كنت متوتراً، خائفاً، أشعر بالذنب لأنني لم أستطع فعل أي شيء لمحاولة إنقاذ ماركوس، مع أنني كنت الوحيد الذي رأيته.

ولكن... ما الذي أستطيع فعله؟

أنا مجرد بشري عادي. لا قوة لديّ، لا مهارات، فقط... شاهدت، وترددت.

كل ما استطعت فعله هو التمني.

تمنيت أن يكون ماركوس حياً.

تمالكت نفسي بصعوبة، وتقدّمت خطوة نحو صاحب العمل. قلت بصوت منخفض، لكنه مسموع:

"عذراً... ولكن أعتقد أنني أعرف أين ماركوس."

نظر إليّ صاحب العمل بحدة وسألني بتركيز:

"وأين تعتقد أنه يوجد؟"

ترددت للحظة، ثم قلت بتوتر:

"هو... عند الوحش."

تسللت كلمات "هو... عند الوحش" من فمي كأنها اعتراف بجريمة. شعرت بأن الأرض تحتي تهتز، وكأن جسدي كله يتراجع للخلف من ثقل العبارة. عيون الجميع كانت عليّ، بعضها مصدوم، وبعضها غاضب، وأكثرها... خائف.

حينها صمت صاحب العمل ، كان الصمت ثقيلاً، خانقاً، كأن المكان نفسه توقف عن التنفس. كل نظرة، كل شهقة مكتومة، كل يد ارتجفت، كانت تصب الزيت على نار قلقي.

صاحب العمل لم يتركني على حافة الصمت طويلاً، بل سأل بسرعة وبصوت أكثر جدية:

"أين عند الوحش؟"

شعرت بأن السؤال يضغط على صدري، كأنني مُطالب بتحديد إحداثيات موقع مأساة.

أجبت بتوتر، محاولاً أن أكون واضحاً:

"لكي أجعل الأمر دقيقاً... فقد سحب الوحش ماركوس إلى مكان ما داخل الغابة، لم أكن مركزاً معه حينها... لكني أتذكر الاتجاه جيداً، وكان قريباً نسبياً، أظن أنه ما زال هناك، لم يمر وقت طويل."

تنهد صاحب العمل ببطء، ثم قال:

"ليس لدينا خيار، سوف أذهب أنا وأنت وريغان هناك. الباقي سيبقى هنا."

شعرت بأنني غرقت أكثر في الطين. جزء مني أراد أن يصرخ: "لا! لا أستطيع!"

ولكن جزءاً آخر، صغيراً جداً... كان يتمسك بأملٍ هشّ أنني قد أستطيع فعل شيء.

لم تمر لحظة حتى بدأ الاعتراض.

"لماذا تأخذ هذا الرجل الضعيف؟ وريغان الذي لم ينقذنا؟"

"كان سيكون من الأفضل لو تختار نوكس ولوكسيان، فهما أقوياء!"

ضربت الكلمات صدري كأنها وُجهت بقصد الإهانة.

كنت أعرف أنهم يرونني عبئاً، كنت أعلم أنني لا أملك ما يملكه غيري.

لكن... لم أكن أتمنى أن يُقال ذلك بصوتٍ عالٍ.

وجهي تجمد. أطرافي ارتجفت قليلاً. لم أنظر لأحد.

لكن صاحب العمل لم يتردد. نظر إلى الجميع، وقال بنبرة قاطعة:

"أنا اخترت هذا الرجل الذي تنعتونه بالضعيف لأنه هو الوحيد الذي يعلم أين قد يكون ماركوس."

"أما ريغان، فقد اخترته لأنه قوي. ربما أقوى مني. صحيح أنه لم يساعدنا، لكنني سأتأكد أنه سيفعل هذه المرة."

سادت لحظة من الصمت. صمت لم يكن رضا، بل قبول مؤقت.

البعض تنهد، البعض أدار وجهه، والبعض نظر إلي باستياء واضح.

أما أنا...

فكنت أقف في منتصف حلقة من الغضب، والشك، والخوف، والعار.

شعرت بالانزعاج حين نعتوني بالضعيف. لكني لم أستطع إنكار ذلك.

أنا لست قوياً.

