الفصل 330
مسح آلبرت فمه بيده المرتجفة بعد أن تقيأ بعنف، صوته يخرج متقطعًا وهو يتمتم بتألم:
"أخخ... بطني... كم يؤلمني... لم أتوقع أن تكون لهذه التعويذة المتقدمة آثار جانبية بهذا القدر من الألم..."
كان جسده يئن في صمت، وأمعاؤه تلتوي وكأنها تتصارع مع شيء داخلي، لكن عينيه، رغم الإرهاق، ظلتا متقدتين بوميض التصميم.
وفجأة، عاد بذاكرته خمسة شهور إلى الوراء...
تذكّر بوضوح تلك اللحظة داخل المكتبة المحظورة في مدرسة السحر هوجوورتس، حيث كان يجلس أمام جده الأكبر، سالازار سليذرين، ذلك الساحر الأسطوري الذي يفيض حضوره بالرهبة.
جلس سالازار على مقعد خشبي ضخم الذي جسّده سالازار بحركة واحدة من عصاه السحرية ، يمرر أصابعه ببطء عبر لحيته الطويلة الكثيفة، ثم قال بصوت هادئ عميق، تردد صداه بين جدران المكتبة:
"هذه التعويذة... في عصركم الحالي تُعتبر من بين السحر القديم، السحر الذي كان يُمارس في زماني. أليس كذلك يا بُني؟"
كان آلبرت ينظر إليه، وفي ذهنه يتقاطع مشهد آخر من حياة سابقة عاشها في عالم آخر... مشهد من أحد أفلام هاري بوتر التي شاهدها قبل موته هناك، حينما استطاع جريندلفالد أن يتحول إلى شخص آخر بتعويذة تحويل معقدة من هذا السحر القديم.
أومأ آلبرت برأسه وأجاب بتركيز:
"نعم... هذا ما قرأته في أحد الكتب هنا، في المكتبة المحظورة."
ابتسم سالازار بخفة، نظرة فخر ودهاء تعبر في عينيه، ثم قال:
"جيد... هذا يعني أنك تدري عن الآثار الجانبية لهذه التعويذة المتقدمة والصعبة. رغم أنني لا أشك في موهبتك القوية وعبقريتك، إلا أن إزالة تلك الآثار ليس أمرًا سهلاً. ففي كل مرة تستعمل فيها هذه التعويذة، سيهاجمك غثيان قوي للغاية، يجعلك تظن أن بطنك سينفجر، و سيجتاحك تعب هائل. لكن... كل هذا سيزول بعد مدة قصيرة."
شحب وجه آلبرت قليلًا عند سماع ذلك، وصوته خرج مترددًا:
"هل هذه الآثار الجانبية... تكون دائمة في كل مرة أستعمل فيها هذه التعويذة؟"
ساد صمت قصير قبل أن يجيب سالازار، كان يمشي بين الطاولات الخشبية المصفوفة، يمسح الغبار بيده كأنه يستحضر ذكرى قديمة.
قال ببطء وهو غارق في التفكير:
"حسنًا... عندما كنت حيًا في أيامي المجيدة، لم أستعمل تلك التعويذة كثيرًا. لكن... بعد أن تكيف جسدي شيئًا فشيئًا مع كل مرة أتقمص فيها جسد الآخرين، بدأ جسدي يتقبل تلك الآثار الجانبية، ويقاومها."
حينها شعر آلبرت بشيء من الارتياح ينساب في صدره ، لم يكن يطيق أن يتخيل نفسه يتقيأ فجأة في وسط قتال مصيري، أو أن ينهار جسده أمام عدو لا يرحم.
مجرد التفكير في هذا السيناريو كان كابوسًا بالنسبة له، وكاد أن يجعله يبتسم بمرارة لمجرد أن الأمر لم يحدث بعد.
نظر سالازار مباشرة في عينيه، كأنما يحاول سبر دوافعه الخفية، ثم سأله بنبرة فضولية:
"لماذا تصر على تعلم هذه التعويذة إلى هذه الدرجة؟"
أجاب آلبرت دون تردد، وصوته يحمل صلابة نادرة:
"لأنني أريد أن أتسلل إلى عقر دار عدوي."
