_________________________

كان اخر مهمة له كأمير في هذا اليوم العشاء مع لينون بريسن، وللعشاء كان يجب الانتقال الى مبنى اخر، فلهذا بعد الانتهاء من الاستعداد سار الى العربات التي امام قصر تشيرميل المخصص الأمراء، كان يقف امام القصر عربتان مما يعني أن احد الاميرين الأولين قد غادر بالفعل، تجاهل كاليان ذلك وركب عربته التي بدأت بالتحرك، وكل هذا الازعاج كان لأن الاقامة الملكية واسعة كمدينة فيجب استخدام العربات للانتقال من قصر لأخر وبالنسبة لبيرن كان هذا رثاً نوعا ما، فلم يتخيل قط العربات تنتقل في الاقامة الملكية بهذه الطريقة السخيفة، فتذكر القصة المورودة خلف بناء الاقامة الملكية بهذه الصورة المضحكة إذ يقال أن هيتسورا الملك الأول لكايريس لم يكن يستطيع العيش بمكان ضيق فخصص هذه المساحة الواسعة لقصوره الستة، مهما نظر للأمر لم يستطع الاعجاب بل فقط شعر كم كان هيتسورا شخصا جشعا لا يحمل ذرة من هيبة الملوك وأناقتهم.

مرت العربة عبر ممر طويل من أمام قصر تشيرميل حتى خرجت لساحة واسعة مزينة بحدائق ونوافير فاخرة ثم تجاوزت العربة الساحة فلاح قصر ارفيا على جانب وهذا القصر مما علم هو مخصص للموظفين من النبلاء المرتبطين بالأسرة الملكية فتجاوزتها العربة واستمرت حتى توقفت أمام مبنى بسيط من الرخام الأبيض مزين بأعمدة ذهبية ويتمتع بإطلالة منعشة على غروب الشمس،

- اميري لقد وصلنا

بعد أن نادى يان بكاليان معلنا وصولهم قام بوضع درجا صغيرا امام مدخل العربة لمساعدة كاليان على النزول بأمان من العربة، وبالفعل ترجل كاليان بهيبة ملكية من العربة ثم سار يرشده يان نحو المأدبة التي كانت على حديقة لطيفة ذات مساحة مناسبة لوجبة هادئة وما زاد سحر المكان كانت المصابيح السحرية التي بدأت تضيء الحديقة بألوان هادئة فور هبوط الظلام

بصمت دخل كاليان الحديقة وكان راندال قد سبقه لذلك، أسرع خادم سحب كرسيا لأجله فجلس كاليان دون ان يقول شيئا ودون ان ينظر حتى نحو راندال، ولم يمض شيء من الوقت حتى دخل فرانز ومع ذلك استمر الصمت الهادئ الجميل رغم ثقل الجو ولم يكسر هذا الهدوء الجميل إلا عطر زهرة رينير برائحتها القوية الخانقة

الزهرة التي تُعرف بأنها تزهر مرة واحدة في السنة كانت قيمتها مختلفة حقا وكانت نوعا من انواع الرموز المشيرة إلى سيليكا التي دائما ما تعلن عن حضورها بهذا العطر القوي، فلم يكن كاليان بحاجة للالتفات لرؤيتها او سماع صوتها ليعلم بحضورها فهذا العطر وحده كاف، لكنه ادار رأسه والتفت اليها فقابلت نظراته نظراتها وادارا كلهما نظراتهما عن بعض في الوقت نفسه كما لو كانا متفقين لفعل ذلك. وكان راندال يشاهد الوضع بينهما بصمت كعادته بغير مبالاة

جلست سيليكا بجانب فرانز بهدوء غير مبالية بكاليان ثم جلس اخوها بجانبها ونظر نحو فرانز الذي كان ملفتا للنظر بكونه الأمير الفوضوي، فكاليان وراندال كلاهما كانا بمظهر الأمير المثالي بزي شبه رسمي إلا فرانز الذي كأنه جاء الى هنا بملابس راحة بمظهر لا يليق بأمير أمام الآخرين. فعبست سيليكا لهذه الحقيقة لكنها لم تقل شيئا والتزمت الصمت

في هذه اللحظة بعد ان جلس لينون تحدث باحترام شديد محييا الامراء الثلاثة

- لم أركم منذ وقت طويل يا اصحاب السمو، اتمنى ان تكونوا بخير وعافية.

