____________________________
رومين جالس على كرسيه الملكي الفخم وأمامه مكتب بيضوي ذو زخرفة فاخرة اعلاها مكوم بكم هائل من الأوراق والملفات وهذا الملك ذو الشعر الأسود كشعر كاليان جالس خلف هذا المكتب بيده الملفات منغمس فيهم، للأمانة مظهره مثالي تماما كما يليق بملك وسيم وذو هيبة فكأنه خرج من تلكم الكتب التي علمته فضائل الملوك،
لديه تعابير حذرة في وجهه ونظراته عميقة عمق البحر تماما كشخص ما...
" في النظر إليه كأنك تنظر إلى راندال"
لون عينيه زرقاء داكنة بنظرة فطرية باردة كالثلج ووجهه هادئ كسكون الليل
" ان اردت تجسيدا لملك طاغية فلن تستطيع ان تجد شخصا افضل لذلك من رومين الذي يملك حقا المظهر المثالي للطاغية"
بالنسبة لـ بيرن فتقييمه الأولي لرومين هو انه ملك بلا قلب. رغم أن الجميع كان يعلم بأن موت فريا وكاليان لم يكن سوى اغتيال لكنه تظاهر بأنه لا يعرف وتجاهل ذلك كليا. أي اب هذا الذي سيتجاهل بهذه الطريقة موت ابنه إن لم يكن طاغية ميت القلب؟ وحتى بعد لقائه برومين نظرات كاليان لم تتغير عنه.
فاضطراب غريزي اجتاح كيان كاليان ليس باليد حيلة وهو يقف امام الملك! سعى جاهدا أن يخفي مشاعره وحذر من ظهوره على تعابيره فتقدم حتى وقف امام مكتب رومين تماما وبالكاد بإمكانه اخفاء مشاعره المعقدة مظهرا ثباتا مثاليا كأمير.
انحنى قليلا ثم فتح فمه بعد معركة داخلية صاخبة لاختيار كلماته فانتهى بختيار ما كان قد اعتاد ان يحيي به ملك سيكريتيا في المناسبات بأيامه كالأمير بيرن
- احيي جلالة الملك.
سكت... رفع رأسه، رومين الذي كان يحمل بيده وثيقة وضعها على الطاولة ثم أخذ ملفا آخر من كومة الملفات التي أمامه ولم يكن في الطاولة كلها سوى ملفات وأوراق وكوب شاي قد شُرب نصفه
من صمت الملك شعر كاليان بالحرج وبالطبع لم يلاحظ الملك ذلك إذ انه لم يرفع حتى رأسه نحو كاليان، في هذه اللحظة شعر كاليان بالإهانة الشديدة في نفسه، مهما مثّل كأمير كايريسي فهو في عمقه أمير وفارس سيكريتياوي فغشى عينيه برودة وتحولت نظراته الى نظرات شرسة قاسية، قاطع افكاره السوداء صوت رومين الهادئ
- تعال واجلس
للحظة كاد ان ينفجر ضاحكا من شدة غضبه المكبوت في نفسه
وذلك لأن صوت رومين بدا شبيها جدا لصوت فرانز رغم أن النبرة كانت مختلفة إذ ان نبرة فرانز تتميز بالسخرية أما رومين فبالبرودة والقسوة مع ذلك هذا الصوت جعل صورة فرانز يعلق في رأسه
على أي حال فكما يقال ذاك الشبل من هذا الاسد، وعلى ما يبدو أن صفاته قد وُزّعت بالتساوي على ابنائه.
يكافح كاليان بكل قوته الداخلية بأن لا ينفجر أمام رومين فتقدم بصمت عميق وجلس دون أن يتفوه بشيء سيكون من السلامة العامة البقاء صامتا، لكنه تذكر بأنه في الاساس هنا لتهنئة الملك بعيد ميلاده سيكون موقفه سخيفا حقا لو لم يفعل ذلك فتحدث بصوت ألي لا مشاعر فيه مؤديا واجبه لا اكثر
- عيد ميلاد سعيد جلالتك.
- نعم، شكرا لك.
