الفصل الأول: بداية الرحلة إلى الخلود
في مدينة لينغ ، التي كانت تُعتبر نقطة التقاء بين العالم المادي والعوالم الروحية، عاش الشاب تاي ليانغ ، الذي لم يكن يشبه الآخرين في المدينة. كانت المدينة بموقعها الجغرافي الفريد تُحيطها الجبال الوعرة والسهول الواسعة، بينما كان نهر شينغ هو يمر عبر قلب المدينة، يمنحها حياة وخصبًا.
على الرغم من جمال المدينة الذي يراه الجميع، إلا أن تاي ليانغ كان يشعر دائمًا بحنين داخلي إلى شيء أكبر، شعورًا مستمرًا بالفراغ يرافقه منذ الطفولة. كان يسمع عن الخلود و الزراعة الروحية من والدته التي كانت عالمة روحانية ، وعن التشي والقدرة على تنقية الجسم وتحويله إلى أداة قادرة على الوصول إلى درجات متقدمة من الوعي والقدرة الروحية.
كان تاي ليانغ في سنوات مراهقته، بينما كانت المدينة حوله تنبض بالحياة، يستمع إلى تلك القصص التي ترويها والدته عن السادة الروحيين الذين بلغوا أقصى درجات الخلود. لم يكن في تلك الأيام يعي مدى تعقيد هذه القصص ولا حقيقة أن الوصول إلى الخلود ليس أمرًا سهلاً أو خاليًا من المعوقات. لكن ما كان يعرفه جيدًا هو أن كل شخص في المدينة كان يتحدث عن ذلك الشعور الفريد بالراحة الروحية الذي يأتي من التناغم مع الكون .
كانت عائلة لينغ ، التي ينتمي إليها تاي ليانغ ، واحدة من أقدم العائلات في المدينة، لكن على الرغم من تلك السيرة العريقة، كان أفراد العائلة يتجنبون الانغماس العميق في تعاليم الزراعة الروحية. كان والده مهتمًا في التجارة والمشاريع المالية، بينما كانت والدته تدرس العلوم الروحية لكن دون رغبة في الخوض في أساليب الزراعة المعقدة. بالنسبة لهم، كان الخلود مجرد فكرة فلسفية بعيدة عن الواقع.
في أحد الأيام، بينما كان تاي ليانغ يسير في سوق المدينة القديم بصحبة شقيقته لينغ تشين ، مرّوا بجانب تاجر غريب كان يحمل صندوقًا خشبيًا مليئًا بمخطوطات قديمة. كان هذا التاجر يبيع الكتب الروحية التي يعتقد الجميع أنها تحتوي على أسرار قديمة لا يُفصح عنها إلا للأشخاص المؤهلين.
توقف تاي ليانغ أمام التاجر، جذبته مخطوطة ملفوفة في جلد أسود وكان العنوان المكتوب عليها “سر الخلود: تقنيات الزراعة الروحية” . لم يكن الكتاب يشبه أي كتاب آخر رآه في المدينة، فقد كان يلمع بشدة على الرغم من قدمه، وكأن الطاقة الروحية تتسرب من بين صفحاته. قرر تاي ليانغ أن يشتري الكتاب بأقصى سرعة، حتى وإن كان السعر مرتفعًا.
عندما عاد إلى المنزل، جلس في غرفته المتواضعة وأخذ يفتح الكتاب بحذر. كانت صفحات الكتاب مصنوعة من ورق قديم، وكان النص مكتوبًا بخطوط دقيقة وغير واضحة. بدأ يقرأ، وكلما تقدم في القراءة، بدأ يتسرب إلى ذهنه مفاهيم جديدة عن الزراعة الروحية ، ومنها مفهوم الطاقة التشية وأهمية تنقية الجسم و تحويل الطاقة لبلوغ المراحل المتقدمة في الزراعة الروحية .
كان الكتاب مليئًا بتعليمات دقيقة حول كيفية تحقيق التوازن الداخلي ، وكيفية استخدام الطاقة الكونية للوصول إلى درجات أعلى من الوعي. كما تطرق الكتاب إلى مفهوم الروح الوليدة و تكوين النواة الذهبية في الجسد، وهي من المراحل الأساسية في الزراعة الروحية التي تؤدي إلى تحول الجسد إلى حالة مثالية.
