ما إن أطلَّ اليوم الثاني حتى استيقظت مبكرًا، أعددتُ نفسي بعناية وحملتُ معدّاتي، مستعدًا للذهاب إلى العمل. توجهت بخطى ثابتة نحو مكان تجمعنا، حيث كانت العربة التي ستقُلّنا إلى بداية مهمتنا الجديدة: حراسة فاليس ريمون.

عندما وصلت، وجدت أن نوكس وماركوس، والرجل الأربعيني ذو العباءة الزرقاء، والرجل الأصلع، والرجل الذي يشبه رجال العصابات، والشخص الذي يرتدي الكمامة قد سبقوني ووصلوا إلى مكان الانتظار. كان الجو هادئًا، لكن ثمة توتر خفي يتسلل في أجواء المكان.

مع مرور الوقت، لاحظت غياب لوكسيان، ذلك الرجل الواثق الذي يبدو كقائد بالفطرة، وكذلك لم يظهر الشخص ذو الملامح الطفولية بعد. انتظرت دقائق طويلة، كانت الدقائق تبدو كالساعات، حتى حطت أنظارنا على قدومهم أخيرًا. لوكسيان مشى بخطى واثقة، يعكس ملامحه الجدية والتركيز، يليه ذو الملامح الطفولية الذي يخفي سرًا عميقًا.

حين تجمعنا جميعًا، تقدم صاحب العمل بوجهه الجاد، وقال بصوت واضح وملزم:

"إذاً، بما أن الجميع قد وصل، اصعدوا إلى العربة، سننطلق الآن نحو القلعة."

صعدنا الواحد تلو الآخر إلى العربة الخشبية المتواضعة، جلسنا بصمت يخيمه الترقب والقلق، وكأن الجميع يحاول استيعاب ما ينتظرنا في تلك القلعة الشامخة.

بدا الصمت ثقيلاً على أجواء العربة، فحاولتُ كسر ذلك الحاجز، وقررت أن أبادر بالسؤال عن أسمائهم، أملاً في تخفيف التوتر الذي يحيط بنا.

قال الرجل الأصلع بعمق صوته وكأنه يحمل ثقل خبرات سنوات:

"اسمي تيروس."

ثم تبعه الرجل الذي يشبه رجال العصابات بابتسامة نصف مكتومة وحنق في نبرته:

"أما أنا فاسمي زايروس."

ثم جاء رد الشخص الذي يحمل الملامح الطفولية بحيوية:

"وأنا كايرو ."

وبعد لحظة من الصمت، كان على الرجل الذي يرتدي الكمامة أن يكسر حاجز الصمت، فرفع صوته بشكل منخفض لكنه واضح :

"اسمي سيريون."

بمجرد أن أعلن الجميع أسماءهم، بدأت المحادثة تأخذ مجراها الطبيعي تدريجيًا، إذ تحولت النظرات الحذرة إلى كلمات خفيفة، وتشاركنا قصصًا صغيرة عن مواقف مضحكة قد حصلت ،وعن أصل المايونيز ، حيث أنني أنا من سألت فقلت :

" برأيكم ، ما هو أصل المايونيز ؟ "

فقال زايروس بضحكة خفيفة :

" هه ، بالتأكيد من اسبانيا . "

فقاطعه تيروس بثقة وقال :

" يالغبائك ، إن أصل المايونيز هو من ايطاليا . "

فقال لوكسيان بصوت جاد :

" أنتما الاثنين مخطئان ، إن أصل المايونيز هو الأرجنتين . "

فرد عليهم كايرو بهدوء وقال :

" لم أتوقع أنكم لن تعرفوا شيئا بهذه البساطة ، إن أصل المايونيز هو من بلدي ، الولايات المتحدة . "

فقال سيريون :

" ربما أصل المايونيز كوريا . "

فبعد مناقشات طويلة قاطع هذا النقاش نوكس وقال :

" إنَّ أصل المايونيز غير معروف وهناك عدة فرضيات عن أصله . "

فبعد ما قاله نوكس ، ما إن صمت الجميع واقتنعوا بكلامه .