إماءة وجواب لا مشاعر فيها صدرت من خلف المكتب. ثم عاد صمت قصير قبل أن يمسك رومين بكوب الشاي ويأخذ رشفة منه ثم عاد للحديث
- كيف هي أحوالك؟
-نعم؟
جفل كالبان الذي كان قد شرد لوهلة وعندما استوعب اسرع لتصحيح خطأه محاولا اظهار صوته ثابتا
- انا بحال جيدة جدا.
فتمتم رومين بينما يعود مرة أخرى للوثائق التي بين يديه
- شكرا لله
وعندما شعر رومين بتسلط نظرات كاليان نحوه عاد يتحدث دون ان يزيح عبنيه عن الوثائق ودون أن تتوقف يداه عن الكتابة
- اخبرني إن كان هناك ما يزعجك في القصر
رمش كاليان عدة مرات وهو يصدر صوتا متفاجئا
- آه...
ما الذي عليه أن يبدأ به؟
مثلا
" جلالتك انا منزعح من وجودي بمكتبك حاليا؟"
أو
“ اعتقد بأني مازلت لم اتأقلم ولن أفعل مع الحرب الصباحية الباردة كل يوم على الافطار مع طفليك"
او لحظة ماذا عن
" اعتقد أن زوجتك استأجرت قاتلا وسيأتي ليخنقني قريبا"
أم
" مرض غريب يجعلني أجف وإذا اخطأت عن ماهيته او تجاهلته فقد يقتلني"
أو ماذا عن
" ابي العزيز انا لست ابنك في الواقع "
" هل ستنظر حينه نحوي؟، اتسأل ما سيكون رد فعلك أيها الطاغية "
بعد كل تلك الافكار الساخرة برأسه كرر كاليان جملته السابقة فقط بنبرة هادئة لا مشاعر فيها
- انا بحال جيدة.
لإجابته اومأ رومين بأنه سمعه وعاد الصمت للمكتب...
عبس كاليان وهو يتذكر أمر الملك بلقائهم فرادا
" كان ذلك لأنك لم تكن لتستطيع التركيز على عملك بينما ثلاثة يجلسون أمامك، اما بتقسيمنا فكل ما عليك فعله هو فتح فمك كل دقيقة مرة واحدة اثناء عملك في اللقاء المستمر لخمس دقائق"
أي اب هذا الذي يرى خمس دقائق لقضائه مع ابنائه مضيعة للوقت؟!!
سخر كاليان من هذه المملكة بداخله واستمر الصمت وفقط يقطعه بين الفينة والأخرى سؤال فيجيب كاليان ولم يكن هناك أي حديث حقيقي حتى أخيرا انتهت الدقائق الخمس التي كانت بالنسبة لكاليان كالدهر الابدي
فخرج كاليان من قصر ارفيا واتجه الى عربته بينما يركب تنهد وثم همس بصوت منخفض
- اتمنى ان لا التقي بك مرة اخرى ابدا.... "
ابتسم يان بوجه محرج من سماعه لهمس كاليان رغم انه لم يعلم ما حدث داخل المكتب لكن لديه فكرة عن شخصية الملك فيستطيع تخمين كيف تعامل مع الامراء
غادرت العربة بهدوء حتى وصلت اخيرا لقصر تشيرميل ترجل كاليان من العربة ثم سار يتمشى في حديقة القصر يرفه عن نفسه حتى يحين العاشرة.
فهبت رياح خفيفة فتوقف كاليان وهو يتنهد بإحباط ثم انتقل حيث يفضل في هذا القصر ألا وهي البحيرة ودار حول البحيرة حتى لاح له الطرف الاخر من الحديقة الكبيرة في هذا الطرف يوجد انواع كثيرة من الزهور ومن الوهلة الأولى تستطيع ان تعلم بان هذه البقعة في الحديقة مميزة، فتوقف كاليان جين لمح في هذا الجزء من الحديقة شيء اسود،! فتقدم ليتحقق من ذلك لكنه سرعان ما توقف مرة اخرى حين لمح حارس راندال الذي يقف بوجه عبوس وبيده عباءة حمراء من الواضح بأنها عباءة راندال مع ذلك...