في اليوم التالي، جلس تاي ليانغ مع والدته ، التي كانت تحضر الطعام في المطبخ، وبدأ يناقش معها ما اكتشفه في الكتاب. لكن والدته ، على الرغم من معرفتها الكبيرة بالروحانيات، كانت تنظر إلى أفكار الزراعة الروحية بحذر، وقالت له: “يا ابني ، الزراعة الروحية ليست أمرًا يمكن التسرع فيه. إنها رحلة طويلة، تتطلب من الشخص أن يكون قويًا روحيًا وصافي النية. قد تكون هذه التقنية خطيرة إذا لم يتم استخدامها بحذر.”
لكن تاي ليانغ كان قد اتخذ قراره. كان يشعر بأن هذا هو المصير الذي كان يبحث عنه طوال حياته. لم يكن مجرد رغبة في الحصول على القوة، بل كان يريد أن يفهم روحه ، أن يصل إلى مرحلة من الوعي والاتصال بالعالم الروحي. كان يعلم أن هذا الطريق لن يكون سهلاً، لكنه كان مستعدًا لخوض المغامرة.
في ذلك اليوم، قرر أن يبدأ تدريبه السري. في الزمان والمكان الذي لا يعرفه أحد، بدأ تاي ليانغ بممارسة تقنيات الزراعة الروحية التي وجدها في الكتاب. بدأ بتنقية جسده من الطاقات السلبية، وأخذ يتدرب على تحويل التشيات داخل جسده.
في الليل، بينما كانت المدينة غارقة في صمت عميق، جلس تاي ليانغ في غرفته المظلمة أمام شمعة صغيرة . كان الهواء باردًا، وكان يبدو أن المدينة بأسرها تغرق في سبات عميق. ومع ذلك، كان تاي ليانغ مستغرقًا في تمريناته الروحية التي تعلمها من الكتاب القديم. كان قلبه ينبض بسرعة، لكنه كان يحاول التركيز على الطاقة الداخلية التي كانت تتسرب إلى جسده. لم يكن الأمر سهلاً؛ كل حركة كانت تحتاج إلى تركيز شديد، وكل نفس كان يعني المزيد من الجهد.
كان يمر بمراحل تنقية الطاقة داخل جسده، حيث كان يعمل على التخلص من الطاقة السلبية المتراكمة في خلاياه. لم يكن يعلم الكثير عن هذه العملية في البداية، لكن الكتاب كان يوفر له تفاصيل دقيقة. كانت التنقية عملية دقيقة، وكان يحتاج فيها إلى فهم كيف يمكنه تنظيم تيارات الطاقة داخل جسده بحيث تندمج مع الطاقة الكونية ، مما يسمح له ببدء التحول الروحي .
كلما كانت تمر الأيام، كلما شعر أن الجسد أصبح أكثر استجابة لتلك الطاقات المتدفقة، وكان يشعر بأن لديه القدرة على التحكم في التشيات بسهولة أكبر. بدأ يلاحظ أن قدراته الجسدية بدأت تتحسن، وأنه أصبح قادرًا على القيام بأشياء لم يكن يعتقد أنه قادر عليها من قبل. لكنه كان يعلم في أعماقه أن هذا مجرد بداية . كانت الحقيقة أن عملية الزراعة الروحية كانت أعمق بكثير مما يراه.
في أحد الأيام، بينما كان يتدرب في غرفة منعزلة داخل منزله، بدأت طاقة التشيات تتجمع بشكل غير طبيعي حوله، وتكوّنت نواة ذهبية صغيرة داخل قلبه. كانت النواة الذهبية هي بداية التحول الروحي الحقيقي، وهي إحدى أهم العلامات على تقدم الممارس في طريقه إلى الخلود. لقد شعر بشيء جديد داخل جسده، كما لو أن روحه بدأت تتفتح كزهرة نادرة.
لكن لم يكن ذلك كافيًا. لقد كان في بداية الطريق فقط، وكانت الطاقة الروحية التي بدأ في زراعتها ما تزال غير مستقرة، وكان يحتاج إلى التركيز العميق والوقت لكي يتمكن من توجيهها بشكل صحيح.
