تسرّبت أشعة الشمس الساطعة عبر طبقات القماش الأبيض الذي يحيط بالسرير.
كان الضوء الأبيض الذي يعلن قدوم الصباح ممتزجًا بترانيم العصافير.
رمشتُ بعيني ببطء لأطرد آخر خيوط النعاس المعلّقة على رموشي.
ثم جلست في السرير، تمددتُ بذراعيّ وتمطّيت.
“آه…”
يا لهذا الصباح المريح.
طرق… طرق
“تفضّلي بالدخول.”
وبينما أكتم تثاؤبًا طويلًا، نهضت من السرير ومررت أصابعي في شعري الوردي الفاتح المتموّج.
عادةً، أربطه ضفيرةً خفيفة قبل النوم، لكنني غفوت البارحة كما أنا، فبات شعري الطويل حتى خصري متشابكًا وفوضويًا.
استسلمتُ بعدما أدركت أن إصلاحه بالتمشيط باليد ضربٌ من المستحيل، لكن "إيمي" ــ خادمتي التي غالبًا ما تكون مشغولة خارجًا ــ رفعت الستارة المحيطة بالسرير.
“هل نمتِ جيدًا يا سيدتي؟ لقد جلبت ماء الغسل…”
“نعم، شكرًا يا إيمي.”
“قال الطاهي إنه أعدّ للفطور فطائر البانكيك مع اللحم المقدد، والبطاطا المهروسة، وسلطة الطماطم، ثم بودينغ الكاسترد للحلوى. هل ترغبين بشيء آخر؟”
“لا، هذا يكفي.”
يا لها من حياة! أن أنام في سرير ضخم، وأستيقظ لأتناول فطورًا أعدّه الآخرون!
مقارنةً بصباحي في حياتي السابقة، حين كنت أستيقظ مذعورة مع صوت المنبّه، أغسل وجهي على عجل، أضع مساحيقي، ثم أركض للعمل…
ذلك لم يكن جنة.
أو ربما… ربما هذه هي الجنة حقًا.
فأنا قد متّ مرة بالفعل.
“آه… ماذا عن نواه؟”
“إنه يغتسل الآن.”
“حقًا؟ إذن عليّ أن أُسرع.”
لا يمكنني أن أكون أكثر كسلًا من طفل في الخامسة!
غسلت وجهي سريعًا بالماء الذي جلبته إيمي، ثم جلست أمام منضدة الزينة.
وقفت إيمي خلفي وبدأت في تمشيط شعري.
بمهارة، راحت تفك تشابكاته ثم نسجته ضفيرةً فضفاضة.
كانت لمستها رقيقة للغاية لدرجة جعلتني أفكر: هل هذا ما يشعر به الحيوان الأليف حين ينام بهدوء تحت يد صاحبه الحانية؟
لو كان الأمر كذلك، فحتى لو بعثت ككلب لدى عائلة ماركيز بدلًا من إنسان، لما كانت حياتي سيئة.
لكن… لا وجود لحيوانات أليفة في هذا المنزل.
إنها فقط كلاب صيد.
منزل يربّي كلاب صيد بدلًا من الحيوانات الأليفة.
أتدرون أين وصلتُ؟
في البداية ظننت أنني لن أعتاد أبدًا…
إلى قصر الماركيز "آجاس"، حامي الحدود الشمالية لإمبراطورية إستروا من البرابرة والوحوش التي تهدّدها.
غادر الماركيز القلعة نحو بوابة الشمال بعد ثلاث ساعات فقط من قدومي إليها كزوجته.
ياللأسف!
أتيتُ إلى مكان بلا أهل ولا أصدقاء، متكئةً على زوجي وحده… لكنه تركني بعد ثلاث ساعات فقط.
والمشكلة؟
أن هذه الزوجة… كانت أنا.
مرّ شهر واحد فقط على زواجنا، لكن فور وصولي للقلعة تُركت وحدي.
لهذا السبب ماتت "رينيل" في الرواية…
كنت أتفهم ذلك… لكن ما فعله لاحقًا لا يمكن تبريره.
طرق… طرق
“نواه، هل استيقظت؟”
“نعم يا أمّي، لقد استيقظت.”
فتحتُ باب غرفته في الطابق الثالث بحذر، فرأيت فتىً ذا شعر أسود كالليل يقف أمام المرآة.
كان يعدّل ملابسه بمساعدة الخادمة، ثم التفت نحوي قليلًا وابتسم.
“هل نمتِ جيدًا يا أمّي؟”
“بالطبع، نمتُ جيدًا.”
