__________________________________
مضى اليوم الغريب، وليلة هادئة قبل أن يفتح كاليان عينيه شيء ما بقلبه كان متيقنا بأنه هذه المرة سيفتح عينيه ويكون في سيكيرتيتا لكن كسر كل توقعاته صوت جرس يان ففتح عينيه بخيبة امل، لازال بهذا الجسد الضعيف ولا يزال في هذه الغرفة الكئيبة في بلاد عدوه، لم يتغير شيء.
- أكان لديك حلم جيد يا أمير؟
سأل يان بينما يأتيه بالشاي، لم يجب ليان فقط استمتع بشاي الصباح ثم أعاد الكوب الفارغ ليان وبعد الروتين اليومي كالاغتسال وتنظيف اسنانه اخذ يلامس بأنامله اطراف شعره الأسود فثم تحدث إلى يان
- اريد قص شعري
جفل يان من ما قاله كاليان فسأل بظنه أنه سمع خطأً فوقف شاردا بمكانه، فأعاد كاليان ما قال بظنه ان يان لم يسمعه بينما يشير باصابعه على شكل مقص الى شعره
- شعري، ارغب بقصه
تجاهل يان مشاعره الخاصة بالانذهال وانحنى على الفور مجيبا
- نعم سمو الأمير، سأحضر ما يلزم في الحال
ولم يمض وقت كثير حتى حضر مصفف الشعر وتم تجهيز كل شيء فوقف المصفف خلف كاليان ثم سأل بحذر وهو يمسك المقص بعناية في يده
- سموك هل أنت واثق من رغبتك بقص شعرك؟
عبس كاليان بشدة، مثل كثير من اصحاب المراتب العليا كان هو ايضا اميرا وفارسا، كره تكرار ما يريد قوله أكثر من مرة، فلم يعجبه موقف فيه اضطر إلى تأكيد رغبته ثلاث مرات لمجرد قص الشعر!
فنظر بنظرات حادة نحو المقص بيد المصفف وحدث المصفف بغضب
- هل يجب أن افعل بنفسي؟
— لا، اعتذراتي سموكم، انا اسف سأبدأ حالا
بعناية شديدة بدأ المصفف يمرر المقص بين خصلات شعر الأمير وقليلا قليلا ذلك الشعر الاسود المزعج الذي كان يغطي نصف وجهه اختفى من امام بصره وكشف عن جمال وجهه وجاذبيته وبعد ان ابتعد المصفف نظر كاليان نحو المرآة يراقب ملامح وجهه
فأدرك حين انزاح الشعر حقا عن الجمال الساحر لهذا الوجه فأدرك حق المعنى لما قيل عن كاليان وعن شبهه بالملكة الأولى لكايريس 'سيسبانيا' وكذلك شبهه المدهش بوالدته فريا.
" هذا هو إرثه العظيم من فريا"
اومأ كاليان راضيا عن قصة شعره الجديدة والتي زادت من أناقته، التفت ببصره نحو يان الذي تحدث بحذر وقلق بصوت منخفض لا يسمعه سوى كاليان
- أنت تبدو رائعا يا أمير،.... لكني اخشى من رد فعل الأمير فرانز، لا أظنه سيترك الأمر يمر بهدوء.
- تقول بأنه سيغضب من رؤية عيناي؟
لم يجب يان وهو يتذكر ما حدث على الإفطار الماضي من فوضى لمجرد أن لمح فرانز عينا كاليان، بتذكر الصباح الماضي زاد قلقه لكن قطع عليه افكاره المضطربة صوت كاليان المتحدي
- قلت أنه يبدو جيدا علي هكذا، هذا جيد.
توقف كاليان عن الحديث ثم نهض من مقعده وهو يرسم ابتسامة غريبة على ثغره
- لا يمكن للمرء أن يستمر بادعاء الغباء إلى الأبد، اليس كذلك يان؟
ملأ الدهشة عينا يان من هذه البسمة الغريبة والنظرة المريبة على وجه أميره البريء، لم يبد كاليان قط مثل هذه التعابير الخشنة والماكرة قط من قبل، فزاد قلق يان من مصيبة قد يحل عليهم ازاء هذا التغير المفاجئ في كاليان، فتحدث محاولا ايقاف كاليان من أي تهور قد يقوم به
- لكني قلق من أن الامير فرانز قد يزيد غضبه عليك.
- لا تقلق
طوال الطريق إلى غرفة الطعام رغم سكون ملامح كاليان وارتياحه الا ان يان لم يستطع التوقف عن التفكير والقلق وقبل الدخول همس كاليان ليان
- سوف أعتني بذلك، لا تهتم.
