بعد أن أنهيت قراءة محتوى البطاقة، بدأت تتلاشى أمام عينيّ ببطء، كما لو أنها قطعة من ضوء القمر، تذوب في وهج شمس الفجر. كان في اختفائها جمال غريب، شيء لا يُوصف بالكلمات، وكأنها كانت حلمًا قصيرًا مرّ من أمامي ليترك أثرًا لا يُمحى.
وقبل أن أستفيق تمامًا من دهشة التجربة، رنّ في أذني صوت مألوف بنغمة إلكترونية حادة:
دينغ
[ تهانينا، أيها المستخدم. لقد حصلت على أول قدرة لك، والتي هي: "سرعة الحركات البسيطة". ]
رغم بساطة الجملة، كانت تحمل شيئًا من الفخر المبرمج، وكأن النافذة تحتفل بإنجاز كبير... أو تحاول التخفيف من وقع خيبة الأمل بطريقة آلية.
لكن قبل أن أتمكن من الرد أو حتى التنفس بعمق، ظهرت نافذة الحالة من تلقاء نفسها، هذه المرة بتغيّر طفيف لم يكن موجودًا من قبل. نظرت إليها بانتباه، وكانت كالتالي:
---
[المستوى: 1]
[العمر: 20]
[الجنس: ذكر]
[القوة: 5]
[الرشاقة: 4]
[الذكاء: 6]
[الحظ: 5]
[الحكمة: 4]
[مقدار الوعي: غير معروف]
[المهارات: سرعة الحركات البسيطة]
[القدرة الفريدة: القدرة على الحصول على قوة خارقة كل أسبوع]
---
تأملت النافذة بتمعن. لم يكن هناك تغيّر واضح في الإحصائيات، لكن عيني وقعت مباشرة على القسم الجديد... "المهارات".
في السابق، كان هذا القسم فارغًا تمامًا. كلمة "لا يوجد" كانت وحدها تملأه. أما الآن، فقد تغير كل شيء.
"سرعة الحركات الفريدة"...
لم أستطع مقاومة تلك الابتسامة الصغيرة التي شقّت طريقها على وجهي، رغم بساطة القدرة، فمجرد رؤية شيء جديد في النافذة جعلني أشعر وكأنني بدأت أخيرًا أتحرّك إلى الأمام.
ترددتُ للحظة، ثم سألتها بهدوء، وكأنني أتحدث مع شخص حقيقي:
"أيتها النافذة... هل هذا يعني أن كل مرة أحصل فيها على قدرة جديدة، ستُضاف إلى قائمة المهارات؟"
لم تتأخر الإجابة، وجاء السطر ببروده المعتاد، لكنه بدا لي هذه المرة أكثر قربًا من المنطق:
[ نعم، أيها المستخدم. ]
أومأت برأسي، كأنني أستوعب درسًا جديدًا. شعرت بشيء يشبه الرضا، حتى وإن كانت البداية متواضعة.
تأملتُ نافذة الحالة للحظة، ثم عقدت حاجبيّ متسائلًا:
"إذاً... هل هذا يعني أنني سأتمكن من أداء عملي بشكلٍ أفضل قليلاً؟"
لم أتوقّع إجابة متفائلة، ومع ذلك انتظرتها، ولو من باب الفضول. جاء الرد كعادته بلهجة ثابتة لا تعرف الحماس ولا السخرية:
[ ليس تمامًا. ]
صمتت لوهلة، ثم تابعت:
[ سأعطيك مثالاً لتفهم الأمر بدقة: لنفترض أنك سكبت كوبًا من الماء، ووقعت عليه قطرة مطر واحدة. هل ترى أن ذلك سيُحدث فرقًا في محتوى الكوب؟ ]
تأملت المثال، ابتسمت بسخرية باهتة وقلت:
"لا، بالتأكيد لن يحدث فارقًا."
جاء الرد مباشرة، وكأن النافذة كانت تنتظر إجابتي لتُكمل تشبيهها الغريب:
[ قدرتك الحالية تشبه تلك القطرة. ]
شعرت فجأة بأن الأمل الذي بدأ يتشكل داخلي كاد يسقط أرضًا ويتهشم. تمتمت، وكأنني أتحدث إلى نفسي بصوت مسموع:
"الأمر... أسوأ مما تخيلت."
لكن النافذة لم تُرد أن تتركني على هذا النحو، فأجابت بجملة حملت شيئًا من التعزية المصطنعة:
[ لا تقلق، أيها المستخدم. ربما في المستقبل ستحصل على قدرات أقوى. ]
ضحكت ضحكة قصيرة مفرغة من المعنى، وقلت:
"ههههه، هذا لن يحدث... حتى وإن مت."
لم تُجب. كأنها قررت أن تصمت هذه المرة، أو ربما لم تجد ما تقوله أمام واقعيتي المفرطة.
كان في قولي نوع من المزاح الأسود، لكنه لم يكن بعيدًا عن الواقع. ففي هذا العالم المجهول، الموت لم يعد فكرة غريبة... بل احتمالًا واردًا، وربما وشيكًا.
أغلقت النافذة بهدوء، ثم تنهدت وأنا أجلس على السرير البسيط داخل الغرفة. كان الجو ساكنًا، فقط صوت خطوات خفيفة من الطابق السفلي، وصوت ارتطام الأطباق في المطبخ. بدا لي أن صاحبة النزل منهمكة في تنظيف شيء ما، أو ربما تُعد شيئًا لابنتها الصغيرة.
نظرتُ إلى السقف الخشبي بلونه الداكن، وتركت نفسي أفكر:
لِمَ أزعج نفسي بكل هذا؟ هل كنت أنتظر من هذه النافذة أن تُغير حياتي؟ هل فقدت قدرتي على التعايش من دون قوى خارقة؟
لقد كنت أعيش، أعمل، آكل وأنام، حتى قبل أن أملك هذه القدرة. حياتي لم تكن بلا معنى حينها، فلماذا أشعر الآن أنني أقل؟ هل لأنني كنت أنتظر شيئًا خارقًا؟ أم لأنني بدأت أؤمن أنني يجب أن أكون شيئًا مختلفًا حتى أستحق البقاء؟
ابتسمت قليلًا، ليس سعادةً، بل تهكماً. ثم مددت جسدي على الفراش البسيط، سحبت الغطاء الخفيف، وأغمضت عيني.
حتى لو كانت البداية مجرّد قطرة... ربما يأتي المطر لاحقًا.
وبينما كان الوقت يمر ، استسلمت للنوم، على أمل أن يحمل الغد شيئًا أكثر من قطرة.