______________________________

قميص أبيض مع سروال بيج وعليه سترة حمراء طويلة حتى الركبة مزخرفة بالذهبية ثم عباءة بيضاء مزين بشرائط ذهبية وتطريز ذهبي

على غرار الملابس الهادئة في وقت الشاي والافتتاح على الساحة اختار للمساء ملابس فاخرة اكثر لمأدبة العشاء وصاخبة على خلاف ما يحب وذلك لأن الملابس الهادئة جذبت نحوه انتباه غير مرغوب.

دخل قاعة المأدبة التي كانت هذه المرة في قصر العرش وعلى دخوله حل صمت فجأة

- قلادة الياقوت مرة اخرى؟

القلادة التي احبها كاليان الياقوتة الحمراء لكن هذه المرة حقا اختارها بقصد

بما أنها حملت رسالة ما فلما لا يؤكدها فقط؟ وخاصة أن هذه الرسالة ستعزز من موقفه كأمير ملكي.

ارتدائه مرة أخرى تعني أن هذه الياقوتة لم تكن مجرد ملحق عبثي في ملابسه

فهذا الحظور القوي وهذه الخطوات الانيقة المتزنة واللباس الفاخرة الملكية، لدرجة يكاد الحاضرون يخطئون بأن المأدبة على شرف كاليان لا الملك.

كل شيء فيه كان يحمل هالة قائد الموثوق، على خلاف ما كان في حفل الشاي الذي كانت الأعين فيه على مظهره الخارجي، لم يحب ذاك النوع من الاهتمام، فركز في هذه المأدبة على جعل حضوره هو ما يلفت نحوه الأعين لكن باتزان دون أن ينفرهم منه أو يغرس خوفا لا يرجع عليه بالفائدة

ابتداءا من الدوق سيغفريد عند مدخل قاعة قصر العرش كما فعل في حفل الشاي تواصل بالأعين باهتمام شديد مع اكبر قدر ممكن ممن حوله وابتسم بأناقة لهم، وخلفه يان بتعبير جاد يسير دون اصدار أي صوت أو حركة لا داعي له

المأدبة لم تبدأ بعد، مذ أن لا الملك رومين ولا الامراء الاخرين قد وصلوا بعد، وهذا ما جعل كاليان ينال اكبر قدر من الاهتمام بكونه الشخص الملكي الوحيد الان في القاعة وصار النبلاء يتهامسون فيما بينهم

- لا يزال في الرابعة عشر فقط، لا اعلم إن كان علي أن اتلهف لمستقبل كايريس أم ارتجف من الخوف

- نعم، كنت افكر في ذلك

بالطبع كان هذا بعض رد فعل النبلاء على ظهوره واخرين لم يعجبهم فبدأوا في محاولة لاستخراج العيوب منه واخرين كانوا اكثر تطرفا بسبب مظهره المشابه لسيسبانيا وقد امتزجت بهذا الحضور القوي

لكن من بينهم نبيل واحد كان ينظر إلى كاليان المتربع على عرشه بفضول مختلف، احد سادة السيف الخمس للقارة الدوق سليمان هورن سيغفريد حدّث صاحبه

- يا له من طفل مدهش يعطي انطباعا ونقيضه في الان ذاته!، يبدو قبيحا كمن لم يمسك بسيف قط لكنه بنفس الوقت جميل كسيد سيف، جسده رقيق لكنه يعطي بالتأكيد هالة فارس، مهما نظرت إليه هو بعيني يبدو كفارس أكثر من أمير.، انه مدهش حقا

لم يكن كاليان وحده الذي لاحظ نظرات سيغفريد الفضولية المعجبة، يان الذي كان يقف خلف كاليان تقدم خطوة ثم انحنى قليلا وهمس لكاليان

- يبدو أن الدوق سيغفريد مهتم بسمو الأمير

لم يستطع كاليان كبح ابتسامته المتفاخرة

علم مباشرة سبب اهتمام سليمان به

لم يكن لحظوره او مظهره أو مكانته بل.

أي سيد سيف مهما كان أحمقا سيستطيع على الأقل لمح ان كاليان يعطي شعورا مماثلا لسادة السيف، وفخر كاليان قبل ان يكون فخرا ملكيا كان فخر الفرسان هذا شيء لا يمكنه تغييره او اخفائه ببساطة مذ أن عاش سنينه كفارس اطول من تلك التي عاشها كأمير

مع ذلك لن تكون مشكلة كبيرة ولن يستطيع الدوق تأكيد اي من شكوكه لسببين الأول

كاليان لا يستطيع استخدام هالته كسيد سيف حاليا

ثانيا

جسد كاليان اضعف من ان يحمل سيفا ناهيك عن التدرب عليه او اتقانه

ثم رد كاليان على يان بهدوء

- شكرا لك، لكن لا يزال الوقت مبكرا اشح بصرك عنه، تظاهر بأنك لم تلحظ ذلك

- نعم أيها الأمير

ثم تراجع يان ووقف كتمثال في موقعه مرة أخرى وهو هذا الأمر

وببطء بدأ الناس يعتادون على حضور كاليان، وخف تسلط حضوره في القاعة مع عدم تحدث كاليان مع أي من الحاضرين لكن مع ذلك كان الحذر والترقب كان لا زال قائما.

