تنهدت بعمق، وقلت في نفسي: "أي طريق هو الصحيح يا ترى؟"
سأل صاحب العمل: "ما هو الطريق الصحيح برأيكما؟"
فأجبت: "أنا أعتقد أن الطريق الصحيح هو اليمين."
أما ريغان، فقال بثقة: "أنا أرى اليسار هو الصحيح."
قال صاحب العمل بحزم: "ليس لدينا وقت للمجادلة. ريغان، أنت قوي، فستذهب وحدك إلى اليسار. أما أنا فسأسير في اليمين مع هذا الرجل . "
رد ريغان دون تردد: "حسنًا، سأذهب إلى اليسار."
أومأ صاحب العمل وقال: "خذ حذرك يا ريغان."
وبعد وداعنا، انطلق ريغان في طريقه نحو اليسار، بينما بدأت أنا وصاحب العمل السير في الطريق الأيمن.
كان الطريق الأيمن موحشًا، تحيط به أشجار كثيفة وأرض مغطاة بأوراق جافة تصدر أصواتًا خافتة تحت أقدامنا. بعد فترة من المشي، وصلنا إلى منطقة مظلمة وهادئة، حيث كان هناك مدخل كهف صغير مخفي بين الصخور والأشجار. حول مدخل الكهف كانت بعض العظام المتناثرة، وجماجم حيوانات تعطي انطباعًا أن هذا هو موطن لبعض الوحوش المفترسة.
اقتربنا بحذر من مدخل الكهف، وعندها لمحت شيئًا لامعًا بين الصخور. مددت يدي وأخرجت الشيء الذهبي، ثم تساءلت: "هل هذا ذهب؟"
نظر إلي صاحب العمل وقال: "أنا لست خبيرًا في المعادن الثمينة. لتأكيد ذلك، سنحتاج للذهاب إلى مختبر التحاليل المعدنية، وهو مكان متخصص في فحص المعادن وتحديد نقائها وقيمتها."
تابعنا استكشاف المنطقة بتمعن، وبعد فترة وصلنا إلى نهاية الطريق الأيمن، حيث لم يكن هناك أي ممرات أخرى تتيح لنا التقدم.
...
بعد أن وصلنا إلى نهاية الطريق الأيمن ولم نجد ما يدل على وجود الوحش، قررنا العودة أدراجنا. حملت معي الشيء الذهبي الذي وجدناه، فلا يزال احتمال كونه معدنًا ثمينًا يراودني.
عندما عدنا إلى مفترق الطرق، نظرت إلى صاحب العمل وسألته:
"هل سنذهب الآن إلى الطريق الأيسر؟"
رد بنبرة جدية:
"ليس لدينا خيار. يجب علينا الذهاب."
بدأنا السير في الطريق الأيسر. بدا منذ اللحظة الأولى أنه أطول من الطريق الأيمن، وأكثر التواءًا وهدوءًا. الأشجار كانت أعلى، والظلال أعمق، وصوت الريح أخف، وكأن الطبيعة كلها تراقبنا بصمت.
بعد عدة لحظات من المشي، لمحت شيئًا غريبًا على الأرض. بدا أسود في البداية، لكن حين اقتربت منه أكثر اتضح أن لونه أحمر داكن... دم.
تجمدت لوهلة، قلبي بدأ ينبض بسرعة. ارتبكت. تمنيت في داخلي أن يكون كل شيء بخير، وأن لا يكون ماركوس أو ريغان قد تعرضا للأذى.
تابعنا السير بقلق واضح، خطواتنا أصبحت أبطأ. ثم لمحنا من بعيد شيئًا بسيطًا... لا، لم يكن شيئًا. كان شخصًا يقف هناك في الظل.
صرخ صاحب العمل:
"ريغان! هل هذا أنت؟!"
تحرك الشخص الغريب ببطء وتقدّم نحونا. ملامحه لم تكن واضحة، وملابسه كانت مغطاة بالدماء. هنا، كاد قلبي أن يتوقف. خفت... توترت... تذكرت كل تلك المسلسلات والأفلام التي كنت أشاهدها، عندما يظن الضحية الساذج أنه يرى صديقه، فيناديه... ثم يقترب منه ذلك الشخص ليكتشف أنه ليس صديقه بل قاتل أو وحش.
وفجأة، رمى ذلك الشخص شيئًا على الأرض قُربنا...
نظرت بسرعة لأرى ما هو... كانت جمجمة.
هنا صرخت من أعماق قلبي:
"اااااااااهههععععععهعهعهععههعه!!!"
وبينما كنت أرتجف من الخوف، سمعت صوت ضحك. كان صوتًا مألوفًا.
اقترب الشخص أكثر، ظهرت ملامحه تحت ضوء الشمس المتسلل من بين الأشجار...
لقد كان ريغان.
"هههههههههههههه، يا رجل، لم أتوقع أنك سوف تخاف هكذا! آخ، أضحكتني بجد ! "
كنت في قمة الغضب والحرج، نظرت بعيدًا بينما أحاول استجماع كرامتي، لكني لاحظت أن ريغان كان يحمل شخصًا على ظهره.
نظرت لأرى من هو...
نعم، لقد كان ماركوس.
لكن سرعان ما تلاشى شعوري بالحرج، وتحول إلى فرحة مطمئنة حين رأيت ماركوس ما يزال على قيد الحياة. كنت على وشك أن أركض نحوه، لكن صاحب العمل سبقني وسأل ريغان بنبرة سريعة:
"أين وجدته؟"
رد ريغان بهدوء، كمن أنهى مهمة مرهقة:
"لقد كان في أعماق هذا الطريق."
رفع صاحب العمل حاجبيه وسأله:
"وهل كان الوحش هناك؟"
هز ريغان رأسه وقال:
"لحسن الحظ، لم يكن."
ثم انحنى صاحب العمل، وتناول جسد ماركوس من بين يدي ريغان، وحمله على ظهره برفق. كان ماركوس مغمىً عليه، وجهه شاحب، وتنفسه ضعيف... حالته كانت حرجة.
قال صاحب العمل بنبرة حاسمة:
"يجب علينا الرجوع الآن، بما أننا وجدنا ماركوس."
ثم أخرج من جيبه حجرًا أزرق لامعًا، رفعه أمامه وقال:
"انتقال."
وفي لحظة، شعرت بذلك الإحساس الغريب يتكرر... الهواء من حولي بدأ بالاهتزاز، وكأن العالم كله انكمش في ومضة واحدة. الأرض اختفت من تحت أقدامنا، وتبعتها الأشجار والسماء والهواء، كل شيء صار كتلة من الألوان الزرقاء والسوداء والرمادية تدور حول بعضها كدوامة هادئة.
ثم... سكون.
شعور خفيف بالهبوط، كأنني أعود من حلم، واستقر جسدي على الأرض من جديد، وهذه المرة كانت الأرض مألوفة... لقد عدنا.
نظرت إلى صاحب العمل، وفي داخلي سؤال لم أتمكن من كتمانه:
كم عدد تلك الأحجار التي يملكها؟ وكيف يحصل عليها؟
كانت تلك الأحجار، بدون شك، أعظم وسيلة انتقال رأيتها في هذا العالم الغريب.