بعد أن أنهى نوكس كلماته، ظللت واقفًا في مكاني للحظات، أراقب الشمس وهي تغوص ببطء خلف الأفق، ترسم بخيوطها الذهبية لوحة حزينة فوق سماء القرية. شعرت أن كلماته لم تكن مجرد معلومة عابرة، بل كانت كصفعة أيقظتني من غفلة عميقة.

انتهى يوم العمل، وبدأ العمال يتفرقون، بعضهم توجه نحو النزل، وآخرون نحو السوق أو أماكن الاستراحة، أما أنا فكنت أجرّ قدميّ بخفّة، أشعر بثقل في رأسي وكأن شيئًا ما يحاول التشكل داخلي. وبينما كنت أتهيأ للعودة إلى النزل، وقعت عيناي على مشهد مألوف.

كان لوكسيان مستلقيًا فوق جذع شجرة سميك، مائلًا برأسه للخلف، ويداه خلف رأسه، كأن لا همّ في هذا العالم يستطيع الوصول إليه. تناثرت أوراق الشجرة حوله، وكانت أطراف الشمس تلامس بشرته الذهبية وكأنها تعرفه جيدًا.

ناديت عليه بصوت معتدل:

"لوكسيان، لقد انتهى العمل."

فتح إحدى عينيه بتكاسل، ثم تثاءب بطريقة مبالغ فيها وقال دون أن يتحرك:

"سأذهب لاحقًا... الجو هنا أكثر راحة من تلك الأسرة الرديئة في النزل."

ترددت للحظة، لكن فكرة حديثي مع نوكس ظلت تدور في ذهني، كالدوامة. قررت أن أطرح عليه السؤال.

"هل حصلت على القدرة الفريدة عن طريق نافذة الحالة؟"

لم ينظر إلي، بل ابتسم بسخرية وهو يغمض عينيه مجددًا، وقال بصوت متهكم:

"نعم، ألم تكن تعلم؟"

صمتُّ، لم أستطع الرد فورًا. لم أعرف إن كان يسخر مني أم أنه مندهش فعلًا.

لكنه التفت إلي فجأة، وقد بدت على وجهه علامات مفاجأة حقيقية هذه المرة:

"مهلًا... أحقًا لم تكن تعلم؟"

لم أقل شيئًا. نظرت إليه فقط، بوجه خالٍ من التعبير.

ثم انفجر ضاحكًا، ضحكة عالية مزعجة تشبهه تمامًا، وقال بين القهقهات:

"ههههههههههه، يا رجل، أنت حقًا تصدمني كل مرة نلتقي فيها! حتى شيء بسيط كهذا لم تكن تعرفه؟! هذا رائع!"

ازداد انزعاجي، لا منه فقط، بل من نفسي أيضًا. كيف يمكنني أن أجهل شيئًا بهذا القدر من الأهمية؟ شيء يبدو أن الجميع يعلم به، بل ويتعاملون معه كأنه بديهي تمامًا.

تجاهلت ضحكه ونهضت، بدأت أمشي مبتعدًا عنه دون أن أنظر إلى الوراء.

صاح خلفي:

"مهلًا! إلى أين أنت ذاهب؟ أخبرني أولًا... كيف بقيت حيًا حتى الآن من دون أن تعرف شيئًا عن نافذة الحالة؟! هههههههههههه!"

مع كل خطوة كنت أخطوها، كان صوته يتلاشى تدريجيًا، حتى لم أعد أسمع سوى وقع قدميّ على الطريق، وصوت أنفاسي.

...

دخلتُ النُّزُل بخطى مثقلة، لم أنطق بكلمة واحدة. ما زال صدى ضحك لوكسيان يتردد في أذني كصفعة متكررة، ليس بسبب سخريته فحسب، بل لأنه كان محقًّا. كيف لم أعلم شيئًا بسيطًا كهذا؟

قبل أن أستجمع أفكاري، ظهرت صاحبة النُّزُل عند المدخل، وقد بدت كعادتها بهدوئها المرح، وابتسامة بسيطة ترتسم على وجهها، وقالت بصوت دافئ:

"مرحبًا بعودتك، هل تناولت طعامك؟"

لكنني قاطعتها دون تفكير، وكأن شيئًا في داخلي انفجر فجأة:

"عمّتي ميليسا... هل تملكين أنتِ أيضًا قدرة فريدة من نافذة الحالة؟"

تغيرت ملامحها بسرعة، وتسلل شيء من الارتباك إلى عينيها، كمن كُشف عن سر لم تكن تنوي البوح به بهذه الطريقة. رفعت يدها إلى شعرها تعدّل خصلة متمردة، ثم قالت بابتسامة خفيفة:

"أوه... لقد نسيت أن أخبرك بالأمر. نعم، لديّ قدرة فريدة. اكتسبتُها عن طريق نافذة الحالة."

سكتُّ، بينما كانت كلماتها تطرق قلبي طرقًا هادئًا لكنه مزعج، كإيقاع لا يتوقف.

أكملت حديثها قائلة بنبرة خفيفة أقرب إلى المزاح:

"نافذة الحالة، نعم... إنها موجودة الآن، تطفو بجانبي. أنت لا تراها، أليس كذلك؟ لكنها هنا، هكذا، فوق الأرض مباشرةً."

أشارت بيدها نحو الفراغ بجانبها، وكأنها ترى شيئًا غير مرئي، شيء لا أملكه، ولا أفهمه، ولا أعرف كيف أصل إليه.

أردتُ قول شيء، أردتُ أن أسأل، أن أفهم، أن أصرخ حتى، لكن لسان حالي كان عاجزًا، فأكملت هي كلامها دون أن تتيح لي فرصة المقاطعة:

"في الواقع... لستُ الوحيدة هنا التي تمتلك نافذة الحالة. ابنتي الصغيرة، ليانا، تمتلكها أيضًا."

تجمدت في مكاني. شعرتُ بأن الكلمات اصطدمت بي كصاعقة، تسللت إلى داخلي بهدوء قاتل. طفلة في العاشرة من عمرها... تعرف عن نافذة الحالة وأنا لا؟

أردت أن أضحك، أن أبكي، أن أفرغ هذا الغضب المتراكم، لكن لا شيء خرج مني.

قالت ميليسا بهدوء، كأنها لا تدرك الجرح الذي فتحته:

"قدرتي الفريدة هي التحكم بالمياه. أستطيع تحريكها، تغيير شكلها، حتى تجميدها أحيانًا. أما ليانا، فقدرتها تُدعى نسخ الظل."

نظرتُ إليها بذهول، بينما تابعت بابتسامة فخر أمومية:

"يمكنها إنشاء خمس نسخ من نفسها... ليست قوية تمامًا كهيئتها الأصلية، لكنها ذكية بما يكفي لإرباك أي خصم."

خمس نسخ... فتاة في العاشرة... وماذا عني؟ قلم، هاتف، وخمس دولارات... وصفر إجابات.

عمّ الصمت لثوانٍ بيننا، لكنها لم تكن ثوانٍ عادية. كانت كأنها تسرق شيئًا من روحي، من كرامتي التي بدأت تتآكل بهدوء، في هذا العالم الغريب الذي يبدو أن الجميع يفهم قواعده... سواي.

2025/06/09 · 5 مشاهدة · 716 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025