ولم يمض وقت طويل حتى حضر فرانز ثم راندال وبعد فترة وجيزة حضر الملك الذي في بداية المأدبة القى تحية رسمية مع امتنانه ثم بدأت المأدبة

وبعد ثلاثين دقيقة تماما من حضور الملك انسحب كاليان بصمت وخفة خارج القاعة ثم امر يان الذي كان قد تبعه أن يأتيه بلجام رافين وحتى يحضر يان مع الحصان تمشى كاليان قليلا في الحديقة ثم ركب على ظهر رافين فنظر يان باعجاب شديد بينما يرتقب اميره على ظهر الحصان

- هذا مذهل حقا، رغم كونه يستأسد على الجميع الا انه يبدو كخروف لطيف أمام الأمير

ابتسم كاليان ثم مرغ انامله بشعر رافين بحب وهو يمدحه بنبرة مرحة

- انت تلقي التهم جزافا يان، رافين انه حقا فتى لطيف

نظر يان إلى كاليان فجعا ثم تحدث بحماس كمن المّ به ظلم

- لا تنخدع به سموك، عندما لا يكون الأمير في الجوار فهو يتحول الى وحش شرس حقا

ضحك كاليان بصوت عالي نسبيا من رد فعل يان ثم صار يربت على رأس رافين بينما يتمشى بهدوء في هذه الليلة الصافية

استحل صمت بعد بذلك حتى وصلا إلى البوابة الامامية رغم أن كاليان كان يقصد التوجه إلى هنا لكنه بدا ليان كأنه مجرد سير عشوائي

كاليان الذي كان يختلس النظر نحو البوابة بين الفينة والأخرى، اراد اعطاء يان علما بما ينوي ليأخذ حذره عن الاحداث الغير المتوقعة لكنه التزم الصمت بينما يكمل مسيره، لا يستطيع قول شيء بعد قبل ظهور هدفه الوين مانسيل

- تحية طيبة لسمو الأمير

لباس كاليان الأبيض المزخرف بالذهبي والجواهر كانت ملفتة للنظر وبارزة جدا ولم يكن صعبا على الفرسان أن يلمحوا بأنه الأمير فأسرعوا بالانحناء إليه وتحيته، على الرغم من انه قصد المرور من خلال أحلك نقطة في المنطقة، نظر كاليان نحو يان بعد ان استجاب لتحية الفرسان، كان يان يرتدي بدلة سوداء مناسب كضيف بدلا من زي الخادم فكان هذا الزي يجعله غير بارز في هذه البقعة المظلمة

امال كاليان شفتيه الى الاسفل باحباط ولوم لنفسه

" كان يجب علي ارتداء الاسود انا كذلك"

لحسن الحظ ان احدا لم يسأله عن مغادرته القاعة لو أن غريب الاطوار فرانز قد سأله حين مغادرته لكان سيكون في ورطة، وبطريقة ما رغم اعتياده على ذلك لكن هذه المرة صمت راندال بدا مخيفا قليلا بعدم سؤاله شيئا

على ما يبدو أنهم لن يهتموا دام لا يحاول تجاوز البوابة او اقتحام قصر هايتي حيث مقام الملكة.

ومع فارس اخر كان يمر وتوقف لتحيته صار عددهم ستة، فعبس كاليان اكثر بينما بدا في سماع حوافر الحصان يخطو على التراب يتقدم ببطء نحو البوابة رفع رأسه وفي عينيه ترقب، وعندما لمح يان نظراته سأل بينما شعر بالقلق

- هل ينتظر الأمير شخصا ما؟

اجاب كاليان موافقا بهمهة ثم مد سبابته ولمس شفتيه كحركة طبيعية للتفكير والانتظار

صوت حوافر لحصان اخر كان يقترب فاسرع الفرسان الاربعة الذين كانوا يقفون عند البوابة مسرعين لعملهم وأقفوا الحصان وصاحبه، كاليان كان بعيدا عن اعين الحراس في هذه اللحظة لكنه كان في مسافة مناسبة ليستطيع سماع الاصوات من البوابة وكان الحصان والزائر مرئيان رغم ذلك، الزائر كان يغطي رأسه فلم يستطع كاليان رؤية وجهه، فقرر كاليان الذي كان ينوي التوجه نحو البوابة ان ينتظر أكثر ويستمر في مراقبة آولا لفترة أطول

