الفصل 314

الشمس بدأت تميل نحو الغروب في سماء الأقصر، ملقيةً بظلالها الذهبية على الأعمدة الضخمة لمعبد الكرنك.

كان الهواء مشبعًا برائحة الرمال القديمة و الحكام المنسية، حيث تتمازج همسات التاريخ مع تنفس الأرض.

عند طرف ساحة التنقيب، بُنيت خيمة صغيرة مخصصة للراحة والدراسة، حيث جلس آلبرت بلاك إلى جانب عالم الآثار الفرنسي لويس جوزيف، والاثنان يحتسيان القهوة السوداء في أكواب خزفية صغيرة.

كانت الطاولة الخشبية بينهما مغطاة بالأوراق القديمة، ودفتر جلدي صغير ممزق الأطراف، يتوسّطه رسم غريب محفور بلون داكن.

جلس لويس متكئًا إلى الوراء، عينيه تحدقان في صفحة بعينها، بينما يمسك بالقلم الحبر في يده اليمنى ويبدأ بتدوين ملاحظات على ورقة منفصلة.

كان آلبرت بدوره يتصفح الجزء الآخر من الدفتر، في صمت ثقيل، مزيج من الفضول… والقلق الخفي.

قال لويس أخيرًا، وهو يلوّح بالقلم في الهواء:

"حسنًا، كما ترى هنا في الصفحة الأولى من الدفتر … يتكوّن من أربع اطارات و بها رسوم متتالية. هذه الشيفرة لا تشبه شيئًا رأيته من قبل. إنّها مزيجٌ غريب بين الفرعونية والرسم القصصي الأوروبي… شيء غير منطقي."

نظر إليه آلبرت، وقال بلهجة متوترة قليلًا:

"أكمل… ما الذي فهمته منها حتى الآن؟"

أخرج لويس القلم من جيبه، ثم رفع الورقة التي دوّن فيها ملاحظاته وقال:

" في الإطار الأول، نرى شابين يقفان أمام مدرسة تبدو كأنها تعود للعصور الوسطى ( مدرسة هوجورتس يعني ) . المدرسة ذات أبراج حجرية مدببة… تشبه تلك التي تراها في الرسوم القديمة عن أوروبا الساحرة. ثم… في المشهد التالي، نرى علامة X كبيرة... ثم رجل أصلع، ملامحه شرسة، يمسك رأس أحد الشابين ويبدو أنه يؤثر فيه بطريقة ما. الفتى الآخر في الخلفية… لا يزال يبتسم، لا يبدو مدركًا لما يحدث."

صمت لويس قليلاً، ثم أضاف بصوت خافت:

"وفي المشهد الأخير… نرى الفتى الذي كان تحت تأثير الرجل الأصلع يمسك بسلاحٍ ما، ويقتل رفيقه الذي كان مبتسما ."

شهق آلبرت خافتًا.

يده تشنجت فوق الطاولة، وعيناه اتسعتا بشكل لا إرادي.

"هذا... هذا غير ممكن..." تمتم بصوت خافت.

لكن لويس لم يلحظ ارتباكه، بل استمر بتحليله:

"إنه تسلسل غريب جدًا… وكأنه سردٌ لحدثٍ وقع في زمن غير زمن الفراعنة. هذه المدرسة… لا أجد تفسيرًا لوجودها هنا، في شيفرة يُفترض أنها عمرها آلاف السنين."

حدّق آلبرت في اللوحة للحظة، وقلبه ينبض بقوة.

لقد رأى ذلك المبنى من قبل…

هوجورتس.

وتلك اللحظات…

كأنها قصة تُكتب قبل أن تحدث.

أو بعد أن حدثت، في زمنٍ غير هذا.

قال لويس وهو يشير إلى جانب الرسمة:

"وهناك جملة مكتوبة على الحافة الإطار الاول من صفحة الاولى، بالهيروغليفية، يبدو أنها تشير إلى اسم أحد الشخصيات. لحظة..."

توقّف فجأة ونهض من مكانه، يذهب إلى أحد الرفوف داخل الخيمة الصغيرة، حيث وضع مجموعة من الكتب والمعاجم.

"هناك كتاب خاص لترجمة الأسماء من الهيروغليفية إلى الفرنسية… وجدته !" قال بنشوة وهو يسحب الكتاب العتيق.

بدأ يقلب صفحاته بسرعة، ثم استخدم قلمه ليأخذ الحروف الهيروغليفية واحدة تلو الأخرى، ويقابلها بما يعادلها بالفرنسية.

كان آلبرت يراقبه في توتر بالغ.

كل خلية في جسده كانت تصرخ: "لا تفعل، لا تكمل…"

لكنه لم يستطع التوقف.

وأخيرًا، بعد لحظات بدت كأنها دهور، قال لويس بصوت منخفض ثم رفع رأسه:

"هذا الاسم… غريب. لم أره من قبل، لكنه واضح في الترجمة..."

سكت للحظة، ثم نطق بالكلمة:

" سيدريك ديجوري "

في لحظة، تجمّد الزمن في داخل الخيمة.

أسقط آلبرت فنجان القهوة دون أن يشعر، فارتطمت الأرضية وسكبت محتوياتها على الرمل.

