بعد استحمامي ، ارتديت ملابسي الجديدة . كنت سعيداً ، وكأنني طفل صغير يرى الثياب لأول مرة . نظرت إلى نفسي بشيء من الفخر ... نعم ، لقد اشتريتهم بمالي الخاص ، بجهدي ، بتعبي . شعرت وكأن هذه اللحظة الصغيرة تلخص رحلة كفاحي منذ أن وصلت إلى هذا العالم الغريب .

ثم خطر ببالي شيءٌ آخر ... ماذا ستكون ردة فعل الناس غداً ؟ كيف سيتعاملون معي وأنا أبدو أخيراً كباقي البشر ؟ تحمست للفكرة ، وهرعت إلى السرير ، محاولاً إغلاق عيني . لكن النوم لم يأتِ بسهولة . لا أعلم إن كان السبب الحماسة ... أم أنني فقط نمت مبكراً أكثر من اللازم .

في الصباح ، استيقظت وجهزت نفسي للعمل . وعندما وصلت . نظرت إلى صاحب العمل نظرة فيها شيء من الترقب ، كأنني أتطلع إلى شيء ليقوله .

رمقني بنظرة سريعة ، ثم قال :

" هممم ، هل غيرت شيئاً فيك ؟ لابد أنني مخطئ . حسناً ، ابدأ العمل . "

قلت في نفسي : " ما هذا ؟! لم تكن هذه ردة الفعل التي توقعتها ! "

أدركت حينها أنني كنت طفولياً في تفكيري ... أن أترقب مديحاً على ملابس جديدة ؟ الجميع هنا مرَّ بنفس التجربة ، كلنا جئنا من عالمٍ آخر ، فهل حقاً سوف يلاحظ أحد إن بدلت قميصي أو غيرت بنطالي ؟!

لكن رغم ذلك ، شعرت بشيء من الخيبة .

بعد انتهاء العمل ، ذهبت إلى المطعم المعتاد . جلست وأنا أشعر بحزن خفيف . أعلم ... أعلم أن هذا التصرف طفولي ، أن أحزن لأن أحداً لم يلاحظ ملابسي ، ولكن ...

ماذا أفعل ؟ هذا جزءٌ مني .

وبينما كنت غارقاً في أفكاري ، جاء النادل ووضع الطبق أمامي ، ثم نظر إلي وقال بابتسامة خفيفة :

" يبدو أنك غيرت ملابسك ... خطوة جيدة . "

رفعت رأسي إليه وأنا أبتسم . شعرت بفرحة خفيفة ... على الأقل ، شخصٌ واحد لاحظ . كان ذلك كافياً ليمنحني دفعةً صغيرةً من الرضا .

مرت عدة أيام بعد ذلك اليوم ، وأنا أواصل العمل كعادتي . وفي أحد الأيام ، وبينما كنت أعمل في المخزن ، دخل شخص غريب إلى مكان العمل . كان طويل القامة ، يرتدي عباءة بنية متسخة عند الأطراف ، وعلى ظهره حقيبة ثقيلة يبدو أنها تحمل أدواتٍ مختلفة . كان وجهه مغطى جزئياً بقبعة عريضة ، ولكن صوته كان واضحاً .

اقترب من صاحب العمل ، ولأنني كنت قريباً ، استطعت سماع حديثه بصوت منخفض :

" سمعت شيئاً قد يهمك ... يبدو أن الوحوش بدأت بالظهور هنا أيضاً ، تماماً كما في بعض الأماكن الأخرى .

سمعت أن هناك مكتباً للصيد في القرية المجاورة ، ويُقال إن من يشارك في صيد الوحوش يحصل على مكافآت كبيرة . الرحلة طويلة ، ما رأيك بجلب بعض من موظفيك والتوجه هناك ؟ "

توقفت عن التنفس للحظة .

ما الذي سمعته للتو ؟! الوحوش؟! صيد ؟! أهذا حقيقي ؟!

بدأت الأفكار تتزاحم في رأسي ...

" أنا لن أذهب للصيد ، أبداً ! لابد أنه يمزح ... أليس كذلك ؟ إذا طلب منا الذهاب ، فسوف أستقيل فوراً . كيف له أن يطلب من موظفيه أن يخاطروا بحياتهم ؟! لم تمضِ سوى أيام قليلة منذ وصولي لهذا العالم ، ومازلت أحاول التكيف . والآن يريدنا الذهاب لمطاردة الوحوش ؟! مستحيل ... هذا جنون ! "

قلبي بدأ ينبض بسرعة . لم أظهر أي شيء على وجهي ، لكن داخلي كان يغلي .

نظرت إلى صاحب العمل . مترقباً رده ، متمنياً أن يضحك ويقول لابد أنها مزحة ، أو على الأقل أن يرفض الفكرة مباشرة .

لكن لا ... بقي صامتاً ، وكأنه يفكر .

أدرت وجهي سريعاً وعدت إلى عملي ، لكن أفكاري لم تهدأ .

ماذا لو وافق ؟

ماذا لو طلب منا الذهاب ؟

ماذا لو كانت هذه بداية لشيء أكبر ... ومخيف ؟

2025/06/03 · 7 مشاهدة · 615 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025