الفصل 318
على الرغم من أنه قضى كل لحظة يقظة خلال الأيام القليلة الماضية متمنيا بشدة أن يحضر دمبلدور ليأخذه معه، فإن الإحراج كان باديا على هاري عندما بدؤوا رحلتهم معا تاركين شارع بريفت درايف وراءهم، فلم يحدث بينه و بين الناظر حوار بالمعنى الصحيح خارج هوجوورتس قط؛ حيث كان هناك دائمًا مكتب يفصل بينهما.
وكانت ذكرى آخر مواجهة بينهما تعود إلى ذهنه مرة بعد مرة، فتزيد من شعور هاري بالإحراج إلى حد ما، فقد رفع صوته كثيرا في هذه المواجهة هذا إذ أغفل حالة الهياج التي انتابته ومحاولته تحطيم العديد من ممتلكات دمبلدور الثمينة.
وعلى النقيض، كان دمبلدور
يبدو مرتاحا تماما.
قال دمبلدور باسما: " ابق عصاك السحرية مستعدة يا هاري ".
رد هاري: " و لكنني أعتقد يا سيدي أننى غير مسموح لي بممارسة السحر خارج هوجوورتس ".
قال دمبلدور: " لو تعرضنا لأي هجوم، فسوف أعطيك الإذن باستخدام أي تعاويذ أو سحر مضاد قد يترائ لك استخدامه ".
ثم أكمل حديثه: " وإن كنت لا أعتقد أن هناك ما يدعوك لأن تقلق من حدوث أي هجوم عليك الليلة "
قال هاري : " ولم لا يا سيدى؟ "
قال دمبلدور ببساطة: " لأنك معي وهذا سيحميك يا هاري " .
ثم توقف فجأة عند نهاية شارع بريفت درايف .
قال دمبلدور " إنك بالطبع لم تجتز اختبار الانتقال الآني بعد "
قال هاري " لا "
قال دمبلدور " إذن سيكون عليك أن تمسك بذراعي بقوة، ذراعى اليسرى لو لم تمانع، فكما ترى ، يمناي ضعيفة إلى حد ما في هذه اللحظة "
أمسك هاري مقدمة ذراع دمبلدور التي مدها إليه.
ثم قال دمبلدور " جيد جدا، فلنذهب إذن ".
شعر هاري بأن ذراع دمبلدور تكاد تفلت منه فزاد من إمساكه لها، ثم شعر بالدنيا وقد اسودت من حوله، وأن هناك ما يضغط على جسمه بشدة من جميع الاتجاهات، ولم يكن يستطيع التنفس، كما لو أن هناك قيودًا حديدية ملفوفة حول صدره وتضغط عليه بشدة حتى بؤبؤ العين وطبلة الأذن، شعر وكأن شيئًا يدفعهما بقوة إلى داخل جمجمته، ثم استنشق الهواء البارد، وملأ رئتيه به وفتح عينيه الفائضتين بالدموع، وشعر كما لو أنه عبر من خلال أنبوب مطاطي ضيق جدا
و مر بضع ثوان قبل أن يدرك أن شارع بريفت درايف اختفى ، وأنه يقف مع دمبلدور في مكان يبدو مثل ميدان مهجور في إحدى القرى يقع في وسطه نصب تذكارى حربي قديم وبعض المقاعد الخشبية
فهم هاري ما حدث له، وأدرك أنه انتقل أنيا لأول مرة في حياته.
نظر دمبلدور إليه بقلق وسأله باهتمام: " هل أنت بخير؟ ستعتاد هذا الشعور مع مرور الوقت. "
قال هاري " أنا بخير " وأخذ يدلك أذنيه اللتين شعر بأنهما تركتا شارع بريفت درايف غصبًا، وأضاف: " لكنني أعتقد أنني أفضل المكانس ".
ابتسم دمبلدور وأحكم عباءته قليلاً حول عنقه، وقال: " من هنا"
وانطلق بخطوات رشيقة مارًا أمام منزل خال وبضعة منازل، بينما كانت ساعة الكنيسة القريبة تشير إلى منتصف الليل تقريبا.