كان كاليان يعلم أن هواية راندال هي زراعة الورود لكن هذا سخيف نوعا ما فألا يستطيع ضبط نفسه؟ أيعتني بالأزهار بينما يرتدي ملابس رسمية لا وبينما الاقامة الملكية مليئة بالضيوف! فابتسم كاليان ابتسامة بلهاء وهو يراقب راندال الذي يقطع اغصان الورود
لكنه نوعا ما يعجبه هذا الهدوء في شخصية هذا الأمير، فهو شخص لا يتأثر قط حقا بما حوله فيعترف كاليان حتى لنفسه أن شخصية راندال رائعة حقا. وعلى ذكر ذلك فبعد سنوات من موت كاليان الأصلي وقع حادث ضخم عندما سقطت عربة ملك تينسل في جرف وتحطمت، وكانت تقل ملك تينسل وأميره الوحيد وكانوا في زيارة لمعبد سيرنتي
ادى الحادث لموت ملك تينسل وولي عهده فبقيت عرش تينسل فارغا كان الشخص الوحيد الذي يحمل الدماء المباشرة للعائلة الملكية لتنسيل هو الأمير راندل وفور استلامه طلبا من تينسل لتولي العرش غادر راندل كايريس متخليا عن منصبه كأمير أول لكايريس ببساطة!
في الواقع رغم المظهر الفاخر لكايريس وصورته البهية من الخارج إن امعنت النظر في داخلها فهي متعفنة تماما وخانقة لدرجة حتى أن رومين نفسه الذي هو الملك لا يشعر بالطمأنينة فيه وعاجز لدرجة أنه فاقد لطعم الحياة.
يعلم جيدا بأن حبس رومين نفسه في ذلك المكتب حتى في يوم ميلاده ليس لحبه للعمل فقط بل تلك الجبال من الوثائق كانت خير دليل عن كم وضع رومين مأساوي في هذه المملكة التي ليست كبيرة جدا حتى لتضع ملكها تحت هذا الضغط الشديد!
فقرار راندال حينه بتخليه عن عرش كايريس لأخذ عرش تانسيل خيار مفهوم تماما فمن كان سيكون محله كان ليفعل الشيء ذاته.
- الامير كاليان؟.
استيقظ كاليان من سهوته عل صوت مرافق راندال فانتبه لنفسه انه كان يحدق طوال الوقت في راندال، وعلى صوت المرافق رفع راندال رأسه نحو كاليان فأسرع كاليان للاعتذار وهو محرج من تصرفه
- اسف، سهوت قليلا، لم اكن اقصد مراقبتك
نظر راندال بهدوء نحو كاليان ثم اشاح ببصره وهو يتمتم
- نعم
خلع راندال قفازاته ثم سلمها للمساعد نهض من الأرض وعاد نظر نحو كاليان فالتقت عينيه الزرقاء العميقة مع عيون كاليان الحمراء المحترقة، راندال لم قم بلوم كاليان ولم ينهره فهو لا يملك ادنى فكرة عن سبب تواجد كاليان هنا بمفرده تماما في المقام الأول! ومع رؤيته الاحراج بوجه كاليان لم يستطع المساعده وبصمت غادر الحديقة متجها نحو قصر تشيرميل
___________________....
لقول الحق
كان عادلا تماما
رومين عامل ابناؤه الثلاثة بذات الاسلوب دون تمييز
واثر ذلك تتجلى في رائحة الخمر التي تخنق كاليان الواقف بجانب فرانز الأن، فعبس كاليان بشدة وهو يصرخ في نفسه
"اهذا الرجل الصغير مجنون؟!، اشعر بالمرض فقط من الوقوف بجانبه"
عيون فرانز الخضراء النقية كانت ضبابية جدا، لم يستطع كاليان من ايجاد سبب معقول لفعل فرانز هذا
الوقوف امام رعاياك في حالة سكر! ؟!
