كانت خطواتهم على التراب الرطب تذوب في الصمت، وكأن الأرض نفسها تحبس أنفاسها. لم يكن هناك أي أثر لحياة أخرى... لا خرير ماء، لا هدير بعيد، لا طيف من ظلال زاحفة.

فقط... رائحة التراب، وصوت الأوراق الجافة تحت الأقدام.

قال صاحب العمل وهو ينظر للفراغ أمامه:

"ماذا توقعتم؟ الوحوش لن تظهر فور وصولنا . يجب علينا الانتظار... حتى يأتي وحش أو وحشان لنقضي عليهما."

قالها بنفس السهولة التي قد يتحدث بها عن تحريك صندوق أو كسر ثمرة جوز... وكأن قتل الوحوش لعبة أطفال.

جلست على صخرة شبه مستوية، وسكبت بعض الماء في حلقي الجاف، بينما الجميع بدأوا يأخذون وضعية الانتظار: البعض أخرج طعامًا خفيفًا، وآخرون انخرطوا في دردشات خفيفة لتخفيف التوتر.

لوكسيان - كما هو متوقع - كان محاطًا بمن يريدون التقرّب منه.

أما نوكس، فجلس بمفرده، عينيه تتأملان الأفق دون أن تطرفا.

والرجل الأربعيني؟ كان نائمًا... نائمًا بسلام كما لو أنه على شاطئ بحر.

هززت رأسي غير مصدّق. هل هو واثق لهذه الدرجة؟ أم أنه ببساطة يرى أن "صيد الوحوش" أمر لا يستحق حتى الاستيقاظ من أجله؟

أنا؟ كنت غارقًا في أفكاري.

"هذا هو العالم الجديد إذن... لا طريق للعودة.

هل سيهجم وحش علينا فجأة؟

هل سيحمينا صاحب العمل؟

أم... سيُترك الضعفاء فريسة؟"

كنت في منتصف دوامة التوتر... حتى سمعته.

"آااااااخخخخخخاااتتتتتككككمممممم!!"

الصوت... لم يكن صوتًا عاديًا. كان كأن شيئًا يجرّ مخالبه داخل أذنيك، ويضغط على روحك. كأن الهواء نفسه انفجر إلى صرخات.

يدي بدأت بالارتجاف، والرمح انزلق تقريبًا من قبضتي.

لم أكن وحدي - وجوه الجميع تغيّرت، عيونهم اتسعت، وتشنجت أجسادهم.

صاح صاحب العمل بصوت قوي:

"الجميع خلفي! الآن!"

تحرك الجميع بسرعة... الجميع ما عداي.

قدماي تجمدتا، كأنهما جذور شجرة عتيقة. صرخت في داخلي:

"ما بك؟! تحرّك! تحرّك الآن!"

لكن الجسد رفض الأوامر.

تذكرت فجأة شيئًا من الأنميات... القدرة على "شلّ الحركة بالصوت". وكانت إحدى الطرق لكسرها: الألم.

نظرت إلى الرمح... وترددت.

"أنا أكره الألم... أكرهه أكثر من أي شيء."

لكنني لا أريد أن أموت.

طعنت فخذي.

صرخة خافتة انفجرت بين شفتيّ، بينما حرقة الألم انتشرت كأنني وضعت رجلي في نار.

الدم بدأ بالنزيف. الألم كان لا يُحتمل... لكنه جعلني أتحرّك.

بخطوات مترنحة، وصلت خلف صف العمال، وصاح صاحب العمل فورًا عندما رآني:

"ما هذا؟! لماذا تنزف؟! ما الذي فعلته أيها الأحمق؟!"

لم أجب. لم أستطع.

"اذهب إلى العربة! هناك رجل هناك سيعالجك. أسرع!"

ذهبت. وصلت إلى العربة بينما أفكاري مشوشة.

الرجل الأربعيني هناك - لا يزال كما هو - استقبلني بنظرة تعجب، ثم عاد لبروده.

"تمدّد."

تمددت، وبدأ يلف ساقي بطريقة محترفة.

من هو هذا الرجل؟ كنت أظنه فقط "عضلة إضافية" في الفريق، لكنه يعرف ما يفعل.

صرخة أخرى اخترقت الغابة، لكن هذه المرة... لم أتأثر.

لماذا؟ لماذا كنت الوحيد الذي تأثر في المرة الأولى؟

هل لأنني أضعفهم؟ أم لأن شيئًا فيّ مختلف؟

قبل أن أكمل تفكيري...

---

رأيته... الشيء الضخم الذي يزحف نحونا، جسده يبدو كأنه مزيج من الفحم المشتعل والوحل. ذراعه تلتف حول نفسها بطرق لا تراها إلا في كوابيسك. وجهه؟ أو ما يمكن تسميته وجهًا، كان يتغير كلوحة مشوهة لا تعرف لأي شكل ستتجه.

كان أكثر رعبًا مما توقعت، أكثر من أي وحش رأيته في الأنميات أو المانهوا التي اعتدت عليها. كنت أعتقد أن الوحوش، كونها كائنات من عوالم أخرى، ستتشابه في ملامحها وأسلوبها على الأقل، لكنها كانت مختلفة تمامًا. لا تشبه الوحوش المعتادة التي تأتي في قصصنا، بل كانت أكثر غرابة، أكثر رعبًا، وكأنها تمثّل شيئًا غريبًا لا ينتمي لهذا العالم ولا للعوالم التي أعرفها.

لماذا؟ لماذا هذا الشكل؟ هل الوحوش حقًا كائنات تنتقل من عوالم أخرى؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يبدو هذا الوحش مختلفًا ومخيفًا أكثر من كل ما عرفت؟

كانت أسئلتي تتزاحم في رأسي بينما كنت أراقبه ، تشعرني بصغر حجمي وضعفي أمامه، وكأنني فقط جزء صغير من لغز أكبر.

---

كان الوحش يزحف ببطء وثقل، وكل مرة تلامس فيها مخالبه الأرض، كان التراب يشتعل تحته تدريجياً. صرخاته كانت مخيفة لدرجة لم أسمع مثلها من قبل، أصوات غريبة تمزق الهواء . وضعت يدي على أذني محاولاً صد تلك الأصوات، لكن قلبي كان ينبض بشدة كأنه على وشك أن يخرج من صدري.

سمعت فجأة صراخ صاحب العمل يأمر الجميع بالتراجع بسرعة. أخذ نفساً عميقاً، ثم بدأ يمشي بخطوات ثابتة ومهيبة باتجاه الوحش. كان ممسكاً برمحه الخشبي بإحكام، وكأنها أداة مصير لا غنى عنها.

بدون أي مقدمات، قفز قفزة عالية لم أظن أن أي شخص عادي يستطيع الوصول إليها، ثم غرز رمحه بقوة في رأس الوحش. صرخ الوحش صرخة مؤلمة وعالية، وتخبط على الأرض بجسده الضخم. كان الصوت هائلاً، كأنه صدى لعذاب لم يُسمع من قبل.

اقترب صاحب العمل من الوحش ورفع قبضته ببطء، وفي لحظة اشتداد الحماس، سمعنا جميعاً صوتاً هائلاً كأنه انفجار:

"بووووووووووم"

كان هذا آخر صوت سمعته قبل أن يغمى علي .

2025/06/03 · 4 مشاهدة · 742 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025