الفصل 315

كانت الشمس تنسلّ من بين حواف الخيمة المصنوعة من قماش كثيف بنيّ اللون، تخترقها خيوط الضوء الذهبية لتصبغ الجو بدرجات دافئة من الأصفر والتراب.

جلَس آلبرت بلاك إلى جانب العالِم العجوز، لويس جوزيف، داخل خيمة صغيرة نُصبت في قلب موقع الكرنك الأثري في مدينة الأقصر، حيث الصمت الثقيل لا يقطعه إلا نسيم خفيف وهدير خطوات المرشدين في البعيد.

أمامهما على الطاولة، كانت توجد دفاتر متعددة، وخرائط قديمة، وأكواب القهوة التي يتصاعد منها البخار برائحة البن المعتقة.

أمسك كل واحد منهما بطرف الدفتر الغامض

تكلم لويس جوزيف بصوت خفيض متأمل، وهو يشير إلى الدفتر بأطراف أصابعه النحيلة:

"حسنًا، يا آلبرت... كما ترى، يتكوّن هذا الدفتر من خمس صفحات فقط. الصفحة الأولى هي الوحيدة التي تحتوي على رسومات بأسلوب فرعوني واضح. أما الصفحات الأربع الأخرى، فهي مملوءة بكتابات هيروغليفية دقيقة للغاية، ومتشابكة إلى حد يبعث على الجنون."

سحب لويس ورقة أخرى ودفترًا منفصلًا من جانبه، ثم تابع وهو يخرج كتابًا قديما بدا أن الزمن أكل أطرافه:

"هذا الكتاب يا فتى ، هو نسخة أصلية من معجم هيروغليفي نادر. يساعد على ترجمة الرموز إلى الفرنسية، لكن دعني أحذرك مسبقًا… الأمر ليس سهلًا أبدًا. حتى أنا، مع خبرتي، أجد صعوبة أحيانًا. أنت كمبتدئ، قد تحتاج إلى ساعات لفك شفرة كلمة واحدة فقط."

أخذ رشفة من قهوته، وأغمض عينيه للحظة، ثم فتحهما وقال بابتسامة خفيفة:

"لكنني لحسن الحظ، حفظت معظم الحروف والرموز مع مرور السنوات. لذا عندما وجدت اسمًا في الصفحة الأولى، استطعت ترجمته بسهولة. وكان الاسم هو سيدريك …"

سكت قليلًا ثم قال ببطء، كأنه يُلقي قنبلة:

"سيدريك ديغوري."

ارتعشت يد ألبرت وهو يُمسك بفنجان قهوته، وحدّق في لويس مطولًا، لا ينطق بحرف. قلبه ينبض بعنف، عقله يصرخ: "هذا مستحيل… سيدريك؟ مستحيل !"

لكن لويس لم يلحظ توتره

فكر البرت فيما قد أخبره روبرت عندما التقى به للمرة الثانية في مدرسة ،ىبحيث قد أخبره سلفا أن هناك خائن بينهم ، و هنا بعد ربط المواضيع قال البرت مع نفسه " هل الخائن هو سيدريك ؟! لمادا سيكون مع فولدمورت ؟!"

واصل لويس حديثه وهو يُشير إلى باقي الرسومات في الصفحة الأولى:

"انظر هنا... نرى الشاب المبتسم ذاته الذي رأيناه في الإطار الأول، لكن هذه المرة يحمل عصا غريبة الشكل في يده. يحيط به خمسة أشخاص، من بينهم الرجل الأصلع ذاته، الذي رأيناه يسيطر على صديقه في الرسوم السابقة."

اقترب لويس أكثر، ووضع إصبعه على الرسمة التالية:

"هنا نرى أحد الأشخاص الخمسة، وقد أمسك بجسد الشاب الميت و يرفعه بين يديه ، لكن ما يثير الاهتمام هو الرسمة الأخيرة."

ثم نزل الى اسفل الصفحة قليلًا وأشار إلى الجزء السفلي:

" الرجل الأصلع... يجلس على ما يبدو أنه عرش. يبدو وكأنه ملك الآن. من كل ما أراه، أعتقد أن هذا الفتى المبتسم ربما كان أميرًا، أو وريثًا شرعيًا، لكن الرجل الأصلع خانه واستولى على مملكته."

ابتسم لويس ابتسامة مائلة وقال:

"ربما أكون مخطئًا يا فتى، لكن هذا ما استنتجته حتى الآن."

لكن ألبرت، لم يكن بحاجة لتخمينات لويس. هو يعرف. يعرف تمامًا أن تلك الرسومات لا تعود إلى ماضٍ قديم، بل إلى مستقبله. يعرف أن الشاب المبتسم هو نفسه. وأن الرجل الأصلع… هو لورد فولدمورت.

وبينما كان يفكر، تجمد قلبه عند فكرة واحدة: هل فعلاً انضم سيدريك إلى فولدمورت؟ هل حدث ذلك الآن؟

إذا كانت الإجابة نعم، فإن كل شيء انهار. لو علم فولدمورت بأن ألبرت لا يزال حيًا، فستضيع خطته الكبرى. سيدريك يعرف أنه لا يزال حيًا… إذا انضم لفولدمورت الآن، فإن زمن الأسرار انتهى.

وضع آلبرت يده على جبينه محاولًا تهدئة أفكاره

.

.

.

.

مرّت ساعة كاملة داخل الخيمة في معبد الكرنك، لكنها بدت لألبرت بلاك وكأنها دهرٌ من الزمن.

كل كلمة قالها لويس جوزيف، كل رسم من الرسومات، وكل إحساس اجتاح قلبه، ظل محفورًا في ذهنه.

