مع انبلاج فجر اليوم التالي، ومع بدء الأسبوع الثالث في هذا العالم الغريب، لم يكن في ذهني سوى فكرة واحدة: الاستمرار. مضيت كعادتي إلى العمل، خطواتي باتت أكثر ثباتًا، وعضلاتي اعتادت على التعب. كنت أؤدي مهامي دون تذمر، وقلبي ساكن رغم صخب العالم من حولي. لم يعد التعب يثقل كاهلي كما في السابق، وكأن جسدي بدأ يتأقلم مع قوانين هذا المكان.

انتهى يوم العمل، وعدت أدراجي نحو النزل، أُحمل بداخلي إرهاقًا مألوفًا، لكنه لا يخلو من شعورٍ دافئ بالإنجاز. كانت العمة ميليسا قد أعدّت وجبة بسيطة كالعادة، تناولتها بهدوء على الطاولة الخشبية في الصالة، حيث تصاعد بخار الطعام ببطء، ينساب في الهواء كرائحةٍ تذكرني بالبيت... بالزمن الذي لم يعد.

ما إن انتهيت من الطعام حتى صعدت إلى غرفتي بعد يومٍ طويلٍ كعادتي. كان الهواء في الغرفة ساكنًا، وكأنّ الجدران تنتظرني بصمتٍ مألوف. جلست على السرير، وضعت الحقيبة جانبًا، وسرّحت نظري للحظةٍ في السقف. ثم، وبصوتٍ منخفضٍ لكن حازم، قلت:

"نافذة الحالة."

فما لبثت أن ظهرت أمامي تلك اللوحة الشفافة، بخطوطها المألوفة وضوئها الخافت الأزرق. كانت كأنها نافذة بين عالمي الحقيقي وهذا العالم الغريب، نافذة تُذكّرني بأنني لم أعد كما كنت.

تابعت قائلاً:

"القوة الخارقة... إظهار."

فانبثقت البطاقة أمامي كما في كل مرة. تدلّت في الهواء بلونها الهادئ وكأنها قطعة من الضوء المتجسد. هناك شيء فيها يجذبني في كل مرة، جمالها الغريب، هالتها الرقيقة، أو ربما مجرد فكرة أنها تمنحني قوة، ولو كانت بسيطة.

مددت يدي ولمستها بأطراف أصابعي. سرت في جسدي قشعريرة خفيفة، وظهرت المعلومات على الفور:

---

[ الفئة: D ]

[ القدرة: الاستجابة السريعة ]

[ الوصف: تزداد سرعة ردود فعلك قليلاً، كأنك خضعت لتدريب طويل على الاستجابة للمفاجآت. ]

[ الاستخدام: التقاط شيء يسقط، أو تفادي لكمة، أو اتخاذ قرار سريع. ]

[ الشروط: تستطيع استخدامها فقط عندما تكون على حافة الموت. ]

---

وقفت لبرهة أتأمل السطور.

الفئة D...

همست بها داخلي. ليست سيئة. بل، إنّها تناسبني. قدرة ليست خارقة جداً ، ولا ضعيفة لدرجة أن تكون بلا فائدة. قدرة بشرية - نعم - لكن منحها لي بهذه السهولة يجعلها شيئًا ثمينًا.

ثم نظرت إلى الاسم: "الاستجابة السريعة."

ترددت في نطق الاسم... الاستجابة السريعة... يبدو جيدًا. بل، يبدو مهمًا.

تابعت القراءة، وما إن وصلت إلى الوصف حتى رفعت حاجبيّ بدهشة:

"تزداد سرعة ردود فعلي قليلاً؟"

هذا وحده كفيل بأن يُحدث فرقاً . أهذه حقًا من قدرات الفئة D

ضحكت داخليًا وقلت:

"قد تكون هذه القدرة أفضل من 'التنفس المنعش' ذلك."

كان هناك طيفٌ من السخرية، ولكن خلفه سعادة صادقة.

انتقلتُ لقراءة الاستخدامات، وازدادت دهشتي:

"التقاط شيء يسقط... تفادي لكمة... اتخاذ قرار سريع..."

كل هذا...! هذا لا يصدق.

بدأ قلبي ينبض بقوة. شعور بالنشوة، بالفرح الطفولي تقريبًا. قدرتي هذه قد تنقذ حياتي في لحظة. ربما الآن أصبح لدي شيء يجعلني أسرع من مجرد شخص عادي.