كانت تحية بسيطة من لينون الذي توقف نظره متفاجئا على مظهر كاليان غير المألوف وعندما فتح فمه راغبا بالحديث إلى كاليان اغلق فمه مرة أخرى على صوت انغلاق المروحة الارجوانية الحريرية لـ سيليكا

نظر لينون نحو سيليكا التي عادت بفتح مروحتها واستطاع أن يرى الضجر بعينيها فسعل سعالا مزيفا وبعد ذلك حل صمت ثقيل في الجو انقذهم من ثقلها المقبلات التي سرعان ما ملأت الطاولة وانشغل الجميع بتناولها متناسيا الجالسين حول الطاولة حتى تحدثت سيليكا وقطعت الجو بصوتها النشاز الذي لا احد هنا يحب سماعه محدثة كاليان

- لقد نمت كثيرا

ابتلع كاليان ما كان بفمه ثم اخفض الشوكة بيده، نظر نحو سيليكا للحظة بصمت يحلل ما قالت فهي بالتأكيد لم تقصد طوله او عمره بل شخصيته الجديدة، فأجاب بهدوء دون ان يظهر أي تعبير محدد على وجهه

- ليس كثيرا...

سكت للحظة فعاد الصمت ولم يظل حتى قطعه كاليان مرة أخرى بابتسامة مريحة ذات مغزى

- لكن لا يزال سأنمو أكثر فأكثر.

تغيرات تعابير سيليكا على جواب كاليان وابتسامته الغريبة، في الماضي لم يبتسم كاليان قط امامها ناهيك عن صنع بسمات ذوات معان خفية

في هذه اللحظة الثقيلة تدخل لينون ببلاهة مشاركا الحديث دون أن يعي المعنى الحقيقي بين كلمات الاثنين

- هذا صحيح سموك، أنت في فترة نمو الان لهذا عليك الاهتمام جيدا بوجباتك....

اغلق فمه على الفور على صوت انغلاق مروحة سيليكا فعاد الصمت بينما عاد كاليان لوجبته حائرا مندهشا اخفى اندهاشه بدقة بينما علق افكاره بالأمر

إذ أن هناك مهارات عديدة مطلوبة لقيادة نقابة تجارية كبيرة ومن أهم هذه المهارات مهاراتان لا يمكن أن يخلو تاجر كبير منه، الأول هو الحكم الصحيح على الجو المحيط والثاني هو الفراسة والدهاء في التقاط المعان الخفية للكلمات

ومن هذين الأمرين الاساسيين كان لينون قد أوضح للتو بأنه يفتقر لكليهما وبشدة

فسخر كاليان بنفسه بينما يجاهد لاخفاء ابتسامته الساخرة عن أعين سيليكا التي تراقبه خلسة بين الفينة والأخرى

" يجب أن تكون النقابة في وقت عصيب أبدي"

ربما لاحظت بسمته الساخرة أو لا لكن قطع افكار كاليان عند هذه النقطة صوت سيليكا التي تحدثت الى لينون وفي عينيها نظرة شرسة

- الشيف أولى اهتماما خاصا لهذه الوجبة فاستمتع بنفسك أخي

إن هذا كان تعبير أخرا لطيفا لصراخها الداخلي

" اخرس وكل "

لينون الذي فهم معان كلمات سيليكا هذه المرة ربما بسبب نظراتها القاتلة، بالفعل سكت وركز على الوجبة الرئيسي التي زينت الطاولة وأخذ يقطع اللحم بصمت

فرانز الذي كان يراقب كل شيء بصمت لم يستطع او حتى لم يحاول كبح ضحكته

فالتفتت سيليكا نحوه وتكاد أن تنفجر من الغيظ فسألته

- سمعت أن حصانك لم يكن يطيعك

راندال القى نظرة خاطفة على كاليان الذي كان يدّعي الانغماس بوجبته فكأنه لم يلحظ نظرات راندال وكذلك لم يظهر اهتماما بحوار الام والابن رغم انه يعلم جيدا بأن المقصود بالحصان لم يكن رافين بل كاليان نفسه، وقد استمرت سيليكا في لوم فرانز

- اتمنى أن تكون قد ابلغتني مسبقا

فرانز الذي استوعب مغزى كلام والدته جعل عينيه ذو اللون الأخضر نحو كاليان وهو يجيب بذات النبرة الملتوية

- لم يكن شيئا كبيرا

تغيرت تعابير سيليكا بشكل كبير بهذه الكلمات، يستطيع فرانز رؤية الانزعاج الشديد بعينيها من ما قال فهز كتفيه بينما يجيب لها متهربا

- كنت سأخبرك بالفعل.

