الفصل الثالث

تشرفت بلقائك...

______________________________

من قصر كاميلا، افخم قصر في مجموعة القصور والمخصص لإقامة الملك يمتد طريق طويل مباشر من أمامه إلى البوابة الرئيسية، وما بعد البوابة ساحتان واسعتان متماثلتان احداهما في الشرق والآخر في الغرب الساحة الشرقية تدعى بساحة هاتسورا وفيه نصب له، أما ميدان الغراب فسميت باسم سيسبانيا وفيها لها نصب على هيئتها البشرية وقد جُعل التمثالان بحيث ينظران نحو بعضهما البعض.

في الأصل قيل أن التمثالين تم تشكيلهما حيث نظراتهما باتجاه القصر، لكن في زيارة ذات مرة من سيسبانيا الى هاتسورا لمحت التمثالين فاعطت امرا بجعلهما ينظران لبعض ومنذ ذلك حتى هذا اليوم هذين التمثالين صارا رمزا العشق في كايريس واغنية العشاق هنا. وقد كانت ولا زالت من مناطق الجذب الرئيسية في كايريس وعادة ما يزورها العشاق والسياح

ومع ذلك هذين النصبين أمام حدث اليوم باهتين جدا، والذين زاروا الساحة اليوم في تنافس منذ الفجر واندفاع للنيل بأقرب رؤية للقصر الملكي ولم يأبه أحد بتلكما النافورتين.

اليوم هو عيد ميلاد ملكهم رومين

ورغم أن الوقت لا زال مبكرا ومع ذلك قد تم تجهيز الساحتين حتى قبل حضور الشعب بصفائح بلورية كبيرة عديدة وهذه اجهزة سحرية الغرض من استخدامها اليوم كان ليتمكن الشعب من مشاهدة ظهور العائلة الملكية بوضوح وراحة من الخلف وبالتأكيد لم يخلوا الساحة الكبيرة من جهاز الفرسان الملكي لضبط الأمن حول القصر الذي سيشرع ابوابه بعد قليل.

وفي داخل الاقامة الملكية لم يكن الصخب والنشاط أقل فمن التذكارات إلى الهداية والى ترتيب المكان والاعداد لكل شيء كان الخدم مشغولون حتى الموت

لكن شخص واحد في العاصمة كلها كان لا مباليا لدرجة التكاسل في مثل هذا اليوم المهم، فبعد ان ايقظه خادمه يان من نومه جلس كاليان بشرود وشحوب في سريره دون رغبة منه على النهوض فتنهدة تنهيدة طويلة مليئة بالأسى لنفسه، اليوم لم يكن هناك حتى فطور ما يبين كم أن الجميع منشغلين

عندما تم استلام خبر ان شاتين وصل سحب يان الستائر الفاصلة لسرير كاليان وهذا لأن كاليان لم يكن مستعدا بعد لأي دخيل لغرفته وبفضل هذا كانت الرؤية واضحة فقط من جانب كاليان بينما لم يستطع شاتين الذي اتى بالملابس رؤيته، تابع كاليان من خلف الستارة وجه شاتين من الواضح بقي طوال الليل يعدل في الملابس وبعد مغادرة شاتين نهض كاليان من سريره واغتسل ثم بدأ الروتين اليومي بتحضيره مع صوت يان كموسيقى خلفية يعلمه بجدوله لليوم، لكن هذه المرة اصاب كاليان الصداع لكثر ما اعاد يان له جدوله وها قد بدأ يان يعيد الجدول للمرة العشرون

- دعني اذكرك بالجدول سموك قبل مغادرتنا،

فأومأ كاليان ليان آذناً له بذلك وهو يتجه نحو الأريكة ليستريح فيه وبدأ كنقار الخشب يان ينقر برأسه مكررا جدول اليوم

- تحيي جلالته في الساعة 9:00 صباحا، وفي الساعة 10:00 صباحا مع بقية الامراء تجتمعون على المنصة في الساحة وهناك سيقام مأدبة الغداء بحضور الملك والملكة في الساعة 12:00...

قاطعه كاليان وهو يكمل السرد

- ثم لقاء مع نبلاء العاصمة في 2:00 ظهرا، وثم لقاء مع نبلاء الضواحي تبدأ من الساعة 5:00 عصرا حتى 8:00 مساءا حيث سيقام حينه مأدبة العشاء وستنتهي في 11:00 مساءا، حفظت كل شيء بالفعل يان.

