الفصل الثالث: عبور العتبة الأولى

مرت أسابيع منذ أن بدأ تاي ليانغ تدريبه تحت إشراف الشيخ لين. لم يكن الوقت عاديًا بالنسبة له، بل كان مليئًا بالتحديات التي كشفت له عن أعماق جديدة من قوته الداخلية. كان العالم كما يعرفه يتغير؛ الأشياء التي كانت تبدو له عادية أصبحت غنية بالطاقة والمعاني الخفية.

في صباح مشرق، استدعى الشيخ لين تلميذه إلى قاعة التأمل الكبرى في المعبد. كان المكان مشعًا بضوء الشمس التي تسللت من النوافذ الضيقة. جلس الشيخ لين على منصته الخشبية البسيطة، ووجهه الذي يكسوه الهدوء يعكس حكمة لا حدود لها.

“تاي ليانغ،” بدأ الشيخ حديثه بنبرة عميقة، “لقد أثبت أنك تمتلك الإرادة للبدء في طريق الزراعة الروحية، لكن هذا ليس كافيًا. الطريق إلى الخلود مليء بالمخاطر، بعضها يأتي من الخارج، لكن أخطرها يأتي من داخلك. اليوم، سأكشف لك عن أولى مراحل الزراعة الحقيقية.”

جلس تاي ليانغ بتواضع، مستعدًا للاستماع. كان قد تعلم أن كلمات الشيخ تحمل دائمًا معانٍ أعمق مما يبدو على السطح.

كشف مسار الروح

“في الزراعة الروحية،” قال الشيخ، “هناك سبع مراحل رئيسية يجب على كل ممارس أن يمر بها. كل مرحلة تمثل تحولًا جوهريًا في روحك وجسدك. المرحلة الأولى تسمى

تنقية الروح والجسد

. إنها أساس كل شيء. إن لم تستطع تحقيق التوازن الكامل في هذه المرحلة، فلن تستطيع المضي قدمًا.”

رفع الشيخ يده، مشيرًا إلى وعاء معدني قديم بجانبه. كان الوعاء يحتوي على ماء نقي بدا وكأنه يلمع تحت الضوء.

“هذا الماء ليس عاديًا،” قال الشيخ. “إنه ماء مُبارك يحتوي على طاقة الكون. ستستخدمه لتنقية نفسك من الداخل والخارج. لكن تذكر، العملية ليست جسدية فقط، بل هي اختبار لإرادتك أيضًا. كل شوائب في روحك ستطفو على السطح، ويجب عليك مواجهتها بصدق وشجاعة.”

أخذ تاي ليانغ الوعاء بحذر، وشعر ببرودة الماء تسري في يديه. جلس في منتصف القاعة وبدأ بترديد التعويذات التي علّمها له الشيخ لين. كان صوته ثابتًا في البداية، لكنه سرعان ما بدأ يشعر بطاقة غريبة تتدفق من الكلمات.

مع كل تعويذة، بدأت ذكريات وأفكار دفينة تظهر في عقله. رأى لحظات من الخوف والندم، وصورًا لأوقات شعر فيها بالعجز. كان الأمر مؤلمًا، لكنه أدرك أن هذا هو جوهر التنقية.

“استمر،” قال الشيخ لين من بعيد، صوته كالصخرة وسط العاصفة. “لا تهرب مما تراه. كل شائبة تظهر هي فرصة للتحرر.”

استمر تاي ليانغ في الترديد، ومع مرور الوقت، شعر بشيء مختلف. كان هناك دفء يتسلل إلى صدره، كأن الضوء بدأ يطرد الظلام من داخله. عندما انتهى من الطقوس، فتح عينيه وشعر بنقاء لم يشعر به من قبل.

“أحسنت،” قال الشيخ لين، واقفًا بجانبه. “لقد أتممت الخطوة الأولى، لكن لا تنخدع. هذا مجرد بداية.”

اللقاء مع الحارس الداخلي

في الأيام التالية، استمر التدريب بوتيرة مكثفة. طلب الشيخ لين من تاي ليانغ أن يتأمل لساعات طويلة تحت شلال ماء بارد، ليختبر قدرته على الصمود الجسدي والروحي. كما دربه على استخدام طاقته لتحريك أشياء صغيرة من حوله.

لكن التحدي الأكبر جاء في اليوم الذي أخبره فيه الشيخ أنه سيواجه “الحارس الداخلي”.

“من أجل التقدم في طريق الزراعة،” قال الشيخ لين، “يجب أن تعبر العتبة الأولى، وهي مواجهة الحارس الداخلي. هذا الكيان ليس شخصًا خارجيًا، بل هو تمثيل لكل نقاط ضعفك، لكل مخاوفك وشكوكك. لا يمكن لأحد مساعدتك في هذه المواجهة. ستدخل إلى أعماق روحك، وهناك ستراه.”

