دخلنا القرية بصمت. لا أحد تكلّم، ولا حتى أولئك الذين كانوا متحمسين في البداية. بدا وكأننا دخلنا عالماً مغلقاً على نفسه، يراقبنا من خلف الجدران والنوافذ.
البيوت هنا مصنوعة من الخشب والحجر، بسيطة لكنها متينة. لا توجد ألوان زاهية، ولا زينة. فقط الجدران الرمادية، والأبواب الخشبية الصامتة.
مرت دقائق قبل أن ألاحظهم.
الأهالي.
لم يكونوا يقتربون، بل يراقبون من بعيد. نساءٌ يحملن دلاء الماء، أطفال خلف النوافذ، رجال واقفون عند الزوايا. نظراتهم كانت باردة، حذرة، كأنهم يدرسوننا.
ـ "إنهم لا يبدون ودودين..." تمتم أحدهم بجانبي.
لم أرد.
كنت منشغلاً بمحاولة فهم الشعور الغريب في صدري… مزيج من القلق والانفصال، كأنني دخلت في حلم لا يشبه الأحلام.
واصلنا السير خلف صاحب العمل، الذي كان يسير بخطى ثابتة كأنه يعرف الطريق جيداً. بعد عدة شوارع ضيقة، وصلنا إلى ساحة صغيرة، يتوسطها مبنى يبدو حديثًا مقارنة بالبقية. عند بابه، لافتة بسيطة: "مكتب الصيد – فرع فيلونا".
فيلونا… اسم القرية.
توقف صاحب العمل، ثم التفت إلينا وقال:
ـ "هذا هو المكان. انتظروا هنا، سأدخل أولاً."
دخل وتركنا واقفين. تبادل بعض الرجال النظرات، وبعضهم جلس على الأرض دون أن يتحدث.
أما أنا… فكنت أراقب اللافِتة، وكأنها تحمل كل ما سيأتي لاحقًا من مصير غامض.
...
القرية كانت مختلفة. لا أعلم كيف، لكن هناك شيء ما يميزها عن القرية الأولى التي مررنا بها. الهواء هنا كان أثقل، والهدوء بدا مشحونًا بتوتر غير مرئي. كأن المكان يحمل أسرارًا دفينة، وسكانه يراقبوننا بحذر لم أره من قبل.
بعد عدة دقائق من الانتظار، خرج صاحب العمل من المبنى، وجهه صارم ونبرته حازمة:
"سأقسمكم إلى أربع مجموعات، كل مجموعة من عشر أشخاص. كل مجموعة ستدخل إلى المكتب وتسجل أسماء أعضائها مع القدرات أو المهارات التي يمتلكها كل فرد ليستطيع استخدامها في الصيد. أنا سأبقى هنا وأتولى ما تبقى."
شعرت بخفقان قلبي. ترتيب وتنظيم واضح، لا مجال للعشوائية.
كنت في المجموعة الثانية. تحركنا نحو باب جانبي صغير يفتح على داخل المكتب. أما الرجل الأربعيني فكان في المجموعة الأولى، والفتى المراهق في الثالثة، ولوكسيان في الرابعة.
دخلنا المكتب معًا، وكان المكان أضيق مما توقعت لكنه منظم للغاية. الجدران مزينة بلوحات كبيرة تصوّر وحوشًا متعددة، إلى جانب معلومات تفصيلية عن أماكن تواجدها ومخاطرها. على إحدى الجدران، كانت هناك خريطة كبيرة للمنطقة، تغطيها علامات متحركة تشير إلى مواقع الصيد الحالية.
أمامنا طاولات خشبية قديمة، عليها أوراق تسجيل وأقلام خشبية بسيطة. في الزاوية، كانت صناديق معدنية صغيرة مقفلة، ربما للاحتفاظ بجوائز الصيد أو معدات خاصة.
الإضاءة خافتة، مصدرها مصابيح زيتية معلقة على الحائط، مما أضفى على المكان جوًا من الغموض والقدم في آنٍ واحد.
جلس كل منا في مكانه، وبدأنا نكتب أسماءنا وقدراتنا. نظرت حولي إلى وجوه زملائي، أقرأ بين تعابيرهم مزيج الخوف والتصميم.
كانت هذه لحظة البداية الحقيقية… خطوة يمكن أن تغيّر حياتي في هذا العالم الجديد إلى الأبد.
...
كتبت اسمي... لكنني توقفت فجأة.
واجهتني مشكلة أكبر من مجرد الكتابة، مشكلة أثقلت قلبي: ما الشيء الذي أستطيع أن أقدمه لأساعد في الصيد؟ الحقيقة الصادقة هي أنني لا أملك شيئاً يُذكر. لست صاحب العمل الذي يمتلك قدرة خارقة، ولا لوكسيان الشجاع، ولا الفتى المراهق الذكي، ولا حتى الرجل الأربعيني الغامض.
كنت حقاً عاجزاً.
مرت دقائق وأنا أُفكر، أشاهد من حولي ينهون كتابة مهاراتهم ويتوجهون إلى صاحب العمل. الوقت يداهمني، ولم يبقَ أمامي سوى لحظات لأقرر ما سأكتب.
ثم تذكرت شيئاً بسيطاً... شيئاً ربما يبدو تافهاً لكنه كان عملياً. كنت دائماً أخرج القمامة من المنزل، فجمع بقايا الوحوش أو الجوائز التي تُترك بعد هزيمتها ليس بالشيء المختلف كثيراً.
بقلبٍ مرتجف، كتبت ذلك. ربما لن يقبلوا ما كتبت، لكن هذا كل ما أستطيع أن أقوله، كل ما أمتلكه.