استيقظت ببطء ، لا على ضجيجٍ ولا على صوت أحد ، بل على نهاية حلمٍ جميل . "

رأيتهم هناك ... عائلتي . وجوههم ، ضحكاتهم ، دفء حديثهم ... لكن كل شيء تلاشى مع أول رمشة عين .

تأملت السقف المتشقق فوقي ، وهمست لنفسي :

" هذا هو الواقع ... لا مجال للعودة الآن . "

جلست على السرير الخشبي بصمت ، تنفست بعمق ، ثم بدأت أتهيأ ليومي الجديد . غسلت وجهي في المغسلة الصغيرة ، رتبت ملابسي المتهالكة قدر استطاعتي ، وحملت أشيائي القليلة .

غادرت النُزُّل مُتَوَجِهاً نحو العمل . كان الجو هادئاً ، والمدينة لا تزال تستفيق من نومها ببطء . أمام المتجر ، وجدت صاحب العمل ينظف مدخل المكان .

" صباح الخير . " قالها بابتسامة معتادة .

أجبته بابتسامةٍ خفيفة : " صباح النور . "

نظر إلي وسأل بنبرة مرحة : " كيف كانت عطلتك ؟ هل فعلت شيئاً مميزاً ؟ "

ترددت للحظة ، ثم قلت ببساطة : " لا شيء مميز ... وجدتُ نزلاً أفضل من الغابة ، ونمت هناك . "

ضحك وقال : " أحسنت ، النوم على سريرٍ أفضل من الأرض . "

ابتسمتُ مجاملةً ، ثم بدأت العمل كالمعتاد . نقل ، ترتيب ، تنظيف ... كل شيء يسير بوتيرته المعتادة .

لكن ، وفي منتصف النهار ، وخلال استراحةٍ قصيرة خلف المتجر ، سمعت مجموعة من الشبان يتحدثون بصوتٍ مرتفع ، يتبادلون الأحاديث والأقاويل .

" هل سمعت ؟ حتى الأشخاص العاديون الذين ليست لديهم أي قوة خارقة ، يحصلون على قدرة فريدة بعد بضعة أيام من وصولهم إلى هذا العالم ! "

" مستحيل . "

" بلى ! حدث هذا مع أحد معارفنا ... فجأة أصبح يستطيع لمس أي شيء ومعرفة تاريخه بالكامل . "

ضحك أحدهم ساخراً : " أكيد لمس حذاءه وعرف أنه رخيص ! "

ابتسمت بصمت ، ضحكة غير مسموعة ارتسمت على وجهي . كيف لإنسان عادي أن يحصل على قوةٍ خارقة فجأة ؟ ما هذا العالم الغريب الذي يصدق فيه الناس مثل هذه الأوهام ؟

أم أنني ... أنا الغريب بينهم ؟

عدت إلى عملي ، وكلماتهم تتردد في ذهني كصدى بعيد . حاولت تجاهلها ، لكنها زرعت في قلبي شيئاً جديداً ...

بذرة شك صغيرة .

أو ربما ... فضول .

...

ومع نهاية الدوام ، بينما كنت أغادر المتجر ، مرت بقربي مجموعة من الأشخاص يرتدون ملابس نظيفة وأنيقة .

كانوا عاديين . لا يبدون أقوياء ولا أغنياء ، لكن مظهرهم كان يقول شيئاً واضحاً ...

" نحن أصبحنا من هذا العالم . "

توقفت للحظة ، نظرت إلى قميصي المتجعد ، وبنطالي البالي ، وحذائي الذي يبدو وكأنه شارك في الحربين العالميتين .

تمتمت : " ربما ... حان الوقت . "

ولأول مرة منذ وصولي إلى هذا العالم ، شعرت بحاجة إلى أن أشتري ملابس جديدة . لا لأبدو رائعاً ، بل فقط لأشعر بأنني لست دخيلاً تماماً .

هل كانت خطوة بسيطة ؟ نعم .

لكن بالنسبة لي ... كانت بداية شيء أكبر بكثير .

2025/06/03 · 5 مشاهدة · 484 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025