مع سرد كاليان بهذا الصوت المتململ شعر يان بالاحراج لادراكه ان كم من مرة قد اعاد الجدول للأمير...

لم يهتم كاليان برد فعل يان بينما اسند رأسه على الأريكة وهو يغرق بأفكاره الخاصة في كآبة

ما كان ينتظره كاليان بفارغ الصبر كان موعد مجيء الوين مانسيل قيل أنه جاء بعد انتهاء المأدبة لكنه لا يمكنه الوثوق بهذا القول تماما وخاصة أنه لم يكن يولي سابقا اي اهتمام للسحرة وللأمور الدولية فسيكون عليه مراقبة البوابة من حلول الظلام حتى موعد النوم... ثم تذكر شيئا من جدوله للغد...

" ولدي اجتماع مع المبعوثين غدا"

زاد هذا من شعوره بالكأبة ليس وكأن سيكون هناك شيء مميز بلقاء مبعوثين من كل الدول في هذه المناسبة، وحتى مع مبعوثي سيكريتيا ليس الأمر وكأن تيشيس سيكون من ضمنهم، وحتى لو كان من ضمنهم شخص يعرفه كبيرن ليس الأمر وأنه سيستطيع السؤال عن ما إذا كان الأمير تيشيس ييلي حسنا في هذه الأيام

بذكرى ايامه كبيرن لاحت له ذكرياته ففي مثل هذا الوقت كانت علاقته مع نبلاء سيكريتيا متزعزعة تماما وذلك كان لأنه اعلن عن تنازله عن ولاية العرش وتسليمه لنجل المحظية، رغم ان تيشيس كان اكبر منه لكنه كان هو ابن الملكة وقوانين سيكريتيا تعطي الاحقية في خلافة العرش لابن الملكة وإن لم يكن حينه فقط يستطيع ابناء المحظيات البروز، فبتنازله كالابن الوحيد للملكة قد تسبب بفوضى كبيرة ولم يستمع حتى للنبلاء حينه بل عاندهم وأخذ لقب الفارس امامهم من تيشيس ليُسكتهم تماما

" كانت وجوههم تستحق المشاهدة حقا عندما تعهدت بالولاء لأخي... "

على هذه الذكرى ابتسم ابتسامة شقية لكن سكنت ملامحه على صوت يان الذي بدأ يتحدث مرة إخرى بإزعاج، لكن هذه المرة لم تكن سردا مزعجا للجدول بل تحذيرا لتصرفاته وبالطبع لم يكن اقل مللا من الجدول المسرود أنفاً.

- سموك عندما تحيي النبلاء لا تقل لهم اسمك وإن حدث ولم يتعرف احد عليك سأكون الذي يقول اسمك من خلفك.

فردد كاليان بملل بينما ينهض من الأريكة

- يمكنني القول مرحبا، لكن لن اقول اسمي بنفسي فأنا من افراد العائلة الملكية

عندما رأى كاليان وجه يان القلق ابتسامة مرحة ارتسمت في محياه ثم تحدث بنوع من السخرية

- أي شخص لا يعرف اسمي؟ يبدو ان الجميع ينادونني بشيء مميز ك ـ، آه كاليان، او... العيون الدموية...

رغم أن الكلمات قد خرجت بابتسامة من كاليان لكنه وبالتأكيد لم تكن تعني شيئا جيدا، فلم يستطع يان النظر نحو كاليان في هذه اللحظة وكأنه يعتذر لكن في لحظة فقط اختفت البسمة من شفتي كاليان وحل في عينيه نظرة باردة وهو يكمل كلامه ليان

- على أي حال، سيتغير ذلك بعد اليوم، لا داع للقلق لن اخطئ

" فلقد كنت اميرا لفترة طويلة جدا من الوقت"

بيرن في حياته كأمير لطالما كان مليئا بالفخر وجسّد صورة الأمير المثالية أكثر من أي شخص أخر، ولهذا حتى أن تنازله عن منصبه كان كالصاعقة للجميع، مع ذلك حتى مع تحوله الى فارس هو لم يتخلى عن اناقته الملكية قط.

وقريبا سيأتي القاتل على أي حال، لذلك سيكون من الأفضل اللعب باتقان خاصة هذه الأيام وانتهاز الفرصة التي أتته ليثبت فيه نفسه.

