63 - بين الغموض والقدرات

تنفستُ بعمق، محاولًا جمع شتات أفكاري المتناثرة، ثم وجهتُ سؤالي إلى صاحب العمل، الذي بدا كجدارٍ صلبٍ لا تتزعزع هيبته:

"ما قصة الغرفة الوردية؟"

نظر إليّ بنظرة هادئة لكنها عميقة، وكأنه يزن الكلمات قبل أن ينطق بها، ثم قال بنبرة خالية من أي انفعال:

"ما الذي تقصده؟"

لم أتردد، فأشرتُ بيدي في الهواء نحو الأعلى وكأنني أرسم صورة الغرفة أمامه:

"أقصد تلك الغرفة الوردية الموجودة في الطابق الثاني."

رفع حاجبه قليلًا، تعبيرٌ طفيفٌ بالكاد يُرى على وجهه، وقال بجمود:

"إنها غرفة عادية، لماذا تسأل؟"

كنتُ مصممًا على إزالة هذا الغموض، فتابعتُ بتساؤل:

"ولكنني لم أرَ أي أثر لأي شخص يعيش فيها. هي فارغة تمامًا، وكأنها لم تُستخدم قط."

هنا، ارتسمت على وجهه ابتسامة باهتة، تكاد تكون خفية، وقال ببعض الغموض:

"هناك فتاة صغيرة تعيش فيها."

اتسعت عيناي قليلًا، وشعرتُ بالدهشة تتسرب إلى قلبي.

"لكنني لم أرَ أي فتاة... أبدًا. لا في جولتنا الأولى، ولا خلال مناوباتي، ولا حتى في المطبخ."

هزّ رأسه بهدوء، وكأنّ الأمر بديهي، وأجاب بنبرة تحمل ما يشبه اليقين:

"بالطبع لن ترى أي فتاة هناك."

ازداد استغرابي، وتشنجت عضلات وجهي وأنا أحاول فهم ما يرمي إليه.

"ما الذي تقصده؟"

صمتَ قليلًا، وكأنّه يجمع خيوط حديثٍ معقّد، ثم قال بصوتٍ منخفضٍ لكنه واضح:

"الفتاة التي تعيش هناك هي ابنة أخت النبيل فاليس، وليست ابنته كما قد يظن البعض. ولكنها لا تذهب لتلك الغرفة أبدًا. بل تذهب إلى غرفة النبيل فاليس نفسه، وذلك لأنها خائفة من البقاء لوحدها في غرفة منفصلة، خاصة مع كل ما يحدث حولنا."

صمتُّ للحظة، استوعب الكلمات التي قالها للتو. لم أتفاجأ كثيرًا بكونها ابنة أخته وليست ابنته، فقد كان هناك شيء في حدسي يخبرني أن الوضع ليس كما يبدو. ولكنني لم أتوقع تلك الإجابة أيضًا. تراقصت في ذهني تساؤلات أخرى: لماذا ابنة أخت النبيل فاليس تأتي معه إلى مكان كهذا؟ أليس من الأفضل أن تبقى بجانب والدتها، بعيدًا عن كل هذا الخطر؟

قطعتُ تلك الأفكار التي بدأت تتسرب إلى عقلي، ورفعتُ رأسي مرة أخرى نحو صاحب العمل، سائلاً إياه بصوت خافت:

"بأي فرصة... هل تعلم لماذا النبيل فاليس ريمون قد أحضر ابنة أخته إلى هنا؟"

نظر صاحب العمل إليّ مباشرة، وعيناه تحملان خليطًا من الجدية واللامبالاة، وقال بعبارة قاطعة لا تقبل الجدل:

"النبيل فاليس هو وحده من يعلم لماذا أحضرها. هذا أمر لا يخصنا، ومسؤوليتنا تقتصر على حمايتهم هم الاثنان. كل ما عليك معرفته أن وجودها هنا يزيد من أهمية حراستكم."

تنهدتُ قليلًا. لم أحصل على كل الإجابات التي أردتها، ولكن الكشف عن وجود فتاة صغيرة وخوفها كان كافيًا لإضافة طبقة جديدة من الغموض على هذه القلعة. وقفتُ من مكاني، ثم اتجهت نحو السلالم المؤدية إلى الطابق الثالث. لم يكن لدي شيء محدد لأفعله في هذا الوقت من اليوم، وشعرتُ بأن الهواء في الأعلى قد يزيل بعضًا من ثقل الأفكار التي كانت تضغط على ذهني.

وصلتُ إلى الطابق الثالث، حيث كان الهواء أكثر برودة ونقاءً، يحمل معه عبير الأشجار البعيدة ورائحة الحجارة القديمة. وكالعادة، وجدتُ ماركوس ونوكس يحرسان أماكنهما المعتادة، واقفين كصنمين لا يتحركان، وعيونهما مثبتة على الأفق. نظرتُ نحو السماء، كانت شمس الغروب تلون الغيوم بألوان قرمزية وذهبية، والرياح كانت هادئة لكنها منعشة، تلامس وجهي كهمسة خفيفة.