ومع أن ما قاله لم يكن سوى كلمات فارغة فحتى فرانز يعلم بجواسيس والدته في جناحه وقصر تشيرميل الذين كانوا يبلغونها بكل صغيرة وكبيرة

بالطبع كانت سيليكا متطلعة على الوضع تماما رغم ان الشائعات التي انتشرت كانت فقط عن قصه كاليان لشعره لكنها بالفعل تعلم عن حادثة السكين وكذلك درس ركوب الخيل والمبارزة، فأجابت لفرانز بكلمات ذات مغزى بتعبير إحباط متقن

- لم تخبرني بأنه خارج عن سيطرتك تماما

نظر كاليان نحو سيليكا وهو يقوم بفرز معاني كلماتها الموجهة الى فرانز

" لم تخبرني أن التغير الحاصل بكاليان لم يكن مجرد مظهره بل تغيرت شخصيته لدرجة أنه لم يعد بإمكانك السيطرة عليه"

لم يجبها فرانز فأمضت سيليكا تسأله

- لست أفهم ما الذي تفعله

نظر فرانز نحو سيليكا وهي تكمل كلامها

- لقد اخبرتك من قبل

- لا افهم ما تعنينه

مال فرانز بجسده وعيناه اتجهت دون وعي نحو كاليان الذي يمثل الانغماس في الأكل بينما يترقب الحديث بين الأم والابن ولم يفوت الابتسامة التي ارتسمت على ثغر سيليكا، ابتسامة ذكرته بابتسامة فرانز مباشرة قبل ان يرمي السكين نحو يان

ثم بدأت تتحدث وعيناها على فرانز

- فرانز، لقد كنت دائما هكذا، لا داع للحزن، رغم أن ما يخرج عن سيطرتك لا يمكنك السيطرة عليه مرة اخرى، ليس باليد حيلة

كاليان يعلم يقينا مغزى كلماتها، فما تقوله واضح جدا، رغم ادعائه اللامبالاة أفعاله بدأت تظهر شيء من مشاعره في هذه اللحظة، ترك السكينة والشوكة من يده ثم أخذ الماء لعله يهدئ هيجان دمه اخذ رشفة من الماء ثم أعاد الكأس لمكانه، بينما مد يده لأخذ سكينه فتحت سيليكا فمها مرة أخرى...

- لن يستغرق وقتا طويلا...

اغلق فرانز عينيه للحظة ثم ادار وجهه نحو الحديقة وكأنه يقول لوالدته لا تشركيني بما تفعلين ومن الناحية الأخرى كاليان الذي كان يقطع اللحم بالسكين ببطء نظراته تحولت إلى البرودة تدريجيا وهو يراقب انسكاب الصوص الداكن فوق اللحم بخط قطعه اللحم ببطء

" ما مدى سخافة هذا الوضع؟"

راندال الذي كان يراقب بصمت الوضع لم يفت من عينيه نظرات كاليان التي تزداد برودة حتى سرت قشعريرة بعموده الفقري، نية القتل كانت واضحة جدا بعيني كاليان من الجلي أنه فهم واستوعب كل كلمة قالته سيليكا

فتحدث قبل ان يتطور الوضع ويحدث مجزرة هنا الى كاليان

- كاليان،... تبدو شاحبا، ان كنت متعبا فاذهب وخذ قسطا من الراحة

كاليان الذي كان قد غرق بأفكاره ولم يكن منتبها لمراقبة راندال له رفع رأسه متفاجئا من كلماته الغير المتوقعة حتى أن فرانز ادار رأسه نحو راندال مندهشا من تدخله المفاجئ؟! مع ذلك لم يقل راندال اي شيء اخر

بالنسبة لكاليان كان من دواعي سروره أن يستجيب لاقتراح راندال والابتعاد عن هذه الطاولة الكريهة بأسرع وقت، فأومأ على الفور بالقبول لما قاله راندال ثم سحب كرسيه للخلف ونهض يهم بالمغادرة

سيليكا عقدت حاجبيها مستنكرة تصرفه امامها وعدم احترامه لكون اخيها ضيف بأن يعطي الاذن لكاليان بالمغادرة، لكنها لم تستطع قول شيء له ففي النهاية وإن كانت ملكة في قوانين مملكة كايريس هي اقل رتبة من راندال لكونه اميرا بدم ملكي.

فنظرت نحو كاليان محاولة ايقافه تحدثت

- لم تكمل وجبتك بعد

ادار كاليان رأسه ونظر مباشرة إلى عينيها بعينيه ذوا اللون الأحمر الشبيهة بيعون فريا ثم ابتسم بلطف آملا ان تكون هذه ايضا تشبه فريا الميتة واجابها متجاهلا عن قصد كلماتها عن وجبته

- اراك في المرة القادمة

عبست سيليكا لتجاهله كلماته وتغييره الموقف وعندما حاولت الرد عليه وجدته بالفعل قد ادار ظهره اليهم وابتعد، فشدت قبضتها على مروحتها بغيض

مراقبا الوضع راندال اخذ حلوة بطعم زهور التي تحبه سيليكا ثم رماه في فمه وهو يراقب الوضع بصمت تام بينما تذوب الحلوة داخل فمه ناشرا عطرها وحلوها فيه...

