الفصل 307

في ممرات جناح العلاج في هوجورتس، كان الهواء كثيفًا، مشبعًا بالقلق والرجاء.

طنين متواصل من صمت غير طبيعي خيّم على المكان، لا يقطعه سوى خطوات قلقة و سعال خافت من أحد الجرحى في الأسرّة المجاورة. أما الغرفة التي وُضع فيها ألبرت بلاك، فكانت موصدة، مُحاطة بسحر عازل يمنع من الدخول أو التنصت.

في الخارج، كان سيريوس بلاك واقفًا وظهره على الحائط، رأسه منحني، ويداه مشدودتان إلى قبضتيه. كانت عيناه خاويتين، كأن كل صراخ الدنيا داخله قد خمد ولم يتبقَ سوى رماده.

إلى جانبه، كانت هيرميون تبكي بصمت، بينما كان رون يسير ذهابًا وإيابًا بقلق لا يحتمل، وهاري واقفًا بلا حراك، كأن روحه قد سُحبت حين رأى ألبرت يسقط تحت تأثير تعويذة الموت، "أفادا كيدافرا"، التي أطلقها أحد الأتباع المتبقين للورد فولدمورت.

"لا يمكن أن يموت... إنه ابني !" قال سيريوس أخيرًا، كمن يحاول إقناع نفسه، لا من حوله.

لكن لم يكن هناك رد. حتى حين حاولت مولي ويزلي أن تطمئنه، لم تجد الكلمات طريقها إلى أفواههم.

وفجأة...

صوت.

لم يكن صراخًا، لم يكن أنينًا... بل كان صوتًا مألوفًا جدًا:

" نعم يا بروفيسور ... استطيع الوقوف "

التفت سيريوس بسرعة، كأن قلبه سُحب من صدره. فتح عينيه على اتساعهما، ثم سمع الصوت مرة أخرى البروفيسور بومفري تقول :

" هدا جيد يا آلبرت ... "

صرخت جيني أولًا، ثم هاري، ثم الجميع، ركضوا نحو الباب دفعة واحدة.

"الباب ! افتحه !" صرخ رون، محاولًا كسره، قبل أن تسارع بومفري التي سمعت الضجة وتفتح السحر العازل بانفعال.

اندفعت الأبواب.

ومعها... اندفعت قلوبهم.

كان ألبرت جالسًا على حافة السرير، الدفتر الصغير في يده، والرداء الأسود مرميٌّ بجانبه. شعره مبعثر، وعيناه فيهما لمعة مدهشة، كمن رأى ما لم يُرَ وعاد.

ركض سيريوس نحوه، لم يستطع التكلّم، فقط سقط على ركبتيه أمامه وعانقه بقوة. لم يكن سيريوس رجلاً ضعيفًا، لكنه الآن كان محطمًا من الداخل، كمن كان يحمل جثة روحه طوال أيام وفجأة... رآها تنبض من جديد.

"ألبرت..." قالها، ثم توقّف، وانهار في حضنه.

انفجرت الغرفة بالبكاء والضحك والصراخ. رون صرخ: "هل رأيتم؟! أخبرتكم أنه لن يموت !"، بينما كانت هيرميون تغطي فمها بيديها غير مصدقة. أما هاري، فتقدّم ببطء، ونظر إلى عيني ألبرت، ثم عانقه بصمت، عناقًا يحكي كل الكلمات التي عجز عنها لسانه.

"لقد... نجوت من أفادا كيدافرا؟!" تساءلت جيني، ونظرت إلى ألبرت بذهول.

هزّ ألبرت رأسه قليلاً، ثم قال:

"ليس بالضبط... هناك شيء... أو أحد... أنقذني."

نظر الجميع نحوه بدهشة.

تردد ألبرت، لكنه لم يشأ أن يخوض في التفاصيل الآن. ما حدث بينه وبين روبرت و ايضا مع امه بداخله ، وبين الزمن، وبين المسارات... لا أحد مستعد له بعد.

قال بصوت خافت:

"لن أستطيع شرح كل شيء الآن، لكن... ما يمكنني قوله هو أن الحياة منحتني فرصة ثانية. فرصة ثمينة."

في زاوية الغرفة، لاحظت هيرميون الرداء الأسود. اقتربت منه، ولمسته بحذر.

"ما هذا؟ لا يبدو كأي رداء رأيته من قبل... له هالة غريبة."

قال ألبرت وهو ينظر إليها:

" لقد وجدته هنا ... سأخده معي "

جلسوا كلهم حوله، كلٌّ منهم يتفحصه كأنه كنز استُعيد من الموت.

.

.

.

.

لم تكن المرة الأولى التي يستخدم فيها روبرت آلة الزمن. لكنه كان يعرف، من التجربة المتكررة، أن العودة دومًا ما تكون دقيقة، محسوبة، ومحددة الوجهة.

كل مرة يعود فيها، كانت الآلة تعيده بدقة إلى نقطة انطلاقه في المستقبل، إلى مختبره، إلى غرفته، إلى الزمن الذي خرج منه أول مرة. لكن هذه المرة... كان كل شيء مختلفًا.

الضوء تمزّق من حوله، دوامة من الشرر الأزرق والأخضر تدور بعنف، تشق الزمن والفراغ معًا. شعر وكأنّ جسده يُمزّق ثم يُعاد تشكيله مرارًا، ثم فجأة... لا صوت.

