بعد أن انتهيت من كتابة كل شيء طُلب مني، شعرت بثقلٍ ما على صدري. الكلمات خرجت من قلبي، لكن هذا لا يعني أنهم سيقبلونها. جمعتُ شجاعتي وذهبت إلى صاحب العمل، حيث كان الجميع متجمعين هناك. ملامح بعضهم كانت هادئة، وآخرون يتبادلون النظرات والهمسات. أما أنا، فكنت أقف في مكاني كأن قدميّ مغروستان في الأرض. التوتر بدأ يتسلّل إليّ شيئًا فشيئًا، يضغط على صدري، ويجعل أنفاسي قصيرة.

ماذا لو لم تعجبهم؟ ماذا لو ضحكوا؟ أو تم استبعادي؟

أحاول أن أُقنع نفسي: أنا لست الوحيد هنا، هناك من هم أكثر مهارة، أكثر ذكاءً، أكثر خبرة…

مرّت الدقائق ثقيلة كأن الزمن نفسه تردد في المضيّ. ثم، فُتح باب مكتب الصيد، وخرج منه رجل لا تعرفه عيناي، لكن حضوره كان كافيًا ليجعل الجميع يلتفت. كان يبدو في الثلاثينيات من عمره، طويل القامة، شعره الأسود مُسرّح بدقّة، وعيناه... لم تكن حادّة بقدر ما كانت حازمة. نوع النظرات التي تجعلك تشعر بأنك مكشوف بالكامل أمامه.

قطع صمتنا صوت صاحب العمل الذي قال بنبرة فيها بعض العتاب:

"ما الذي أخّرك هكذا؟"

رد الرجل الغريب بصوت هادئ ومتّزن:

"اعتذاراتي، ولكن موظفيك كان لديهم العديد من المهارات المثيرة للإعجاب."

كلماته هذه اخترقتني مباشرة. هل يتحدث عني؟ لا، مستحيل. هناك من هو أفضل، هناك من يحمل سيفًا، من يطلق النار، من يمتلك عضلات بحجم رأسي. أنا فقط... كتبت.

لتهدأ يا أنا... لا تُبالغ، لا تُحطّم نفسك قبل أن يحدث شيء.

الرجل اقترب منا بخطوات واثقة، لم يكن في حركته أي استعجال، وكأن الوقت يطاوعه. نظر في وجوهنا واحدًا تلو الآخر، ببطء، كما لو كان يقرأ كل وجه كما تُقرأ صفحة في كتاب مفتوح.

ثم قال بنبرة مُقدّرة:

"جميل... يبدو أنك دربتهم جيدًا."

لم يُعلّق صاحب العمل. فقط أومأ برأسه.

واصل الرجل الغريب كلامه وهو يقف أمامنا مباشرة، واضعًا يديه خلف ظهره، ناظرًا إلينا بعين الخبير:

"هناك شخص منكم قدّم شيئًا... مختلفًا."

في لحظة واحدة، ارتفعت رؤوس البعض بثقة، آخرون تبادلوا النظرات، والبعض بقي كما هو… لكن قلبي؟ كان يدق بطريقة لم أختبرها من قبل. يضرب صدري كما لو أنه يريد الهروب قبلي.

"هل يمكنني معرفة من كتب هذه الورقة؟"

قالها وهو يرفع ورقة واحدة بيده، نظيفة، مطويّة بعناية.

صوت خافت من بيننا تمتم:

"أي ورقة؟"

لكنني كنت أعرف.

قلبي كان يعرف .

---

قال بصوتٍ عالٍ:

"نوكس كاسترو، لتتقدم."

قلت في نفسي، ماذا؟ هذا ليس أنا... شعرت بالراحة لأن الشخص الذي يريده ليس أنا. نظرت لأرى من هو ذلك الشخص، لأتفاجأ بأنه الفتى المراهق. إذاً اسمه نوكس! لكن لماذا ناداه الشخص الغريب ؟

تقدّم الفتى المراهق بخطوات هادئة، لم يكن متوترًا كما كنت أتوقع. بدا وكأنه اعتاد أن يكون في مركز الانتباه. لكن الرجل الغريب نظر إليه مطولاً، ثم قال بنبرة لم أفهمها أهي مزاح أم جدية:

"أنت... أقصر مما توقعت."

