سألني صاحب العمل بنبرة حادة:

"إذاً، ها نحن ذا، أين تعتقد أن ماركوس قد اختفى؟"

وقفت متأملًا المكان المحيط بي، محاولًا أن أستجمع كل التفاصيل التي قد تساعدني على تحديد الاتجاه. حولنا كانت الغابة تمتد على مد البصر، الأشجار العالية تظلل الطريق وأوراقها تهمس مع نسيم خفيف. الأرض مغطاة بعشب أخضر وأرض صلبة تغطيها جذور الأشجار المتشابكة.

نظرت إلى الشرق والشمال والغرب، ولكن لم ألحظ أي أثر يُشير إلى أن الوحش قد سحب ماركوس في تلك الجهات. ثم وجهت نظري نحو الجنوب، حيث كان المشهد أكثر وضوحًا، وكانت الأشجار أقل كثافة، مع ضوء شاحب يتسلل بين الأغصان.

قلت لصاحب العمل بتردد:

"أعتقد أن ماركوس قد يكون موجودًا في الجنوب."

ردّ صاحب العمل :

"هل أنت متأكد؟"

كنت مترددًا قليلاً، ولكنني أجبت بثقة:

"نعم، هذا هو الدليل الوحيد الذي نملكه."

توجه صاحب العمل بعدها إلى ريغان قائلاً بحزم:

"هذه المرة تأكد من عدم النوم والحماية."

أومأ ريغان برأسه دون أن يرد.

بدأنا السير نحو الجنوب. المكان كان هادئًا بشكل غريب، الأشجار تحيط بنا من كل جانب، والظل يمتد ليغطي الأرض، والهواء يحمل رائحة التراب والرطوبة التي تشير إلى قرب وجود مياه أو كهف.

كل خطوة كنا نخطوها كانت تصدر أصواتًا خافتة، أوراق متساقطة تحت أقدامنا، وأحياناً نسمع خرير مياه بعيداً ، كأن هناك جدولاً صغيراً يسير متعرجاً بين الأشجار .

فجأة، لمحنا بقع دم تنقط على الأرض الصخرية، تلمع تحت ضوء القمر . ارتجفت، وكنت أتساءل في نفسي: هل هذا دم ماركوس أم دم الوحش؟

قال صاحب العمل بحزم:

"سنتبع بقع الدم هذه، ربما قد نجد ماركوس إذا ما زال حيًا."

---

بينما كنا نتتبع بقع الدم، تغيرت الأرض تحت أقدامنا تدريجيًا من العشب اللين إلى تربة أكثر صلابة ممزوجة بأوراق الشجر اليابسة والجذور المتشابكة التي تعيق حركتنا أحيانًا. الهواء أصبح أثقل، محملاً برائحة التراب الرطب ورائحة غريبة لم أتمكن من تحديدها، كأن شيئًا ما غير طبيعي يختلط بالهواء.

الأشجار من حولنا كانت أكثر تباعدًا مقارنة بالمناطق التي مررنا بها سابقًا، وأغصانها العالية تظلل المنطقة بشكل خفيف، تاركة بعض أشعة الشمس تخترق الفروع لتلقي بضوء خافت على الأرض. الطيور صمتت، وكأنها تحس بالخطر مع تقدمنا.

الدماء كانت تتناثر بين الصخور الصغيرة والأوراق، تتبعها قادنا نحو مكان أكثر برودة ورطوبة، حيث بدأ الهواء يتغير بشكل واضح، لكننا لم نر أي علامات واضحة على وجود شيء أو مكان محدد.

كانت البقع تتوقف أحيانًا فجأة، ثم تستأنف في أماكن أخرى، مما جعلني أشعر بأن ماركوس أو الوحش كانا يتحركان بشكل متقطع هنا وهناك.

كان الصمت يغلف المكان، يصاحبه همس الرياح الخفيف بين الأشجار، مما جعل كل خطوة تأخذ طابع الترقب والقلق.