فتح عينيه على مهل. كانت الأرض رطبة تحته، والهواء أثقل مما يجب، يحمل رائحة تراب مبلل وأوراق متحللة. الغابة من حوله كثيفة، الأشجار ترتفع كالأشباح، تميل مع الريح، تهمس بشيء لا يفهمه، شيء قديم، وغاضب.

وقف ببطء، متوجسًا. الظلام دامس، والسماء غير مرئية خلف السحب الكثيفة وأغصان الأشجار المتشابكة. لا ضوء للقمر، ولا نجم واحد. فقط ظلمة تحيط به من كل جانب، وصوت الريح يختلط بأصوات حيوانات بعيدة.

"ماذا... يحدث؟" همس بصوت مرتجف. ثم صرخ، "أين أنا الآن؟ لماذا لم أعد إلى منزلي كما يفترض؟!"

نظر حوله، يحاول أن يلتقط أنفاسه، يحاول أن يتذكّر التعليمات، القوانين... هل أخطأ شيئًا؟ هل أدخل معادلة خاطئة في الآلة؟ أو... هل المسار الذي دخله ليس كما ظن؟

لكن لم يكن الوقت مناسبًا للأسئلة.

كان وحيدًا. بلا عصا. بلا حماية. في غابة لا يعرفها، في زمن لا يعلمه ، لقد ظن أنه قد عاد من جديد إلى زمن مختلف ، فهو لا يدري جيدا عن الألة بشكل كلي

بدأ يسير، محاولًا أن يتمالك نفسه. كل خطوة كانت تنكأ الخوف في صدره، والصمت الذي يخترقه حفيف الأشجار كان يجعل قلبه يقفز عند كل حركة.

"أبي يستطيع استخدام السحر دون عصا..." تمتم، وكأن في ذلك عزاء، "لكني... لست مثله..."

أخذ نفسًا عميقًا. نظر إلى الأمام، إلى المجهول. وتقدم.

مرّت دقائق ثقيلة، ومرّ بين الأشجار ببطء، يتفادى الأغصان التي تعترض طريقه، يتجنب الجذور التي تعرقل خطواته. كانت كل الأشجار متشابهة، لا علامات، لا معالم.

ثم... لمح شيئًا.

توقف. عينيه ثبتتا على تلك اللمعة الصفراء الصغيرة في الأفق، خلف الأشجار. بدأ يركض. لم يكن واثقًا من مصدر الضوء، لكن ما دام هناك ضوء، فثمة حياة. وربما... نجاة.

ركض دون أن يلتفت، وشيئًا فشيئًا بدأت الملامح تتضح.

منزل بسيط. طويل نوعًا ما. مصنوع من الخشب. قديم في مظهره، لكنه ينبض بالحياة. بدا كأنه خرج من صفحة قديمة في كتاب حكايات. أضواء خافتة تصدر من نوافذه، تتراقص كشموع في عاصفة.

وقف روبرت أمامه، يلهث. ارتجف، لا من التعب، بل من التوجس.

اقترب من الباب، طرقه مرة. لا إجابة.

طرق مجددًا. سمع أصواتًا. خافتة. همسات. لكن لم يكن يستطيع تمييزها.

"مرحبًا؟ هل هناك أحد؟ أنا... أنا تائه..." قال، ثم صمت.

لم تفتح الأبواب. بدأ يُلقي نظرات نحو النوافذ، يحاول أن يرى من بالداخل. كل شيء محاط بستائر ثقيلة، لكنه متأكد أن هناك من يتحرك. ظل، أو وجه، أو مجرد حركة خفيفة خلف الزجاج.

عاد يطرق الباب. مرة. مرتين. ثلاثًا. لم يفتح أحد.

استدار يائسًا، وهو يتمتم: "لابأس... سأجد مكانًا آخر. ربما... لعل هناك طريقًا آخر..."

لكنه لم يبتعد أكثر من خطوتين حتى فتح الباب.

انفتح ببطء، بلا صوت صرير، كأنه كان ينتظر أن يفتح في هذه اللحظة تحديدًا.

لكن فجأة ، ظهرت امرأة في الثلاثين من عمرها. شعر بني فاتح و ناعم ينسدل على كتفيها. بشرة دافئة، وعينان تلمعان كأنهما تحتويان الكون. ابتسامتها، كانت مزيجًا من الدفء والحزن

قالت الامرآة "أوه، روبرت؟ أين كنت؟ لقد أخبرتك ألا تُطِل في الغابة !" قالت بصوتٍ هادئ كأنها ترحب بطفلها الذي تأخر.

تجمد روبرت.

كأنّ الزمن توقف. كأنّ قلبه توقف.

نظر إليها بعينين مفتوحتين حتى آخرهما. لم يعد يسمع الريح. لم يشعر بقدميه. لم يعد يرى إلا وجهها.

الوجه الذي رآه فقط في الصور. الوجه الذي حُفر في ذاكرته من ذكريات الآخرين. الوجه الذي فقده صغيرًا، قبل أن ينطق كلماته الأولى.

"أ- أمي؟..."

يتبع ...

2025/05/11 · 19 مشاهدة · 1086 كلمة
نادي الروايات - 2025