كدت أنفجر ضاحكًا، لكنني حبست الضحكة بصعوبة. لم أكن وحدي، فالبعض من حولي كتم ابتسامة، وآخرون عضوا على شفاههم منعًا للضحك. أما نوكس، فظل واقفًا في مكانه دون أن يعلّق، عيناه ثابتتان، وملامحه هادئة على نحو مثير.

هزّ الرجل الغريب رأسه بخفة وقال:

"على أية حال، لديك قدرة مثيرة للإعجاب حقًا. لماذا لا تنضم إلى مكتب الصيد خاصتنا؟ أو على الأقل، ابحث عن مكانٍ أفضل من البقاء برفقة الرجل العجوز."

بدا الانزعاج على وجه صاحب العمل فورًا، وقال بنبرة صارمة:

"لقد سمعتك."

لكن الرجل الغريب لم يتراجع، بل ردّ بهدوء:

"القرار قراره... ليقرر ما يشاء."

لم أفهم تمامًا عن أي قرار يتحدثان. لكن الشيء الوحيد الذي كان يدور في رأسي هو أن ما يحدث الآن مأخوذ حرفيًا من إحدى حلقات الأنمي أو المانهوا. نوكس يقف هناك، هادئًا، واثقًا، ويُعرض عليه الانضمام لمكان أقوى… أليس هذا ما يحدث دائمًا مع الأبطال؟

قاطع أفكاري صوت نوكس وهو يردّ ببساطة:

"لا، شكرًا. أنا أود البقاء مع صاحب العمل."

لم يتردد، لم يتلعثم. قالها وكأنه متأكد تمامًا من خياره.

ردّ الرجل الغريب بابتسامة باهتة:

"يا لها من خسارة. ولكنني لا أستطيع فعل أي شيء."

لكن قبل أن يتمكن أحد من قول شيء آخر، قال صاحب العمل بلهجة مباشرة:

"لقد سمعت ما قاله. الآن، لنعد إلى النقطة الرئيسية. هل جهّزت كل ما طلبته منك؟"

رفع الرجل الغريب حاجبيه وردّ بنبرة مزاح خفيفة:

"نعم، نعم، يا لك من شخص متعجّل."

قال صاحب العمل دون أن يبتسم:

"الوقت ليس ملكنا. كل ثانية مهمة."

ضحك الرجل الغريب وهزّ رأسه:

"نعم نعم، أنت ومقولاتك الجديدة."

نظرت إلى الاثنين، وشعرت بشيء غريب. الحوار بينهما لم يكن رسميًا، بل وديًا، وكأن بينهما تاريخًا مشتركًا لا نعرفه. من طريقة الحديث، والنبرة، وحتى الإشارات العابرة… بدا الأمر وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن بعيد.

قلت في نفسي، ما الذي قصده صاحب العمل بـ"كل ما طلبته منك"؟ ومن هو هذا الرجل الغريب أصلًا؟ هناك أسرار كثيرة يُخفيها صاحب العمل، وأنا بدأت أشعر بها.

ثم ارتفع صوته مجددًا وهو يلتفت إلى الجميع:

"الآن، ليجتمع الجميع. سنذهب الآن إلى أرض الصيد. وسيذهب معنا هذا الرجل لمراقبة أي تحرّكات غير عادية من الوحوش... ولينقذ من يكون على وشك الموت."

صمت لحظة، ثم قال بوضوح:

"هل أنتم مستعدون؟"

انطلق صوت الجموع في لحظة واحدة، عالياً، حماسياً:

"نعممممممم!!"

لم أستطع أن أبقى صامتًا. وجدت نفسي أصرخ معهم دون تفكير، وكأن الصوت حملني معه… رغم أن قلبي لا يزال يتمنى شيئًا واحدًا:

ألّا يحدث شيء خطير.

2025/06/03 · 5 مشاهدة · 816 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025