---

بعد أن قطعنا الطريق ساعة كاملة في صمت نسجه الترقب، توقفت العربة أخيرًا عند أسفل التل الذي تعلوه القلعة الكبيرة. ما إن فتحت الأبواب ونزلنا واحدًا تلو الآخر، حتى أخذ أنفاسي مشهدٌ يخطف القلب، قلعةٌ مهيبةٌ كأنها خرجت من قصص الأساطير، ترتفع جدرانها الحجرية القوية كالأبراج الشامخة، تعانق السماء بقممها المدببة، محاطة بأسوار ضخمة مزدانة بأبراج مراقبة تلوح في الأفق. كانت القلعة مزيجًا متناغمًا من الصلابة والروعة، تحمل على جدرانها نقوشًا قديمة توحي بحضارة عريقة، وشرفات تطل على الغابات الكثيفة التي تحيط بها من كل جانب.

كان لون الحجارة رماديًا داكنًا يكتسب لمعانًا خافتًا في ضوء الشمس، وأبوابها الخشبية الضخمة من خشب السنديان مزدانة بمسامير حديدية ضخمة تعطي إحساسًا بالقوة والمتانة. وعلى عتبات البوابة، وقفنا جميعًا مبهورين بهذا المنظر الساحر، وكأننا على أعتاب عهد جديد، مليء بالتحديات والأسرار.

تقدم صاحب العمل بخطوات ثابتة نحو البوابة الرئيسية، تبعناه بدقة، وخلفنا همة الحذر التي تخيم على أجواء المكان. وقف أمام الباب الخشبي العتيق، وطرق عليه عدة طرقاتٍ قوية متتابعة، تتردد أصداؤها في أرجاء الساحة الواسعة.

مرّت ثوانٍ ثقيلة كأنها أبدية، ثم انفتح الباب ببطء، وخرج من داخله رجلٌ عجوزٌ ذا لحية بيضاء متطايرة وملامح تحكي قصص السنين. نظر إلينا بحدةٍ وعينين تخترقان الظلام، وسأل بصوت منخفض لكنه صارم:

"ما هي كلمة السر؟"

تقدم صاحب العمل بثقةٍ، وأجاب بلا تردد:

"سمكة بأرجل."

هزّ الرجل العجوز رأسه بإيماءة خفيفة، وفتح الباب على مصراعيه ليدخل الجميع، وكأن الكلمة كانت مفتاحًا خارقاً لدخول عالم مختلف.

دخلنا إلى باحة داخلية فسيحة، مغطاة بأرضية من الحجر المصقول الذي يعكس ضوء النهار بطريقة هادئة، وتحيط بها جدران مرتفعة مزينة برسوم زخرفية وأعلام تحمل شعارات مختلفة. في وسط الساحة، توجد نافورة حجرية عتيقة تنبع منها مياه نقية تصدر صوتًا هادئاً وسط هدوء المكان.

كانت النوافذ العالية مزخرفة بزجاج ملون ينعكس عليه ضوء الشمس في لوحات فنية ساحرة. وعلى جانبي الباحة، كانت هناك أبواب خشبية تؤدي إلى غرف وأروقة مظلمة تحيط بالقلعة، توحي بوجود حياة داخلية مليئة بالأسرار والأنشطة الغامضة.

وقفنا لحظة نستوعب المكان، وشعرت أن قلعة فاليس ريمون ليست مجرد حصنٍ عادي، بل كانت كيانًا حيًا ينبض بالتاريخ والقصص المخبأة خلف جدرانها العتيقة.

...

بعد أن استقرّ بنا المقام في الباحة الداخلية للقلعة، وبعد لحظات من الصمت المتوتر، ظهر فجأة من جهة إحدى الأبواب الجانبية شخصٌ يرتدي ملابس نبيلة وأنيقة للغاية، كان مظهره يلفت الأنظار فوراً، بشعرٍ أحمر لامع كجوهرة الروبي تتلألأ تحت ضوء الشمس، ووقفةٍ واثقة تعكس مكانته الرفيعة. اقترب منا بخطوات هادئة وثابتة، ثم نظر مباشرة إلى صاحب العمل وقال بنبرة تحمل ثقة السلطة:

"إذاً، لقد أتيت أخيراً يا أندرو."

رد صاحب العمل دون أن يبدِ أي علامة على الاندهاش، وقال له بحزم:

"لتذهب إلى النقطة الأساسية، أيها النبيل فاليس."

ابتسم النبيل فاليس ابتسامةً خفيفة، وقال وهو يلتفت نحونا:

"أنت حقاً متعجل كما تقول عنك الشائعات."

