بعد كل ما حصل… حديثي مع الفتى، موافقتي على الذهاب، ثم لقائي مع صاحب العمل وتأكيد قراري…

ها أنا الآن، واقف وسط المجهول.

في البداية، كنت أشعر بالغرور. شعور أقرب إلى "أنا الآن شجاع، لقد خطوت خطوة عظيمة!"… لكن بعد دقائق قليلة فقط، جاءتني تلك اللحظة . لحظة الإدراك.

ماذا فعلت؟

هل فقدت عقلي؟ من الذي يستيقظ صباحًا ليقرر مطاردة الوحوش مقابل حفنة نقود؟! هل ظننت نفسي شخصية رئيسية في مانهوا؟ أي نوع من الجنون هذا؟

شعرت بالندم يتسلل من أطرافي حتى صدري. لم يكن ندمًا ناعمًا، بل قاسياً، لاذعًا، مثل شوك يغرس نفسه في القلب.

فكّرت أن أذهب إلى صاحب العمل مجددًا… وأقول له:

ـ "أمم… عذرًا، لقد غيرت رأيي مرة أخرى، أريد البقاء."

لكني تخيّلت الموقف للحظة… نظرات الجميع، همساتهم، وربما ضحكاتهم. لا، لا، أفضل الموت على ذلك.

أخذت نفساً عميقاً… شربت بعض الماء… حاولت أن أبدو طبيعيًا. بدأت بتمارين إحماء بسيطة: تمددت، حركت عنقي، وركبتيّ… لكن عقلي كان في مكان آخر تمامًا.

تساءلت فجأة: "كيف سنذهب؟ هل لدى صاحب العمل عربات كثيرة؟ أم أنه يملك قافلة من الأحصنة؟"

لكنني ضحكت داخليًا. ما هذا الهروب؟ عقلي يحاول التعلق بتفاصيل تافهة كي لا يفكر في الفكرة الكبيرة: أننا ذاهبون لصيد الوحوش.

وبينما أنا غارق في دوامة أفكاري… دوى صوتٌ من خلفي:

ــ "لقد انتهت العشر دقائق. حان وقت الذهاب. اجتمعوا."

كان صوت صاحب العمل، صلبًا وواثقًا كالعادة.

بدأ الجميع يتحرك نحوه. وجوه مألوفة، وأخرى غريبة… بعضهم بدا متحمسًا، وبعضهم متوتراً، وأنا… لا أعرف كيف كنت أبدو، لكنني شعرت كأنني جثة تسير.

اقتربت من المجموعة. وقفت معهم، منتظرًا الوسيلة العظيمة التي ستقلّنا إلى القرية المجاورة.

لكن بدلًا من العربات أو الأحصنة، قال أحد الرجال بثقة:

ــ "الطريق ليس بعيدًا… سنسير على الأقدام."

... سير؟!

أربعون شخصًا… سائرين على الأقدام… نحو قرية، لا نعرف ماذا ينتظرنا فيها؟ نحو وحوش؟

وكأن القصة كانت تحتاج إلى لمسة إضافية من السخرية.

نظرت نحو الطريق. كان ممتدًا كخيط رفيع بين الأشجار، تحيطه الحقول من الجانبين، والضباب الخفيف يعطيه هيبة لا تُوصف. كل خطوة سنخطوها من الآن فصاعدًا، ستأخذنا أعمق… نحو المجهول.

ولأول مرة، شعرت أن قدميّ ثقيلتان جدًا. ليس من التعب، بل من الخوف.

لكنني مشيت.

---

الطريق كان طويلاً… أو هكذا ظننت في البداية.

سرنا لما يقارب الساعة الكاملة، بخطى منتظمة ومتواصلة، لا أحد يتحدث كثيرًا، فقط وقع الأقدام على التراب الجاف وصوت الرياح التي تمر بين الأعشاب.

مع مرور الوقت، بدأ ظهري يؤلمني قليلاً. وبدأت أتساءل إن كانت هذه الرحلة مجرد اختبار بدني قبل أن نموت جميعًا.

كنت أمشي خلف مجموعة من الرجال، أحدهم كان يمضغ شيئًا ما، والآخر ينظر حوله بتركيز كما لو أنه يتوقع هجومًا من أي جهة. كلّهم بدا عليهم التماسك… أما أنا، فكنت أتنفس بثقل، وأحاول إخفاء توتري.

في كل مرة كنت أرفع رأسي لأرى الطريق، كنت أتمنى أن أرى شيئًا يدل على أننا اقتربنا… بوابة، بيت، دخان نار، أي شيء… لكن لا شيء. فقط طريق يمتد بلا رحمة.

هل أنا نادم؟

نعم.

هل سأهرب؟

لا أعتقد… ليس لأنني شجاع، بل لأنني غبي لدرجة أنني وضعت نفسي هنا، فليس لدي مخرج الآن.

---

وبعد حوالي ساعة ونصف، بدأت الأرض تتغير قليلاً… أصبح هناك تمهيد حجري تحت أقدامنا، وتوقفت بعض الأشجار عن الظهور فجأة. لاحظت عددًا من الأعمدة الخشبية في الأفق، ثم بدأت تظهر الأسطح.

أخيرًا…

وصلنا.

كانت القرية المجاورة أبعد قليلاً مما توقعت، لكنها بدت بسيطة… هادئة، لكنها تملك شيئًا غريبًا في الجو، كأنها تعرف أننا قادمون.

توقفنا عند مدخلها، حيث يقف رجلان ضخمان يحملان رماحًا خشبية. نظراتهما كانت حادة، فحصوا المجموعة واحدةً تلو الأخرى، ثم أفسحوا الطريق لصاحب العمل، الذي تحدث معهم ببضع كلمات لم أستطع سماعها.

ثم أشار لنا بالدخول.

دخلنا… وأنا داخليًا، شعرت أنني عبرت من عالم إلى آخر.

2025/06/03 · 8 مشاهدة · 583 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025