بعد أن انتهى حديثي مع العمة ميليسا، تناولت طعامي بصمت. كان الطعام لذيذًا كعادته، لكنني بالكاد شعرت بطعمه. لم يكن في الأمر خطب ما، سوى أن كل قضمة كانت تمرّ من حلقي مصحوبة بثقل الأسئلة التي لا تنتهي.
غادرت المائدة متوجهًا نحو غرفتي في الطابق العلوي. خطواتي كانت بطيئة وكأن الأرض أصبحت أكثر صلابة من المعتاد. فتحت الباب ودخلت، ثم أغلقته خلفي برفق. كان الضوء البرتقالي الذي يتسلل من بين الستائر ينسكب على الأرض الخشبية، كأن الشمس أرادت أن تراقبني بصمت، شاهدة على لحظةٍ قد تغيّر كل شيء.
جلست على السرير وأطلقت زفرة طويلة.
"الأمر ليس وكأنني لم أتساءل من قبل..."
همست لنفسي، وأنا أحدّق في سقف الغرفة.
عندما وصلت إلى هذا العالم، كنت أعلم - أو على الأقل، كنت أتمنى - أن هناك شيئًا ما، مثل نافذة الحالة، مثل تلك التي تظهر دومًا في المانهوات أو الأنميات. كنت قد هممت بلفظ العبارة حينها... "نافذة الحالة"... لكنني تراجعت.
ظننت أنني سأبدو كالأحمق، كمجنون يهمس بكلمات لا معنى لها في عالم غريب لا يعرفني. لم تكن لدي الشجاعة، لا لأن أُحرج، بل لأنني كنت خائفًا... خائفًا من ألا يحدث شيء، من أن أتأكد أن هذا العالم لا يُشبه أي خيالٍ قرأته أو شاهدته. خائفًا من أن أكون مجرد دخيل بلا امتيازات، بلا قدرات، بلا مصير خاص.
تنهّدت مجددًا. الزمن بدا ساكنًا، والسكون كان يضغط على صدري كصخرة.
جلست معتدلًا على السرير، وضعت يديّ على ركبتيّ، ونظرت إلى الفراغ أمامي، كأنني أتهيأ لمواجهة قدري. ثم أغمضت عينيّ ببطء، وقلت بصوت خافت:
"نافذة الحالة."
مرّت ثوانٍ... واحدة، اثنتان، ثلاث... فتحت عينيّ ببطء، وقلبي يدقّ في صدري كطبول حرب. لكن لم يظهر شيء.
لا ضوء. لا نافذة. لا معجزة.
ابتسمت ابتسامة ساخرة، مريرة، وقلت ساخرًا:
"هاه... بالطبع. ماذا كنتُ أتوقع؟"
تمدّدت على السرير، يدي خلف رأسي، وعيني تحدّقان في السقف. أخذت نفسًا عميقًا، ثم أغلقتهما مجددًا، كأنني أودّ أن أختبئ من نفسي.
"مجرد وهم آخر..."
فكرت .
"حلم لم يتحقق."
لكن فجأة...
دينغ.
كان الصوت خفيفًا، معدنيًا، لكنه رنّ في أذني كصفارة إنذار.
فتحت عينيّ بسرعة.
ثم ... ظهرت .
لم أكن أحلم.
أمام وجهي، في منتصف الغرفة، انبثق شعاع أزرق فاتن، لا هو بماديّ ولا وهميّ. كان متوهجًا، لكنه لا يؤذي العين. رقيقًا، لكنه يشع بالقوة.
لم يكن وهمًا... لم يكن خيالًا . أمامي كانت تطفو نافذة شفافة، ينبعث منها وهج ناعم يشبه نور القمر حين يعانق سطح بحيرة ساكنة. لم أكن أصدق ما أرى. بقيت أرمش بعيني كأنني أحاول التأكد من أنها ليست خدعة بصرية، ولكنها لم تختفِ... بل ازدادت وضوحًا.
اقتربتُ منها قليلًا، حدّقتُ فيها بفضول وتوجّس، وكأنني أقف أمام بابٍ يُفضي إلى حقيقة جديدة لم أعهدها من قبل. كانت تشبه تمامًا النوافذ التي اعتدت رؤيتها في الأنميات والألعاب، بل إنها أجمل - أكثر واقعية، وأكثر هدوءًا، وكأنها قطعة من عالم آخر.
وبخطٍ دقيق، ظهر سطر جديد في أعلاها:
[مرحبًا بك أيها المستخدم.]
رفعتُ حاجبيّ بدهشة، وكأن النافذة تُخاطبني. بدأت التفاصيل تظهر واحدة تلو الأخرى، وكأن النظام نفسه كان يتعرّف إليّ ويعرض بياناتي. قرأتُ ما كُتب بعينين متسعتين، وعقلي يحاول اللحاق بكل هذا.