بينما كان تاي ليانغ يواصل تدريبه السري، كانت لينغ تشين ، شقيقته الأصغر سناً، تلاحظ تغيرات غير مألوفة في سلوك أخيها. لم تكن لينغ تشين غريبة عن هذه الأمور الروحية، فقد كانت أحد أفراد العائلة الذين يتمتعون بقدرة روحية فطرية ، رغم أن أفراد العائلة كانوا يحاولون تجنب التعمق في الزراعة الروحية بشكل جاد. كانت لينغ تشين تتمتع بقدرة فطرية على الشعور بالطاقة ورؤيتها. في إحدى الليالي، وهي تسير بالقرب من غرفة تاي ليانغ ، شعرت بشيء غريب في الهواء؛ كان هناك توتر روحي غير عادي، وكأن الطاقات التي كانت تنبعث من غرفة أخيها كانت تختلف تمامًا عن أي طاقة شهدتها من قبل.
دخلت لينغ تشين غرفة تاي ليانغ في تلك الليلة. كانت عيناها تتوهجان بطاقة روحية خفيفة، وعندما رأت أخيها جالسًا في تأمل عميق، أدركت أنه قد بدأ في ممارسة الزراعة الروحية .
“أخي، ماذا تفعل؟” سألته بلهجة هادئة، رغم أن قلبها كان مليئًا بالقلق.
تاي ليانغ فتح عينيه ببطء، وأجاب: “أختي، أنا فقط أتعلم كيف أتحكم في طاقتي الداخلية. أعتقد أنني قريب من فهم بداية الطريق.”
رغم أن لينغ تشين لم تفهم تمامًا ما كان يعنيه، فإنها شعرت بشيء قوي ينبعث من داخل أخيها. وقالت بصوت حذر: “الزراعة الروحية ليست لعبة، تاي ليانغ. إنك تتعامل مع قوى كونية قد تكون أكبر منك. هل أنت متأكد من أنك مستعد لهذه الطريق؟”
أجاب تاي ليانغ بثقة: “أنا مستعد، ولن أوقف رحلتي الآن. أريد أن أفهم الحياة بشكل أعمق وأصل إلى مرحلة من السلام الداخلي لا يمكن أن يزعزعها شيء.”
كانت كلمات أخيها تثير في لينغ تشين شعورًا غريبًا من التردد، لكنها في ذات الوقت كانت تشعر بشيء غريب ينبعث من داخلها. كانت لينغ تشين تعرف أن تاي ليانغ يمتلك قدرة روحية غير عادية ، رغم أنه لم يظهرها للجميع.
ولكن، لم تستطع لينغ تشين إخفاء قلقها، وقالت له: “إن طريق الزراعة الروحية مليء بالتحديات. هناك مراحل قد تكون خطيرة، وأنت لا تعلم ما قد يواجهك.”
لكن تاي ليانغ لم يعر اهتمامًا لتحذيراتها، فقد كان غارقًا في رغبته العميقة في فهم الخلود . كان يعلم أن الطريق الذي اختاره لم يكن سهلًا، لكن هذه الطاقة الداخلية التي شعر بها، كانت تملأه بالقوة والثقة.
في اليوم التالي، بينما كان تاي ليانغ يتدرب في حديقة المنزل، شعر بشيء غير عادي. كانت الطاقة الروحية المحيطة به أصبحت أكثر كثافة ، وكان يمكنه استشعار شيئًا غريبًا يقترب منه. فجأة، ظهر رجل مسن غريب ، كان يرتدي روبًا أسود ويحمل عصا خشبية طويلة، في المدخل.
“أنت تاي ليانغ ، أليس كذلك؟” سأل الرجل بصوت عميق، لم يكن يحمل أي علامات على القلق أو الاستفهام.
شعر تاي ليانغ بشيء غريب في قلبه، وابتسم في تردد. “نعم، من أنت؟”
أجاب الرجل: “أنا الشيخ لين ، وأنا هنا من أجل مساعدتك في فهم الزراعة الروحية على مستوى أعمق. ما تفعله الآن هو مجرد بداية.”
في تلك اللحظة، شعر تاي ليانغ أن الشيخ لين هو شخص عظيم ، يمتلك معرفة لا حدود لها عن الزراعة الروحية . وقد شعر أن هذا اللقاء لم يكن صدفة، بل كان مقدرًا.