هل لأنه ما زال صغيرًا؟ أم أنه خُلق كذلك؟
كانت عيناه الصافيتان بلون الكهرمان نقيّتين بلا أي شائبة…
لدرجة أن وجهي ينعكس فيهما كمرآة حين أقف قريبًا منه.
الأطفال مرآة آبائهم…
لماذا خطرت هذه الجملة على بالي الآن؟
في الرواية، كان الوجه المنعكس في عينيه مشوّهًا… لكن الواقع الآن مختلف.
كنت ممتنّة جدًا لأنني بُعثت بوصف "رينيل".
ربتُّ برفق على رأس نواه بعد أن أنهى ارتداء ملابسه.
“هل نمت جيدًا يا نواه؟”
“نعم.”
هزّ رأسه، فمددتُ يدي لأمسح قطرات الماء المتعلّقة بذقنه الصغير.
فتوهّجت وجنتاه بالأحمر وقال بخجل: “كنت أستطيع مسحها لوحدي…”
فرك وجهه بيده الصغيرة كالورقة الخريفية، فلم أملك إلا أن أضحك بخفة.
“حسنًا، هل نذهب لتناول الفطور الآن؟ هل أنت جائع؟”
“نعم.”
هزّ رأسه، انحنى لي، ثم مدّ يده الصغيرة ليمسك بيدي.
كان يحاول التصرف كرجل نبيل، وذراعاه القصيرتان ممدودتان بجدية، لكن طوله الصغير جعل المشهد لطيفًا أكثر منه رسميًا.
ولتجنّب إحراجه، انخفضت قليلًا لأتمكن من أخذ يده.
ورغم أنني كدت أنفجر ضحكًا من طرافته، فقد تمالكت نفسي.
يا للروعة… كم هو لطيف!
ومهما فكّرت، لن أفهم…
كيف استطاعت "راينيل" في الرواية أن تُسيء إلى طفل لطيف كهذا؟
حتى لو لم يحبّها زوجها…
كيف فكرت بإيذاء طفل بريء؟
---
قبل نصف عام، اكتشفت أنّني بُعثت داخل إحدى الروايات.
كان ذلك في شتاء عامي التاسع عشر.
كنت أؤجّل حفلة دخولي المجتمع لأنني أجد الحياة الاجتماعية مزعجة، لكن لم يعد بوسعي الهروب، فذهبت أخيرًا إلى الحفل المقام في قصر دوق "خاليد".
كنت أظن أنني بُعثت في عالم خيالي…
ولو كان وضعي سيئًا، لربما أقنعت نفسي بذلك لأتعايش.
لكن حياتي الجديدة كانت رائعة لدرجة أنني لم أفكر بشيء سوى الاستمتاع.
أخي الأكبر، الذي ورث المقاطعة قبل ثلاث سنوات، كان يعاملني كأبويّ.
أخي الأصغر، الذي انضمّ إلى الفرسان قبل عامين، أعطاني منديلًا وهو يتمتم بحدة أنه لا يعرف ماذا يفعل إن بكيت.
وأختي الكبرى "ليلي"…
كانت تهوى تزييني وتصفيفي…
حتى أن نصف المرات التي سمعت فيها كلمة "جميلة" و"لطيفة" في حياتي، كانت منها.
وهي أيضًا التي اختارت لي فستان الحفل، ونسجت بين شعري وردةً بيضاء مسحورة صباح ذلك اليوم.
“كيف يمكنك أن تكوني جميلة إلى هذا الحد! بين كل السيدات اليافعات اليوم… ستكونين الأجمل يا أختي.”
“حسنًا… لعلّ الفستان هو الجميل.”
“هيّا، سنصل متأخرين!”
“حسنًا! هيا بنا!”
ركبت العربة بخطوات خفيفة، وانطلقنا نحو القصر.
رافقني أخي حتى القاعة… وكانت أحلامي تتسع.
لابد أن هناك رجالًا وسيمين… أليس كذلك؟
في الحقيقة، كان أخيّ كلاهما وسيمين جدًا.
وبعد مسح مشاعري الأخوية، ما زالا وسيمين!
إذا كان رجلان في بيتنا بتلك الوسامة…
فلا بد أن نسبة الرجال الوسيمين في هذا العالم عالية جدًا!
لكن… لم يكن الأمر كذلك تمامًا.
نظرت حول القاعة، متظاهرة بالهدوء.