قال دمبلدور " أخبرني يا هاري عن ندبتك.. هل حدث أن ألمتك بالمرة؟ " .
رفع هاري يده لا شعوريا وأخذ يفرك العلامة التي تشبه البرق في مقدمة رأسه.
قال هاري " لا ، لقد كنت أتساءل عن هذا. لقد توقعت أن تظل تؤلمني طوال الوقت، خاصة بعد أن استعاد فولدمورت قوته مرة أخرى ".
نظر هاري إلى دمبلدور بطرف عينه فرأى أن الارتياح قد كسا وجهه.
قال دمبلدور " ولكنني اعتقدت خلاف ذلك، لقد انتبه لورد فولدمورت أخيرًا إلى القدرة الخطرة التي كنت تملكها، و استطاعتك الدخول إلى أفكاره ومشاعره، ويبدو أنه يستخدم تعويذة حجب ضدك " .
قال هاري " حسنًا، أنا لا أشكو..." فلم يكن هاري يفتقد الأحلام المفزعة المضطربة، ولا لمحات التبصر الرهيبة داخل عقل (فولدمورت).
بعد ثواني قال هاري فجأة بعدما تعمق جيدا في دمبلدور ليقول " أخبرني يا سيدي ، لمادا لم تستعمل عصاك ، لقد رأيت انه مند ان اخدتني من منزل خالتي حتى الان استعملت السحر بيدك ، و هدا مختلف عن ما كان "
ألقى دمبلدور نظرة متمعنة على هاري ، بعدها قال " هدا بسبب انني اكتشف ان عصاي لم تعد تعطي ولائها لي "
فاجئ هدا الشيء هاري كثيرا ، فلم يتخيل ان عصا لاقوى ساحر ان تكون غير منصاع له
قال هاري بدهشة " مادا ؟؟ كيف ؟! لمادا حدث دالك ؟!"
قال دمبلدور و هو يمشي ببطء للامام " انا عن نفسي لا ادري ، عصاي لم تعد تطلق كامل قوتها كما تعودت ، ارى انها تكبت بكامل قوتها جميع قواي عندما اريد ان استعملها ، لدالك لم استطع الا استعمال قليل من سحر لو اريد ان استعملها "
قال هاري " هل حدث هدا الامر من قبل أن انه اول مرة ؟!"
قال دمبلدور " لم يحدث هدا من قبل ، حتى ان عصاي تستمع فقط لشخص التي تعطي ولائها له ، فعصاي السحرية خارقة بطبيعتها ، و ايضا لا تعطي ولائها الا من يستحقها بشرط ان يلمسها فقط !! لدالك فعصاي لم تعد ملكي الان ، يجب ان اجد هدا الشخص التي أصبحت عصاي تدير ولائها له "
بعد دقائق ، دار الاثنان حول أحد المنعطفات مارين بكابينة تليفون وموقف للأتوبيس.
نظر هاري إلى دمبلدور بطرف عينه مرة أخرى، وقال: " أستاذ "
دمبلدور " نعم يا هاري "
هاري " أين نحن بالضبط؟ "
دمبلدور " هذه يا هاري قرية بودليج بابرتون الجميلة " .
هاري " وما الذي نفعله هنا؟ "
قال دمبلدور " آه، صحيح، أنا لم أخبرك بعد، حسنًا، لا أستطيع أن أذكر عدد المرات التي قلت فيها هذا الكلام خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن ها نحن مرة أخرى، ينقصنا فرد من أفراد طاقم التدريس بـهوجوورتس "
سأل هاري " و كيف يمكنني المساعدة في ذلك يا سيدي ؟ "
قال دمبلدور بغموض " اعتقد انه سيكون لك نفع ما ... الى اليسار يا هاري "
.
.
.
.
على الجانب الاخر ... بمجرد أن طوى ألبرت امره هناك، وخرج من الظلال الملتفة حول برج هوجورتس، حتى اختفى جسده بهدوء داخل دوامة من السحر الخافت.