ارتفع حاجبا سالازار قليلًا، وكأن الجواب لم يُشبعه تمامًا، لكنه لم يُطل النقاش ، اكتفى بإيماءة باردة، ثم أخرج عصاه السحرية الطويلة التي كانت تلمع بوهج قديم، وقال بنبرة حاسمة:
"حسنًا... فلننتقل إذن إلى شرح هذه التعويذة. سأريك ما يجب أن تقوم به لتنجح في إتقان هذا التحويل."
رفع آلبرت عصاه بدوره، قلبه يخفق بسرعة. بدأ يركز بكل كيانه، كأنه يريد أن ينقش هذه اللحظة في ذاكرته إلى الأبد.
ومع كل حركة يقوم بها سالازار، كان آلبرت يقلدها بدقة، غارقًا في بحر التركيز، كأنه يتنفس التعويذة نفسها.
بحركة واحدة من عصا سالازار غيّر المكان الذي كان يقف فيه هو نفسه و آلبرت ، حيث كانت الحجرة المظلمة التي يجلس فيها آلبرت أشبه بمكان خرج من رحم العصور السحيقة، حيث تتدلى المشاعل على الجدران الحجرية العالية فتبعث نورًا مرتعشًا يرقص فوق السقف المقوس العتيق.
الهواء كان ثقيلاً، وكأن الزمن نفسه قد توقف عند هذه النقطة، في وسط القاعة جلس سالازار سليذرين، بملامحه التي يكسوها الغموض، عيناه الخضراوان تلمعان كجمرتين تحت أهداب طويلة، وصوته العميق الممزوج بالرهبة يتردد صداه في الفراغ.
رفع سالازار عصاه السوداء المزخرفة بنقوش قديمة، خطوطها تلمع بخيوط فضية غامضة، ثم تحدث ببطء، وكأنه يزن كل كلمة قبل أن يطلقها:
"أولاً يجب أن تعرف أنه ليس أي شخص يستطيع أن يتقن هذه التعويذة بسهولة، فهذه تعويذة تملك نسبة أن يتقنها شخص واحد بين خمس ملايين شخص في العالم بشكل جيد فما بالك ان يتقنها شخص بشكل كامل و ان يتطور فيها ."
اهتزت النار في المشاعل فجأة كما لو أنها انحنت احترامًا لهيبة كلماته، بينما شعر آلبرت بقشعريرة تتسرب في أوصاله ، كانت الكلمات ثقيلة، تحمل معها وقع الحقيقة المطلقة.
تابع سالازار، وهو يمرر عصاه في الهواء بحركات دقيقة أشبه برسم رموز غير مرئية:
"هناك شروط معقدة يحتاج الشخص أن يقوم بها لكي ينجح تحوله للشخص الذي يريد أن يتقمص مظهره بكل سهولة."
كان صوته يعلو وينخفض كأمواج البحر، أحيانًا يحمل حدة حادة كالسيف، وأحيانًا يهبط إلى همس رخيم يتسلل مباشرة إلى أعماق القلب.
"أولاً، يجب من المستخدم أن يمتلك قوة سحر عالية جدًا، فهذه التعويذة تستهلك كمية خرافية من السحر. وهذا ما يأتينا إلى آثارها الجانبية… التقيؤ، والتعب الشديد، والإرهاق الذي يفتك بالجسد إثر الاستهلاك الكبير من قوة الساحر."
حرك سالازار يده الحرة كأنه يرسم صورة مرعبة في الهواء، وصدى كلماته كاد أن يُثقل صدر آلبرت.
"كلما كانت كمية السحر كبيرة لدى الشخص، كلما طالت مدة التحول."