نهض ألبرت من مقعده، تنفس بعمق، ثم أدار وجهه نحو لويس، الرجل العجوز الذي بدا كأنه خزانة أسرار تمشي على قدمين. قال له وهو يمدّ يده لمصافحته:

"أشكرك جدًا يا لويس... هذا الدفتر يعني لي أكثر مما تتخيل."

ابتسم لويس، ومدّ يده في المقابل ليصافحه بقوة أكبر مما بدا عليه سنّه:

"وأنا سعيد أنك وجدته في الوقت المناسب، يا بني. الكتا المعجم فأتوقع أن تحتاجه لفترة أطول."

قال ألبرت وهو يُخرج المعجم القديم ليعيده له:

"كنت سأعيده لك اليوم بعد أن أنسخه... لا يمكنني أخذه، إنه ثمين جدًا."

لكن لويس هزّ رأسه، وأمسك بيد ألبرت وهو يعيد إليه المعجم:

"احتفظ به... اعتبره هدية. ذلك الدفتر نادر، وأنت وحدك من يستطيع فهم ما يخفيه. الكتاب سيكون نافعًا لك أكثر مما سيكون على رفوف مكتبتي. خذه، وهذه أمانة قلبي أودعها بين يديك."

سكت ألبرت، كأن الكلمات خنقته لحظة، ثم قال بتأثر حقيقي:

"شكرًا… لن أنسى هذا أبدًا."

غادر ألبرت الخيمة بينما الشمس بدأت تميل غربًا، والسماء تنقلب تدريجيًا إلى مزيج من البرتقالي والعنبر.

*******

قبل أسبوع واحد…

منزل آل مالفوي – غرفة الاجتماعات الداخلية

في أجواء قاتمة يملؤها الصمت المُريب، جلس فولدمورت كالأفعى على الكرسي العريض في صالة آل مالفوي.

الستائر الثقيلة تغطي النوافذ، والشموع الموزعة على الجدران ترمي ظلالًا مرتجفة كأنها تنذر بالموت.

بجانبه وقف سيفيروس سنايب، كتفاه مشدودتان، ووجهه مشدوه بحذر. كان واضحًا عليه أنه لم يُستدعَ هنا للحديث عن أمرٍ عادي.

ابتسم فولدمورت ابتسامة خفيفة، ابتسامة باردة لا تصل إلى عينيه:

"لقد قررتُ يا سنايب أن الوقت قد حان..."

نظر إليه سنايب بترقب، لكن عينيه لم تنطقا بشيء.

تابع فولدمورت بصوته الناعم الخبيث رغم ان المكان كان خالي بأكمله و كان هو و سنايب المتواجدون في المكان :

"أخطط للقضاء على دمبلدور… والسيطرة على هوجورتس من الداخل. لقد حان الوقت، ما رأيك في ذلك؟"

سرت قشعريرة على جسد سنايب، رغم أنه كان يعلم أن هذا اليوم سيأتي، لكن ليس بهذه السرعة. الحرب كانت تتصاعد، لكن لم يكن يتوقع أن فولدمورت سيتحرك بهذا العنف نحو قلب عالم السحرة، هوجورتس نفسها.

ابتلع ريقه بصعوبة وقال ببطء:

"كل ما تأمر به، يا سيد الظلام… سيكون تحت التنفيذ. لكن… سأكون صريحًا معك. لا أملك حرية كافية داخل هوجورتس، فمعظم وقتي يضيع في التدريس ومراقبة الطلبة."

اقترب منه فولدمورت، ووضع يده الطويلة العظمية على كتف سنايب الأيمن، ضاغطًا بثقل رمزي مرعب:

"أنا أعلم يا سنايب… ولذلك لدي خطة بديلة."

مال قليلاً نحوه وهمس بنبرة شديدة البرود:

"نحتاج إلى شخص من الداخل… تلميذ. لقد سمعت إشاعة عن طالب يُدعى سيدريك ديغوري… قيل إنه يحمل كراهية متجذرة تجاه فتى البرت بلاك و دمبلدور لانه لم يتم اختياره للبطولة الثلاثية السحر قبل سنتين ما رأيك أن نستخدمه؟ نزرع فيه بذور أفكارنا، ونوجهه نحو خدمة أهدافنا؟"

تجمدت ملامح سنايب، لكنه أخفى مشاعره كما درّب نفسه دائمًا.

داخله كان يشتعل. سيدريك؟ سيدريك قد رأى ألبرت حيًا! وإذا نطق بحرف… ستنهار الخطة من جذورها.

رغب لحظة في صفع فولدمورت، في صراخ الحق في وجهه، في تمزيق هذا الجنون. لكنه كتم كل شيء، وكل ما خرج منه كان صوت منخفض، خاضع:

"فكرة ممتازة… سأذهب لأحضره لك بنفسي، سيدي."

قال فولدمورت بابتسامة رضا:

"أحسنت يا سنايب. كنت واثقًا أنك ستتفهم رؤيتي."

ودّع سنايب المجلس، وخرج من المنزل وهو يكتم أنفاسه. كان الليل قد حل، لكن الظلمة في قلبه كانت أثقل من ظلام السماء.

على بُعد خطوات من البوابة الحديدية، استدار إلى الخلف وتأكد أنه بعيد عن مجال أي آذان، ثم تمتم وهو يضغط على أسنانه:

"يجب أن أُخرج ذكريات ألبرت من عقل سيدريك… بأي ثمن. إن علم فولدمورت أن ألبرت حي… فستُكتب نهايتي بيدي."

مشاعره كانت سامة، ممزوجة بالغضب والخوف والندم.

يتبع ...

2025/06/02 · 21 مشاهدة · 1158 كلمة
نادي الروايات - 2025