اختفى كما يختفي الحلم عند الفجر... لا صوت، لا أثر، مجرد اختفاء سلس يليق بساحر لم يعد جزءًا من المكان.
وما هي إلا لحظات، حتى تجسدت قدماه من جديد فوق حجارة مرصوفة بدقة... لكن هذه المرة لم يكن هناك صوت خطوات ، ولا حتى نسيم البحيرة المالح.
كان الهدوء هو السيّد هنا، ولم يكن أمامه سوى الشارع السحري الأشهر في بريطانيا: شارع دياجون آلي.
رفع ألبرت رأسه قليلاً، تطلع إلى السماء الرمادية التي تغطي المكان بسحابة صيفية ثقيلة، وكأنها تحجب عنه نور الشمس المتكاسلة.
كان شارع دياجون آلي شبه خالٍ... وربما كان ذلك هو ما يفضله في هذه اللحظة.
كان يعلم أن الشارع لن ينبض بالحياة إلا بعد شهر ونصف تقريبًا، حين تقترب بداية السنة الدراسية الجديدة، وحين تبدأ العائلات الساحرة بالتوافد على المحال لشراء الكتب، العصي، والعباءات.
مرّ ألبرت بخطى هادئة أمام متجر فلوريش آند بلوتس، مكتبة ضخمة تحتوي على رفوف لا تُحصى من الكتب السحرية القديمة والجديدة، حيث كانت نوافذها مغلقة جزئيًا، ومجموعة من الكتب تطير داخل الزجاج وكأنها تبحث عن ترتيب جديد.
تابع السير، متأملًا بهدوء واجهة متجر أوليفاندر الشهير، ذاك الذي كان فيه منذ سنوات عديدة ، تمامًا كما فعل غيره من طلاب السنة الأولى في بداية رحلتهم السحرية.
الباب مغلق، لكن خلف الزجاج، العصي مصفوفة بدقة جنائزية تكاد تنبض بالحياة، وكأن كل واحدة منها تنتظر أن تُختار.
كان هناك شيء هادئ في هذه الشوارع اليوم... الهدوء الذي يسبق العاصفة، أو ربما هو الهدوء الذي يسمح للذكريات أن تطفو دون مقاومة.
أكمل ألبرت السير، يلف ملابسه حول جسده النحيل. أصوات العالم العادي كانت بعيدة هنا.
لا سيارات، لا صراخ، فقط الهواء الساكن، وبعض ندف من الغبار السحري المتطاير من نوافذ مغلقة.
وفجأة، عندما تجاوز زاوية ضيقة تُفضي إلى الجزء الجنوبي من الشارع، لمعت أمامه واجهة متجر لم يسبق له أن رآه من قبل.
توقف.
رفع نظره ببطء، متأملًا المبنى الغريب.
كان المتجر كبيرًا من ناحية الطول، ويمتد صاعدًا بثلاثة طوابق تميزت عن غيرها من المباني بتصميم لا يشبه شيئًا رآه من قبل.
بدا كأنه خرج من مخيلة ساحر غريب الأطوار، أو كأن المبنى نفسه يتنفس، يتحرك، يُراقب.
طلاؤه كان صرّاخًا، صاخبًا، متحديًا لبقية المحال التقليدية من حوله. اختلط البرتقالي الناري الذي يشتعل من الزوايا، مع الأرجواني البنفسجي في السقف المنحني، وحتى بعض لمحات اللون الأسود التي كانت تتسلل مثل الدخان على الحواف.
كان التصميم يلفت الأنظار من بعيد، كأنما يصرخ لمن يمر: "توقف، وانظر ! هذا المتجر ليس كغيره."
وفوق الواجهة اللامعة، رفرف سحرٌ خفيف يحرك لافتة ضخمة كأنها حيّة، ومكتوب عليها:
> "AFG Family"
حروف لامعة، مشعة، ينبثق منها وهج غريب كأنها وُقِّعت بتعويذة لم تُسجّل بعد في كتب هوجورتس.
وقف ألبرت مكانه دون أن يتحرك، يحدق بالمتجر بصمت. عيناه لم تطرفا.
يتبع ...