عندما جاء الغد، لم يحدث شيء مميز.

نهضتُ من سريري في النزل، غسلت وجهي بالماء البارد، وارتديت ملابسي المعتادة. لا شيء في جسدي أو إدراكي كان يشير إلى أنني أصبحت "خارقًا" الآن، كما يفترض أن تكون عليه الحال بعد حصولي على قدرة.

ذهبت إلى العمل كالمعتاد، أتممت مهامي: حمل الصناديق، تنظيف الأسلحة، ترتيب الأدوات… مجرد روتين متكرر لا يحمل في طياته أي إشارات لقدرة "سرعة الحركات البسيطة" التي حصلت عليها. لم أشعر بأي فرق.

وكما قالت النافذة تمامًا… قطرة واحدة في كوب ممتلئ.

بعد انتهاء الدوام، شعرت بحاجة للهروب من الصمت، من تكرار التفكير في قدرتي الهزيلة. فاتجهت تلقائيًا إلى المكان المعتاد، حيث اعتدت أن أجد لوكسيان، فوق جذع شجرة ضخمة بالقرب من المقر. شجرة يبدو أنها قد شهدت أكثر مما شهدت القرية كلها.

كان مستلقيًا على ظهره كالعادة، وذراعاه خلف رأسه، ووجهه موجه للسماء. عيناه مغمضتان … نائم، كما توقعت.

ناديت عليه بصوت معتدل:

"لوكسيان."

لم يرد.

اقتربت أكثر، وكررت:

"لوكسيان… "

فتحت عيناه إحداهما ببطء، ثم التفت إلي دون أن يغير وضع جسده، وقال بنبرة نصف ناعسة ونصف ساخرة:

"أوه، هل جئت إلي بعد أن فتحت نافذة حالتك ؟"

ابتسمت بخفة وجلست على صخرة قريبة من جذعه، ثم قلت له:

"أردت أن أسألك… هل تملك أنت أيضًا خانة باسم 'مقدار الوعي' في نافذتك؟"

رفع حاجبه باهتمام، ثم قال ببساطة:

"نعم، أملكها."

سألته بفضول أكبر:

"و... هل تعرف ما هي وظيفتها؟"

هز كتفيه بلا مبالاة وقال:

"لا. سألت النافذة مرة، لكنها تجاهلتني تمامًا."

هنا رفعت رأسي بسرعة وقد اتسعت عيناي:

"أنت أيضًا… تستطيع التحدث مع نافذة الحالة؟!"

نظر إلي باستغراب حقيقي، ثم قال:

"طبعًا. بل كل من يملك نافذة حالة يستطيع التحدث معها. ما الجديد؟"

ساد الصمت بيننا للحظة. أنا أحدّق في الأرض بصمتٍ، وهو يحدّق بي بدهشة متصاعدة. ثم قال ضاحكًا:

"مهلًا، لا تخبرني... كنت تعتقد أنك الوحيد الذي يستطيع فعل ذلك؟"

لم أُجب. لم أعرف كيف.

انفجر ضاحكًا، ضحكته المزعجة المعتادة التي تجمع بين السخرية والصخب:

"هههههههه، يا إلهي، هل كنت تعتقد أنك أحد أبطال الأنمي؟! أنت لا تفشل أبدًا في إضحاكي!"

رغم انزعاجي من كلماته، فقد كانت جزءًا من طبيعته. لم أجادله، بل قلت وأنا أغير الموضوع:

"إذاً… لماذا برأيك مكتوب عند خانة مقدار الوعي 'غير معروف'؟"

فكر للحظة، ثم قال باستخفاف:

"أليس لأن مقدار وعينا صفر؟"

ضحكت ضحكة خفيفة لم أستطع كتمها، وقلت:

"هذا مستحيل… لو كان مقدار وعينا صفرًا، لكنا مغمى علينا الآن."

رفع رأسه فجأة وقال وهو يحدق بي بعيون متفاجئة:

"مهلًا… هل ضحكت للتو؟!"

أجبته وأنا أتابع النهوض:

"ماذا؟! أنا أضحك عليك؟ لا بد أنك تتوهم… عمومًا، سأذهب الآن."

بدأت أبتعد عنه، لكن صوته ظل يلاحقني من خلفي، وهو يصرخ:

"كنت تضحك!! أنا متأكد!! لا تتراجع الآن! اعترف!!"

ضحكت مجددًا وأنا ألوّح له دون أن أستدير، ثم بدأت خطواتي تقودني نحو النزل.

بينما كنت أسير، بدأ صوته يختفي تدريجيًا، حتى غاب تمامًا.

وصلت إلى باب النزل، ووقفت للحظة أستعيد ما دار بيني وبينه.

لم أكن الوحيد القادر على التحدث مع نافذة الحالة...

ولست الوحيد الذي يملك "مقدار وعي غير معروف".

ما معنى ذلك إذًا؟ ولماذا هو غير معروف للجميع؟

هل هو شيء خفي لا يمكن قياسه بسهولة؟ أم أنه شيء لا يجب أن نعرفه بعد؟

شعرت بأن السؤال نفسه قد أصبح أثقل من أن أتابع التفكير فيه.

دخلت إلى النزل وأنا أفكر…

أحيانًا، قد يكون الجهل راحة مؤقتة.

لكنني كنت أعرف بداخلي أنني لن أكتفي بالجهل طويلًا.

وكالمعتاد، رحبت بي العمة ميليسا بابتسامتها الدافئة:

"عدتَ يا بطل؟ تأخرت اليوم قليلاً!"

ابتسمت لها بتعب وقلت:

"كان يومًا طويلًا."

قدمت لي طبقًا دافئًا من الحساء وخبزًا طازجًا. جلست على الطاولة، أكلت بهدوء، ثم نهضت لألعب قليلاً مع ليانا التي كانت تضحك وتدور حول الغرفة كدوامة من الفرح.

بعدها، صعدت إلى غرفتي، وأغلقت الباب بهدوء.

كان التعب قد بدأ يتسلل إلى أطرافي، لكن الفضول كان أقوى. جلست على حافة السرير، ونظرت أمامي للحظة، ثم قلت:

"نافذة الحالة."

فُتحت النافذة أمامي على الفور، وقالت بصوتها الرقمي المعتاد:

[ نعم أيها المستخدم. ]

تنهدت قليلاً، ثم سألتها بنبرة تحمل بعض الانزعاج:

"لماذا تظاهرتِ وكأنني الوحيد الذي يستطيع التحدث مع نافذة الحالة؟"

أجابتني بهدوء وثقة:

[ أنا لم أتظاهر أبدًا أنك الوحيد الذي يستطيع التكلم مع نافذة حالته، بل أنت من وضع تلك الفكرة في عقله. ]

صمتُّ للحظة.

كلامها… أقنعني.

هي لم تقل ذلك صراحةً يومًا، لم توهمني بذلك، لكنني كنت أظن ذلك من تلقاء نفسي. ربما بسبب الطريقة التي ظهرت بها أول مرة، أو ربما بسبب وحدتي، أو خيالاتي.

همست وأنا أغلق النافذة:

"آه... نعم. أنتِ محقة."

ثم أغلقتها، واستلقيت على السرير، نظري موجه نحو السقف الخشبي فوقي.

كان يومًا طويلًا ومتعبًا.

لكنني شعرت أنني في كل يوم، أتقدم خطوة… ولو كانت صغيرة.

أغمضت عيني ، ونمت .

2025/06/11 · 7 مشاهدة · 742 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025