___________________________
كاليان ينظر بهدوء إلى الوين دون أن ينبس ببنت شفة فلم يرغب بالتحدث والوين لا زال ممتطيا حصانه، غروره كأمير أبى ذلك ولذلك كانت نظراته حادة وباردة كالشتاء
فعلى الرغم من أن كاليان بالنسبة لالوين مجرد امير اجنبي، إلا انه لم يستطع التعامل معه بينما لازال على ظهر حصانه وخصوصا أن كاليان ينظر إليه بتلك النظرات الحادة فترجل الوين من حصانه بينما يحادث نفسه وعيناه مليئتان بالفضول والريبة
" علمت انه مجرد فتى في الرابعة عشر، كيف له أن يبدي مثل هذا الوجه وينظر بمثل هذه النظرات لخصمه؟"
مع اقتراب الوين استطاع كاليان ان يرى وجهه ولهذا فوجئ حقا بمظهر الوين عند النظر إليه من هذا القرب، هو يعلم أن الوين في الخمسينات من العمر، لكن وجهه ومظهره الان كشاب في العشرينات لكن ما يخفف من ريبة كاليان هو شعر الوين الذي يغمق لونه كلما وصل لأطرافه، فهذا الوصف عن شعر الوين لا يزال يتذكره جيدا فحدث نفسه بينما يتذكر صوت الوين عند الباب الذي كان شبابيا بشكل مريب
" يقال أنه عندما تكمل 7 دوائر يمكنك عكس عمرك مرة واحدة، اظنه حقيقة بعد كل شيء، انا واثق بأني حصلت عليه"
نظر الوين لنفسه مع هيبة كاليان فهو كان يبدو كعصفور مبتل أمام صقر جارح فتبسم لهذا التشبيه ثم انحنى قليلا وبرفق انحناءة غير لائقة يعرف عن نفسه لكاليان
- الساحر الوين مانسيل
كانت تحية خفيفة لا أحد سوى العائلة الملكية من يمكنهم تحية أمير بهذه الطريقة، ما فعله الوين الان لم يكن أنه لم يعرف هوية الأمير ولم يكن بالتأكيد أنه يلعب كذلك او يستهزئ بالأمير. الأمر مجرد أنه كساحر نادر ذو سبع دوائر لديه فخره لألا ينحني أمام الملوك وأمراهم في أي مملكة في القارة بأكمله.
هذا الفخر والاعتذاذ بالنفس اعجب كاليان فحدث نفسه بينما يبتسم
" احببته حقا."
هذا لأنه بطريقة ما شعر أن الوين لن يغير موقفه حتى لو كان أمام رومين فزادت ابتسامته الصادقة وهو يحيي الوين
- سعيد بلقائك
كما نصحه يان عن قوانين الامراء فلم يكلف كاليان تعريف نفسه فتجاوز هذه النقطة ليسأل بلطف وكرم
- بعد الوصول إلى هذا الحد سيكون مضيعة عودتك خالي الوفاض
- عذرا أيها الأمير فليس بيدنا حيلة إذا كان الباب مثقلا بالغرور وشامخا إلى عنان السماء
كان في صوت الوين نوع من الغضب والازدراء لفرسان البوابة فابتسم كاليان بينما يحلل قول الوين الذي كان كالأتي
` ليس باليد حيلة إذ أن الفرسان طردوه من البوابة وهو شخص لديه كرامته '
فأجاب بذات اسلوب الوين كاليان بمرح وارتياح كأنه في سجال شعري بأمسية عذبة
- العيب فيمن هفى إلى مغلق الأبواب متعاميا عن الأبواب الذي يفتح أجنحته إليه
قول كاليان كان توبيخا استوعبه الوين دون حاجة للتحليل، فمضمون كلام كاليان كان
` بالطبع ستطرد ان جئت بملابس رثة مثل هذا لحفل عيد ميلاد الملك! `
نظر الوين بنظرات غريبة نحو كاليان، منذ المرة الاولى التي رأه فيها شعر بأن كاليان يملك كاريزما يفوق عمره والأن بدلا من الاعتذار كاليان اجاب عليه مختارا كلماته بدقة دون ارتباك! ،
ارتاب الوين من كاليان فتحدث دون ابتسام يرد على توبيخ كاليان
- كان هناك ريح شديد غطى الباب بالتراب، وكنت في عجلة من أمري حيث لم يكن لي وقت لمسح التراب ليتراء لي اجنحته
كان جوابا حادا بتعبير أخر لقول
` لا أهتم حتى ان كان خطأ الحراس أو واجبهم، فليس لدي وقت للتعامل مع اشخاص ابصارهم معمية بالمظاهر `
هل يكون اعتذاريا أم وقحا قليلا؟ كان الوين في فضول لمشاهدة رد فعل كاليان بينما يحدث نفسه
" طفل ممتع"
بقوله هذا أمعن النظر في هذا الأمير الشاب ذو الأربعة عشر عام والذي لديه حضور كحضور الاباطرة والملوك، هذا الفخر تستطيع رؤيته عند أول نظرة تلقيها على هذا الأمير لكن...
