بعد أن سمعت ما قاله صاحب العمل ، لم أكن أعرف ماذا يجب أن أفعل .

" من لا يريد الذهاب ، فليرفع يده . "

كلماته ظلت تتردد في رأسي كجرس إنذار .

نظرت حولي ، متمنياً ... متوسلاً في داخلي أن يرفع أحدهم يده . فقط واحد ! عندها سأتبعه دون تردد .

لكن الصمت كان سيد الموقف .

الجميع واقفون بلا حراك ، كأنهم تماثيل حجرية . لا رفض ، لا اعتراض ، لا يد مرفوعة .

هل ... هل أنا الوحيد الخائف ؟

بدأت الأفكار تهاجمني .

أحقاً لا أحد يود الرفض ؟ ألم يكن بعضهم يشتكون من التعب وساعات العمل ؟

أين ذهبت كل تلك الشكاوي الآن ؟

هل هم موافقون فعلاً ؟ أم أن الخوف شلهم مثلما فعل بي ؟

لماذا لا أحد يرفع يده ؟ هل أنا فقط من يرى أن هذا غير طبيعي ؟

قبل أن أغرق أكثر في دوامة أفكاري ، قاطع صوتٌ واضح ذهني المشوش .

التفتُ بسرعة ، لأرى من الذي تكلم .

كان الرجل الأشقر ، واقفاً بثقة لا يشوبها شك ، وكأن كل شيء تحت سيطرته . قال بنبرة مستقيمة وبلهجة تحمل شيئاً من التحدي :

" كم ستكون المكافآت مقابل هذا الصيد ؟ "

سادت لحظة صمت جديدة .

العمال التفتوا إليه دفعة واحدة ، وكأنهم لم يتوقعوا أن يتكلم أحد ... أو ربما لأنهم تمنوا لو كان لديهم شجاعته .

حتى أنا ... استغربت .

رفع الأشقر حاجبيه باستغراب ، وقال :

" ماذا ؟ لماذا تنظرون إلي هكذا ؟ أنا فقط سألت عن المكاسب . إذا كانت قليلة ، فلن أذهب ببساطة . "

ضحك صاحب العمل ضحكة خفيفة ، وقال وهو يهز رأسه :

" يبدو أنك شجاعٌ جداً ، حسناً ... تعجبني شجاعتك . "

ثم أضاف بثقة .

" لكن لا تقلق ، أنا أضمن لك أن المكسب سيكون كبيراً ."

...

كنت لا أزال مذهولاً .

ذلك الرجل كسر حالة الصمت بطريقة جعلتني أعيد التفكير في كل شيء .

وفي تلك اللحظة ، تدخل صوت آخر ، هادئ لكن واضح :

" كلام صاحب الشعر الأشقر صحيح ، إذا كنا سنذهب فعلاً ، فيجب أن يكون المال جيداً أيضاً . "

نظرت إلى مصدر الصوت ، وتفاجأت ...

لقد كان الفتى المراهق ، صاحب الشعر الأسود .

لم أتوقع منه هذا الهدوء ولا هذا المنطق .

في مثل عمره ... كنت أخاف من الكلاب . كيف له أن يبدو بهذه الثقة في موقف كهذا ؟ كأن الخوف لا يسكنه .

التفت الرجل الأشقر إلى الفتى وقال بنبرة جادة ، فيها شيء من الكبرياء :

" أنا لست صاحب الشعر الأشقر ... أنا لدي اسم . "

توقف لحظة ، ثم أضاف :

" لوكسيان . هذا هو اسمي ، تذكر هذا الاسم . "

ساد الصمت مرة أخرى ، لحظة قصيرة لكنها مشحونة بالدهشة .

حتى الفتى المراهق بدا وكأنه لم يتوقع هذا الرد .

ثم قال الفتى بنبرة باردة ، فيها شيء من التحدي :

" ولماذا يجب علي تذكر اسمك ؟ "

ابتسم لوكسيان بسخرية ، ثم أجاب :

" ولماذا لا يجب عليك تذكره ؟ "

كان صداماً صغيراً ، لكنه جذب أنظار الجميع .

أنا شخصياً لم أعرف كيف أشعر ...

هل أضحك ؟ هل أتوتر ؟ هل أرفع يدي وأغادر هذا العرض الغريب قبل أن يتحول إلى شيء أكبر .

