول إلى هذا المكان دومًا مثيرًا، كأنك تمر من شق في قماش الواقع ذاته. وجد ألبرت نفسه يقف الآن في عالم آخر مخفي داخل حقيبته الصغيرة ، غرفة شاسعة تفوق حجم أي قاعة في هوجورتس، ذات جدران حجرية وعوارض خشبية ضخمة، تضيئها تعاويذ طافية على شكل كرات ضوء زرقاء.
كل شيء هنا محفوظ بعناية، من كتب، إلى جرعات، إلى أدوات سحرية، إلى صندوق يحتوي أدوات الطوارئ و… في الزاوية، شيء هائل الحجم يسترعي الانتباه دومًا.
هيكل البازيليسق.
الوحش الذي قاتله ألبرت في السنة الثانية من دراسته، حين واجه الخطر في غرفة الأسرار وحده، قبل أن يكتشف أي أحد من حوله حقيقة ما كان يجري.
في ذلك اليوم، بعد أن نجح في قتل الوحش عبر خُطة معقدة قرر أن يفعل ما لم يفعله هاري في القصة الأصلية…
أن يحتفظ بالجثة.
لكن ليس بجثة كاملة. فقد كان الجسم أكبر من أن يُنقل حتى بالسحر العادي، لذلك استعمل أحد أقوى تعاويذ الزمان والمكان، المستوحاة من تعويذة استخدمتها هيرميون عبر حقيبتها المتسعة، ونيوت سكاماندر داخل حقيبته الأسطورية كما حدث في القصة الأصلية التي أخفى فيها مخلوقات سحرية خطيرة.
بالإصرار والتكرار والعمل السري، أتقن ألبرت تلك التعويذة المعقدة خلال اسابيع .
والآن… يقف أمام إنجازه.
الهيكل العظمي الهائل للبازيليسق كان لا يزال كما هو: طويلٌ، متعرج، نابضٌ بهيبة قديمة، وعظامه تلمع قليلاً من آثار الدماء الخضراء الجافة.
تقدّم منه، كأنما الزمن عاد به سنوات للوراء. رائحة كريهة، حامضة، انبعثت من الهيكل، ذكرته بتلك اللحظة حين غاص خنجره في جسد الوحش العملاق.
"لم أتخيل يومًا أنني سأعود إليك بهذه الطريقة…" قال وهو يمد يده نحو رأس البازيليسق.
كانت هناك، ثابتة، أنـياب البازيليسق.
ضخمة، منحنية، أطرافها حادة كأنها صُممت لقتل الآلهة. كان يعرف تمامًا أن هذه الأنياب تحمل في طياتها سمًا قاتلًا فريدًا – قوة مظلمة.
قوة قادرة على تدمير الهوركروكس.
فقد تخبره سالازار سليذرين بطريقة تدمير ادوات سحر الاسود مثل هوركروكس
**لا يُهزم السحر الأسود إلا بما يعادله من سواد.**
وهكذا، كان ألبرت مستعدًا.
سحب واحدة من الأنياب الطويلة بحذر، مستخدمًا تعويذة خفيفة لتغليفها بطبقة حماية كي لا يتأذى من السم الكامن فيها. كانت الأداة ثقيلة، تشع بقوة خطيرة في اليد.
ثم همس:
"الخطوة القادمة… القضاء على الهوركروكس."
لكن قبل أن يغادر، نظر إلى الهيكل مرة أخرى.
لم يكن فقط مصدرًا للدمار… بل كان سلاحًا استراتيجيًا.
"سأبقيك هنا، محفوظًا." قال وهو يمرر عصاه على الهيكل، مطلقًا تعاويذ حماية متعددة.
ثم استدار، وانطلق نحو بوابة الخروج من العالم الداخلي.
خرج من المحفظة بنفس الطريقة التي دخل بها، ليجد نفسه في القبو من جديد. الهواء الثقيل لم يتغير، ولا رائحة العفن، لكن عيناه الآن كانتا مختلفتين…
فيهما تصميم قاتل.
تقدم بهدوء نحو الصندوق، الخاتم لا يزال في مكانه، لكنه الآن يرى أكثر من مجرد قطعة حلي ملعونة. إنه قلب جزء من روح فولدمورت… نقطة ضعف نادرة.
أخرج الناب من حقيبته، رفعه إلى مستوى نظره، ثم تمتم بتعويذة قديمة جدًا تعلمها من جده سالازار سليذرين
"إكسيما كوروس مورتيس."
انطلقت شرارة خضراء من عصاه نحو الناب، فاشتعل بوميض قاتم، طافت حوله هالة مظلمة، كأنما تنبع من قعر الموت ذاته.
ببطء، وبحذر فائق، ضغط طرف الناب على الخاتم…
صرخة.
ليست صرخة سمعها بأذنه، بل شعر بها في عظامه.
روح تتعذب.
سحر ينهار.
شيء يُنتزع من عالمنا بالقوة.
ظل الناب مضغوطًا على الخاتم عدة ثوانٍ، حتى بدأ الأخير يتشقق، وخرج من داخله بخار أسود كثيف، تموج في الهواء كالأفاعي، قبل أن يتلاشى ببطء.
ثم…
سكون.
تنهد ألبرت.
"واحد… انتهى."
رفع الناب، وفتش عينيه في أرجاء القبو، ثم قال " يجب ان اعود .. انني اشعر بشعور سيء حيال من وجد هذا الحجر قبلي .. "
.
.
.
