الفصل 306
وقف آلبرت بلا حراك ، كأن الهواء أصبح أثقل من أن يُستنشق.
عيناه متسعتان، ونبضه يطرق صدره بعنف. الكلمات التي خرجت من فم ذلك الغريب أو "روبرت" كما عرّف نفسه ظلت تدوي في رأسه.
"أنا ابنك."
كانت جملة لا يُمكن للعقل أن يستوعبها، لا الآن، ولا في أي زمن.
قال آلبرت بصوت متقطع، مزيج من الصدمة والرفض والذهول:
"كيف... كيف تكون ابني وأنا لم أتزوج بعد ؟! ثم... أخبرني، كيف... كيف الجميع متوقف ؟! كيف لا يتحرك أي احد سواي؟!"
أجابه روبرت بابتسامة، لكنها لم تكن فرحة أو مستهزئة، بل كانت ابتسامة شخص أنهكته الحياة. الشحوب أسفل عينيه، والظلال الداكنة التي تجمعت تحتها، لم تكن من قلة النوم فقط، بل من سنين الألم.
قال بصوت خافت لكنه مفعم بالصدق:
"الكلام الذي قيل عنك... بأنك كنت قويًا، حتى وأنت مراهق، لم يكن كذبة يا أبي."
أراد آلبرت أن يقاطعه، لكن روبرت واصل، وصوته بات يحمل نغمة زمن آخر:
"أنا... أتيت من المستقبل. من زمن ليس بعيد عنك، حيث لم يعد هناك شيء مما تعرفه الآن. جئت لأغيّر الماضي... لأمنع المأساة. أما توقف الزمن... فهو ناتج عن تعويذة أنا من اخترعتها ."
اتسعت عينا آلبرت أكثر، عقله يقاوم التصديق، لكن ما حوله من سكون... من توقف كامل لكل شيء، جعله يُدرك أن الأمور خرجت من نطاق المنطق.
كان يريد الرفض، لكن قلبه بدأ ينحني ببطء تحت وطأة ما يراه ويسمعه.
نظر نحو روبرت، الذي جلس الآن على السرير الأبيض حيث استيقظ آلبرت منذ قليل. جلس كأن المكان يخصه، كأن الذكريات هنا ليست بعيدة عنه.
اقترب آلبرت ببطء، حذرًا، كمن يخطو نحو انعكاسه في مرآة قد تنكسر فجأة، وجلس أمامه.
لكن ما إن جلس... حتى فُوجئ بذراعين تطوّقانه بشدة.
جذبه روبرت في عناق عنيف... عنيف جدًا.
للحظة، ظن آلبرت أنه يُهاجَم، أن هذا خداع... ربما تعويذة.
لكنه توقف عن المقاومة... عندما سمع الصوت.
كان بكاء.
بكاء موجوع... مكبوت منذ زمن بعيد.
همس روبرت بصوت متهدج، مشبّع بالشوق:
"لقد اشتقت إليك يا أبي... لمـاذا قمت &+(*#$&..."
تجمد آلبرت.
الكلمات الأخيرة خرجت مشوشة، كأن الصوت نفسه تم اختراقه. تداخلت الأحرف، وتحولت إلى أصوات إلكترونية، مشوّهة، كصوت آلة تم تهكيرها أو تشويشها.
تجمد الزمن داخل آلبرت نفسه.
رفع عينيه بدهشة نحو روبرت، الذي كان يمسح دموعه، محاولًا استعادة توازنه بعد أن سمح لنفسه بلحظة ضعف، نادرة... لكنها صادقة.
سأل الابن، وقد بدا كمن تشبث بالأمل:
"هل سمعت ما قلته في النهاية، يا أبي؟"
رد آلبرت، مذهولًا وصوته هامس:
"لا... لم أسمع... الجملة الأخيرة كانت مشوشة... كأنك... كأنك تم اختراقك..."
نظر روبرت نحوه للحظة طويلة... ثم تنهد.
"هذا يعني أن الوقت بدأ ينهار... لا يزال أمامي القليل فقط، قبل أن تُعيد قوى الزمن نفسها لطبيعتها. ما قلته كان مهمًا... ."
