الفصل 320
فتح دمبلدور البوابة الأمامية ومشى بسرعة وهدوء عبر ممر الحديقة و هاري يتبعه، ثم دفع الباب الأمامي ببطء، بينما إصبعه السبابة مرفوعة في وضع الاستعداد.
دمبلدور " لاموس ".
اشتعل طرف اصبع دمبلدور ملقيًا بضوئه على رواق ضيق، يوجد على يساره باب آخر مفتوح، وخطا دمبلدور إلى حجرة الجلوس رافعا اصبعه المشتعلة إلى أعلى و هاري خلفه مباشرة.
كان المكان مدمرا تماما، وكان حطام ساعة من النوع الذي يقف مستندًا على الحائط متناثرًا عند أقدامهم وقد تحطم وجهها الزجاجي وسقط بندولها على مسافة قريبة منها كأنه سيف وقع من يد صاحبه وكان بجانبها بيانو قد تناثرت مفاتيحه في كل مكان على الأرض وبجوارها يلمع حطام إحدى الثريات التي سقطت، أما الوسائد فملقاة على الأرض، وقد برز الريش من شقوق في جوانبها، وكانت هناك شظايا من الزجاج والصيني متناثرة مثل البودرة فوق كل شيء، رفع دمبلدور عصاه أكثر إلى أعلى حتى وقع ضوئها على الحوائط التي ظهر عليها بقع من شيء لزج لونه أحمر قان متناثر على ورق الحائط.
أخذ هاري نفسًا صغيرًا بصوت مسموع؛ مما جعل دمبلدور ينظر حوله وقال بثقل: " ليس منظرًا جميلاً، يبدو أن شيئًا فظيعا قد حدث هنا ".
تحرك دمبلدور بحرص إلى وسط الغرفة، وأخذ يتفحص الأشياء المحطمة عند قدميه، وتبعه هاري محدقا إلى ما حوله وهو شبه خائف؛ مما قد يكون مختبئا خلف حطام البيانو أو الأريكة المقلوبة ولكن لم يكن هناك أثر لأية جثة.
حاول هاري ألا يتخيل مدى خطورة الجروح التي نتج عنها مثل تلك البقع من الدم التي تلطخ نصف الحائط، وقال: " ربما حدثت معركة وأخذوه معهم عنوة يا أستاذ ".
قال دمبلدور بهدوء وهو ينظر خلف كرسي منجد ذي ذراعين
مقلوب على جنبه: " لا أعتقد هذا "
هاري: " أتعني أنه... ".
دمبلدور " مازال هنا في مكان ما ! نعم ".
وفجأة انقض على المقعد ذى الذراعين ووخزه بطرف سبابته فصدر منه صوت توجع: " آي "
اعتدل دمبلدور واقفا وقال: "مساء الخير يا هوريس "
فغر هاري فمه من الدهشة؛ حيث حل مكان المقعد الذي كان موجودًا منذ أقل من ثانية رجل عجوز أصلع وسمين ، يدعك الجزء الأسفل من بطنه وينظر بضيق نحو دمبلدور بعينين دامعتين عاتبتين.
قال بصوت أجش وهو يعتدل بصعوبة ليقف على قدميه: " لم يكن هناك داع أن تنغزني في جسمي بهذه القوة، لقد آلمتني "
تألق الضوء الصادر عن سبابته على رأسه الأصلع وعينيه البارزتين وشاربه الفضى الكثيف المتهدل من الجانبين مثل شارب فيل البحر والأزرار اللامعة لسترته المخملية ذات اللون الأحمر الداكن التي يرتديها فوق منامته الحريرية ذات اللون الأرجواني، وكانت قمة رأسه بالكاد تصل إلى ذقن دمبلدور.
قال بصوته الأجش وهو مازال يدلك بطنه ويحاول الوقوف بثبات " ما الذى كشف الأمر؟ " ولم يبد عليه أي أثر للإحراج الذي قد يبدو على رجل تم اكتشافه وهو يتظاهر بأنه مقعد ذو ذراعين.
قال دمبلدور وهو يبدو مستمتعا بما يحدث: "عزیزی هوریس لو أن أكلي الموت قد حضروا إلى هنا بالفعل لوضعوا علامة الظلام على المنزل " .
ضرب الساحر بيده القصيرة السمينة مقدمة رأسه العريضة، وغمغم قائلا: " علامة الظلام، لقد عرفت أن هناك شيئًا ... آه، حسنا، وعلى أية حال لم يكن لدى وقت كنت قد انتهيت بالكاد من وضع اللمسات النهائية الخاصة بالفرش الذي يغطيني عندما دخلتم إلى الغرفة ".
ثم تنهد بشدة .
قال دمبلدور بأدب: " هل تحتاج إلى مساعدتي في إعادة ترتيب المكان؟ "
قال الآخر: " لو سمحت "
وقف الساحران الطويل النحيف والقصير السمين وظهر كليهما إلى ظهر الآخر، ولوح أحدهما بعصاه السحرية و الاخر بسبابته رحركة مائلة متماثلة؛ فعاد الأثاث سليمًا إلى مكانه الأصلي، بينما الزخارف تتكون من جديد في الهواء، والريش يعود إلى داخل الوسائد، والكتب الممزقة أصلحت نفسها قبل أن تهبط على رفوفها، والمصابيح الزيتية اشتعلت وحلقت عائدة إلى الموائد الجانبية، وكمية كبيرة من شظايا إطارات الصور الفضية طارت عبر الغرفة وهى تلمع، ثم هبطت في مكانها على المكتب كاملة ونظيفة واختفت كل الشقوق والثقوب من كل مكان ونظفت الحوائط نفسها.