تلاشت ابتسامة الوين عند هذه النقطة بينما يصرخ لنفسه
" انتظر...."
إن امعنت النظر خلف هذا الحضور القوي والمهيب...
استرق الوين النظر إلى حافة الرداء الأحمر الذي كان يرتديه كاليان، فثم نظر إلى انامل كاليان وثم إلى شفتيه، وبعد ان امعن النظر في بشرة كاليان نظر إلى عينيه الغامضتين، كان من الصعب معرفة ما يفكر به هذا الطفل، لكن كان هناك شيء اخر...
الوين اقترب من كاليان حتى قصرت المسافة لخطوة واحدة وهذا القرب جعل كاليان يرتاب ويتراجع خطوة إلى الخلف دون وعي بتعابير حائرة فقست نظرات الوين ثم تحدث بينما في وجهه تعابير جادة
- اسمح لي للحظة أيها الأمير
وقبل أن يجيب كاليان مد الوين يده وسحب معصم كاليان، في الحالة الطبيعية كان ليقوم كاليان بصفع الوين في هذه اللحظة ويسحب يده لكنه بطريقة ما بقي متجمدا في مكانه دون رد فعل هو ذاته لم يفهم سببه، او لنقل أنه كان يتأخر بإظهار ردود فعله بعد هذا اليوم الطويل المتعب ولهذا لم يستطع تجنب الوين وتجمد بمكانه فكأن جسده خارج سيطرته
علاوة على ذلك الموقف كان غريبا لكاليان فلا أحد في العادة يتجرأ للمس جسد فرد ملكي بلا مبالاة هكذا! في هذه الحظة استوعب كاليان لكن لم يستطع تحرير معصمه من الوين الذي كان ينظر بدهشة وعيناه مفتوحتان على مصراعيهما يتابع أمرا ما
- حماقة...
تحدث الوين بسخط وعندما فتح كاليان فمه ليسأل عما يفعله تجمدت الحروف في حنجرته فشعر بألم حاد مجنون يطعن بقلبه أشعره بفراغ كأن قلبه قد تمزق وتم ثقبه،، سحب كاليان يده من بين يدي الوين الذي تركه فورا خشية أن لو تمسك به قد يكسر هذا المعصم الهزيل. فقبض كاليان على صدره، من شدة الألم انقطعت أنفاسه واختفى صوته غير قادر حتى على الصراخ، فيرتعش جسده كله في ألم يكاد يرديه قتيلا فتقدم إليه رافين الذي شعر بخطب على مالكه، فرمى كاليان جسده نحو رافين مستندا إليه وهو يحز على اسنانه من شدة الألم فأنفاسه مضطربة تحدث لنفسه عندما بدأ يستوعب
" لا أصدق أنه قبض علي حتى قبل أن اتحدث إليه بشكل صحيح"
نظر إليه كاليان بينما يصارع الألم لكن الأن بإمكانه قليلا استيعاب ما يجري حوله رغم عدم قدرته على التركيز التام بسبب الألم الباقي الذي يتلوى عليه جسده
اومأ الوين رأسه بشيء من الرضى وهو ينظر الى كاليان، فثم فتح فمه للتحدث مع أنه كان سلميا لكن بدا لكاليان خطيرا فتشددت تعابير وجهه، واختلطت مشاعر الخوف والخطر مع الألم في قلبه يسلبه اي قدرة على التفكير العقلاني
تحدث الوين
-ليس شيئا خطير لا تقلق،... لقد قمت فقط بتمرير بعض المانا في جسدك. يا إلهي... حتى لو أبقيت النوافذ مغلقا وأوصدت الباب لا يمكنك منع كل الرياح.