حدّق فيه آلبرت... قلبه ما زال غير مستوعب.
هل هذا حقًا... ابنه؟
هل ما يقوله صحيح؟ هل هو من المستقبل؟ هل الزمن قابل للكسر؟
لكن الأهم... ما الذي أتى به إلى الماضي؟
وقف روبرت أمام والده، لا يزال الزمن متوقفًا، والهواء ساكنًا، وكل شيء كأن الحياة فيه حُبست داخل لوحة ثابتة. نظر إلى آلبرت نظرة امتنان... وخوف.
ثم بدأ يحكي.
قال بصوت هادئ، محمّل بثقل السنين:
"سأحكي لك القصة كاملة، يا أبي... القصة التي لم يسمعها أحد من قبل."
جلس آلبرت على طرف السرير، يحدق في وجه هذا الشاب الذي يشبهه حد الارتباك. لم ينطق بشيء، فقط استمع.
تابع روبرت:
"كل شيء بدأ في نفس اليوم الذي أنت فيه الآن. في هذا اليوم بالضبط... مات جدي ... سيريوس بلاك. نعم، في زمننا، مات سيريوس في نفس اللحظة التي ترقد فيها هنا الآن."
ارتجف آلبرت، لكنه لم يتكلم، عيناه اتسعتا أكثر.
" كنت أنت قد بدأت رحلة الجنون تركت هوجوورتس... وتركت الجميع ... بعد موت جدي، لم تستطع الاحتمال. قررت القضاء على فولدمورت مهما كلفك الثمن. كل ما كنت تفكر فيه هو الانتقام."
سكت روبرت لحظة، كأن الذكرى أثقلت صدره.
"لكن ما لم يعرفه أحد، هو أنك بعد مغادرتك لهوجوورتس... عدت إلى هناك سرًا. دخلت المكتبة المحرمة... واكتشفت شيئًا لم يسبق أن خطر على بال أي ساحر. كنت تبحث عن القوة، لكنك وجدت... قوانين الفيزياء المحرمة، والكيمياء الزمنية. شيء أقدم من تعاويذ ميرلين، أعمق من كل السحر الذي درّسته."
هنا انحنى روبرت قليلًا للأمام.
"بدأت تجرب. السحر وحده لم يكن كافيًا، لهذا مزجته بالعلم. اخترعت آلة... لم يسمّها أحد، ولم تذكر في أي كتاب. آلة تسمح لك بالسفر عبر الزمن."
رفع آلبرت حاجبيه بدهشة، يكاد لا يصدق.
"لكن... ما لم تحسب حسابه يا أبي... هو أن هذه الآلة لا تضمن الاستقرار. في أول مرة حاولت استخدامها، لم تنجح. فقدت السيطرة عليها. وانفجرت تقريبًا. ظن الجميع أنك ميت..."
توقف روبرت، للحظة خيم فيها الصمت الموجوع.
"لم تعد.."
بلع ريقه، ثم تابع:
" &))$+$(-//#)2!؛$) .... )$(&/-/(-(ـ)$)$$+ "
" بعدها وجدت تلك الالة الزمنية .... "
"عندما فعلت، وجدت نفسي داخل منظومة المسارات الخمسة. الآلة لا تتيح لك التنقل الحر، بل تفتح أمامك خمسة مسارات زمنية متفرعة. لكل واحد منها نهاية مختلفة للعالم. كان يجب عليّ أن أمر بها واحدًا تلو الآخر... أغيّر ما يجب تغييره... وأعود."
هنا رفع إصبعه مشيرًا إلى ما حوله:
"نحن الآن في المسار الرابع. وقد رأيت ما سيحدث في المسار الخامس. ... هذا يعني الآلة الزمنية اخترعت في المسار الرابع بسبب ان جدي مات في مسار الرابع .. ($(ـ)&+$)#/ "
رفع آلبرت رأسه فجأة وقال:
"لكن كيف رأيت المسار الخامس دون أن تدخله؟!"