لم يمض كثير من الوقت بعد ان استقر كاليان في مكانه على دخول فرانز لغرفة الطعام اختلس النظر اولا لمقعد راندال الفارغ ثم قلب بصره نحو كاليان التقت عيناه ذوا اللون الأخضر الزمردي بعيون كاليان الياقوتي، لم يتجنب كاليان نظراته، فتعابيره الهادئة والمتحدية وشعره المقصوص والمرتب بعناية جعل نظرات فرانز يحتد ثم سرعان ما هدأ تعابيره وأكمل طريقه وجلس بمكانه دون قول شيء ما جعل يان يتفاجأ حتى أن كاليان نفسه لم يتوقع هذا الصمت كان شيئا غريبا قليلا خاصة بالنسبة له وهو يعلم حقا اكثر من اي شخص أخر ان كم هو مجنون فرانز هذا!
` هل انتهى الأمر بمجرد نظرات غريبة وحادة للحظات معدودة فقط؟ '
لم ينبس فرانز ببنت شفة وحتى أنه لم يعد النظر نحو كاليان وهبط صمت فضيع في الغرفة حتى دخول راندال الذي بدور دخل كالموتى دون أن يصدر ادنى صوت وجلس بمكانه بهدوء رغم أنه لفته تغيير مظهر كاليان لكنه سرعان ما ادار وجهه ولم يتحدث وبدأ الخدم بترتيب المائدة ثم سرعان ما صب الثلاثة منهم تركيزهم على وجبتهم بصمت تام
في الوقت الذي فيه شعر يان بالارتياح ظنا منه أن الوجبة ستمر على خير، او كان هذا ما يأمله...
رغم هذا لم يستمر طويلا حتى كسر الصمت صوت فرانز
- هي، انت...
منذ البداية لم يكن واقعيا ان يجلس فرانز دون ان يتسبب بالمشاكل، وها قد بدأت المعركة
الجميع يعلم بأن في هذه الغرفة هناك شخص واحد فقط سيحادثه فرانز فهذه الوقاحة والاستصغار، وهذا الشخص استمر بتناول طعامه بآداب تامة ولم يتوقف ولو لوهلة فكأنه لم يسمع شيئا
فعندما تجاهل كاليان فرانز كليا شعر الاخير بنوع من الإهانة فضرب بقوة بقبضته على الطاولة محدثا صخبا عاليا بهذا الصمت
من شدة الموقف الذي على وشك الانفجار سقط قلب يان في معدته يترقب الموقف وليس بيده حيلة فليس سوى خادم هنا
ومع ذلك تعابير كاليان لم تتغير قط ابدا وكأنه لم يستشعر الوضع الموشك على الانفجار من قِبل فرانز الغاضب واستمر في الأكل تماما كما راندال بهدوء تام وتجاهل تام
- أنت، اتحدث إليك يا ذو العيون الدموية
نادى فرانز وعيناه يكادان يحرقان كاليان الجالس مقابله بنظراته فرفع كاليان بصره فالتقت نظراته بنظرات فرانز، جال في رأسه ان يتجاهل فرانز مرة أخرى لكنه لمح أنه فرانز يريد أن يقول شيئا فسبقه كاليان بالكلام
- كاليان
كاليان الذي قال اسمه بهدوء، ازاح بصره عن فرانز ثم أخذ شريحة خبز بالشوكة بكسل ثم أكمل مقاله بذات الصوت الهادئ
- هذا هو اسمي.
-ـ........
اطبق الصمت مرة أخرى في غرفة الطعام فجاء رد فعل من راندال الذي اندهش من رد كاليان فتوقفت يداه عن الحركة، ورفع بصره نحو كاليان مستغربا هذا التغيير في موقفه! لكنه سرعان ما عاد يكمل وجبته بغير مبالاة وكأنه غير موجود في ظل هذا الجو المحتقن
- آه...
بعد لحظات صمت طويلة هذا ما انسل من فم فرانز المتفاجئ الذي لم يعلم كيف عليه ان يتفاعل مع هذا الموقف الذي حدث للمرة الأولى منذ اربعة عشر عام، من أفكاره تلقائيا توجه نظره نحو يده اليمنى وبالتحديد للسكين الذي بيده ثم أجاب بصوت منخفض مؤكدا لكاليان
- نعم، منطقي... يجب علينا استخدام الاسم
- نعم.
