الفصل الثاني: أولى خطوات الطريق
عندما وقف الشيخ لين في حديقة منزل تاي ليانغ، بدا وكأنه يحمل معه هيبة الزمن وعظمة العوالم التي يتحدث عنها سكان مدينة لينغ في أساطيرهم. لم يكن تاي ليانغ يعلم لماذا ظهر هذا الرجل الغريب فجأة في حياته، لكنه شعر بأن هذا اللقاء كان نقطة تحول.
قاد الشيخ لين تاي ليانغ إلى معبد صغير على أطراف المدينة، مختبئ بين الأشجار الكثيفة التي تلفه بسكون غامض. كانت السماء ملبدة بالغيوم، والرياح تحمل معها همسات خفية، وكأن الطبيعة بأكملها ترحب بهذا اللقاء. وقف تاي ليانغ أمام المعبد، محاولًا فهم ما ينتظره في داخله.
“هذا هو المكان الذي ستبدأ فيه رحلتك الحقيقية،” قال الشيخ لين بصوت عميق. “الزراعة الروحية ليست فقط قوة جسدية أو طاقة خفية، إنها تحول كامل للروح والجسد معًا. ولكن تذكر، الطريق طويل، وليس هناك مجال للتراجع بمجرد أن تبدأ.”
دخل الاثنان إلى المعبد، وكانت الجدران مزينة برموز غريبة ونقوش تمثل مراحل مختلفة من الزراعة الروحية. في منتصف القاعة، كانت هناك منصة صغيرة عليها وعاء قديم تتصاعد منه أدخنة عطرة. جلس الشيخ لين على الأرض، مشيرًا إلى تاي ليانغ للجلوس مقابله.
“قبل أن تبدأ، يجب أن تفهم. الزراعة الروحية ليست مجرد وسيلة لاكتساب القوة. إنها طريق لفهم الذات، للتغلب على نقاط ضعفك، ولتحقيق الانسجام بينك وبين الكون. هل أنت مستعد لمواجهة كل شيء؟ مخاوفك، شكوكك، وحتى ماضيك؟”
تردد تاي ليانغ للحظة، لكنه استجمع شجاعته وأومأ برأسه. “أنا مستعد.”
ابتسم الشيخ لين، وقال: “حسنًا، دعنا نبدأ.”
بداية التدريب
كانت الجلسة الأولى عبارة عن تأمل بسيط. طلب الشيخ لين من تاي ليانغ أن يغلق عينيه ويركز على أنفاسه. “التنفس هو الجسر بينك وبين الكون. إذا استطعت التحكم في أنفاسك، ستتمكن من التحكم في تدفق الطاقة داخلك.”
في البداية، وجد تاي ليانغ صعوبة في تهدئة أفكاره. كان عقله مزدحمًا بصور وأصوات المدينة، لكنه استمر في المحاولة. بعد فترة، شعر بشيء مختلف. كان هناك دفء خفيف يتسرب إلى داخله، كأن طاقة غير مرئية بدأت تنساب من حوله إلى جسده.
“هذا هو التشِي،” قال الشيخ لين بصوت هادئ. “إنها الطاقة التي تربط كل شيء في هذا الكون. الآن، عليك أن تتعلم كيف توجهها.”
استمر التأمل لساعات، ومع كل جلسة كان تاي ليانغ يشعر بتحسن. كان جسده يصبح أخف، وعقله أكثر صفاءً. بدأ يدرك أن هذه الرحلة ليست مجرد تدريب جسدي، بل عملية لاكتشاف ذاته.
لكن الشيخ لين لم يكتفِ بالتأمل. في الأيام التالية، بدأ بتدريب جسدي صارم. كان يطلب من تاي ليانغ أن يمارس التمارين البدنية التي تبدو بسيطة لكنها كانت مرهقة. كان عليه أن يقف على ساق واحدة فوق صخرة في منتصف بركة، محاولًا الحفاظ على توازنه بينما يستشعر تدفق الطاقة من الماء إلى جسده.
“الطبيعة هي أفضل معلم،” قال الشيخ لين بينما كان يراقبه. “إذا استطعت أن تتناغم مع الماء، مع الرياح، مع الأرض، ستبدأ بفهم كيف تعمل الطاقة الكونية.”
رغم أن هذه التمارين كانت تبدو بسيطة، إلا أن تاي ليانغ واجه صعوبة كبيرة في البداية. كان يسقط في الماء مرات عديدة، لكنه كان يعود للمحاولة. مع الوقت، بدأ يشعر بتحسن، وبدأ جسده ينسجم مع البيئة من حوله.
مواجهة الظلال
بعد أسابيع من التدريب، قال الشيخ لين: “لقد تعلمت كيف تستقبل الطاقة، وكيف تنسجم مع الطبيعة. الآن، يجب أن تواجه ظلك.”
نظر تاي ليانغ إليه بحيرة. “ماذا تقصد بظلي؟”
ابتسم الشيخ وقال: “كل إنسان يحمل داخله نورًا وظلامًا. إذا أردت الوصول إلى الخلود، يجب أن تتعلم كيف تواجه الظلام داخلك، كيف تتقبله، وكيف تحوله إلى قوة.”
قاد الشيخ لين تاي ليانغ إلى غرفة صغيرة في عمق المعبد، مضاءة فقط بشمعة واحدة. “اجلس هنا. أغلق عينيك، وركز على داخلك. ستبدأ برؤية أشياء قد تخيفك، لكنها جزء منك.”
جلس تاي ليانغ، وأغلق عينيه. في البداية، كان كل شيء هادئًا، لكن بعد فترة قصيرة، بدأت صور من ماضيه تظهر أمامه. كانت هناك لحظات من الفشل، من الخوف، من الألم. رأى ذكريات عن طفولته، عن شعوره بالوحدة، وعن إحساسه بأنه مختلف عن الآخرين.
كانت هذه الصور تؤلمه، لكنها كانت حقيقية. فهم أن هذه المشاعر كانت جزءًا منه، وأنه لا يمكنه تجاهلها إذا أراد المضي قدمًا.
“لا تخف،” قال صوت الشيخ لين من بعيد. “الظلام ليس عدوك. إنه جزء من قوتك. إذا تعلمت كيف تتعامل معه، ستصبح أقوى.”
بدأ تاي ليانغ يأخذ أنفاسًا عميقة، محاولًا تقبل ما يراه. مع كل نفس، شعر بأن الألم الذي كان يحمله في داخله بدأ يخف، وأنه بدأ يشعر بالسلام.
البداية الجديدة
في اليوم التالي، عندما خرج تاي ليانغ من الغرفة، كان هناك تغيير واضح في عينيه. كان يبدو أكثر هدوءًا، أكثر ثقة.
“لقد اجتزت أول اختبار،” قال الشيخ لين. “لكن هذه مجرد البداية. الطريق ما زال طويلًا، وسيكون مليئًا بالتحديات.”
ابتسم تاي ليانغ وقال: “أنا مستعد لأي شيء.”
كان يعلم أن هذه الرحلة لن تكون سهلة، لكنه كان يشعر بأنه أقرب إلى فهم نفسه والعالم من حوله. لقد بدأ يخطو أولى خطواته نحو الخلود، وكان يعلم أن كل خطوة ستأخذه أقرب إلى هدفه.
نهاية الفصل الثاني