الحراس بدأوا بالتحدث بتهذيب وهم ينادون بالزائر

- هل تمانع في الترجل من حصان للحظة سيدي ؟

للصوت المهذب جدا ترجل الزائر ثم اقترب منه واحد من الفرسان وهو يسأل بنبرة عملية لا تحيز فيها

- هل بإمكاني معرفة سبب زيارة السيد؟

- قيل لي أن اليوم عيد ميلاد ملك كايريس

تحدث الزائر وكان صوته شابا ورزينا، لكن كاليان شعر بخيبة امل كبيرة فمما لديه من معلومات أن الوين مانسيل في الخمسينيات من العمر، أما الصوت فيستطيع كالين تمييزت بوضوح أنه لشاب عشريني، لكن عاد اللمعان لعينيه عندما سمع تعريف الشخص بنفسه

- انا الوين مانسيل

هذا صحيح...

اشتعل الحماس في عيني كاليان في هذه اللحظة

"بالطبع...السحر..."

قاطع افكاره رافين الذي خطا خطوة للأمام ثم بدأ يسير ببطء شديد كما لو فهم نوايا كاليان التي كانت كأنه يسير في هذه المنطقة مصادفة فألقى نظرة للوضع الذي امامه ثم تصرف كأمير طيب مسؤول ، لذلك لم يكن بإمكانه الدخول فجأة في هذه اللحظة، عليه الانتظار بعيدا قليلا فألوين ساحر ذو سبع دوائر، ومن المؤكد انه سيكتشفه على الفور إن اقترب كثيرا لذلك كان على كاليان الحفاظ على أبعد نقطة يستطيع فيه سماع ما يدور عند البوابة ثم يقترب ببطء كمن في نزهة

انحنى كاليان نحو رأسه رافين وهو يمسح على شعره ويمدحه بفخر

- رافين حقا فتا رائع

رفع رافين رأسه بفخر وتبختر وكأنه فهم مدح كاليان له

ثم ادار كاليان راسه نحو البوابة على صوت الحارس الذي يطلب من الوين بطاقة الدعوة فلا معنى هنا للاسم ان لم يكن لديك دعوة. فأجاب الوين بنبرة محرجة للحارس بينما يبحث في ملابسه

- يا الهي يبدو اني فقدت بطاقتي، ماذا يجب علي فعله؟

كان الامر نفسه الذي كان قد سمع عنه كاليان في السابق، الوين قد اضاع بطاقة الدعوة،

اجاب الحارس اليه بحذر هذه المرة

- نرجوا المعذرة لا يمكن الدخول دون دعوة

- لقد اخبرتك باسمي، يمكنك التأكد من ذلك عبر التحقق من قائمة المدعويين، لقد قطعت مسافة طويلة للوصول إلى هنا

كان الامر بسيطا، فالحراس لديهم قائمة المدعوين، ثم الزوار لديهم شهادات هوية، لم يكن الامر يلزم وجود بطاقة الدعوة، يمكنك ببساطة دخول القصر بعد التحقق من هويتك، وفي المقام الأول لن يحتاج الوين مانسيل الساحر العظيم المعروف بالقارة بأكمله إلى بطاقة دعوة للدخول لقصر ملكي ما في القارة بأكملها.

عبس كاليان دون وعي وهو ينظر للموقف دون تدخل، وبعد ان القى الحارس نظرة استصغار على الوين بسبب ملابسه تحدث بلا مبالاة دون التحقق من هوية الزائر أو قائمة الدعوة

- يرجى احضار الدعوة

- أنت تحكم بناءا على المظهر؟ هذا حقا رث للغاية...

الى جانب الدعوة التي لم تكن مع الوين كان الوين يرتدي ملابس بسيطة للغاية لا يناسب النبلاء ناهيك عن ساحر كبير مثله.

ما كان السبب الذي جاء بالوين إلى كايريس بهذه الطريق؟ لم يستطع كاليان فهمه ابدا، لم يستطع ايجاد اي سبب مقنع يفسر تصرفه هذا ولم يرد أي معلومات في السابق ايضا عبر جواسيس سيكريتيا في كايريس عن غاية الوين في مثل هذه الزيارة! وبعد ما قاله الوين تراجع بخطوات كبيرة وركب حصانه يستعد للمغادرة

وقف للحظة كاليان غير قادر على الاستيعاب، فهل حقا فقط هكذا غادر الوين؟ بالنظر بهذا تستطيع القول ببساطة أن الوين لم يكن ينوي من الاساس دخول القصر لو كان سيغادر عبثا هكذا!