لكنني، على الأقل، سأحاول أن أجد ماركوس.

وسأحاول... أن لا أكون ذلك الشخص الذي يقف مكتوف اليدين .

وضعت يدي على صدري، أتنفس ببطء، وأقول لنفسي:

"أنا خائف... جداً."

صمتُّ قليلاً. ثم، من دون أي بطولة أو كلمات كبيرة، نظرتُ إلى الأرض وقلت في داخلي:

"ولكن... سأستمر."

قال صاحب العمل بصوته الجاف:

"هيا، لنذهب."

خرجنا من مكتب الصيد بخطى ثابتة. الجو خارج المبنى بدا هادئاً، كأن العالم لم يسمع بما حدث داخل ذلك المكتب.

لكنني التفتُّ إليه وسألته:

"كيف سنذهب إلى الغابة بسرعة؟ الرحلة هناك تستغرق ساعتين، أليس كذلك؟"

نظر إليّ صاحب العمل للحظة، ثم قال:

"أنا أملك حجراً أحمر، مختلف عن الحجر الأزرق الذي استُخدم لإحضارنا."

"هذا الحجر الأحمر يُعيدنا إلى المكان الذي كنا فيه قبل استخدام الحجر الأزرق. لكنني لم أستخدمه داخل مكتب الصيد لأن الحجر ينقل كل كائن حي قريب... لا أريد جلب النصف الآخر من القرية معنا بالخطأ."

رفعت حاجبي بدهشة. ثم قلت:

"إذاً... لماذا لم ينقل الحجر الأزرق الوحش معنا حينما استخدمناه؟"

هزّ رأسه وقال بنبرة متأملة:

"الأحجار تنقل الأشخاص فقط، لا الوحوش. لهذا السبب لا تُستخدم في القتال ضدهم. إنها أدوات تنقذ البشر... لكنها لا تتعامل مع كل ما في هذا العالم."

شعرتُ بقشعريرة خفيفة تمر في جسدي.

هذا العالم يملك الكثير من الأسرار... أكثر مما تخيلت.

واصلنا السير حتى ابتعدنا بما فيه الكفاية عن القرية والمباني، حتى لم يعد هناك أي شخص يمكن أن يُنقل معنا عن طريق الخطأ.

توقف صاحب العمل، أخرج من جيبه حجراً صغيراً بلون أحمر داكن، ثم أمسكه بثبات وقال بصوت واضح:

"رجوع."

وفجأة... انبعث من الحجر ضوء أخضر.

لم يكن مثل الضوء الأزرق الذي ظهر سابقاً، بل كان دافئاً، ساكناً، كأنه ضوء ينبثق من قلب شجرة عتيقة.

توهّج بلطف، وتراقصت ذراته كأوراقٍ خضراء تتساقط في نهرٍ هادئ.

لم يكن ضوءاً عادياً... بل بدا كأنه يحمل شيئاً من الطبيعة القديمة لهذا العالم.

لم أشعر بالانتقال كما حدث في المرة السابقة... بل حدث الأمر بلطف، وبصمت.

وفجأة... كنّا هناك.

في نفس المكان الذي هاجمنا فيه الوحش.

ولكن... المشهد هذه المرة كان مختلفاً تماماً.

الجو كان حزيناً بشكل غريب.

السماء ملبّدة بغيوم رمادية شاحبة، وكأنها حزينة لما حدث.

التراب كان منتشراً في كل مكان، آثار القتال ما زالت مرئية، لكن... بلا ضجيج.

كأن المعركة انتهت منذ زمن طويل، وتركت خلفها أطلالها بصمت.

لم يكن هناك أحد. ولا حتى الوحش.

الصمت كان قاسياً.

الهواء بارد، ساكن، والأنفاس كانت تُسمع بوضوح.

حتى الأغصان... لم تكن تتحرك.

شعرتُ بحزن غير مفهوم.

ليس لأن المكان خطر... بل لأنه فقد شيئاً كان حيّاً قبل قليل.

نظرت حولي، دون أن أقول شيئاً.

ثم بدأت رحلتنا...

رحلة البحث عن ماركوس.

2025/06/04 · 7 مشاهدة · 830 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025