اجاب كاليان على الفور ما ان نطق فرانز اخر حرف في كلماته،
اخذ كاليان كأس الماء في نية لشرب الماء لكن توقف لوهلة وهو يسمع طرف السكين بيد فرانز يدق على الطاولة لكنه أكمل يشرب الماء بلا مبالاة
لهذا الموقف الذي يقشعر له الابدان شحب وجه يان
" هل هذا ما كنت تبتغيه يا أمير؟ ما الذي تريد الوصول إليه بالتحديد بمفردك؟
ابتسم فرانز ابتسامة بشوشة بريئة كابتسامة طفل، لكنه كان بالتأكيد ابتسامة مخيفة في ظل هذا الموقف
وفي لحظات هذا الصمت اخذ فرانز السكين ورماه بقوة نحو يان مصبا غضبه على خادم كاليان
في حركة غريزية هم يان برفع يده نحو وجهه لكنه سرعان ما توقف وأغمض عينيه فقط في خوف أن لو دافع عن نفسه قد يصب فرانز غضبه هذه المرة باتجاه كاليان
رغم ان كل هذه الاحداث كانت خلال جزء من الثانية لانطلاق السكين تحرك ذراعا كاليان بغريزته كالفارس الأول لسيكريتيا بيرن، وضع كأس الماء على الطاولة ثم أمسك بالسكين الطائر الذي كان سيمر من جانبه نحو خادمه.
للحظة بدا وكأن الوقت قد توقف والصمت حل إلا من قطرات الدم المتدفقة من يد كاليان الممسك بنصل السكين يقطر على ملابسه والأرض
نظر فرانز بدهشة إذ ان حركة كاليان بوضع كأس الماء على الطاولة بأناقة ودون حتى أن ينسكب الماء ثم امساكه بالسكين الطائر فالذي كانت حركته اسرع من ان يغمض يان عينيه، نظر فرانز نحو كأس الماء، الماء بداخله هادئ ولم يهتز! رغم أنه وضعه على عجل!
في هذا الصمت المطبق التفت فرانز الى تقطر الدم من يد كاليان الذي يلف نصل السكين باصابعه المجردة فبهت وجهه وهو ينطق بنوع من الرد الفعل اللاواعي لجرحه اميرا
- رباااه....
نظر يان برعب إلى كاليان، يده، السكين في يده، والدم الذي يقطر من السكين بلطف وهدوء، ووجه فرانز العبوس والمنذهل، لوهلة شعر بأنه سيفقد صوابه لو استمر الوضع اكثر من هذا.
كاليان بلا مراعاة للموقف سحب كرسيه للخلف ثم نهض، سار بهدوء نحو فرانز ثم وضع السكين المدمي على الطاولة أمام فرانز المرتبك، فالمشكلة لم يكن فقط في السكين هو يعلم ان فعله هذا إذ خرج من هذه الغرفة سيسبب فوضى كبيرة ومشاكل كثيرة له. فتجمد اكثر على كلمات كاليان المبتسم
- لا تقلق
لا تقلق؟
كلماته كانت غريبة بمعانيها المضمونة
لا تقلق بشأن اليد المصابة؟ أم لا تقلق بشأن وقاحتك؟
او كلاهما
بينما يبعد كاليان يده من الطاولة سقطت بضع قطرات من الدم على ملابس فرانز
ومباشرة غادر كاليان غرفة الطعام...
_________________________________...
في وقت ما بعد الظهر كان وقت فصل ركوب الخيل، اخيرا بعد ان صدع رأس كاليان خادمه يان ذو السبعة عشر عاما بنحيبه واهتمامه الشديد بإصابة يده خرج كاليان ويان خلفه كالعادة متجها نحو مقر التدرب على الركوب، وكل ما كان يفعله كاليان كان المشي ومراقبة الخيول من بعيد فلمح مهرا ينظر إليه بعيون مستديرة لطيفة لدرجة بالكاد أوقف نفسه من الركض إليه للتربيت على رأسه كـ بيرن هو كان من عشاق الخيول لكنه لا يمكنه اظهار مثل هذا الود الآن للخيل بما أن صاحب هذا الجسد كان جبانا يخاف من الخيول فوضع يديه على وجهه لإخفاء إحباطه ويأسه من صاحب هذا الجسد لكنه ازاح يديه عن وجهه على صوت مزعج ينادي به من مسافة
- هل ستشارك في الفصل اخيرا اخي كاليان، ارى أنه اصبح لديك بعض الجرأة في الآونة الآخيرة
بنظرات فارغة دون أن تحمل أي معنى فيه نظر كاليان نحو صاحب الصوت
فرانز ، جالس على حصان فضي انيق ذو سلالة نقية، انزلق عينيه الى الضمادة التي تلف راحة يد كاليان فأطلق ضحكة صاخبة مليئة بالسخرية
زاد الكره والبرودة في نظرات كاليان، لكنه ولتجنب أن يفور هو أيضا ويرتكب جريما ما هنا ابعد بصره عن فرانز فلفت نظره حصانا اخر كان فرانز قد احضره معه، فمظهر هذا الحصان نال كل تركيز كاليان، لا بيرن، فصار يحدق ويقيم الحصان بعيون مليئة بالإعجاب
" مبهر..."