سأل دمبلدور بصوت عال ليطغى على صوت قرع الساعة التي عادت سليمة بجوار الحائط " بالمناسبة، أي نوع من الدم كان هذا؟ "
صاح هوريس " على الحوائط، دم تنين "
حيث كان صوت رنين وجلجلة النجفة وهى تعيد تثبيت نفسها بالسقف يصم الآذان.
ثم سمع صوت رنة أخيرة من البيانو قبل أن يسود الصمت.
كرر هوريس فاتحا الحديث: "نعم، تنين، آخر زجاجة معي، لقد أصبح سعره غاليا جدا حاليًا، ولكن يمكن استخدامه أكثر من مرة "
مشى متثاقلاً حتى وصل إلى زجاجة كريستالية صغيرة موجودة فوق البوفيه ورفعها إلى الضوء؛ ليفحص السائل الثقيل بها.
" آه، مترب قليلا "
وأعاد الزجاجة فوق البوفيه وتنهد، وعندها سقط نظره على هاري
ثم قال: " آه ".. وعيناه الكبيرتان المستديرتان تحدقان إلى ندبته التي تشبه البرق على مقدمة رأسه.. " آه ! "
تقدم دمبلدور ليقدمهما إلى بعضهما البعض، وقال: " هذا هو هاري بوتر .. هاري ، هذا هوريس سلجهورن ، أحد أصدقائي وزملائي القدامى " .
التفت سلجهورن إلى دمبلدور ، وقد ظهر على وجهه الفهم. وقال: " إذن، هذه هي الطريقة التي ستقنعنى بها، أليس كذلك؟ الإجابة هي نعم، ليس كذلك يا ألباس " .
ثم مر بجوار هاري مبعدًا وجهه بتصميم، وقد بدا مثل رجل يقاوم إغراء شديدًا.
سأل دمبلدور: " على الأقل يمكننا أن نشرب شيئًا من أجل خاطر معرفتنا السابقة " .
تردد سلجهورن ، ثم قال بغلظة: " حسنا ، ولكن كأس واحدة فقط " .
ابتسم دمبلدور لهاري وأرشده إلى كرسي يختلف عن الكرسي الذي كان سلجهورن يجسده بالقرب من المدفأة حديثة الاشتعال والمصباح الزيتى ذى الإضاءة القوية، جلس هاري وكان لديه شعور بأن دمبلدور لسبب ما يريد أن يبقيه مرئيا قدر الإمكان، ومن الطبيعي أن سلجهورن الذى كان مشغولاً بصب الشراب في الكؤوس عندما يستدير لمواجهة الغرفة ستقع عيناه على هاري فورا.
وعندما استدار ورآه قال: "أف " وأبعد نظره بسرعة وكأنه خائف من إيذاء عينيه، وأعطى الكأس إلى دمبلدور الذي جلس بدون دعوة، ودفع الصينية إلى هاري، ثم غرق بين وسائد الأريكة التي تم إصلاحها.
وكانت رجلاه قصيرتين جدا حتى إنهما لم تلمسا الأرض.
سأل دمبلدور: " حسنًا، كيف حال صحتك يا هوريس ؟"
قال سلجهورن بسرعة: " لست في حالة طيبة؛ فصدرى ضعيف ومصاب بضيق التنفس، وأصبحت أتحرك بصعوبة بسبب الروماتيزم ولكن كل هذا متوقع بسبب تقدم العمر والتعب "
قال دمبلدور: " ومع ذلك، فإنك يجب أن تكون قد تحركت بسرعة كبيرة جدًا لإعداد مشهد الترحيب الذي شاهدته عند دخولنا في مثل هذا الوقت القصير، فلا يمكن أن يكون لديك أكثر من ثلاث دقائق قبل دخولنا " .
قال سلجهورن وهو شبه منفعل وشبه فخور: " دقيقتان فقط، فلم أسمع الإنذار السحرى الذي وضعته ضد المتطفلين وهو ينطلق؛ لأنني كنت أستحم " .
وأضاف بصرامة وقد بدا أنه بدأ يتمالك نفسه: " ومع ذلك، فحقيقة الأمر أننى رجل عجوز يا ألباس ، رجل عجوز متعب أصبح من حقه أن يعيش حياة هادئة ويتمتع ببعض وسائل الراحة الموجودة في الحياة "
قال هاري فى نفسه وهو ينظر حوله في أنحاء الغرفة: " إنه بالفعل يتمتع بوسائل الراحة؛ فقد كانت الغرفة ممتلئة بالأثاث وغير منظمة إلا أن أحدًا لا يستطيع أن يقول إنها غير مريحة. فقد كان بها كراسي ووسائد مريحة ومساند للقدمين، ومشروبات وكتب، وصناديق شيكولاتة.
لو أن هاري لم يكن يعلم من الذى يسكن بالمكان لكان حزر أنها عجوز غنية ومطلوبة.
قال دمبلدور: " ولكنك لم تبلغ عمرى بعد يا هوريس ".. فقال سلجهورن بفظاظة وقد سقطت عيناه الصفراوان على يد دمبلدور المصابة: " حسنًا، ربما آن الأوان أن تفكر في التقاعد يا ألباس ".
وأضاف: " الاستجابة أصبحت أبطأ كما أرى " .
يتبع ...