كل ما كنت أفعله هو المراقبة ... والصمت .

وفجأة ، دوى صوت صاحب العمل بقوة قاطعاً الجو المشحون :

" هذا يكفي . "

نظر إلى الجميع بنظرة حازمة ، ثم أكمل :

" أنا لم أجلبكم إلى هنا لتتقاتلوا أو تتبارزوا بالكلمات . جئت فقط لأعرف من لا يريد الذهاب إلى الصيد . "

ثم قال بوضوحٍ شديد ، وهو ينظر في وجوهنا واحداً تلو الآخر :

" لذا ... من لا يريد الذهاب ، فليرفع يده الآن . "

عاد التوتر إلي مجدداً _ بطريقة مختلفة .

القرار الحقيقي أصبح أمامي .

هل أرفع يدي ... أم أظل صامتاً كالباقين ؟

قبل أن أتمكن من التفكير أكثر ، تدخل نفس الرجل الأربعيني الذي رأيته سابقاً ، صوته قوي ونظراته مخيفة :

" أنا أريد الذهاب حتى ولو لم يكن هناك مكاسب . "

أكمل كلامه بنظرة تحدي في عينيه :

" لذلك من سيعيقنا ، فالأفضل له أن يتراجع الآن . "

ابتسم صاحب العمل وقال :

" همم ، يبدو أن لدينا العديد من الأشخاص المميزين هنا . هاهاها . "

ثم أضاف :

" لكن لا تنفذوا ما قاله ، وافعلوا ما تريدون ، فالعمل لا ينتظر أحداً . "

وأكمل ، وأضاف :

" هل من أسئلة ؟ "

رفع الفتى المراهق صاحب الشعر الأسود يده ، وقال بصوت هادئ ولكن فيه تساؤل حقيقي :

" كيف سوف نصطاد تلك الوحوش ونحن لا نملك قوة خارقة ؟ "

دُهِشتُ من سؤاله ، لم يكن سؤاله وحده ما أدهشني ، بل طريقة طرحه ، تلك الثقة ... كأنه يسأل عن أمر بديهي . لم أتمالك نفسي ، فابتسمت بخفة وضحكت في داخلي .

قلت في نفسي :

" بعد كل شيء ، الطفل لا يزال طفلاً . إنه يصدق فعلاً أن البشر يمكنهم الحصول على قوى خارقة ... يا له من سخيف . لطالما ظننت أن القوة الخارقة حكر على أولئك الذين جاؤوا من القصص والمانهوات والأنميات ... فقط أولئك الذين لم يكونوا من عالم طبيعي .

لكن فجأة ، قال صاحب العمل بابتسامة غامضة :

" ومن قال لك أننا لا نملك قوى خارقة ؟ "

صُدِمت مرة أخرى ... ما الذي يتكلم عنه ؟

هل يُلّمح إلى وجود شخصية خيالية بيننا ؟

هل يمكن أن يكون أحدهم من أولئك ؟ من العوالم الأخرى ؟

أحسست بقشعريرة تسري في جسدي ... هذا لم يكن جزءاً من حساباتي .

ثم أضاف صاحب العمل بنبرة هادئة وثقة واضحة :

" أنا شخص عادي ، مثلكم تماماً ، ولكنني أملك قدرة فريدة ... اكتسبتها بعد مجيئي لهذا العالم .

صُدمت صدمة ثالثة ، مع أنني لم أنتهي من الصدمة الثانية بعد ، وقلت في نفسي :

" ماذاااااااا ، كيف ؟ كيف لشخص عادي أن يمتلك قدرة خارقة ؟ هل هذا حقيقي أم مجرد كلام للحفاظ على السيطرة ؟ وهل يمكن لأي شخص أن يكتسب قوة مثل هذه ؟ أشعر أنني لا أفهم أي شيء عن هذا العالم بعد . "

تبادلت الأنظار مع الجميع ، وكلٌ منا يخفي ما في قلبه من خوفٍ وفضول .

كنت أعلم أن هذه اللحظة ستكون نقطة تحول ، وأن ما بعد هذا الاجتماع لن يكون كما قبله .

لكن رغم كل شيء ، بقيت صامتاً ، منتظراً أن يريني القدر ما يحمله لي هذا العالم الغريب .

2025/06/03 · 6 مشاهدة · 1062 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025