وعلى صوت حوافر خيل الوين استيقظ كاليان من دهشته وفتح عينيه على وسعهما

" الوين يغادر..."

تسارع نبض قلب كاليان في خشية من فقد بطاقته الذهبية هذه، في كايريس لا يمكن للأمراء مغادرة الاقامة الملكية مع ذلك هذا موقف لا يمكن فيه لكاليان الوقوف فقط والمشاهدة بسبب هذه القوانين الحمقاء التي تشبه وكأنهم يسجنون الامراء في سجن كبير داخل هذه الجدران بحجة حمايتهم.

فأسرع كاليان دون تردد وأمسك بلجام رافين يحثه على الاسراع ثم صاح بيان بعجلة

- يان اوقف الحراس مهما كلف الأمر

صاح يان وهو في صدمة بغير استيعاب من تقدم الاحداث بهذه الطريقة

- نعم؟!

- لا تدعهم يطاردوني

- سموك انت لن تغادر البوابة ل....

لم يستمع كاليان لبقية اجابته لانه ابتعد عنه لكن افعاله كانت تجيب على سؤال يان...

اسرع رافين اكثر وأكثر الى الأمام بجنون فسارع الحراس لاعتراض طريقه وهم يستطيعون تمييز الصبي الذي يرتدي العباءة البيضاء يتقدم ممتطيا هذا الحصان الأسود الجامح، فصاحوا بذهول من موقف لم يتوقعوه خاصة أن حصان الأمير لم يبطئ رغم سدهم البوابة بأجسادهم

- سموك من فضلك توقف لا يمكنك المغادرة

ليس وكأن كاليان لا يعرف ذلك لكنه تجاهل كلمات الفارس بينما ارتفع جسد رافين وبرشاقة مر من فوق الحراس متجاوزا البوابة كالبرق

اسرع الحراس في اطلاق صفارات حالات الطوارئ وهم في صخب وارتباك يحضرون الخيول في استعداد لمطاردة الأمير

وقف يان بوجه شاحب وعيناه يهتزان بهلع من ما حدث للتو ماذا بإمكانه فعله؟! وقف حائرا لوهلة، هو الذي اخبر كاليان بأن يفعل ما يريد، لكنه لم يقصد الأمر بهذه الطريقة ما يفعله كاليان الأن اكبر من ان يقدر على تحمل مسؤوليته، بالكاد استطاع كاليان ان يترك انطباعا جيدا خلال هذا اليوم بعد جهد كبير، تصرفه هذا لو انتشر سيختفي كل شيء. كل ما فعلوه سيكون مجرد هباء،

لا، هذا ليس مهما حتى.

ستكون العواقب وخيمة اكثر مما يتصوره كاليان حتى.

كيف يغطي على فعلة هذا الأمير الطائش الذي كسر احد اشد القوانين صرامة بلا مبالاة

شد يان قبضته وهو يلعن بداخله، ليس امامه خيار اخر، فك ربطة شعره البني المجعد الذي كان مربوطا بإحكام، لحسن الحظ لم يرتدي زي الخدم لليوم، ثم صاح عندما وجد الفرسان قد امتطوا احصنتهم ويكادون يتحركون

- قفوا

نظر الفارس المسؤول نحو يان بعيون غاضبة فهم ليسوا حاليا بموقف يستطيعون فيه الاستماع لشيء وأمير للتو قد هرب من القصر

نظر يان بعينيه رمادية اللون الى الفارس المسؤول ثم فتح فمه لينطق اسما كاد ان ينساه لكثر ما تجاهله، وفي رأسه وجه شخص يتمتع بذات لون عينيه لاح

- انا الابن الاكبر للدوق سيغفريد

سيغفريد

اسم لا يمكنهم تجاوزه ببساطة. فهذه العائلة تحتل المرتبة الثانية في كايريس بعد العائلة الملكية، فرفع الفرسان قبعاتهم ثم ضربوا بايديهم اليمنى على صدورهم لتحيته

وكانت هذه تحية فرسان كايريس اومأ يان برأسه لهم لرد تحيتهم ثم صاح بهم بصوت جهور وفخور

- الدوق سيغفريد تكفل بمغادرة سمو الأمير الثالث كاليان راين كايريس، ويتحمل كامل مسؤولية تبعات ذلك.

ابعد يان نظراته عن الفارس المسؤول وهو ينظر بعيون مليئة بالقلق والرجاء لظهر كاليان الذي يبتعد عن القصر شيئا فشيئا حتى اختفى في الظلام

_____________________

كاليان راين كايريس

2021/08/26 · 703 مشاهدة · 2096 كلمة
نادي الروايات - 2025