عندما فتحتُ عيني، لم أكن مستعدًا لما رأيت. يداي المرتجفتان لم تمسكا كائنًا مرعبًا أو ظلًا مخيفًا كما تخيلت... بل أمسكتُ بكائن صغير، لطيف... وضعيف.

كانت قطة.

نظرت إليها للحظات، لم أصدّق ما أراه. فروها الرمادي الطويل كان متسخًا قليلًا، وعيناها الكبيرتان تنظران إليّ بدهشة، وكأنها هي الأخرى لم تتوقع أن تُقبض بهذا الشكل المفاجئ. شعرتُ بنبضات قلبي تهدأ شيئًا فشيئًا، وخرجت ضحكة خافتة من فمي بلا إرادة.

ضحكة مرهقة، مليئة بالارتياح والحرج في آنٍ واحد.

هل هذا ما كنتُ أرتجف منه طوال هذا الوقت؟ هل كل تلك الأصوات، الخطوات، وانغلاق الباب... كانت من فعل قطة صغيرة؟

لكن، قبل أن أسمح لعقلي بالانغماس أكثر في تلك التساؤلات، قاطع أفكاري صوت كايرو، الذي انفجر ضاحكًا، ضحكة صاخبة لا تناسب هدوء المكان إطلاقًا:

"إنها قطة!"

قالها وهو يضحك.

"هههههه، هل كنتَ خائفًا من قطة طوال هذا الوقت؟!"

رمقته بنظرة ثقيلة، ولم أتمالك نفسي من التفكير:

هل كل ذوي الشعر الأشقر يضحكون بهذه الطريقة المزعجة؟

كأن ضحكته لم تكن فقط على الموقف، بل عليّ أنا... وعلى خوفي الذي أصبح الآن يبدو سخيفًا أمام عينيه.

تمتمت وأنا ما أزال أنظر إلى القطة:

"رغم كل هذا... ما زال لدي شعور غريب. لا أعلم لماذا، لكن... هناك شيء داخلي يرفض أن يطمئن تمامًا."

كايرو توقّف عن الضحك، ثم قال وهو يمد يديه ليأخذ القطة:

"على أية حال، لقد وجدنا الكائن الذي كان هنا، أعتقد أن الأمر انتهى. أعطني القطة، سآخذها وأطلق سراحها خارج القلعة."

ترددت للحظة، ثم ناولته القطة برفق. كانت ما تزال بين ذراعيّ وكأنها وجدت دفئًا لا تريده أن يفلت، لكنني سلمتها له. شعرت بوخزة صغيرة في صدري وأنا أراها تبتعد.

خرجنا من المستودع، أغلقت الباب خلفنا، وكان صريره هذه المرة أكثر هدوءًا، كأن المكان نفسه قد هدأ بعد كشف سره.

وصلنا إلى الدرج المؤدي للطابق الأول. وقف كايرو أمامي وهو يحتضن القطة بلطف، ثم التفت إليّ وقال:

"إذاً، سأذهب الآن."

أومأت برأسي:

"حسنًا... لتذهب."

ومضى كايرو، يهبط الدرج بخطوات ثابتة، وضوء الشمعة الصغيرة يرقص حوله كأن الليل يبتلعه تدريجيًا. وما إن اختفى عن نظري، حتى وجدت نفسي واقفًا وحدي في الممر شبه المظلم.

جلست على إحدى درجات السلم، أسندت ظهري إلى الحائط البارد، وأطلقت تنهيدة طويلة.

لم أكن أعرف إن كانت تنهيدة ارتياح... أم خيبة.

الموقف بأكمله بدا محرجًا. خفت من قطة؟! تصرفت كأنني طفل صغير في أحد أفلام الرعب الرديئة.

لكن رغم كل شيء... ذلك الشعور لم يتركني.

ذلك الإحساس العالق في صدري، كأن عينيّ رأت ما لم تدركه، وكأن هناك شيئاً ما يزال مختبئًا... يراقب من بعيد.

نظرت إلى الأعلى، إلى ذلك الظلام المتراكم في الزوايا... ثم همست:

"هل حقًا كنتِ أنتِ فقط... أيتها القطة؟"

لم يجبني أحد ، كما هو متوقع .

لكن البرودة التي شعرت بها في أطراف أصابعي، والهدوء المزعج الذي ملأ المكان بعد مغادرة كايرو... كانا كافيين لإقناعي أن هذا الفصل لم يُغلق بعد.

بل... ربما كان هذا مجرد بدايته.

...

مرّ الوقت ببطء قاتل، كأن عقارب الساعة كانت تتثاقل في حركتها، وكأن الليل قد قرر أن يختبر صبري للمرة الأخيرة. جلست على الدرجة ذاتها في السلم المؤدي إلى الطابق الأول، أنظر إلى الظلام الذي بدأ يتلاشى شيئًا فشيئًا مع اقتراب الفجر.