أجاب روبرت بسرعة وكأنه كان يتوقع هذا السؤال:
"الآلة تُظهر لك جميع المسارات قبل أن تدخل. تمنحك لمحة... لتعرف أي التغييرات تؤثر على المستقبل. ثم تُجبِرك على البدء بالمسار الأول، لا يمكنك القفز بينها."
سكت لبرهة، ثم نزل صوته نغمة:
"لكن المشكلة أن الآلة لا تعمل سوى خمس مرات فقط. كل انتقال يُستهلك فرصة. دخلت الأول، الثاني، الثالث، والآن نحن في الرابع."
رمش بعينيه بأسى:
"ولما حاولت دخول الخامس... اكتشفت أن الآلة قد استُعملت."
حدّق آلبرت فيه.
"استُعملت؟! من استعملها؟!"
قال روبرت بصوت مثقل بالحزن:
"ألبس بوتر... وسكوربيوس مالفوي."
تجمد آلبرت.
تابع روبرت:
"هذان الاثنان دخلا إلى المسار الخامس. لا أعلم كيف وصلا للآلة، ولا كيف فهموا آليتها، لكنهما فعلا. والآن... أنا عالق هنا. عالق معك... مع الحقيقة التي أخفيتها طيلة حياتي."
رفع رأسه ببطء، عيناه تتلألأان.
"الأحداث التي لم تستطع سماعها في كلامي قبل قليل؟... كانت جزءًا من المسار الخامس. تلك اللحظة شُفّرت، لا يمكن سماعها إلا داخل ذلك المسار."
سكت قليلاً، ثم قال:
"المسار الخامس يحمل نهاية مأسوية يا أبي... وأنا... أخشى أن الوقت لم يعد في صالحي."
ظل آلبرت صامتًا، يحدّق في ابنه... في عينيه التي تشبهه. كان يشعر أن كل شيء يتداعى من حوله.
.
.
عاد الصمت بين الأب والابن المؤقتين، بينما ظلت عقارب الساعة معلقة في الفراغ، وكأن الزمن نفسه يختنق من الحقيقة التي تنمو في هذا الجو الخانق.
وقف روبرت بثبات وسط الهالة الغامضة التي تُحيط به، وعيناه تتوهجان بنور خافت كأنهما تحملان أوزان العوالم المتعددة. تنهد بعمق، ثم قال بصوت يكاد يُسمع:
"المسار الخامس... رغم أنني رأيته بالكامل، إلا أنه لم يبدأ بعد. سيبدأ فور اختفائي من هنا، من هذه اللحظة، من هذا المكان."
رفع آلبرت بصره نحوه فجأة، وقد بدأ قلبه ينبض بتوجس. لقد بات يشعر أن كل كلمة تُقال، كل نفس يُسحب، ليس عبثًا. الزمن لم يتوقف عن العبث به، بل هو الآن يكتب سطور قدر لا فكاك منه.
"ماذا تقصد؟" سأل آلبرت، رغم أنه داخليًا يعرف الجواب.
لم يجب روبرت على الفور، بل نظر إلى الباب المغلق، ثم إلى سرير آلبرت، ثم إلى عينيه مباشرة. كانت هناك نار تشتعل في أعماقه، نار لا تتكلم، فقط تحترق.
قال آلبرت أخيرًا، بنبرة فيها نبوءة لم يتعلمها من كتب السحر، بل من قلب الأبوة:
"هل... سأموت؟ هل لهذا السبب أتيت إلى الماضي؟"
لم يتكلم روبرت. فقط نظر إليه، نظرة طويلة وصامتة. لم تكن نظرة إنكار، ولا تأكيد. كانت نظرة تعني: لو كنت أستطيع أن أقول، لقلت.
ثم قال أخيرًا:
"لا أستطيع أن أقول أي شيء يا أبي... لكنني لم آتِ إلى هنا بلا شيء."
مدّ يده إلى جيب رداءه الأسود وأخرج دفترًا صغيرًا، متآكل الزوايا، محاطًا بهالة رمادية باهتة. سلمه إلى آلبرت بحذر كما لو كان يسلمه قلبه ذاته.