على الجانب الاخر ، كانت شوارع لندن هادئة في تلك الليلة الباردة. عربات قليلة تجوب الشوارع، أضواء المصابيح تتراقص على الأرصفة المبللة بمطر خفيف بدأ يهطل بهدوء، والهواء مفعم برائحة المدن القديمة… مزيج من حجر مبتل وتاريخ طويل.
وسط هذا السكون، كان فولدمورت يسير ببطء، مغطى بعباءة سوداء داكنة، يرافقه صوت خطواته الرتيبة على الأرض الرطبة.
كان قد خرج لتوه من اجتماع سري مع أحد أتباعه الجدد ، ساحر شاب طموح، أقسم له بالولاء… أو هكذا ظن. لم يكن فولدمورت يثق بأحد، لكنه كان يعرف كيف يستخدم الناس.
ولكن ما لم يتوقعه حدث فجأة…
صرخة داخلية.
توقف فورًا، كأن أحدهم صفعه على وجهه. جسده كله ارتجف. ثم…
الألم.
كأن شيئًا انتُزع من أعماقه. أمسك صدره، مباشرة فوق قلبه، بانفعال حاد. يده الأخرى سقطت على الحائط الحجري البارد بجانبه ليتوازن.
عيناه اتسعتا، ووجهه رغم ملامحه الشبيهة بالثعبان بدا عليه الذهول.
شعر كأن جزءًا منه… تمزق.
"آآآآآه…" خرج صوته من بين أنيابه، متقطعًا، كأن روحه تصرخ.
ظل ساكنًا لثوانٍ، يقاوم السقوط، يقاتل الألم، يحاول أن يفهم.
ثم بدأ عقله يعمل.
" شيء ما… حدث. "
"هذا ليس مرضًا، ولا تعويذة هجومية…" همس لنفسه وهو يضغط على صدره. "هذا شيء أعمق… روحي…"
مرت ثوانٍ من التفكير المشتعل. ثم، فجأة، وكأن برقًا ضرب عقله، اتسعت عيناه أكثر.
"هوركروكس !!"
كلمة خرجت بصوت أشبه بالزئير المكبوت.
رفع رأسه ببطء، وجهه يغلي غضبًا، قال:
"اللعنة… أحدهم دمّر هوركروكس !"
كأن الأرض اهتزت من حوله. لم يشعر بمثل هذا الألم الروحي منذ سنوات… منذ آخر مرة قام فيها بتمزيق روحه بنفسه.
تحول سخطه إلى خوف خفيف… " من علم؟ من اكتشف السر؟ من تجرأ؟ "
كان من اكثر الاشياء التي يرتعب منها فولدمورت هو الموت ... فلدالك قد أنشأ هوركروكساته من اجل الخلود و عدم الموت
بدأ يسير بخطوات ثقيلة، عيناه تلمعان كجمرتين تحت الغطاء، وبدأ عقله يعمل بسرعة مخيفة، يحصي، يتذكر، يحلّل.
" هل كان الكأس؟ لا… بيلا تملك مفاتيح غرفة جرينجوتس… من المستحيل !! "
" هل هو التاج؟ تاج رافنكلو؟" توقف فجأة في منتصف الشارع، نظر إلى لا شيء، ثم قال بصوت غاضب:
"هل وجده أحد في هوجورتس ؟!"
كان ذلك التاج ثمينًا، ليس فقط لندرته، بل لمكانه…
لقد وضع فولدمورت التاج هناك بعد أن طلب من دمبلدور أن يصبح أستاذًا… وقتها، كان يعلم فولدمورت أن أحدًا لن يشك في أن شيئًا له مدفون في قلب هوجورتس نفسها
هوجورتس… المكان الذي شكل شخصيته، الذي رفضه، والذي أصبح هدفًا له دون أن يعترف لنفسه بذلك. كان يعلم أن المدرسة تملك قوة حماية خارقة، وكان يظن أن أحدًا لن يجرؤ على البحث بين أنقاض قاعة النفايات القديمة التي تعج بكل ما هو مكسور ومُهمل.
لكنه كان مخطئًا.
أحدهم… وجد الهوركروكس.
لكن أي واحد منهم؟
عاد يفكر:
"الخاتم؟ … لا يمكن… وضعته في بيت أجدادي في ليتل هانغلتون… من سيجرؤ على الاقتراب؟"
ثم تمتم بشيء لم يكن يريد الاعتراف به:
"ماذا لو… مبلدور؟"
فكرة دمبلدور تجعله يشعر بعدم راحة دائم، وكأن العجوز قادر على النظر من خلاله… لكن لا، دمبلدور كان حذرًا. ولو علم بأمر الهوركروكس… لكان هاجم بشكل مباشر.
"لا، لا، ليس دمبلدور… إنه شخص آخر… لكنه يعرف الكثير."
ثم عبس.
تذكّر شيئًا.
تلميذ…
"ذلك الفتى… ألبرت بلاك."
قالها بصوت منخفض، لكن مشحون.
لقد كان البرت منذ مدة يشكل له مشاكل عديدة بعدما ان عاد من جديد للحياة ، فلدالك كان دائما يشعر فولدمورت بالأزعاج منه ، لكنه قال " لو كان هوكروكس الموجود داخل ليتل هانغلتون هو من تدمر ، هذا يعني ان من دمره قد أصيب باللعنة التي وضعتها فيه ، اتمنى ان يصيب بها دمبلدور !!"
بعدها ، اختفى في لمح البصر وسط المطر، تاركًا وراءه فراغًا أشد ظلمة من الليل نفسه.
يتبع ...