وأخيرًا، تسلل ضوء الفجر عبر النوافذ الصغيرة، مترددًا وخافتًا، لكنه كان كافيًا ليخبرني أن مناوبتي قد انتهت. كنت أنتظر هذه اللحظة كما ينتظر المسافر البعيد رؤيته الأولى للديار. نهضت بتثاقل من على الدرج، وتمددت عضلاتي المتعبة، وبدأت أهبط السلالم بخطوات ثقيلة متجهًا إلى الطابق الأول.

كانت عيناي مرهقتين إلى درجة أن الرؤية بدأت تتلاشى أمامي، وأشعر أن كل ما حولي بات ضبابيًا. لم أفكر بشيء سوى في السرير... مجرد السرير.

دخلت الغرفة الأولى في الطابق الأول، الغرفة التي خُصصت لي ولزملائي للراحة. لم أُضيّع وقتًا في التفكير أو التحضير، تقدّمت نحو السرير الأقرب، وكأن بيني وبينه عهد قديم. جلست عليه أولاً، ثم تمددت ببطء... وكأنني أغرق في بحر من الراحة. أغمضت عيني، لا من أجل النوم فحسب، بل وكأنني أريد أن أختفي عن هذا العالم للحظات... ثم استسلمت للنوم.

...

لا أعرف كم من الوقت مرّ. كل ما أعرفه هو أنني نمت كما لم أنم من قبل. كان نومًا عميقًا، ثقيلاً، خالٍ من الكوابيس، خالٍ حتى من الأحلام.

استيقظت بهدوء، متثاقلاً في حركتي. جلست على طرف السرير، تمطيت قليلاً لأعيد النشاط إلى أطرافي، ثم نهضت وذهبت إلى الحمّام المجاور. غسلت وجهي بالماء البارد، شعرت ببعض الانتعاش، لكن جسدي ما يزال يطالب بالمزيد من الراحة.

خرجت من الغرفة وأنا أحاول أن أقدّر كم من الوقت قد مضى. لم تكن هناك نوافذ كثيرة في الممر، والضوء بدا خافتًا وغامضًا. قررت أن أبحث عن أحد أفراد الحرس لأعرف الوقت بدقة.

لم أبحَث طويلاً. وجدت سيريون، الحارس الذي رأيته يتولى حراسة الجانب الأيسر من الطابق الأول. اقتربت منه بخطوات هادئة، وقلت:

"مرحبًا، سيريون... كم الساعة الآن؟"

التفت إليّ بهدوء، ثم أجاب:

"إنه وقت الغروب. أليست مناوبتك تبدأ بعد ساعة؟"

شعرت بصاعقة خفيفة تضرب داخلي. الغروب؟ نمت طوال النهار إذًا؟ تنهدت بمرارة. كم أكره أن تضيع مني ساعات من اليوم هكذا. نظرت إليه باستسلام وأجبته:

"نعم... يبدو أن مناوبتي ستبدأ قريبًا."

لكنني لم أُكمل حديثي... إذ صدر صوت غريب من بطني، صوت أشبه بالاحتجاج الغاضب.

"غقغق..."

نظرتُ إلى الأسفل خجلاً. كان ذلك صوت معدتي. سيريون رفع حاجبه ونظر إليّ، ثم انفجر بابتسامة محاولاً جاهدًا أن يكتمها.

"أعتقد أن أحدهم جائع . "

قال وهو يضحك بخفة.

أطرقت رأسي قليلًا، ثم سألته بإحراج:

"هل تعلم أين يمكنني الحصول على بعض الطعام؟"

رد وهو ما يزال يحتفظ بابتسامته:

"بالطبع، تستطيع أن تصعد إلى الطابق الثاني، تحديداً إلى المطبخ. أخبِر الطباخ أنك جائع، وسيمنحك شيئًا يسدّ جوعك. لا تقلق، الطباخ طيب القلب... طالما لم تزعجه كثيرًا."

هززت رأسي ممتنًا، رغم أن الخجل لم يتركني بعد. شكرت سيريون، ثم بدأت بالصعود مجددًا، هذه المرة نحو المطبخ، آملًا أن أجد فيه ما ينقذني من صوت معدتي الذي بدأ يحرجني أمام الجميع.

صعدت درجات السلم، وأنا أضع يدي على بطني لأكتم أي صوت محتمل آخر، وقلت في نفسي مبتسمًا بسخرية:

بعد كل المخاطر التي مررت بها، يبدو أن عدويّ الأكبر الآن... هو الجوع .

2025/06/25 · 5 مشاهدة · 948 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025