الفصل 329

( اندرسون نيلسون )

خرج اندرسون أخيرًا من بحر ذكريات يوري سيرام، شعوره مختلط بين التركيز والانتباه الحاد لكل ما شاهده للتو.

وقف للحظة، اتخذ وضعية التفكير، وبدأ يهمس مع نفسه بصوت منخفض ولكنه حاد:

"هذا هو سبب وجود ذالك الاثنان من اكلي الموت الآخرين خارج الوزارة اذن ؟؟! أممم..."

ألقى نظرة سريعة على ساعته اليدوية، ولاحظ أن الدقيقة التي قال للسكرتيرة إنه سيتأخر فيها قد مرّت بالفعل.

ابتلع لحظة التأمل، ثم تحرك بسرعة.

بهدوء واحترافية، أزال تعويذة المجال التي ألصقها على المكان، ليعود كل شيء إلى طبيعته.

قبل أن يختفي، ألقى نظرة أخيرة على خصميه من أكلي الموت الذين كانوا مرميين على الأرض، ثم قال بصوت منخفض مزيج من الدهشة والثقة:

"لم أتوقع أن فولدمورت سيتحرك مبكرًا نحو الوزارة. للسيطرة عليها "

قبل أن يختفي ، كان يدري انه بعد دقائق سيتم ايجاد هذان الاثنان من اكلي الموت من طرف الاوروز الموجودين هنا في وزارة لسجنهم ( الاورورز هم سحرة المدافعين ضد السحر الاسود و هم سحرة مجندين مع الوزارة مثل ألبروفيسور آلستر مودي و كينجسلي و ايضا تونكس هم اورورز )

لدالك وبابتسامة واثقة على وجهه، اختفى من المكان كأنه لم يكن موجودًا قط، تاركًا وراءه صمتًا يخيم على الأجواء وكأن اللحظة لم تحدث أبدًا.

بعد لحظات، ظهر اندرسون من جديد في زقاق داخل وزارة السحر، حيث صدى أصوات الهتاف والتقاطات الكاميرات ملأت المكان، وامتزجت برائحة الورق والحبر الذي يملأ الصحف والمجلات المخصصة لتغطية الأحداث الرسمية.

ما إن خرج من تلك الردهة، حتى اكتشف نفسه محاطًا بمجموعة من الصحفيين والكتّاب، وجميعهم يحملون الكاميرات وأوراق الملاحظات، تنتاب وجوههم مزيج من الدهشة والحماس.

بمجرد أن لاحظ الجميع دخول اندرسون، توقفت كل الحركات للحظة، ووجّه الجميع عدسات الكاميرات نحوه، تاركين وزير السحر روفوس سكريمجور الذي كان يتحدث على الخشبة، وكأن الضوء كله انصب على اندرسون فجأة.

تقدم أحد الصحفيين، وهو يحمل حماية واضحة، بيده ورقة وقلم، وابتسامة مهذبة على وجهه، وسأل بحماس:

"كيف حالك يا سيد اندرسون؟! كيف تشعر الآن، وأنت ستكون أخيرًا نائب الوزير؟ لطالما حلمت أن تصبح وزير السحر !! الا يعني ان هدا انك قريب ان تصبح وزير السحر كما حلمت منذ تلاثين سنة و انت تعمل في الوزارة ؟؟ "

خلف هذا الصحفي، تجمّع باقي الصحفيين والمشاهدون، وكانت الكاميرات كلها موجهة إلى اندرسون، تلتقط كل حركة وكل تعبير على وجهه.

ابتسم اندرسون ابتسامة هادئة، مغمضًا عينيه للحظة، ثم رفع يده إلى الصحفي ليقول بصوت واثق:

"سأجيب عن جميع تساؤلاتكم، فقط قليل من الصبر من فضلكما ."

بعدها، بدأ التقدم بخطوات ثابتة نحو الخشبة التي كان يقف عليها وزير السحر روفوس سكريمجور الذي كان يبدو بمظهر رائع مثله مثل اندرسون لكن روفوس كان يملك شعر اسود داكن مطلوق و كثيف و قليل من تجاعيد على وجه ، و الذي نظر إليه بطريقة غريبة، مشوبة بمزيج من الفضول و الغرابة

لكن ما إن وصل اندرسون إلى جانبه، حتى تغير موقف الوزير بالكامل. كان وجهه المصطنع يتحول إلى ابتسامة مصطنعة، محاولة مواكبة الحدث وإظهار الود.

عانقه روفوس بابتسامة مصطنعة، وقال بصوت مهذب ومليء بالمجاملة:

"كيف حالك يا سيدي؟ هل أنت بخير؟ لقد سمعت أنك تواجه صعوبة مع المرض هذه الأيام !"

ربت اندرسون بيده على ظهر الوزير بابتسامة دافئة، وهو يجيب بمرح:

"هاهاها، لا تقلق يا سيد روفوس، أنا بخير. كما تعلم، العمل لا يتركك أن تشعر بالراحة كما هو معروف."

كان جميع الصحفيين والأشخاص الذين يحملون الكاميرات يلتقطون الصور بشكل متواصل، كلما كان اندرسون وروفوس يتحدثان، وملأت الفلاشات المكان بضوء متقطع كأنه سيمفونية صغيرة من الضوء والحركة.

