بعد أن وجدت قطعة الذهب أخيرًا، وسط الظلال وتحت السرير، شعرت بشيء من الراحة يتسلل إلى صدري كنسمة صباحٍ دافئة. ضممتها إلى صدري للحظة، وكأنها قلب صغير ينبض في راحة يدي. لم تكن مجرد قطعة لامعة، بل كانت احتمالًا، احتمالًا لأن يكون في هذه الحياة الجديدة ما يمكن بيعه... أو الاعتماد عليه.
لم أملك الكثير، بل لا شيء تقريبًا سوى هذه القطعة، وإن كانت حقيقية، فقد تحمل لي تغييرًا. ربما ستكون البداية التي طالما حلمت بها... بداية تجعلني أقل قلقًا بشأن الطعام، أو المأوى، أو حتى الملابس.
نظرت إليها لثوانٍ، ثم قررت أن أخبئها في مكان آمن. فتحت الخزانة الصغيرة في الغرفة، ووضعتها في زاوية خلف كومة الملابس المطوية، ثم غطيتها بقطعة قماش داكنة. بقيت أراقبها للحظات، ثم أغلقت باب الخزانة بإحكام.
نزلت إلى الطابق السفلي، حيث كانت رائحة الطعام تنبعث من المطبخ، تغمر المكان بدفء بسيط. جلست على الطاولة المعتادة، وقُدّم لي طبق من الحساء الساخن وبعض الخبز. لم يكن الطعام مختلفًا عما اعتدت عليه .
وبعد أن انتهيت من الطعام، عدت إلى الغرفة، وقد بدأت أشعر بالإرهاق يسري في أطرافي كالماء البارد. تمددت على السرير، ونظري لا يزال مشدودًا نحو الخزانة، ثم أغمضت عينيّ ببطء.
---
استيقظت في الصباح التالي على صوت العصافير وهي تزقزق خارج النافذة الصغيرة.
غسلت وجهي، ومن ثم فتحت باب الخزانة وسحبت قطعة الذهب من مكانها. أمسكتها بين يدي لوهلة، ثم وضعتها في جيبي الداخلي بإحكام، وتأكدت أن لا شيء يمكن أن يُسقطها. بعد ذلك غادرت النزل وتوجهت كعادتي إلى العمل.
وصلت في الوقت المعتاد، وبدأت برفع الصناديق وتنظيم الأغراض، لكن قلبي لم يكن مع العمل اليوم، بل مع قطعة الذهب التي تخفيها سترتي. كنت أفكر طوال الوقت: هل هي حقيقية؟ هل هي مجرد معدن مزيف يلمع فقط لخداع الأمل؟ أم أنها قد تكون مفتاحًا لبداية جديدة؟
وحين سنحت لي الفرصة، اقتربت من صاحب العمل بينما كان يرتّب بعض الأوراق الخشنة بيديه، وقلت له بنبرة حاولت أن أجعلها هادئة:
"سيدي... في يوم الحادثة، حين أنقذنا ماركوس ، قلتَ إن مختبر التحاليل المعدنية يمكنه معرفة إن كان المعدن حقيقياً أو مزيفًا... هل تعرف أين يوجد هذا المختبر؟"
رفع رأسه إليّ ونظر في عينيّ للحظة صمت فيها، كأن الكلمات ترددت في داخله قبل أن تخرج. ثم قال بهدوء:
"بعد أن تنتهي من العمل اليوم... تعال إليّ. سنذهب معًا إلى مختبر التحاليل المعدنية."
أومأت برأسي، وقلبي ينبض بشدة.
كان ذلك أملي الصغير .
...
كان قلبي ينبض بشدة، كأن داخلي ساعة متوترة تُعدّ الدقائق، ينتظر بشغف اللحظة التي ينتهي فيها العمل لأتمكن من الذهاب إلى مختبر التحاليل المعدنية. شعورٌ غريب اجتاحني، مزيج من الفضول والقلق، وكأن مستقبلي كله معلّق على نتيجة اختبار واحد.