رغم أن كاليان لم يفهم تماما ما قاله الوين بل لم يفهم أي شيء لكنه فقط تحولت نظراته الى نظرات قاتل شرس فتراجع الوين بعض خطوات إلى الخلف فقد شعر بارتباك كاليان وحذره منه ليعطيه مساحة من الأمان، وفي تراجعه استطاع كاليان أن يهدأ قليلا ثم أغمض عينيه بهدوء ينتظر أن يخف الألم وما ان استطاع التحدث براحة سأل، لكن لم تكن تلك النبرة الناعمة التي من قبل بل كانت غليظة وغاضبة
- هل تتحدث عن سحري؟، في مرحلة ما كنت قد اصبحت غير قادر على استخدام المانا
أومأ الوين برأسه موافقا وهو يسأل
- إذا أنت كنت تعلم أنه هناك خطب في سحرك
للحظة لم يجب كاليان فبالنسبة إليه كان حائرا في ماهية المشكلة خاصة بسبب عدم قدرته على استخدامه لهالته كسيد سيف.
- انا اتحدث عن المانا فقط، فأنا لم احاول القاء تعاويذ تماما لهذا لا اعلم إن كانت هناك مشكلة في سحري أم كانت المشكلة في جسدي.
ما اتى بالوين لكايريس كان الفضول للنظر في سحرة المملكة التي يقال أنه يقودها أحفاد التنانين، وقد كان على وشك ترك هذه المملكة قبل لحظات بخيبة امل من هذه المملكة قبل أن يواجه هذا الأمير غريب الأطوار.
فهمهم بينما رفع رأسه للأعلى نحو الساحة الأخرى التي عليها تمثال سيسبانيا مقاما في منتصف النافورة المضاءة بالمصابيح السحرية فتذكر ما كان يسمعه من شعب هذه العاصمة طوال هذا اليوم
` الامير يشبه سيسبانيا `
فابتسم بمرح بينما نظر نحو الطريق الملكي الذي يقود إلى بوابة الأقامة الملكية وهو يسأل الأمير الذي امامه
- كيف تبعتني بهذه السرعة؟
الأمير الذي بدا في حاجة ماسة إلى مساعدة الوين تبعه في الوقت المناسب في مثل هذا الموقف كان شيئا مريبا لتسميته بمجرد مصادفة، اكان مخططا أم القدر؟
كاليان كان بالكاد يستطيع اثبات نفسه واقفا من الألم الذي في جسده، ظل صامتا يحاول التفكير بأي اجابة بينما هذا الألم يشتت تركيزه وأفكاره لكن طرأ في هلوسة الألم فكرة في رأسه
" لقد جئت من المستقبل وعرفت انك قادم، لهذا السبب كنت انتظرك عزيزي الساحر"
لكن بالتأكيد لم يستطع التفوه بمثل هذا الجنون وقد لاحظ الوين الارتباك على وجه كاليان الذي لم يستطع اخفاء مشاعره بسبب الألم لكن كاليان تحدث بعد صمت كبير باتزان
- كنت اتجول على حصاني عندما سمعت المحادثة عند الباب فتابعتك
لم يكن في تعابيره أو حركاته أي علامة على الكذب فهو في النهاية لم يكذب هو فعلا كان يتجول على حصانه ووقف مستمعا للمحادثة ثم هرع الى الوين لم يكن في قوله كذبا لكنه فقط خادع لإخفاء بعض المعلومات كأن أنه كان يتجول منتظرا اياه، ويستمع منتظرا الفرصة السانحة ليتدخل ثم هرع خلفه خوفا من فقدانه ومثل هذا
نظر الوين إلى كاليان مرتابا كأنه لم يصدق تماما ما يقوله له هذا الأمير ثم سأل
- لماذا ركضت إذاً؟
- لأنك ركضت
في تلك اللحظة لم يستطع الوين كبح ضحكة صغيرة خرجت من فمه على رد كاليان الذي كان اول رد ينطقه بما يناسب عمره مع ذلك تحول تعابيره الى جادة عندما وجد الغضب في وجه كاليان الذي كان يصارع الأن الما شديدا واستفزه هذا الضحك فثم سأل الوين مرة أخرى بكلمات اخرى
- أذا لنقل، لما تبعتني من الاساس؟
لم يستجب كاليان بسرعة...
كان في رأس الوين افكار كأن لاحقه كاليان بسبب ملاحظته خطأ في المانا في جسده لكن لم يستطع الوين تأكيد الامر، خاصة من ما يبدو أن المشكلة من الجلي انها ليست من اليوم او البارحة فلماذا لم ياتي الأمير بمعالج أو ساحر ليكشف حالته؟ ثم حتى الوين يعلم بمثل هذه القوانين من كون من الصعب على امراء كايريس مغادرة بوابة الاقامة الملكية فلما خاطر كاليان؟؟ هذا شيء لم يستطع الوين فهمه
تحدث كاليان يعيد طرح السؤال الذي طرحه عليه الوين كأنه يسأل نفسه باحثا عن جواب
- قلت... لماذا؟!