بالطبع لم يكن هناك شيء يجب فعله على الامراء سوى السير نحو المنصة ثم الوقوف خلف الملك بعد القاء التحية بصمت تام لكن هذا الشخص، لا يمكن الثقة بتصرفات شخص ثمل! تنهد وهو ينبش بذاكرته ولحسن الحظ لم يجد أي اشاعة عن أمير كايريسي يخرب حفل عيد ملكه.
ومع ذلك لا يمكنه ان يطمئن لهذا الأحمق نظر فرانز نحو كاليان وكأنه قرأ مخاوفه فابتسم ابتسامة تهديد وكأنه يقول سأفعل ما تفكر به فزاد عبوس كاليان وصداع رأسه، لكنه تجاهل فرانز وهو ينظر للأمام للصوت المنادي في الساحة
- سيبدأ الحدث بعد عشر دقائق
كان المسؤول الحدث الملكي للعائلة الملكية
كاليان الذي كان جالسا على كرسي بالقرب من البوابة الأمامية جهز عقله واستعد، قد يكون طبيعة حفلات كايريس بديهية للآخرين ومألوف تماما لكن ليس لـ بيرن الذي هذا هو أول حضور له وهو من الشخصيات الرئيسية فيه فلم يسعه إلا أن يصاب بقليل من التوتر
يوجد الكثير من الأشخاص الذين يتجمعون في الساحة بحيث لو رميت إبرة لم تكن لتسقط على الأرض من شدة الزحام والمسؤول عن الأمن في هذه اللحظات في الساحة كانت فرسان بافل الخاضعة لسلطة سيليكا منهم من كانوا متنكرين كمدنيين بين الحشود واخرين كانوا في لباسهم الرسمي يراقبون تحركات الناس وفي هذه اللحظة تم تفعيل اللبلورات المثبتة في الساحتين الكبيرتين وكانت تظهر المنصة الفارغة التي بعد قليل سيعلوه العائلة الملكية، وصاح المنادي مرة أخرى
- سيُفتح الآن ابواب القصر
وبالفعل بعد ثوان قليلة تحركت ابواب القصر ببطء على الجانبين وبدأ شعار كايريس المحفورة على البوابة وكأنه ينقسم لشطرين مع انفتاح البوابة
وسرعان ما شرعت ابواب القصر التي عادة ما تكون مغلقة بإحكام على مصراعيها ولن يُغلق لثلاث ايام متوالية
- بقي خمس دقائق
وبدأ عند هذا الاعلان فرسان كيرا الذين هم تحت سلطة الملك مباشرة في اخذهم أماكنهم بنظام وجمال، ثم الخدم بدأوا بضبط المقاعد الملكية وسرعان ما نشروا سجادة حمراء على طول الطريق، والمساعدون الخاصين مشغولين بالحركة فاقترب يان كذلك من كاليان ليتحقق من أمور كاليان ثم وما أن تأكد من ان كل شيء على ما يرام حتى ابتعد مسرعا
وما أن اكتمل بسط السجادة الحمراء حتى سارع فرسان كيرا في صفين بجانبي السجادة وبنداء من قائد الفرسان اشهر الفرسان مرة واحدة سيوفهم ورفعوا النصل نحو السماء
وبعد ذلك صاح قائد فرسان كيرا معلنا عن دخول الملك والعائلة الملكية وبعد ذلك مباشرة سارت سيليكا بجانب رومين خلفهم راندال تبعه فرانز، فأخذ كاليان نفساً عميقا لكون دوره قد حان للتحرك، فأغمص عينيه ثم عاد وفتحهما، اعتدل بوقوفه ورفع رأسه وغير من نظراته الى نظرات مليئة بالكبرياء والثقة مما اعطاه الهيبة الملكية الحقة وسار متبعا فرانز، يسير في السجادة الحمراء بثقة وأناقة
هذه مرته الأولى يظهر فيه رسميا بيرن كأمير كايريسي فجعل بكل ما لديه من حضوره مثاليا وأنيقا فنظر إلى حيث الشعب وابتسم ابتسامة ساحرة...
____________________
راندل سايل كايريس
Randel sile cayries