ساد صمت قصير، ولم يكن يُسمع سوى طقطقة النار وهي تلتهم الخشب. ثم عاد صوت سالازار يخترق الصمت، صوته ممتلئ بالصرامة:
"ثانيًا، يجب أن يعرف الساحر تفاصيل دقيقة عن الشخص الذي يريد أن يشبهه… ملامح وجهه و كل تفصيلة فيه ، الطول، أسلوب الشعر ولونه، وحتى صوته. كل تفصيلة صغيرة، كل انحناءة في الابتسامة، كل نبرة في الكلام، يجب أن تُحاكي بدقة ، و هدا ما يأتينا الى صعوبة انه ليس من سهل بتاتا ان يتقن اي شخص هذه التعويدة تحتاج موهبة جبارة و عبقرية لإتقانها ."
بدا كأن المكان يضيق أكثر حول آلبرت كلما انحدرت الكلمات من فم سالازار، كأنها قيود تُحكم إغلاقها عليه.
أخذ سالازار نفسًا عميقًا، عيناه تركزان في عيني حفيده بثبات مخيف، ثم قال:
"أما الشرط الأخير، فهو التركيز المستمر للحفاظ على الشكل الذي يتقمصه المستخدم. يحتاج أن يكون على حذر شديد من أن يتم كشفه… والتركيز الذي أقصده لا ينفصل عن الشرطين السابقين، بل يعتمد عليهما. فهناك لحظات تظهر فيها مشاكل في التحول… قد يعود لون الشعر إلى الأصلي، أو تتغير ملامح الوجه فجأة لتعود إلى طبيعتها. وحينها لا بد أن تعيد الجانب الذي يعود إلى طبيعته بالتعويذة فورًا، وإلا انكشف أمرك."
ساد القاعة سكون ثقيل، حتى النيران بدت وكأنها انكمشت في أماكنها احترامًا لرهبة ما قيل.
أنهى سالازار كلامه أخيرًا وهو يحدق بعمق في آلبرت، حدقة تحمل مزيجًا من القلق والاختبار:
"أنا أظن أنك ستمر بوقت عصيب هذه المرة يا حفيدي. رغم أنك تواكب بعض الشروط… لكن هذا ليس بأمر سهل لك."
اختفت الكلمات في صدى الجدران، وبقيت نظرة سالازار العميقة معلقة بين الظل والنور، كأنها تنبؤ لمستقبل محفوف بالصعاب.
كان آلبرت يخرج ببطء من دوامة أفكاره الثقيلة التي التصقت بعقله كظلال لا تزول.
رفع رأسه قليلًا داخل المرحاض البارد، حيث لم يكن يسمع سوى صوت أنفاسه المتقطعة وقطرات الماء المتساقطة من الصنبور.
مد يده المرتعشة إلى الصنبور النحاسي، أدار المقبض حتى اندفعت المياه ببرودتها اللاذعة، ثم انحنى وغسل وجهه بعنف كمن يحاول أن يطرد التعب من أعماقه.
شعر بالماء ينساب على وجنتيه، يختلط بخطوط القلق التي رسمتها الأيام الأخيرة، ويترك أثرًا من الصفاء البارد الذي سرعان ما تبخر.
رفع نظره إلى المرآة المعلقة فوق الحوض، وكان يرى ملامحه الحقيقية: وجهه الأصلي، الحاد الملامح، المليء بجروح غير مرئية من الذكريات.
لكن لم يكن له الحق أن يظهر بهذا الوجه الآن ، همس مع نفسه بهدوء قاسٍ، ثم أخرج عصاه السحرية من ردائه، رفعها نحو انعكاسه في المرآة، وتمتم بكلمات التعويذة التي علّمها له سالازار منذ زمن.
بدأ وجهه يتغير ببطء، كما لو أن قناعًا سحريًا ينمو من تحت جلده، أول ما تغيّر هو عينيه، انطفأ بريقهما الأزرق الداكن ليتحوّل إلى لون رمادي بارد يحمل جمودًا يشبه زجاجًا مكسورًا.
بعد ذلك تحركت عظام وجنتيه، ارتفعت قليلًا وكأن قوة خفية تعيد تشكيل جمجمته نفسها.