غمرني شعور بالسلام للحظة، لكنه لم يدم طويلًا.

سمعتُ صوتًا خلفي، صوتًا كسر هذا الهدوء بشكل مفاجئ، وقال:

"لماذا أتيت إلى هنا؟"

فوجئتُ بشدة، قفزتُ في مكاني وصرختُ بصوتٍ عالٍ ارتعدت له الجدران:

"اااااههههه!"

التفتُّ بسرعة، وقلبي يدق بعنف، لأرى من المتكلم. كان ماركوس، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، لكن عينيه كانتا تشعان ببعض الأسف.

اعتذر إليّ وهو يرفع يديه قليلًا:

"أعتذر، لم أقصد أن أخيفك."

حاولتُ أن أجمع شتات نفسي وأهدئ من أنفاسي المتسارعة، ثم قلتُ له:

"لا، لا بأس، أشياء كهذه قد تحصل."

صمتنا للحظة، لم أكن أعرف ما أقول بعد هذا الموقف المحرج. ثم، قررتُ أن أكسر الصمت بتساؤل آخر، فقد كان فضولي يتغلب على خوفي وإحراجي.

"امم... ماركوس، هناك شيء كان يثير فضولي منذ مدة."

نظر إليّ ببعض الاهتمام وقال:

"نعم، ما الأمر؟"

صمتُّ للحظة، ترددت قليلًا قبل أن أطرح سؤالي الأكثر أهمية. ثم، قلتُ بهدوء:

"هل حصلت على قدرتك الفريدة؟"

ارتسمت ابتسامة خجولة على وجه ماركوس، ثم ضحك بخفة وقال:

"هيهي، نعم، لقد حصلت عليها."

تحمستُ بشدة وقلت:

"هل تمانع أن تخبرني ما هي؟"

فقال بثقة:

"أنا قدرتي هي الاختفاء. أستطيع الاختفاء."

اتسعت عيناي بدهشة وإعجاب.

"هل تستطيع الاختفاء لمدة غير محدودة؟"

ابتسم ماركوس وقال:

"قدرتي ليست بهذه القوة، أنا فقط أستطيع الاختفاء لمدة ساعتين في اليوم."

قدرته حقًا رائعة! الاختفاء لمدة ساعتين يمكن أن يكون مفيدًا للغاية في المواقف الخطرة، ليست مثل قدراتي التي لم أكتشف فائدتها بعد. ولكن... مازال لدي أمل أنني يومًا ما سأحصل على قدرة قوية ومؤثرة مثل قدرته.

أكملتُ وقلت، محاولًا جمع المزيد من المعلومات:

"منذ متى اكتسبت هذه القدرة؟"

أجاب ماركوس على الفور، وعيناه تعكسان ذكرى واضحة:

"لقد اكتسبتها بعدما أنقذتموني من ذلك الوحش، أتتذكر؟"

أومأتُ برأسي:

"نعم، أتذكر."

كانت تلك اللحظة حاسمة بالنسبة لنا جميعًا، ويبدو أنها كانت حاسمة بالنسبة له أيضًا.

أضفتُ قائلاً، مستغلًا فرصة وجوده للتأكد من أمر آخر:

"إذاً، هل أنت أيضًا تستطيع التحدث مع نافذة الحالة؟"

نظر إليّ ببعض الغرابة، ثم هز رأسه:

"نعم، أستطيع. لماذا تسأل؟"

ابتسمتُ، فقد كنتُ أبحث عن إجابة عن وظيفة مقدار الوعي ولكنني كل مرة أسأل فيها أحداً يقول لي أن المكتوب هناك هو ' غير معروف ' .

"إذاً، ما المكتوب عندك في خانة مقدار الوعي؟"

أجاب ماركوس، وقد بدت عليه علامات الحيرة:

"مكتوب في تلك الخانة غير معروف. حاولتُ أن أعرف ما هي، لكنني لم أستطع."

إذاً، حتى ماركوس ليس لديه أي فكرة عن وظيفتها. ما هي فائدة تلك الخانة حقًا؟

وبينما كنا أنا وماركوس نتحدث، وكنا منغمسين في هذا الحديث المثير عن القدرات وأسرار الوعي، بدأ ضوء الشمس يتلاشى تدريجيًا من الأفق. سمعنا جرس العشاء يدقّ في الأسفل، معلنًا عن وقت الوجبة الليلية. حان الوقت لبدء مناوبة حراس الليل وانتهاء مناوبة حراس النهار.

نزلنا من الطابق الثالث، أنا وماركوس ونوكس الذي ظل صامتًا كعادته طوال حديثنا. وصلنا إلى الطابق الثاني، ودّعتُ ماركوس ونوكس، وهما يتجهان نحو غرف نوم الحراس.

في تلك اللحظة، شعرتُ ببرد خفيف يتسلل إلى جسدي. الليل قد حل.

ومناوبتي الثالثة على الطابق الثاني... قد بدأت الآن.

2025/07/05 · 5 مشاهدة · 968 كلمة
Toleen Jaber
نادي الروايات - 2025