قاد الشيخ تاي ليانغ إلى غرفة صغيرة مظلمة في المعبد. كانت الجدران مغطاة برموز قديمة، والجو مشحون بالطاقة.

“اجلس هنا،” قال الشيخ. “أغمض عينيك وركز على داخلك. ستعرف عندما يبدأ الحارس في الظهور.”

فعل تاي ليانغ كما طلب منه، وسرعان ما بدأ يشعر بشيء غريب. كان الهواء من حوله يبدو أثقل، وكأن المكان كله يتنفس بصعوبة. فجأة، ظهر أمامه كيان غامض. كان يشبهه تمامًا، لكنه كان مظلمًا، بعينين حادتين تحملان مزيجًا من الغضب والخوف.

“من أنت؟” سأل تاي ليانغ، محاولًا الحفاظ على هدوئه.

أجاب الكيان بصوت يشبه صوته، لكنه كان أكثر خشونة: “أنا أنت. أنا كل ما تخشاه، كل ما تحاول الهروب منه.”

بدأ الكيان يهاجمه، ليس جسديًا بل عاطفيًا. أظهر له لحظات فشل وإحباط من ماضيه، صورًا جعلته يشعر بالعجز. حاول تاي ليانغ التراجع، لكنه أدرك أنه لن يستطيع الهروب.

“إذا أردت التغلب على هذا الكيان،” تذكر كلمات الشيخ، “يجب أن تواجهه بصدق. اعترف بوجوده، وتقبله كجزء منك.”

جمع تاي ليانغ شجاعته وواجه الحارس الداخلي. قال له: “أعرف من أنت. أنت جزء مني، لكنك لن تتحكم في حياتي. سأستخدم قوتك لأصبح أقوى.”

مع هذه الكلمات، بدأ الكيان يتلاشى ببطء، وتحولت طاقته إلى نور أضاء الغرفة المظلمة. عندما فتح تاي ليانغ عينيه، كان يشعر بالقوة والثقة كما لم يشعر بهما من قبل.

التحول الأول

بعد هذه المواجهة، أخبره الشيخ لين أنه جاهز للمرحلة التالية: “تكوين النواة الروحية”.

“النواة الروحية،” قال الشيخ، “هي الخطوة الأولى نحو تحقيق الاستقرار الداخلي. إنها مصدر قوتك، وهي التي ستمنحك القدرة على تجاوز حدود البشر العاديين.”

كانت العملية تتطلب تأملًا عميقًا وتركيزًا شديدًا. جلس تاي ليانغ في قاعة التأمل الكبرى، محاطًا بشموع مضاءة، وبدأ في توجيه طاقته نحو مركز جسده.

كانت العملية مؤلمة. شعر كأن جسده يحترق من الداخل، لكن الشيخ لين كان بجانبه، يوجهه بصبر.

“لا تخف من الألم،” قال الشيخ. “هذا الألم هو علامة على أن روحك تتغير.”

بعد ساعات طويلة من التركيز، شعر تاي ليانغ بشيء مختلف. كان هناك ضوء صغير ينبثق في داخله، نواة صغيرة لكنها مشعة.

“لقد فعلتها،” قال الشيخ بابتسامة. “النواة الروحية هي دليل على أنك تجاوزت المرحلة الأولى من الزراعة. لكن تذكر، الطريق ما زال طويلًا.”

نظرة إلى المستقبل

عندما غادر تاي ليانغ قاعة التأمل، كان يشعر وكأنه شخص جديد. كان العالم من حوله يبدو مختلفًا؛ كل شيء كان ينبض بالحياة والطاقة.

لكن في أعماقه، كان يعلم أن هذا ليس سوى بداية الطريق. لقد اجتاز العتبة الأولى، لكنه كان يشعر بأن هناك تحديات أكبر تنتظره.

“يا تاي ليانغ،” قال الشيخ لين في ذلك المساء، “ما فعلته اليوم هو إنجاز عظيم، لكنه مجرد خطوة. العالم مليء بالمخاطر، والقوى التي تسعى لإيقافك لن تتوقف. استعد لما هو قادم.”

كانت كلمات الشيخ تحمل ثقلًا كبيرًا، لكن تاي ليانغ كان مستعدًا. لقد بدأ يرى ملامح الطريق الذي ينتظره، وكان مصممًا على المضي قدمًا، مهما كان الثمن.

نهاية الفصل الثالث

2024/11/24 · 11 مشاهدة · 954 كلمة
Chaos Dragon
نادي الروايات - 2025