.

.

.

.

مرّت أكثر من سبع دقائق واندِرسون ما يزال واقفًا بثبات، يواجه سيلًا من الأسئلة المتدفقة من الصحفيين.

كانت الكاميرات تلتقط كل ابتسامة، وكل حركة من يده، وكل تغير طفيف في ملامح وجهه ، ومع ذلك، كان يجيب على أسئلتهم بطريقة هادئة، بصوت رخيمٍ محسوب، وكأن الزمن بالنسبة له يسير ببطء شديد، لا بعجلة الصحفيين المتعطشين لكل كلمة منه.

كان المشهد أشبه بمسرحٍ واسعٍ، والجميع فيه ينتظر ردود هذا الرجل العجوز الذي غدا فجأة محط أنظار وزارة بأكملها.

نظرات الثقة التي كان يوزعها على الصحفيين، وطريقته في إمالة رأسه قليلًا عند الإجابة، جعلت من حضوره طاغيًا، مهيمنًا على المكان برمته.

وبينما الجو يغلي من ضجيج العدسات وأصوات الأقلام التي تكتب بسرعة على الأوراق، تقدّم الوزير روفوس سكريمجور بخطوات بطيئة محسوبة.

على وجهه ارتسمت ابتسامة مجبرة، تخفي وراءها ما يعجز قلبه عن قوله. كان يحمل في يده وسام الوزارة، يلمع تحت الأضواء، رمزًا للمنصب والثقة والشرعية.

اقترب روفوس من اندِرسون، تبادل معه ضحكة قصيرة باهتة، ثم رفع الوسام بكل وقارٍ، وأحكم تثبيته على صدر سترة اندرسون، تحديدًا على الجهة اليمنى.

وفي اللحظة ذاتها، انفجر المكان بالتصفيق الحار، موجة صاخبة من التصفيق والهتاف غمرت القاعة.

وقف اندِرسون بثبات، عيناه مغمضتان للحظة، ثم رفع يديه إلى الأعلى، في إشارة شكر للجميع، صوته الداخلي يردد ما لم ينطق به شفاهه: أن هذا المنصب لم يُعط له إلا نتيجة إخلاصهم وثقتهم.

كانت حركته تلك كفيلة بزيادة حرارة التصفيق، حتى بدا كأن القاعة نفسها تهتز تحت وقع التصفيق الجماعي.

وبعد أن هدأ المكان شيئًا فشيئًا، انحنى اندِرسون قليلًا نحو الوزير روفوس، وصوته بالكاد مسموع وسط سكون الجمهور:

" سيدي الوزير، سأعود إلى هنا مرة أخرى... لكن الآن عليّ أن أذهب للمرحاض لقضاء حاجتي."

أومأ روفوس بابتسامة متكلّفة، حاول أن يجعلها تبدو طبيعية، وقال بصوت هادئ:

"بالطبع، بالطبع... تفضل يا سيد اندرسون ."

غادر اندرسون المكان بخفة غريبة، وكأنه شبح ينساب وسط الممرات دون أن يترك وراءه أثرًا.

لكن، وبينما كان يسير، بدأ شعور غريب يتسلل إلى أحشائه. الغثيان... كأنه موجة بحرٍ عاتية تضربه من الداخل، تدفعه إلى حافة الانهيار.

التقط أنفاسه بصعوبة، وعرق بارد بدأ يتصبب من جبينه. لم يستطع أن يحافظ على هدوئه هذه المرة.

وفجأة، بدأ بالركض. خطواته كانت سريعة بشكل غير متناسب مع مظهره كرجل عجوز. بدا للوهلة الأولى وكأنه فقد وقاره تمامًا، يركض بجسدٍ متعب لكن مدفوع بقوة داخلية خفية، وكأن حياته تعتمد على وصوله في الوقت المناسب.

فتح باب المرحاض بعجلة، وانحنى مباشرة فوق المغسلة، تقيأ بعنف، صوت اختلاط القيء بالماء ارتطم بجدران المكان الصامتة، وارتجفت يداه وهو يمسك بالحافة المعدنية. ثم بدأ شيء أغرب يحدث...

ملامح وجهه بدأت تتحرك، تتلوى، كأنها قناع يتكسر تحت ضغطٍ غير مرئي. شعره الأشيب تراجع شيئًا فشيئًا، ينساب بلونٍ مختلف الى ان اصبح ببطء اللون الاسود الداكن ، بينما تجاعيد وجهه تنمحي كما تُمسح الكتابة عن صفحة بيضاء.

بشرته تتغير، أنفه، عيناه، ابتسامته... كل شيء يتحول أمام المرآة التي تعكس هذه الحقيقة.

وبعد ثوانٍ قليلة، لم يعد هناك أثر لذلك العجوز المسمى اندرسون. لقد تكشّف وجهه الحقيقي، وجهٌ لم يتوقع أحد أن يراه هنا، الآن.

الرجل الذي كان يتقمص دور اندرسون لم يكن سوى ألبرت بلاك.

يتبع ...

2025/08/23 · 14 مشاهدة · 1046 كلمة
نادي الروايات - 2025