شعره الأسود تراجع إلى لون ابيض بالكامل ، لامع قليلًا تحت أضواء المرحاض الباهتة، خطوط فكه تكسرت وأعيد تشكيلها، فغدا أكثر خشونة، وفي ثوانٍ فقط اكتمل التحول: لم يعد وجه آلبرت يطل من المرآة، بل كان أمامه وجه "أندرسون" بكل تفاصيله ، تلك الملامح الصلبة، النظرة الباردة، وحتى التجاعيد الدقيقة حول الفم.
تنفس آلبرت ، او أندرسون الآن بعمق، مسح قطرات الماء الأخيرة عن وجهه المتحوّل، ثم أعاد عصاه إلى ردائه.
لم يترك في المرآة أثرًا لذاته الحقيقية، فقط القناع الجديد الذي ارتداه بإتقان.
خرج من المرحاض بخطوات ثابتة، وكأنه لم يحدث له شيء، وكأن العالم لم يتغير داخله قبل دقائق.
كان يسير في ممرات الوزارة بخطوات محسوبة، يجر جسده بجلالٍ مصطنع كما يفعل أندرسون الحقيقي.
عيناه تتحركان ببطء، يراقبان كل من يمر بجانبه دون أن يثير أي شك.
لكن داخله كان يغلي ، كان ذهنه يستعيد بداية هذه المهمة، تلك اللحظة التي قرر فيها أن يتقمص دور أندرسون.
قبل نصف ساعة من الآن، على أبواب الوزارة…
في زقاق جانبي ضيق، يختبئ بين جدران عالية متآكلة، كان آلبرت قد ظهر من فراغٍ صامت.
المكان معزول تمامًا، لا ضجيج فيه سوى خرير الريح التي تتسلل من بين صناديق مهترئة ومواسير صدئة.
هناك وقف بثبات، يمد يده إلى جيبه ويتأكد أن كل ما يحتاجه موجود في مكانه.
رفع رأسه نحو السماء الملبدة بالغيوم الرمادية، ثم إلى البوابة الضخمة للوزارة التي كانت قريبة جدًا.
المكان يعج بالحركة: موظفون يدخلون ويخرجون، أصوات خطوات متعجلة، أرواب تتحرك كالأمواج السوداء، وحراس بعيون حادة يراقبون الداخل والخارج، كان يعلم أن أي خطأ صغير قد ينهي مهمته قبل أن تبدأ.
لم يكن قد جاء لمجرد الدخول إلى الوزارة عبثًا ، خطته كانت أكبر وأخطر ، كان يعرف جيدًا أن فولدمورت لن يطول به الأمر حتى يمد يده إلى الوزارة ليحكم قبضته على الإعلام والسيطرة السياسية.
وإذا نجح، فسيكون من المستحيل تقريبًا هزيمته ، لهذا، كان آلبرت قد قرر أن يسبق خطواته، أن يزرع الفوضى في مساره، وأن يجعل الأرض تحترق تحت قدميه قبل أن يثبت نفسه.
لكن كان هناك هدف آخر أكثر خطورة من مجرد إفشال خطة فولدمورت: قلادة سليذرين. الهوركروكس الذي تحتفظ به أمبريدج كغنيمة شخصية في مكتبها دون ان تدري هي إن قلادة التي تحملها كانت احدى أجزاء من ارواح فولدمورت ، إن دمّره، فسيكون قد قطع جزءًا من روح سيد الظلام نفسه.
وكان يعلم أن ذلك سيكون بمثابة ضربة هائلة في الحرب الأخيرة.
ارتجف قليلًا وهو يفكر في حجم ما سيُقدم عليه، لكن عيناه لمعتا بتصميم لا يتزعزع، الوقت لم يعد في صالحه، إن لم يبدأ الآن، فلن يملك الغد أي فرصة.
استدار بخطوات محسوبة وهو يخرج من الزقاق باتجاه الوزارة، لكن فجأة…
اخترق أذنيه صوت صراخ حاد مزّق سكون المكان، تلاه دوي ارتطام وصوت تعاويذ تنفجر في الهواء. كان الصوت قريبًا جدًا، وكأن قتالًا قد نشب على بعد خطوات فقط.
توقف آلبرت في مكانه، جسده متوتر، عيناه تتفحصان الاتجاه الذي صدر منه الصوت
يتبع ...