بعد أن حصلت على راتبي ، نظرت إلى النقود في يدي . أصبحت أملك خمسة عشرة دولاراً الآن . مبلغ صغيرٌ في نظر الكثيرين ، لكنه بالنسبة لي كان يمثل خطوة جديدة ، بداية حياة في هذا العالم الغريب .

قطع تفكيري صوت معدتي التي بدأت تئن ، تُذَكِرُني بأنني لم آكل شيئاً منذ الوجبة الأولى في هذا العالم . شعرت بالإرهاق والتعب يتسللان من قدمي إلى رأسي ، ولم أعد أفكر إلا بشيء واحد ... الطعام .

ذهبت إلى نفس المكان الذي تناولت فيه وجبتي الأولى . كان مطعماً بسيطاً من الخشب ، تقليدي الطابع ، له رائحة مميزة تملأ الهواء من مزيج التوابل والدخان الصاعد من المطبخ المفتوح .

الطاولات كانت صغيرة ومنتشرة بعشوائية ، وأصوات الزبائن تملأ المكان ، لكن الجو كان دافئاً على نحو غريب ، كأنك وسط عائلة لا تعرفها ، لكنها ترحب بك .

جلست على نفس الطاولة التي جلست عليها من قبل ، وجاء النادل ذاته ، كأن الوقت لم يتحرك .

سألني بابتسامة خفيفة :

" وجبة عادية ؟ "

أومأت برأسي ، وكنت بالكاد أستطيع الكلام من شدة الجوع .

بعد دقائق ، وُضِعَ أمامي صحن دافئ من الأرز المطهو على البخار ، تعلوه شرائحٌ من اللحم المتبل ، وَرَشَّةٌ من الأعشاب المجهولة التي لا أستطيع تحديدها ، لكنها كانت شهية المنظر . بجانبه وعاء صغير يحتوي على شوربة خفيفة ، تنبعث منها رائحة غريبة لكنها لذيذة . وعلى الطرف ، قطعة خبز محمص مغطاة بطبقة من الزبدة الذائبة .

لم أضيع وقتاً . بدأت أتناول الطعام بنهم ، وكل لقمة كانت كأنها تعيد لي طاقتي المفقودة .

لكن وسط الزحام والدفء ، شعرت أنني وحدي .

كل من في المطعم كان يتحدث مع أحد ، يضحكون ، يتبادلون القصص ...

أما أنا ، فكنت مجرد غريب بين الغرباء .

في مكان آخر ، ربما كنت الآن أتناول العشاء مع أمي ، أضحك مع أخي ، أو أتشاجر مع والدي حول شيء سخيف .

لكن هنا ... لا أحد يعرف اسمي .

عندما انتهيت ، دفعت خمسة دولارات ثم خرجت من المطعم . نظرت إلى ما تبقى في يدي ... عشرة دولارات فقط .

لم يكن المبلغ كبيراً ، لكنه كان كافياً ليومٍ آخر . ومازلت في بداية الطريق . خرجت من الشارع المزدحم ، متجهاً نحو أطراف المدينة حيث تنتظرني الغابة ، ملجئي الوحيد في هذا العالم الجديد .

كانت خطواتي بطيئة من التعب ، لكن قلبي كان أخف من أي وقتٍ مضى .

حين وصلت إلى المكان الذي نمت فيه سابقاً ، وجدت رقعة الأرض نفسها بين الأشجار ، لا تزال هادئة وباردة ، كأنها تنتظرني . جلست على الأرض ، وأسندت ظهري إلى جذع شجرة عتيقة .

أغمضت عيني ، وأخذت نفساً عميقاً . رائحة التراب ، وأصوات الحشرات ، وضوء القمر المتسلل من بين الأغصان ... كل شيء كان غريباً ومألوفاً في نفس الوقت .

رغم التعب والألم والجوع السابق ، شعرت بشيء مختلف هذه الليلة . كنت مازلت وحدي ، مازلت بعيداً عن عائلتي ، مازلت لا أفهم هذا العالم بالكامل ، لكنني ... تقدمت بخطوة .

خطوة واحدة ، لكنها كانت كبيرة .

ابتسمت بهدوء ، وهمست لنفسي :

" سأنجح ... يوماً ما "

ثم غفوت ، بينما كانت ليلة جديدة تغطي هذا العالم الجديد .

2025/06/03 · 6 مشاهدة · 522 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025