لم يرد صاحب العمل على الكلام، وظل صامتاً .

ثم أكمل النبيل فاليس قائلاً بصوت أكثر هدوءاً وجدية:

"حسنًا، دعونا ندخل القلعة أولاً، وبعدها سأخبركم بالتفاصيل."

تبعنا النبيل فاليس وصاحب العمل والرجل العجوز الذي استقبلنا في الداخل، وكانت القلعة تستقبلنا بجوها العتيق المهيب.

كان المبنى مكونًا من ثلاثة طوابق، بُنيت جدرانها من الحجارة الكثيفة التي احتفظت ببرودتها رغم حرارة النهار. دخلنا عبر ممرات متداخلة، ووقفنا أمام درجين متقابلين، يمتدان إلى الطابق الثاني، أما الطابق الأول فاحتوى على عدة غرف متوسطة الحجم، بعضها بدا مهجورًا وبعضها الآخر بدا مستخدمًا بشكل متقطع.

أما الطابق الثاني، فقد كان أكثر اتساعًا وعناية، إذ احتوى على العديد من الغرف المختلفة، بعضها مصممة بشكل فاخر، وأثاثها يظهر أهمية المكان وسكانه.

أما الطابق الثالث، فلم أكن قد وصلت إليه بعد، ولم يسبق لي أن سمعت عنه الكثير، ما أضفى على القلعة بعدًا من الغموض والإثارة.

بينما كنا نسير عبر الأروقة، كان الرجل العجوز يشرح بصوت منخفض ولكنه واضح:

"هذه القلعة ليست مجرد حصن عادي، بل هي قلعة حراسة النبيل فاليس، ويجب عليكم أن تعرفوا كل زاوية من زواياها، وأن تحرسوه بحذر شديد. لا مكان لأي تقصير هنا، فالأعداء كثيرون وخطرهم يحيط بنا من كل جانب."

أخذنا الرجل العجوز إلى الغرفة الأولى في الطابق الأول، كانت غرفة عادية جدًا، لا شيء يميزها سوى نظافتها ونظامها، كما لو أنها مخصصة للاستراحة القصيرة أو الاجتماعات البسيطة.

انتقلنا بعدها إلى الغرف الثانية والثالثة، وكانت تبدو كغرف تخزين وأماكن للعمل، غير مزينة ولا تحمل أي شيء مميز.

ثم بدأنا بالصعود إلى الطابق الثاني، حيث كانت هناك خمس غرف.

دلفنا إلى الغرفة الأولى، فوجدناها واسعة جدًا، مُزينة بأثاث فخم وجودة عالية، كأنها غرفة رئيسية لشخصية ذات مكانة، كانت النوافذ الكبيرة تسمح بدخول ضوء النهار، والألوان المختارة بعناية تضفي شعورًا بالراحة والهيبة معًا.

قال الرجل العجوز:

"هذه هي غرفة النبيل فاليس، يجب عليكم حفظها جيدًا، فهي مركز حياة النبيل فاليس ومقر إقامته."

تابعنا الجولة إلى الغرفة الثانية، والتي كانت المطبخ، مليئًا بأدوات الطهي الرائعة، من مواقد حجرية وأواني نحاسية تعكس جودة المكان.

ثم الغرفة الثالثة، التي كانت غرفة الصيانة، حيث تُصنع الأسلحة وتُصلح المعدات، مكان عملي مهيب يعج بالأدوات والآلات الثقيلة.

عندما دخلنا الغرفة الرابعة، فوجئت بأنها مخصصة للفتيات، تحتوي على أثاث أنيق وألوان ناعمة، ما أثار في ذهني تساؤلًا: هل للنبيل فاليس طفلة؟ وهل نحن هنا لحمايتها أيضًا؟

وأخيرًا، وصلنا إلى الغرفة الخامسة، التي كانت مستودعًا كبيرًا، مليئًا بالصناديق والمواد المتنوعة، مكان لتخزين كل ما يلزم من مؤن وأدوات.

كانت الجولة بمثابة مقدمة توضح مدى تعقيد القلعة وأهميتها، وتذكيرًا واضحًا بأننا دخلنا عالمًا مليئًا بالمخاطر والمسؤوليات الجسيمة.

2025/06/20 · 5 مشاهدة · 1265 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025