ثم سواء اكان بارزا او غير مرئي بغض النظر عن حاله سيليكا تكره وجوده

" اذا لما لا نكون بارزين قليلا؟"

تمام كشعر قط في العين، هذا ما قرر ان يكونه كاليان لسيليكا

* أي مزعج :)

بعد هذا الصمت تحدث يان بقلق ليس فقط من افكار كاليان لكن جسده في حالة سيئة

- اميري أهم شيء هو صحتك، اذا كنت لا تعتقد أنك ستتمكن من الاستمرار فلست بحاجة لأن تحمل جسدك فوق طاقته، إن حدث ذلك ارجو من سموك أن تخبرني فورا وسأتخذ بدوري الاجراءات اللازمة لاعيدك لغرفتك

اجاب كاليان ليان بينما يمشي بهدوء إلى المرآة

- حسنا، لا تقلق

وقف ينظر لملابسه التي كانت باسلوب بسيط لكن فاخر مكون من قميص ابيض وبنطال أسود ثم سترة سوداء ضيقة طويلة الى اسفل الخصر مع ياقة عنق وصفين من الازرار الذهبية

لف حولها عباءة حمراء امتدت حتى ركبتيه وتولين الخادمات بربط العباءة بالسترة ووصلن الازرار بالشرائط الذهبية الخاصة بالعباءة

واخيرا فتحت الخادمة ميرلين الباب وهي تنظر الى الأمير تتفحص ملابسه ثم تحدثت وعلى وجهها تعبير راض تماما

- نحن جاهزون سموك، تبدو رائعا حقا

مع ذلك لم يتحرك كاليان من امام المرآه ينظر لملابسه او بتعبير أدق يمعن في شعار عائلة كايريس الملكية المنقوشة على صدره، صورة لسيف ذهبي وتنين اسود ملتف حوله، لذلك لم يستطع لفترة طويلة رفع عينيه من المرآة

" من الغريب كيف أن شعار كايريس مألوف للغاية، بدلا من ذلك فإن شعار سيكريتيا... كيف كانت بالتحديد؟"

شعر يان بالقلق من شرود كاليان امام المرآة وفي عينيه نظرات حزينة رغم أنه لم يدري ما بخاطر كاليان لكن اجتاحه قلق من عودة كاليان لعادته القديمة في تحطيم المرايا فسأل بحذر

- ايها الأمير، هل هناك أي شيء لا تحبه؟

بعد سؤاله بعناية وحذر سقطت عينا كاليان عن المرآة ثم ابتسم مبددا حزنه للرد على يان بتعبير مرح

- كما توقعت، انا بالفعل وسيم للغاية

دون ان يسمع ردا من يان سار كاليان خارجا من غرفته يتبعه يان بتعبير فارغ على وجهه...

______________________...

عربة واحدة تقف امام قصر تشيرميل مما يعني أن فرانز وراندال قد غادرا بفعل

هذا شيء بديهي ان يكون راندال منتظما وعند الميعاد وحتى قبله لكن فرانز؟ شيء غير متوقع....

كان موقفا غير متوقع بأنه سيكون اخر الامراء الواصلين رغم كونه اصغرهم، حسنا ليس باليد حيلة...

بدأت العربة بالتحرك بسرعة بطيئة وكان كاليان ينظر حوله من النافذة بحيث يمكنه رؤية الضيوف الزائرين للقصر ، حيث كانت العديد من العربات تملأ المكان في حركة منظمة ذهابا وإيابا من وإلى القصر

فتوقفت العربة أمام قصر ارفيا حيث يجب أن يكون رومين فيه الأن إذ ان هذا القصر مخصص للموظفين النبلاء الذين يديرون شؤون المملكة فبالتالي فيه مكتب الملك

هذا غريب قليلا ومع ذلك، كان من المقرر في الأصل لقاء الامراء بالملك ان يتم في قصر كاميلا حيث مقر اقامة الملك ولكن نظرا لكم ان جلالة الملك المجتهد مشغول فتم التخلص من هذه الاجراءات الشكلية فكان على الامراء التوجه لقصر ارفيا حيث مكتب الملك لقول مرحبا له.

