قبل أن نتحرك، وقف صاحب العمل أمامنا وقال بصوته القوي:

"أرض الصيد تبعد حوالي ساعتين من هنا، وتقع بجانب هذه القرية. لذلك الرحلة ستكون طويلة، استعدوا جيدًا."

قلت في نفسي: لكنها لن تكون أصعب من الرحلة الأولى...

لكن قبل أن أكمل أفكاري، قاطعني صوته:

"لقد جهزت الدروع والمعدات لكم. توجهوا إلى الداخل وابدأوا بارتداء الدروع."

الدروع؟! الأسلحة؟! نظرت من حولي لأفهم ما يحدث. كل مجموعة كانت تقف في صفٍ خاص، تنتظر دورها للدخول إلى الخيمة الصغيرة التي جُهزت لهذا الغرض.

البعض بدا متحمسًا، يبتسم ويتحدث وكأننا ذاهبون في نزهة.

البعض الآخر، كان متوترًا، يتفادى النظر إلى أعين الآخرين، وكأن مجرد التواصل البصري قد يكشف ارتجافه الداخلي.

أما أنا؟ بصراحة، لا أعلم كيف شعرت. كنت بين الاثنين، أو لا... ربما كنت في مكان ثالث، لا يشبههم.

وعندما أتى دوري، دخلت وارتديت الدرع.

كان الدرع بسيطًا، مكوّنًا من قطع معدنية خفيفة مغطاة بطبقة رقيقة من الجلد الأبيض، لونه ناصع كأنه لم يُستخدم من قبل. لم يكن هناك أي نقوش فخمة أو تصميمات حربية، فقط خطوط مستقيمة وانحناءات عملية لحماية الجذع والأطراف. من بعيد، كان أشبه بدرع استعراضي أكثر منه واقعي.

لكن رغم بساطته، لم يكن مريحًا تمامًا - كان ثقيلًا قليلاً، خاصة على الكتفين، ويُحدث صوتًا معدنيًا خافتًا مع كل خطوة.

أما السلاح، فكان رمحًا طويلًا برأس معدني لامع، يبدو جديدًا كليًا، لكن قبضته كانت من خشب خفيف جدًا، أشبه بعصا مكنسة طويلة. لم يكن متوازنًا، ولا يبدو أنه سيتحمّل ضربة قوية، وهذه أيضًا أول مرة لي أستخدم فيها رمحًا على الإطلاق.

...

بعد عدّة دقائق، كانت كل المجموعات قد ارتدت دروعها، ولم يبقَ أحد.

وقف صاحب العمل أمامنا، نظر إلى الجميع وقال:

"حسنًا... الآن لنذهب."

---

كان الطريق نحو أرض الصيد أطول مما توقّعنا، أو ربما كان الخوف هو ما جعله يبدو أطول. مشينا خلف العربة الكبيرة التي كان يقودها أحد العمال الأقوياء، بينما كان الرجل الغريب يسير على الجانب، لا يرفع رأسه كثيرًا، وكأنه يحفظ كل خطوة حوله بعينيه فقط.

أما أنا... فكنت أحاول ألّا أبدو متوترًا. كل ما في داخلي كان يصرخ: "أريد أن أعود!"، لكن وجهي؟ كنت أفرض عليه الابتسام كلما التفت إليّ أحدهم.

نظرت حولي، فوجدت نوكس يسير بثبات. لم يكن يضحك، لكنه لم يكن خائفًا أيضًا. وكأن ما نمر به الآن مجرد مشهد مكرر بالنسبة له. بجانبه، كان لوكسيان يتكلم بصوت عالٍ مع أحد الرجال الجدد، يحكي عن مغامرة سابقة "كادت تنهي حياة تنين!" حسب وصفه، رغم أنني أشك أن التنين كان قطة كبيرة في الظلام.

وعندما نظرت جهة أخرى، رأيت الرجل الأربعيني بعباءته الزرقاء الداكنة يسير بهدوء معتاد، لا يتكلم، لا يلتفت، وكأن لا شيء من حوله يستحق القلق.

في البداية، كنت أردد في نفسي بأن هذه الرحلة لن تكون أصعب من الرحلة الأولى، لكن كل خطوة كانت تُبدد هذا الاعتقاد شيئًا فشيئًا. بعد مرور ساعة، بدأ التعب يتسلل إلى أجسادنا جميعًا، وظهر على وجوه البعض علامات الإرهاق الواضحة.

نوكس، الذي بدا متماسكًا في البداية، بدأ يتنفس بصعوبة ويحك جبهته، والابتسامة التي كانت ترتسم على شفاه لوكسيان تلاشت تدريجيًا ليحل محلها تعبير جدي مشحون بالإرهاق. حتى الرجل الأربعيني بعباءته الزرقاء بدا أقل هدوءًا، وتحركت عينيه بحذر أكبر من السابق.

كنت أشعر بوزن الدرع على كتفيّ يزداد مع مرور الوقت، والسلاح في يدي أصبح عبئًا بدلاً من أداة. خطواتي بدأت تفقد ثباتها، وصوت الدروع المعدنية الصاخب معي صار يزعجني أكثر مما يخدمني. بدأت أسحب كلامي السابق في نفسي: هذه الرحلة ليست سهلة أبداً، وربما كانت أصعب من رحلتي الأولى بكثير.

مررنا بجانب مجموعة من الأشجار الكثيفة. الهواء هنا مختلف. رائحة الغابة طاغية، لكنها ليست مريحة. فيها شيء... يشبه التحذير.

تحدث أحد العاملين بنبرة خافتة:

"هل هذه هي أرض الصيد؟"

ردّ الرجل الغريب دون أن يلتفت:

"نعم، ولكننا لم نصل بعد إلى النقطة الساخنة."

تبادل بعضهم النظرات، بينما تسارعت دقات قلبي. النقطة الساخنة؟ ماذا يعني هذا؟ هل نحن ذاهبون لمكان تخرج منه الوحوش؟ وهل أنا فعلًا ضمن هذه المجموعة؟

تقدّم صاحب العمل وسار بجانب الرجل الغريب، قال له بنبرة لا تخلو من الحذر:

"لا تبتعد كثيرًا عنهم. لست هنا للمشاهدة فقط."

رد الرجل بابتسامة خفيفة:

"أعرف... سأكون هناك إن احتجتموني . "

ثم بدأت معالم أرض الصيد تتضح.

الأشجار هنا أكثر كثافة، متشابكة كأنها ترفض أن تسمح للضوء بالمرور. الأرض غير مستوية، تغطيها أوراق ذابلة، وأغصان مكسورة، وآثار أقدام غريبة لا تبدو بشرية. الجو مختلف، فيه رطوبة خانقة، وصمت ثقيل كأن الغابة بأكملها تحبس أنفاسها.

من بعيد، ظهرت صخور داكنة متفرقة، أشبه بجزر صغيرة وسط بحر أخضر، وعلى بعضها بقع حمراء قد تكون طحالب... أو شيئًا آخر.

2025/06/03 · 6 مشاهدة · 710 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025