"في هذا الدفتر... كتبت كل ما رأيته في المسار الخامس. كل شيء. بلغة صنعتها بنفسي، من أجل أن تعرف، من أجل أن تفهم... دون أن أخالف قوانين الزمن. فكما ترى لم استطع ان اخبرك بما حدث في مستقبل بسبب الزمن "
تصفح آلبرت الدفتر بصمت. كانت الصفحات الخمس الصغيرة محشوة برسومات غريبة، أشكال هندسية، طلاسم دقيقة، وحروف تشبه اللغة الفرعونية القديمة، لكن لا يمكن تحديدها بدقة. الخط بدا كما لو كُتب على عجل، أو تحت تهديد انهيار الزمن ذاته.
قال آلبرت ببطء، بينما يمرر أصابعه على الرموز:
"لكن... كيف سأفك هذه اللغة؟ كيف سأفهم هذا كله؟"
أجاب روبرت بثقة:
"هي فعلاً مستوحاة من اللغة الفرعونية القديمة، لكنني طورتها. إن ذهبت إلى عالم العامة وتعاونت مع علماء آثار... ستستطيع فك أجزاء منها بمرور الوقت. لكنني تعمدت أن أجعلها معقدة... حتى لا تقع في الأيادي الخطأ."
تم قال البرت بغرابة " الا تستطيع ان تزيل تلك الدكريات التي رأيتها من المسار الخامس و تعطيها لي لكي اراها ؟؟ او ان اتفحص عقلك و ارى ما حدث في المستقبل ؟!"
أطلق روبرت تنهيدة ابتسامة و قال " لو كان الحل بهذه الطريقة لما كتبت ما حدث في دالك الدفتر ، هذا الحل لن ينجح لانك لو أزلت تلك الدكرى و اريتك اياها لن ترى شيء سوى بياض لا غير لانك لم تعيش في دالك المسار ، و حتى لو اخترقت عقلي سيكون نفس النتيجة "
وقف روبرت الآن، وبدأ يخلع رداءه الأسود. أنزله ببطء، كما لو كان يُنزِل عبئًا ثقيلًا عن كتفيه.
ثم حدث ما لم يتوقعه آلبرت. فجأة، غيّم حزن كثيف على وجه روبرت، كأن ذكرى اخترقت الحاجز الزمني وعادت لتعانقه رغما عنه.
تجمّدت ملامحه للحظة.
ثم... تدكر شيء ما
رأى البرت في مسار الخامس واقفًا في مكتب دمبلدور و سناب، يرتدي نفس الرداء الأسود. كانت عيناه مليئتين بالدموع وهو يقول بصوت يائس:
"أنا لن أقف ساكنًا هكذا وأرى أحبائي يموتون بهذه الطريقة ! إن كنتما لن تفعلا شيئًا... فأنا سأفعل !"
ثم وضع القبعة على رأسه، وخرج من المكتب مغادرًا، وقلبه مليء بالعزم والغضب والندم.
عاد روبرت إلى واقعه.
نظراته المتعبة التقت بنظرات والده، وتسللت دمعة دون استئذان إلى خده.
ثم سلّم الرداء لآلبرت.
"خذ هذا... ستحتاجه. عاجلاً أم آجلاً."
وما إن لمست يد آلبرت الرداء، حتى بدأت ألوان الزمن بالعودة فجأة، كأن أحدهم أزال الغطاء عن ساعة كونية.
اهتزّ الهواء.
عادت عقارب الساعة إلى الدوران.
خلفه، سُمِع صوت بومفري مجددًا، وهي تنادي بتعجب:
" آلبرت ؟! هل استيقظت ؟!"
أما روبرت...
فقد اختفى.
كأن لم يكن.
كأن الزمن أعاده إلى موضعه... بعد أن ترك عند أبيه الدفتر، والرداء، والندبة التي لن تندمل.
يتبع ...
اسف على عدم نشري في تلاث ايام متواصلة هذا لانني كنت مريض و لا استطيع كتابة الفصول