" ماذا قلت ؟!" صرخ، وقد نهض فجأة، صوته مختنق بالصدمة.

لويس التفت إليه متفاجئًا من رد الفعل العنيف، وقال:

"ما الأمر يا فتى؟! هل تعرف هذا الاسم؟! أهو قريبك أو..."

لكن آلبرت لم يُجب.

على الجانب الاخر ، في بريطانيا ، داخل منزل مالفوي ...

رائحة الرطوبة والجلد القديم كانت تنتشر بثقلٍ خانق داخل أروقة منزل مالفوي العظيم.

الجدران الباهتة، المليئة بلوحات سحرية خرساء، كانت تراقب كل من يمرّ بنظراتٍ صامتة وباردة، كأنها تعلم كل ما قيل وكل ما لم يُقل.

في القاعة الكبرى، كان الحاضرون جالسين حول طاولةٍ حجرية طويلة، ألوانها قاتمة، محفور على أطرافها جماجم صغيرة باهتة، ترمز لمن مرّوا من هنا ولم يخرجوا.

لكن هذه الليلة، ورغم كل هذا الثقل...

كانت ليلة ابتسامات وشهقات خفية.

ففي قلوب أتباع اللورد فولدمورت، كان الشعور بالانتصار يقترب، كما يقترب السكين من عنق ضحيته.

اللورد فولدمورت جلس على رأس الطاولة، على كرسيٍّ أعلى من بقية الكراسي، يشبه العرش الحجري.

عيناه الحمراوان تتأملان الحضور، أنفه المشقوق يرتجف بنشوة كما لو كان يشمّ رائحة السلطة القادمة.

رفع يده الرفيعة جدًا، ثم قال بصوته الزاحف:

"لقد اقتربنا... أكثر من أي وقتٍ مضى. العالم بأسره على وشك أن يركع لنا. لسنا بحاجة سوى إلى خطوة واحدة أخيرة..."

ساد الصمت.

كل من في القاعة، من بارتي كراوتش جونيور الى انطونيو و حتى بيتر بيتيغرو المرتجف، كانوا يصغون بانتباه يشبه العبادة.

تابع فولدمورت وهو يبتسم، ابتسامة خالية من الرحمة:

"بموت آلبرت بلاك، فقدنا حجرين من رقعة الشطرنج، لكن خصومنا خسروا الملك نفسه. لقد مات من كان عائقًا بيني وبين المدرسة... وبات كل شيء جاهزًا لغزو هوجورتس!"

انطلقت همهمات من كل مكان.

ضحكٌ خافت من الزوايا.

بارتي كراوتش جونيور ضرب الطاولة ضربة خفيفة وهو يقول مبتسمًا:

"رائع! أخيرًا سيسقط الحصن الذي طالما أخّر صعودنا !"

أشار فولدمورت بيده ليصمت الجميع، ثم قال:

"هوجورتس هي آخر العقبات. سقوطها يعني سقوط كل شيء. الوزارات... الأسر النقية المتمردة... وحتى العامة. لكن الدخول إلى هوجورتس يتطلب دهاءً وولاءً... وهذا ما وجدته في فتى غير متوقع."

نظر الحاضرون إلى بعضهم في حيرة.

قال فولدمورت ببطء، وهو يشير إلى جانب بارتي كراوتش:

"اسمحوا لي أن أقدّم لكم… الفتى الذي أقسم لي بالولاء، من قلب النور إلى قلب الظلام...

" سيدريك ديجوري."

ارتفعت شهقة من أحد الأتباع.

نظرات الاستغراب تلاحقت.

سيدريك؟

تحرّك شابٌ بهدوء من مقعده، جالسًا إلى جانب بارتي، لم يكن يرتدي زي هوجورتس، بل عباءة رمادية قاتمة، وشعره مرتب بعناية.

في عينيه لمعةٌ باردة، بعيدة عن البراءة التي عرفه بها أصدقاؤه.

وقف، ثم انحنى قليلًا أمام اللورد فولدمورت وقال بصوت عميق:

"سيدي… شرف لي أن أكون في صفكم. لقد رأيت فساد النظام... ورأيت كم نحن بحاجة إلى التغيير. العالم ليس عادلًا. القوة وحدها هي العدالة."

كان صوت سيدريك يحمل طبقة جديدة لم يعرفها من قبل...

كأنّ شيئًا ما انكسر داخله… أو شيء أكثر ظلمة قد وُلد.

ضحك فولدمورت وقال:

"عقل ناضج، وجسد شاب... مثالي لخطة كهذه."

أشار إلى دراكو مالفوي الجالس بقرب والده، ثم قال:

"دراكو، ستعمل معه من الآن. لقد صار زميلك في المهمة. أنتما الاثنان ستكونان يديّ داخل المدرسة."

أومأ دراكو برأسه، وكان وجهه مشدودًا ببعض التوتر، لكنه قال بهدوء:

"كما تأمر يا سيدي."

عادت الابتسامات بين الحضور، وبدأت ترتفع الهمسات والتخطيطات.

يتبع ...

2025/05/31 · 30 مشاهدة · 1029 كلمة
نادي الروايات - 2025