الهواء كان ثقيلًا... كأن الغابة نفسها تحبس أنفاسها معنا.

الوحش لا يزال واقفًا، لا يتحرك، لا يصدر صوتًا، فقط... يراقب.

نظرت نحوه، وعيناي بالكاد تجرؤ على الثبات عليه. لم يكن ينظر نحوي فقط، بل كأنه كان ينظر داخلي.

هذا الصمت... هذا الجمود... جعل الوقت يتمدد.

ثم...

صرخة أخرى.

لكنها لم تكن من الوحش.

كانت من لوكسيان.

قفز من بين الركام، ووجهه يقطر غضبًا، صارخًا:

"هل سنقف كالفئران؟! هذا مجرد وحش! نحن من نُهاجم، لا من نُراقب!"

مدّ يده، وفجأة تشكّل في كفه رمح من الضوء، يخترق الضباب مثل شعاع شمس اخترق كابوسًا.

"هيّا!" صرخ، وانطلق نحو الوحش.

لكن قبل أن يصل...

تحرّك الوحش.

---

كانت حركته سريعة... سريعة أكثر مما يسمح حجمه الضخم. اندفع بجسده نحو لوكسيان في اندفاعة واحدة.

لكن لوكسيان انحرف في اللحظة الأخيرة، وغاص رمحه في جانب الوحش.

صوتٌ غريب خرج منه... ليس صرخة ألم، بل... ضحكة؟

نعم، كان يضحك.

بل ... ، كان مستمتعًا.

---

صاحب العمل صرخ: "لا تقاتله!! لا تفعل!!"

لكن لوكسيان لم يكن يسمع. عيناه تلمعان، وكأن القتال ذاته صار إدمانًا له.

ثم انضم نوكس.

تحرك بلا صوت، كعادته، وبسيف أسود قصير، ضرب ساق الوحش، ثم تراجع في لحظة واحدة.

كانت ضرباته دقيقة، سريعة... مختلفة عن تهور لوكسيان.

"شتّت انتباهه!" قال نوكس.

لوكسيان ضحك، "أوه، بدأ الصامت يتكلم!"

الوحش زأر.

هذه المرة، كان الزئير مختلفًا.

الأرض اهتزت، الأشجار ارتجّت، وجميعنا... أصبنا بالشلل لحظة واحدة.

ثم فجأة، بدأ جسده يتغيّر.

جلده تمزّق في أماكن، وخرجت منه أذرع إضافية... أربعة، مغطاة بأشواك سوداء.

عين ثالثة فتحت في منتصف جبهته.

أنا شهقت بصوت مرتجف:

"م... ما هذا...؟ هل هذا تطوّر؟

صاحب العمل أخرج من عباءته حجراً أزرق صغيراً ، ضغط عليه وقال :

" لم أرغب بإستخدام هذا ، ولكن لو استمر القتال فسنموت جميعاً . "

ثم قال :

" انتقال . "

وفجأة ظهر ضوء حولي وحول بقية العمال ، كان ضوءاً جميلاً ، وقبل أن أفكر أكثر ، وجدت نفسي في مكان آخر مع بقية العمال .

---

عندما توقف الضوء تدريجيًا، وجدت نفسي أجلس على كرسي خشبي صلب، وكنت محاطًا ببقية العمال الذين بدأوا يلتقطون أنفاسهم ببطء.

نظرت حولي ببطء، والمكان بدا مألوفًا بشكل غريب.

الجدران كانت مغطاة بورق خشن، وعلى بعضها خرائط كثيرة مرسومة بتفصيل، تحمل خطوطًا ومسارات وعلامات حمراء وصفراء. بجانبها، أوراق أخرى ملوّنة ومعلقة بمشابك خشبية، تظهر قوائم وملاحظات، بعضها قديم والبعض الآخر حديث.

الإضاءة كانت خافتة، تخرج من مصابيح معلقة بالسقف، تمنح المكان هدوءًا يعكس جديّة الموقف.

الصمت ساد للحظة، كأن الجميع يحاول استيعاب ما حدث فجأة.

كنت أشعر بمزيج من الارتباك والفضول. قلبي ما زال ينبض بسرعة، والآثار الباقية للألم في جسدي تجعل كل حركة تبدو أبطأ مما هي عليه.

بينما كنت أتأمل المكان، لاحظت تعابير وجوه العمال من حولي؛ مزيج من الدهشة والقلق، يتساءلون بصمت عن طبيعة هذا المكان وكيف انتقلنا إليه بهذه السرعة.