بالنسبة لكاليان كان شيئا جميلا ومناسبا جدا وأصعب ما بجدوله تغيير لأبسط لأنه لن يضطر للجلوس كثيرا برفقة الملك

ومع ذلك فإن شعور الجيد هذا لم يستمر طويلا فالسؤال الان ما طرحه كاليان ليان وهو معقد حاجبيه

- الا يجب ان يكونا هنا الأن؟

كان من الواضح أن راندال وفرانز قد غادرا قصر تشيرميل قبله لكنهما ليسا هنا! ارتجفت اعين يان من حقيقة انه لا يعرف الجواب وكيف أنه قد فاته بالتأكيد امر ما فابستم له كاليان

- اظن انه يجب ان يكون هناك شيء لا تعرفه.

لم يستطع يان الاجابة وفي هذه اللحظة تقدم فارس عجوز ذو شعر ابيض من الوهلة الاولى يعطي مظهره انطباعا جيدا عن اتزانه وقوته، كان احد الحرس الخاصيين للملك اقترب منهم ثم انحنى نحو كاليان محييا اياه

- تحياتي للأمير كاليان

رد كاليان التحية بإماءة طفيفة ثم سأل

- اين اخوتي؟

- قد عادا بالفعل لقصر تشيرميل، هذا نظرا لأن جلالته لديه عمل عاجل فحدث تغيير في جدول اليوم وقد قرر جلالته لقاء الامراء منفردين، وكذلك للسبب نفسه تم الغاء مأدبة الغداء كذلك، اعتذر عن أي ازعاج قد يكون سببه هذا لسموكم.

- هل تقصد أن الملك قابل كل امير على حدة؟

- نعم سموكم، هذا صحيح

سمع كاليان بهذه اللحظة شهيق يان المضطرب خلفه ليس انه لم يعرف ما يفكر به يان الان وبل حتى انه يستطيع تخمين شحوب وجهه الان حتى دون النظر إليه

لم يتلقى كاليان اي تعليمات عن كيف يتصرف أمام الملك لو حدث وأن بقي معه بمفرده، يبقى هو لازال ليس ملما بجميع قوانين واعراف كايريس بعد

فتذمر بنفسه من هذا الموقف الذي وضع فيه بسبب نزوات هذا الملك الغريب

" الن يكون من الأسرع مقابلة الامراء الثلاثة مرة واحدة وانهاء هذه الشكليات المضجرة؟"

كاليان لم يستطع فهم سبب هذا القرار

" لا معنى له..."

على أي حال وإن كان شخصا غريبا متقلبا الملك يبقى ملكا ويجب اتباعه في قراراته

- ارى، اذا فلتقد الطريق.

اكمل كاليان سيره لمكتب الملك بجانبه فارس الملك وخلفه يان

لم يتوقع مثل هذا الموقف المحرج يوضع فيه فجأة تمتم دون صوت غير مظهر لإحباطه للناظرين

" لم افكر مطلقا بأني سافتقد راندال وفرانز في حياتي".

يتسارع نبض قلبه في ارتباك كلما اقترب من مكتب الملك، مهما نبش بذاكرته لم يستطع ايجاد ولو ذكرى واحدة بذاكرة كاليان الأصلي عن مقابلة رومين. وفي العودة لشخصه كـ بيرن فهو لم يسبق له ان قابل الملك قط على انفراد وكان يقابله فقط امام الجموع والحشود في المناسبات، لم يكون بينهما أي مودة من الذي يجب أن يكون بين الأب والابن، فالملك الوحيد الذي كان بيرن على اتصال مباشر معه كان اخوه تيشيس ولم يكن بيرن يعامله كلملك حينما يكونان بمفردهما بل مجرد اخ واخ...

توقف كاليان أمام الباب المزخرف ثم نظر نحو فارس الملك سائلا

- هل يمكنني الدخول حالا؟

- نعم سموك، جلالته ينتظرك.

كان الهدوء يغلفه من الخارج بمنظر أمير ثابت وواثق من نفسه لكنه دواخله فيه زوابع وفوضى وقلبه ينبض بشدة فكأنه دار خمس دورات حول قصر تشيرميل، وفي رأسه في خلال جزء من الثانية عشرات من اشكال التحايا ظهرت واختفت واحدة تلو آخر، لم يعلم كيف يجب ان يحيي الملك بينما يكونان بمفردهما!

ليس باليد حيلة...

فتح الحارس الباب فدخل كاليان بتعبير جاد على محياه

_________________________

يان.....

.... yan

2021/08/24 · 811 مشاهدة · 1948 كلمة
نادي الروايات - 2025