ومع كل دقيقة تمرّ، كان داخلي يزداد توتراً. لم أعد أركّز كثيرًا على تفاصيل العمل، حتى أني أخطأت مرة في وضع إحدى الصناديق في غير موضعها الصحيح، ما جعل أحد الزملاء ينبهني، لكنني تمتمت باعتذار واستدرت سريعًا.
وأخيرًا، حين غربت الشمس وبدأت السماء تكتسي بلون برتقالي خافت، أعلن صاحب العمل انتهاء اليوم. أسرعت نحوه بخطى ثابتة، رغم الارتباك في صدري، وقلت له:
"إذًا... الآن، لنذهب إلى مختبر التحاليل المعدنية."
نظر إليّ للحظة، ثم قال بهدوء:
"انتظر لحظة."
ثم استدار ومشى نحو العربة الكبيرة التي يستخدمها كمكتبٍ متنقل. رأيته يفتح الباب ويختفي داخلها للحظات. لا أعلم لماذا ذهب إلى هناك، ولا ما الذي كان يفعله، لكنني لم أبالِ كثيرًا. كنت مشغولًا بأفكاري، وبالاحتمالات التي تدور في رأسي، وكلها تتقاطع عند سؤال واحد: هل قطعة الذهب حقيقية؟
خرج صاحب العمل من العربة أخيرًا، وأغلق الباب خلفه، ثم قال لي ببساطة:
"لنذهب الآن."
بدأنا بالسير معًا، وكنت أتبعه عن قرب. لم يكن الطريق طويلاً، لكنه كان كافياً لجعل قلبي يضرب كطبول قتال. مررنا بشارع جانبي مرصوف بالحجارة الداكنة، تزينه مصابيح صغيرة معلّقة على الجدران الطينية للمنازل. بعض المارّة كانوا يلقون علينا نظرات عابرة، بينما كان الهواء يحمل رائحة ترابٍ رطب ورماد ناعم من نار خُمدت منذ وقت قصير.
وبعد عدة دقائق، وصلنا.
كان مبنى مختبر التحاليل المعدنية مختلفًا عن باقي المباني المحيطة. بناء متوسط الحجم، لكنه مشيّد من حجر رمادي داكن يلمع قليلاً تحت ضوء المصابيح، ما منحه مظهرًا أقرب للصرامة والجدية. فوق بابه القوسي عُلّقت لافتة نحاسية نقشت عليها كلمات بلغةٍ محلية لم أفهمها، لكن تحتها مباشرة كُتب بخط أصغر: "مختبر التحاليل المعدنية". نوافذه كانت صغيرة ومغلقة بإحكام، وكأن ما بداخل المكان لا يُسمح له بالتسرّب.
دفع صاحب العمل الباب، ودخل، فتبعته على الفور.
من الداخل، بدا المختبر أكثر غرابة مما توقعت. الجدران مغطاة بأرففٍ خشبية تحتوي على قوارير زجاجية ممتلئة بسوائل متعددة الألوان، بعضها يغلي داخل دوائر نحاسية موصولة بأسلاك دقيقة. كانت هناك طاولات طويلة مليئة بأجهزة معقّدة، بعضها يخرج منه دخان خفيف، وبعضها يضيء بألوان خافتة. الجو كان دافئًا بشكل ملحوظ، وتفوح منه رائحة خليط بين المعدن المحترق والعطور الكيميائية.
في الزاوية، جلس رجل نحيل يضع نظارات مستديرة، شعره بني اللون ، يدوّن شيئًا على ورقة بتركيز شديد. رفع رأسه حين دخلنا، ثم ابتسم لصاحب العمل ابتسامة خفيفة، وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن.
نظرت إلى صاحب العمل، ثم إلى القطعة الذهبية في جيبي، وأدركت أن اللحظة التي كنت أتهيّبها قد بدأت بالفعل.