________________________....

مضت ثلاث اسابيع اخرى مليئة بالعمل الجاد مع اقتراب عيد ميلاد الملك العاصمة بأكملها في نشاط اثر النبلاء الذين تجمعوا في العاصمة وكذلك تزيين العاصمة، أما القصور الملكية فلم يكن هناك مكانا مزعجا مثلها هذه الأيام من يرتبون قاعة الضيوف وأخرين يزينون حدائق القصر وأنواع المواد الغدائية التي يتم جرها إلى المخزن فلم يكد يحظى احد من الخدم بأي راحة في ظل اقتراب موعد فتح ابواب القصر

في ظل هذه الفوضى جناح كاليان كانت في فوضى مختلفة

ليس يان فحسب بكل كل الخدم الذين يخدمون كاليان وكذلك الخياط شاتين الذي اتى بأزياء الأمير.

وقفوا وعلى وجوههم تعابير شاحبة من منظر أميرهم الذي خلال شهر واحد فقط اصبح نحيلا جدا بحيث أن ملابسه عليه فضفاضة جدا يظهره بمظهر فوضوي جدا، فنطق شاتين بوجه شاحب وهو ينظر للأمير الذي يرتدي هذه الملابس الذي يبدو وكأنه تم اعداده لشخص اكبر لا له

- سموك اعذرني على وقاحتي لكن، كيف نحفت بهذه المدة القصيرة بهذا الشكل؟

ابتسم كاليان بوجه محرج نحو شاتين القلق، لم يستطع ان يجيب بشيء محدد فقال بصوت هادئ

- حسنا،... هذا قد حدث، فليس باليد حيلة.

رغم ما يقوله هو ايضا يعلم بالمشكلة، فكلما حاول استخدام المانا أو تحرير الهالة طعن قلبه ألم مريع، ثم وزنه الذي ينخفض كل يوم بوتيرة متسارعة ليس هذا فحسب بل أنه بشكل عام يعلم بأن حالة جسده كاملة في تدهور مستمر

وقبل يومين اصر عليه يان بأنه سيحضر معالجا وعندما وجد منه الرفض القاطع قام بتهديده بأنه سيرفع الحالة إلى الملك فاضطر كاليان لكشف سره إلى يان بخصوص كونه ساحرا وأنه يجب عليه اخفاء هذه الحقيقة ثم ان يصبر حتى عيد ميلاد الملك وبعده سينظر في الأمر

وبالتأكيد لم يقل شيئا عن انتظاره لالوين مانسيل وغطى الأمر قائلا بأنه بالتأكيد سيحضر الحفل بعض السحرة المعروفين وسيحاول التحقق من المشكلة حينه

فبهذا اقتنع يان والتزم الصمت وهذا لأنه يعلم أن قوة المعالج قد يكون له تأثير سلبي اكبر لو كانت المشكلة متعلقة بالسحر

التفت الى شاتين الذي اخرجه عن افكاره بصوت محبط

- اعتقد أنني سأحتاج لاصلاح الازياء كاملة.

في البداية كان شاتين قد حاول تحديد الاماكن التي بحاجة الى تقليص لكنه وللفرق الكبير الذي حدث في حجم كاليان ادرك بأنه ليست مشكلة يتم حلها بهذه الطريقة وأنه بحاجة لضبط كامل للزي فأخذ شريط القياس وقام بتسجيل المقاسات الجديدة للأمير.

في هذا اجتاح كاليان شعور بالذنب إذ لم يتبقى وقت على موعد الاحتفال فحاول ان يخفف عن الخياط سيء الحظ الذي تورط معه لكنه لم يجد ما يقوله

فابتسم شاتين الذي استشعر مشاعر الأمير وتحدث وكأن ليس هناك أي خطأ

- ومع ذلك انا سعيد انه لا زال لدينا متسع من الوقت وسأقوم بإصلاحهم وإعادتهم بحلول صباح الغد يا أمير

- سأرتدي زيين فقط في الأيام الاولى فخذ راحتك بتعديلهم

- نعم أمير، انا افهم

وما ان انتهى شاتين امر كاليان بتسليم عربته الخاصة لشاتين فهذا كان اقل ما بإمكانه فعله لمساعدة شاتين...

وبهذا انتهى الوقت واخيرا كان صباح الاحتفال بعيد ميلاد الملك

___________________________

راندل سايل كايريس

Randel sile cayries

فرانز جون كايريس

plants june cayries

كاليان راين كايريس

kalian rain cayries

2021/08/24 · 685 مشاهدة · 2040 كلمة
نادي الروايات - 2025