ثم سمعت صوتًا هادئًا، ولكنه حازم.

نوكس، الذي وقف قريبًا من صاحب العمل، سأل بصوت منخفض:

"ما الذي فعلته؟ وكيف... كيف نقلتنا إلى هنا؟ وأين نحن بالضبط؟"

ابتسم صاحب العمل ابتسامة خفيفة، لكنه بدا متوترًا قليلاً، وقال:

"نحن في 'مكتب الصيد'."

ثم أشار إلى الخرائط والوثائق على الجدران:

"هذا هو مركز عملياتنا. هنا نتابع أماكن ظهور الوحوش، ونخطط لمهام الصيد القادمة."

رفع يده وأكمل:

"الانتقال الذي فعلته ليس سهلاً، لكنه ضروري للحفاظ على حياتنا. هذه تقنية تمكننا من الانتقال فورًا من مكان الخطر إلى ملاذ آمن."

وقفتُ متأملاً ما قاله، أفكر في مدى تعقيد هذا العالم، ومدى حاجتنا لكل ما يقدمه هذا المكان الغامض.

كانت الأسئلة تملأ رأسي، لكن الوقت لم يكن يسمح بالمزيد.

صاحب العمل نظر إلينا جميعًا بحزم وقال:

"استريحوا قليلًا، سنحتاج قواكم كاملة في المهمة القادمة."

أكمل صاحب العمل كلامه، ثم قال بصوت حازم وغاضب وهو يحدّق في زاوية فارغة من الغرفة:

"يا... ريغان، لتظهر الآن."

التفتُ سريعًا. "مَن؟" تمتمتُ في داخلي.

وفجأة، ومن العدم تقريبًا، ظهر الرجل الغريب. كان واقفًا بثبات، ملامحه جامدة كما رأيته أول مرة. لكن شيئًا ما في وقوفه الآن... أزعجني.

تذكّرت فورًا.

هذا هو الرجل الذي قِيل إنه سيكون "الضمان" في حال ساءت الأمور. من المُفترض أن يتدخل فقط إذا كنّا في خطر شديد.

لكن... لماذا لم يفعل؟

صرخ صاحب العمل، صوته يكاد يخترق الجدران:

"لماذا لم تتدخل وتحمي العمال؟!"

ردّ ريغان بنبرة هادئة بشكل مزعج:

"أنا أعتذر... كنت نائمًا. لذلك، لا أعلم شيئًا عما تتحدث عنه. عندما استيقظت، وجدت نفسي هنا."

صرخة أخرى من صاحب العمل، هذه المرة أكثر غضبًا:

"هاا؟ كنت نائمًا؟! كدنا نموت هناك، وأنت كنت نائمًا؟! أين شعورك بالمسؤولية؟!"

ريغان لم يرد. لم يكن هناك ما يقوله.

أما أنا، فكنت غارقًا في أفكاري، بالكاد أستطيع متابعة ما يجري. يداي ترتجفان، وأنفاسي متقطعة.

ما الذي يجب علي فعله الآن؟

كنت... على وشك الموت. حرفيًا.

صاحب العمل تنهد بصوت عالٍ، ثم قال وهو يشيح بنظره عن ريغان:

"لا أستطيع مجادلتك أكثر. لكن لتعلم، سأبلّغ مكتب الصيد بالأمر."

لم يرد ريغان.

ثم رفع صاحب العمل صوته مرة أخرى ليسمعه الجميع:

"هل الجميع بخير؟"

أجابه أحدهم، بصوت مهزوز:

"يبدو أن واحدًا منا مفقود... وبعضنا مصابون."

قال صاحب العمل بسرعة:

"من هو المفقود؟"

ردّ صوت آخر:

"إنه ماركوس."

تجمّد وجه صاحب العمل.

"وكيف فُقِد؟" سأل بصوت منخفض.

"امم... لا نعلم، يا سيدي."

وهنا... تذكرت.

ماركوس... هو الشخص الذي رأيته يُسحب من الوحش، ويختفي في الظلام.

عقدت حاجبيَّ، وقلبي بدأ ينبض بسرعة.

هل... هل من الممكن أنه-

لا! لنكن متفائلين. من المستحيل أنه مات.

رفعت رأسي، وقلت:

"عذرًا... لكن، أعتقد أنني أعرف أين ماركوس."

2025/06/03 · 9 مشاهدة · 858 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025