في هذا العالم، على عكس كوريا، تنوعت ألوان الشعر: الأحمر، الأخضر، الذهبي، البني، الكحلي…
وبعد قليل من الإعجاب… ركّزت فقط على الحلويات.
“الحفل لم يبدأ بعد، لماذا تأكلين هكذا؟”
“ماذا لو انتفخ بطنك عندما تتحدثين مع الآخرين؟!”
“ماذا؟ هذه عضلات معدتي!”
“يا إلهي، من هذا الرجل عديم الذوق؟”
“مَن عديم الذوق؟!”
وضعتُ المروحة على شفتي كأنني لست المعنية، بينما احتجّ أخي بدهشة.
ثم لمحت الفتيات ينظرن نحونا… أو بالأحرى نحوهما.
بالطبع… فهما وسيمان جدًا.
فتركت المكان لأمنحهن فرصة النظر إليهما براحة.
“نيل! إلى أين تذهبين؟”
“هناك حلويات شهية. سأعود بسرعة.”
“هل أنت بخير وحدك؟”
“أجل، ابقَ مع أخي. أنا بخير.”
رجل بشعر بني وعينين خضراوين.
وآخر بشعر بلاتيني وعينين خضراوين.
واو… كلاهما رائع.
توجهت إلى طاولة مليئة بالتارت، بينما تهمس الفتيات القريبات:
“إنه كاونت هاورد، أليس كذلك؟ ومن هذا الرجل معه…؟”
“هذا السيد هاورد الذي انضم إلى فرسان الأسد الأحمر.”
“كلاهما وسيمان جدًا… ولا خطيبة لهما، صحيح؟”
“… نعم، بعد أن فسخ الكونت خطوبته بسبب (الحادث)...”
أخذت أفكر: ليمون تارت أم جريب فروت تارت؟
لكن فجأة—
“يا إلهي… إنها هي…”
التقت أعين الفتيات بعيني، فارتبكن وحوّلن وجوههن بعيدًا، وغيّرن الحديث بسرعة.
يا لهن… هل يظنن أني لا أعرف؟
أجل، أنا الابنة المُتبنّاة.
عائلتي كلها بعيون خضراء.
شقيقيّ، أختي ليلي… جميعهم.
أما أنا… فعيناي ورديتان، وشعري زهري كالكرز.
كنت سعيدة بمنظري حين أنظر في المرآة…
لكن أحيانًا، وأنا بينهم، كنت أشعر كالبجعة السوداء بين بيضاء.
لكن ماذا بيدي؟
عائلتي تحبني. وهذا يكفي.
جئت لبدء حياتي الاجتماعية بحثًا عن زوج…
لكنني لم أكن واثقة باحتمال الزواج.
فكيف لنبيل يهتم بالدماء أن يتزوّج فتاة مُتبنّاة لتنجب له وارثًا؟
إلا إن كان أرملًا ولديه وريث بالفعل…
هذا ما يشبه حالة في رواية قرأتها قبل موتي.
ربما والد البطل المساعد؟
‘هذا ليس زواجًا ثانيًا، والطفل ليس ابنه الحقيقي أيضًا.’
إنه ماركيز آجاس، حامي الشمال.
بسبب الوحوش، لا يقيم طويلًا في القلعة، فقرر الزواج لتوفير أمّ لطفله المتبنّى.
وكانت المرأة التي تزوّجها… أيضًا مُتبنّاة.
فظنّ أن هذا مناسب لتربية الطفل.
لكنها أساءت للطفل…
لأنها ظنت أن زوجها أحبّها، لكنها اكتشفت أنه اختارها فقط لأنها مُتبنّاة.
فتحوّل حبها إلى كراهية…
وكسرت قلب الطفل، حتى تحوّل إلى ظلام.
وفي النهاية… قتلها.
لماذا أسات معاملة طفل بريء؟
هل لأنها رفضت حب عائلتها في الماضي؟
هل… هل كانت تظن أنها غير محبوبة؟
انتظري…
ماركيز آجاس؟
طفل اسمه نواه آجاس؟
زوجة أب…؟
يا إلهي.
لقد سمعت هذا من قبل…!
وكلمات البطل المساعد القديمة—
“ماركيز… إنها بريئة.”
“إذن؟ هل كان يجب أن أُعذَّب لأنني مذنب؟”
“……”
“قلتُ لك… انسَ الأمر. وأنا سأفعل. سأمحُو عائلة هاورد التي جعلت من تلك المرأة سيّدة.”
تذكّرت!
زوجة الأب التي أساءت للبطل المساعد… والتي قتلها لاحقًا…
…
كانت أنا!