حصان اسود قاتم وفيه بعض البياض عند ساقه اليمنى وعلى شعر ذيله، عضلاته جيدة وجسمه رشيق، حصان مثالي يمكنه القول بكل وضوح انه افضل حتى من الحصان النقي الذي يركبه فرانز الآن
لم يفوت فرانز نظرات كاليان المنبهرة بحصانه الأسود فتكلم محدثا كاليان بنوايا لإحراج كاليان
- إنه عنيد جدا، مضى له فترة لدي لكني لم استطع قط ترويضه فجئت به إلى المدرب ليساعدني بترويضه،... إنه حصان عنيف جدا لدرجة أنه لم يسمح قط بأن يمتطيه أحد حتى الآن
مع ما قاله فرانز لم ينزح أعين كاليان عن الحصان، فتحدث فرانز مبتسما بما لفت كاليان نحوه
- هل تريده؟
لم يجبه كاليان فقط كان ينظر إليه ينتظر منه أن يكمل مراده، ففرانز ليس له باللطيف الذي يهبه خيلا مذهلا كهذا دون ثمن. ،وبالفعل أكمل فرانز
- سأعطيه لك أن استطعت ركوبه، لكن في المقابل إن لم تستطع فعل ذلك ستعتذر عن ما حدث في هذا الصباح اخي كاليان.
كرد فعل بدافع الحماية دون وعي تقدم يان من خوفه على كاليان ما لفت انتباه فرانز نحوه وأزعجه
فرد فعل يان في الصباح اثناء رميه السكين وكذلك الان يقف أمام كاليان
تصرفاته مزعجة ومستفزة فكأنه حارس لا مجرد خادم!
فانتبه للوضع السيء كاليان وتقدم بدوره، يسير ببطء بخطوات واثقة هادئة نحو الحصان الأسود ما اعاد نظرات فرانز نحوه فتحدث كاليان مجيبا على تحدي فرانز
- فهمت. لنفعل ذلك إذا...
وقف كاليان أمام الحصان الشرس الذي رغم وحشية فرانز معه وهمجيتيه فلم يحني له ظهره ليمتطيه
ابتسم كاليان بسعادة وهو يتابع حركات الحصان الرافض لأي قيود عليه
لكن كاليان، لا بيرن مختلف تماما عن فرانز
فتغيرات نظراته الناعمة ببطء ليتحول لنظرات بيرن
الشخص الذي عاش الحروب وسفك بحرا من الدماء وبنا جبالا من الاشلاء.
بنظرات قاتل بارد حدق كاليان في الحصان اللطيف البالغ من العمر ثلاث سنوات والمتربى جيدا في قصر أنيق بيئة لم يرى فيها هذا الحصان مثل هذه النظرات ولم يشهد مثل هذه الهالة القاتلة.
فربما يكون فرانز همجيا لكنه يبقى مجرد امير ناعم يعيش في قصر لطيف مقارنة ببيرن الفارس.
ففي النهاية تحت وطأة ضغط كاليان استسلم له الحصان ولم يقاومه، فاقترب كالين ووضع يده عليه في اللحظة ذاتها ازال عن عينيه تلك النظرة القاتلة ورسم ابتسامة راضية على وجهه وهو يمتطي الخيل ويمسك باللجام بسرور...
فرانز الذي كان يعرف طبع الحصان الشرس وقف بذهول لم يستطع قول شيء
وفي الجانب الاخر اشتعل الحماس في قلب يان وفي ظنه أن كاليان قد قرأ كتاب الفرسان فنادى بحماسه
- اميري، لقد تعلمت ركوب الخيل...
ربت كاليان برأس الحصان ثم همس له
- رافين، هذا هو اسمك
ف صهل الحصان وكأنه فرح بصاحبه الجديد أو اسمه الجديد، لم يهتم كاليان وهو يضرب بقدمه ليتقدم الحصان بهدوء ثم ادار رأسه نحو فرانز وابتسم له شاكرا بصدق
- شكرا لك،.... أخي فرانز
رغم انها كانت مجرد كلمات شكر لا معان مبطنة فيها وكانت صادقة حقا لكن حقيقة أنه خسر التحدي كانت كلمات الشكر هذه كالسخرية منه فتصلب وجه فرانز....
__________________________
كاليان راين كايريس
kalian rain cayries