---

تابعنا تتبع بقع الدماء بصمت وحذر، وكلما تقدمنا أكثر، لاحظنا أنها تمتد نحو مكان بدا مختلفًا. الأرض أصبحت أكثر رطوبة، والصخور تناثرت بشكل عشوائي بين الأعشاب اليابسة. فجأة، انحنت الأشجار وتفرعت بشكل غير طبيعي، وكأنها كانت تفسح المجال لشيء ما خلفها. وعندها، رأينا شيئًا لم نكن نتوقعه... فتحة صخرية غامضة بين التلال، ينسدل على أطرافها بعض الأغصان الجافة، بالكاد تميزها في الظلام... لقد كان كهفًا.

توقفنا أمامه لوهلة. قال صاحب العمل بصوت منخفض لكن واضح:

"قد يكون ماركوس هناك."

ثم أضاف بنبرة جادة:

"يجب علينا الدخول والتحقق مما إذا كان هناك."

تسللت موجة توتر إلى صدري، فقد بدا الكهف مظلمًا بشكل مخيف، وساهمت عتمة الليل في جعله أكثر سوادًا وغموضًا. أما ريغان، فكان واقفًا خلفنا، لا تظهر على ملامحه أي علامات خوف أو تردد، وكأن شيئًا من هذا لا يعنيه.

دخلنا الكهف بخطوات حذرة. لم يكن هناك أي بصيص من الضوء. كنت أمد يدي أمامي، أحاول أن أتحسس تضاريس الجدران الأرضية حتى لا أقع فجأة في حفرة، أو أرتطم بصخرة، أو أضيع عن الآخرين. أعتقد أن صاحب العمل وريغان كانا يفعلان الشيء نفسه.

وبينما كنا نتعمق أكثر، بدأ بصيص ضوء خافت يلوح من بعيد. اقتربنا منه بحذر، لنكتشف أن الضوء نابع من ثغرة صغيرة في سقف الكهف، تسرّب منها نور القمر، مسلطًا شعاعه على بقعة مريبة من الأرض. كان هناك دم.

لكن هذه المرة، كانت كمية الدماء أكبر. وقفت متيبسًا أنظر إليها. لم تكن بقعًا عشوائية، بل كانت كأن أحدهم نزف وهو يُسحب ببطء... الكثير من الدم. شعرت بقشعريرة تجتاح جسدي. إذا كانت هذه الدماء كلها لماركوس، فاحتمال نجاته سيكون ضئيلًا جدًا.

قال صاحب العمل وهو يتنهد:

"فقط لو أننا نملك مصباحًا أو شيئًا كهذا..."

وفجأة تذكرت هاتفي. شعرت بالغباء للحظة. أخرجته بسرعة، وترددت قليلًا، فقد كانت بطاريته منخفضة جدًا، لكنني لم أجد خيارًا آخر. حياة إنسان تستحق أكثر من بطارية. ضغطت على زر الإضاءة، وانبعث نور الهاتف لينير الكهف بما يكفي لرؤية الأرض من حولنا.

قال ريغان من الخلف بلهجة خفيفة مشوبة بالسخرية:

"إذا كنت تملك هاتفًا، فلماذا لم تخرجه من البداية؟"

أجبت وأنا أتحاشى النظر إليه:

"أنا... آسف. لقد نسيت."

قال صاحب العمل دون أن يلتفت إلي:

"لا بأس... الأهم الآن هو أن نبحث عن ماركوس."

واصلنا السير، متتبعين الدماء إلى أن توقفنا عند مفترق. ممران، أحدهما يتجه يمينًا والآخر يسارًا. وقفنا مترددين، فآثار الدماء توقفت هنا، وكأن من كان ينزف قد قرر إخفاء مساره عمداً، أو… لم يستطع الاستمرار.

نظر ريغان إلى الممرين وقال بنبرة ساخرة:

"رائع، ماذا سيكون أسوأ؟"

نظرت إلى الطريقين... وكل منهما كان يغرق في الظلام. ولم يكن هناك أي أثر يدل على الاتجاه الصحيح.

وفي تلك اللحظة ، ساد الصمت التام ، وكأن الكهف نفسه كان ينتظر قرارنا .

2025/06/04 · 6 مشاهدة · 834 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025