[> المستوى: 1]
[العمر: 20]
[الجنس: ذكر]
[> القوة: 5]
[الرشاقة: 4]
[الذكاء: 6]
[الحظ: 5]
[الحكمة: 4]
[مقدار الوعي: غير معروف]
[> المهارات: لا يوجد]
[القدرة الفريدة: القدرة على الحصول على قوة خارقة كل أسبوع]
بقيتُ أحدّق في النافذة، وكأنني أحاول امتصاص كل حرف فيها. مررتُ بنظري على كل تفصيلة، كلمةً كلمة.
"حسنًا..."
تمتمتُ بهدوء .
"مستواي واحد، كما هو متوقع... لا يمكن أن أكون بطلاً خارقًا منذ البداية."
"عمري عشرون، وجنسي ذكر..."
ابتسمتُ بسخرية .
"نعم، شكرًا على التذكير."
انتقلتُ بعيني إلى الأرقام.
"القوة خمسة... الرشاقة أربعة... والذكاء ستة؟ على الأقل هناك شيء أفتخر به." ثم نظرتُ إلى الحظ والحكمة، "خمسة وأربعة... لا بأس، يمكنني العمل على تطويرهم، أليس كذلك؟"
لكن عيني توقفت عند ذلك السطر الغريب:
> مقدار الوعي: غير معروف
قطبتُ حاجبيّ. لم أرَ شيئًا كهذا من قبل، لا في الأنميات ولا في الألعاب. "مقدار الوعي؟" كرّرتُ الكلمة بصوت خافت. "ما الذي يُقصد بذلك؟" هل يعني الوعي بالذات؟ بالعالم؟ بالقوى؟ هل هو شيء خطير؟ أم مجرد عنصر مخفي؟ لم أملك أي إجابة، ولم أكن مستعدًا للغوص في ذلك الآن. لذلك، هززتُ رأسي وتجاوزته، متابعًا القراءة.
> المهارات: لا يوجد
تنهدتُ، هذه خيبة أمل طفيفة. كنتُ آمل أن أجد شيئًا بسيطًا... حتى لو كانت مهارة عدّ حتى عشرة بسرعة! لكن لا، لا شيء.
ثم نظرتُ إلى آخر سطر...
> القدرة الفريدة: القدرة على الحصول على قوة خارقة كل أسبوع
في البداية، قرأتها ببرود. عقلي لم يستوعبها كما ينبغي. كررتُ بصوت منخفض:
"القدرة على الحصول على قوة خارقة... كل أسبوع؟"
لحظة.
مهلًا.
تجمّدت الكلمات في عقلي، وتوقف الزمن لثانية كاملة.
"مهلًا، ماذا؟"
جلستُ معتدلًا، وعيناي توسعتا كما لو أنني رأيتُ شهابًا يسقط أمامي.
"الحصول على قدرة خارقة... كل أسبوع؟!"
رفعتُ عيني نحو النافذة مجددًا، أعدتُ قراءة السطر الأخير، ثلاث مرات، أربع... ولم يتغير. لم يكن حلمًا. لم يكن خطأ.
أخذتُ نفسًا عميقًا، ثم شهقتُ بهدوء.
"هذه ليست مزحة... هذه... قدرة حقيقية!"
شعرتُ بقشعريرة تجتاح جسدي. اختلطت مشاعري بين الدهشة والرهبة والفرح والتوتر. في البداية ظننتُ أنني مجرد إنسان ضعيف تائه في عالم غريب، بلا مهارات، بلا مسار. والآن... الآن أصبح لدي ما لم أحلم به حتى.
قدرة واحدة كل أسبوع... قوى خارقة... وأنا أحتفظ بها؟ بل أكتسب واحدة جديدة كل أسبوع؟
مددتُ يدي تجاه النافذة وكأنني أحاول لمسها، شعرتُ بحرارتها، بحرارتها الغامضة. وكأن العالم كله انكمش داخل هذا المربع الأزرق.
"ولكن... لماذا أنا؟ ما معنى هذا؟ وهل عليّ اختيار هذه القوى؟ أم أنها تُمنح لي؟ وهل... هناك من يراقبني؟"
أسئلة كثيرة بدأت تهاجمني دفعة واحدة، تمامًا كما تفعل الأمواج حين تنكسر على صخرةٍ في عرض البحر. لكنني لم أملك رفاهية البحث عن إجابات الآن.
الشيء الوحيد الذي كنتُ أعلمه في تلك اللحظة...
...هو أن حياتي على وشك أن تتغير.
للأبد.