تحرك كاليان ورفع جسده الذي كان مستندا على رافين ووقف ثابتا وبتعابير واثقة رغم الألم تحدث
- الوين مانسيل، لأني اريد الحصول على هذا الإسم إلى جانبي
- هممممم، يبدو أن هناك عاصفة وشيكة؟....
لم يكن ما قاله الوين خطأ بالكامل رغم ان الوين قصد حرب الامراء لكن ما كان قادما لم يكن الحرب بل المغتال المبعوث من الملكة، ومع ذلك لم يكن بمقدور كاليان الحديث عن التفاصيل لألوين الان وبعد كل شيء لا فرق بين القولين، سواء اكان حربه مع الامراء او الملكة هو بحاجة للقوة، لأنه وفي كلا الحالين سيكون حياته معرض للخطر.
ليس وكأن الوين الأن لم يكن يستطيع أن يرى حالة الأمير أمامه، ويدرك جيدا أن الملكة التي تدير ثلثي قوة المملكة تتمتع بسيف جيد مغمود في القصر بالتأكيد ناهيك عن الاميرين الأخرَين، ولهذا السبب استطاع تقريبا معرفة قليل مما يدور برأس هذا الأمير الصغير فتحدث بسؤال لصمت الأمير على قوله السابق
- إذا هل يحاول الأمير أن يبعد مسار العاصفة أم يخمدها؟
السؤال كان كالأتي
` أيها الأمير هل تريد أن تحمي نفسك فقط أم تريد النصر بسحقهم؟ '
كاليان نظر إلى الوين بصمت يفكر، ينظر إلى أي مدى بإمكانه اظهار نواياه لألوين، وعليه اختار قول نصف أهدافه وفي عينيه بريق
- اريد اخمادها، ومع ذلك ليس لدي أي طمع في العرش ولا اريده حتى لو وُهب إلي. لدي مطامع اخرى فإن كنت ستريد قوة العرش فسأعتذر
كلمته كانت مغرورة حقا لطفل يحتضر فكأنه يمسك التاج بين يديه فيرميها كان كلماته
هذه الثقة
هذا الغرور
ممتع بالفعل لالوين
لم يستطع منع ابتسامته وهو يفكر بالمتعة التي سيحظى بها باللعب على رقعة هذا الأمير غريب الأطوار
فتحدث
- ثم...
قطع كلامه بينما رفع يده ونظر نحو القصر اشار إليه
- الدعوة من فضلك
ما اشار إليه الأن الوين لم يكن مجرد طلب دعوة ثلاث ايام لحفل ميلاد الملك، بل دعوة يعطيه الترخيص ليلج الى القصر كما يحلو له ووقت ما يشتهي نفسه
فابتسم كاليان ابتسامة مؤذية وفي عينيه نظرة شريرة استحقت لقب العيون الدموية، نزع كاليان عباءته البيضاء ورماه الى السماء ثم نظر إلى الأرض كاليان ونزل حتى صار على ركبة واحدة وتحدث بصوت مليء بالاحترام والوقار
- بإسمي كاليان راين كايريس
نظر الوين بدهشة الى كاليان الذي أكمل كلماته بينما لازال راكعا على ركبة واحدة دون النظر الى الأعلى حتى
- اقدم دعوة لمعلمي الفاضل إلى الإقامة الملكية
لهذا المشهد الغريب لوهلة لم يستطع الوين قول شيء
نظرات لم تكن تناسب قط فتا في الربعة عشر
جسد هزيل لا يكاد يحتمل قوة هذا العزم
وثم رغم علو مكانته لم تكن لديه تردد بالانحناء
ورغم انحنائه لم تختفي وقاره وهيبته
مظهر لم يكن بوسعك رؤيته كثيرا بالتأكيد، ففتح فمه مرحبا بشعور غريب لأول تلميذ له
- اقبل دعوتك تلميذي الأول
عند قول هذا، اجتاحه مشاعر غريبة لم يستطع الوين تحديد ماهيته اكان فخر؟ أم السعادة والمودة. لكنه كان متيقنا من شيء واحد لأجل تلميذه الأول
" سأنقذك بالتأكيد"
___________________________
الوين مانسيل