لكن هذا الشعور لم يدم طويلاً...

نظرت إلى السطر الأخير، إلى ما يشبه الخاتمة، إلى القيد الذي كُتب بلغة واضحة لا تحتمل التأويل:

"تستطيع استخدامها فقط عندما تكون على حافة الموت."

هنا، تبدد الحماس كالدخان.

سحبت زفيرًا بطيئًا، وابتسمت بسخرية خفيفة، ثم تمتمت:

"هذا يعني أنني لن أستخدمها أبدًا."

نظرت إلى البطاقة، وكأنني أعاتبها بصمت.

"أنا أبذل قصارى جهدي لأبتعد عن الخطر، لا لأقف على حافته."

وبعد لحظة تأمل قصيرة، بدأت البطاقة تتلاشى بهدوء. تلاشت كما يتلاشى ضوء الفجر عندما يصعد النهار إلى السماء. تلاشت كما لو أنها تعرف أن ما من شيء أكثر هشاشة من الأمل المشروط.

...

ما إن اختفت البطاقة في الهواء، وتلاشى أثرها كخيط من الدخان، حتى ظهرت أمامي نافذة الحالة من تلقاء نفسها. كان ظهورها هادئًا، كما لو أنها تعرف اللحظة المناسبة لتتجلى فيها، بعناية لا تخطئ.

ظهرت البيانات بتلك الخطوط المعتادة، مرتبة ومرتبة كأنها تعكس نظامًا صارمًا يحكم هذا العالم الجديد:

---

[ المستوى: 1 ]

[ العمر: 20 ]

[ الجنس: ذكر ]

[ القوة: 5 ]

[ الرشاقة: 4 ]

[ الذكاء: 6 ]

[ الحظ: 5 ]

[ الحكمة: 4 ]

[ مقدار الوعي: غير معروف ]

[ المهارات: سرعة الحركات البسيطة، التنفس المنعش، الاستجابة السريعة ]

[ القدرة الفريدة: القدرة على الحصول على قوة خارقة كل أسبوع ]

---

نظرت إلى نافذة الحالة وأنا أجلس على حافة السرير، كتفاي مسترخيتان ويدي على ساقيّ. بدا كل شيء مألوفًا، لكنه في الوقت ذاته يحمل شعورًا غريبًا، شعورًا بأنني أتحول... ببطء.

وقعت عيناي على خانة "المهارات"، وهناك كانت قدرتي الجديدة قد استقرت كعادتها، إلى جانب سابقتيها.

"الاستجابة السريعة"... ظهرت بينها كما لو أنها كانت هناك منذ البداية، هادئة، خفية، ولكنها حاضرة.

ابتسمت، ولم أدرِ لمَ فعلت. ربما لأنني بدأت أعتاد الأمر... أو ربما لأنني وجدت شيئًا يبعث على الاطمئنان في هذا التكرار. كل أسبوع، تظهر بطاقة. كل أسبوع، أمنح شيئًا جديدًا... مهما بدا بسيطًا أو مشروطًا.

تمتمت بنبرة خفيفة، تكاد تكون بيني وبين نفسي:

"كالعادة، ذهبت قدرتي الجديدة إلى خانة المهارات..."

سكتُّ لحظة، ثم أضفت:

"ربما قد لا تفيدني الآن، ولكنها قد تفيدني لاحقًا."

نعم، لقد تعلمت هذا الدرس من قبل. في هذا العالم، كل شيء مهم. قد تبدو الأمور غير قيمة الآن، لكن اللحظة التي نحتاج فيها إليها... غالبًا ما سوف تأتي.

نظرت إلى خانة القوة والرشاقة والذكاء. لم تتغير الأرقام. كل شيء ما زال ثابتًا. لم أكتسب خبرة كافية لأتقدم في المستوى، ولم أخض معركة تجعل جسدي أو عقلي يتغيران.

لكن المهارات... كانت تتزايد.

وكانت تُمثّل، في أعماق قلبي، تراكمي الصامت. كأنني أجمع أجزاء من ذاتي الضائعة، واحدةً بعد الأخرى.

أغلقت النافذة ببطء، وتنهدت.

لم تكن القدرة خارقة، لم تكن مذهلة... لكنها كانت لي. وأنا، في هذا العالم المليء بالمجهول، بحاجة لأي شيء يمنحني الأمل.

2025/06/15 · 7 مشاهدة · 872 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025