انتشر صوت الفالس في الأرجاء. ومع وصوله إلى ذروته، أصبح سريعًا ومليئًا بالعاطفة. دون أن تنتظر ردي، تولّت إليشا قيادتي، فتابعتُ خطواتها. بدت آثار خطواتنا متداخلة كما لو كنا واحدًا.
"لقد واجهنا صعوبة في التفاهم أحيانًا لأننا لم نكن نعرف بعضنا جيدًا، تمامًا كما كان الحال عندما رقصتُ مع لوري."
"تلك ذكرى أود نسيانها."
"لماذا؟ لقد كانت تجربة مليئة بالطاقة."
ابتسمت زهرة المجتمع الأرستقراطي ابتسامة خفيفة.
"الآن، أصبحنا نعرف بعضنا، أليس كذلك؟ نعرف ما يفكر فيه الآخر، ما يحب، وما نوع الشخص الذي هو عليه."
إليسيا امرأة ذات كبرياء. تحب المشروبات الحلوة. عبقرية مجتهدة. بطريقة ما... أصبحتُ أفهم شيئًا عن إليسيا.
مثل نسيم الربيع العذب والمرن، أصبحت أنا وإليشا متماهيين مع الفالس.
"وأنت لست مجرد محب للحروب، أليس كذلك؟ أن نكون أصدقاء، هذا متروك لك، لكن... أتمنى أن تقبل اعتذاري. لقد تطلّب مني الأمر شجاعة كبيرة، كما ترى."
"...."
كانت كلمات إليسيا مشرقة ومفعمة بالأمل، مثل ضوء مسلّط عليها، قادرة على إيقاظ شغف جديد في أي شخص. هل تدرك كم يلزم من الشجاعة لطلب المغفرة؟
... لكن لا أدري. هل أستطيع حقًا فعل ذلك؟ أنا الذي أكره هذا العالم بأسره....
لم أتمكن من الإجابة. وانتظرت إليسيا.
فقط، نظرت إليّ بابتسامتها الهادئة، دون أن تتزحزح. تُرى، كيف كان يبدو وجهي؟ بأي تعبير نظرت إليها؟
وفي النهاية، حتى بعد انتهاء الفالس، لم أتمكن من إعطاء أي إجابة.
"في المرة القادمة، عليك أن تجيبني."
ابتسمت إليسيا ولوّحت بيدها قبل أن تسير نحو وسط القاعة لأداء واجباتها كابنة لعائلة نبيلة.
"...."
... عمري ثلاثون عامًا، ومع ذلك، وجدت نفسي مغلوبًا أمام فتاة في السابعة عشرة من عمرها. شعرت باضطراب داخلي وأمسكت بكأس النبيذ.
"آه، لا يمكنك فعل ذلك."
الشخص الذي أوقفني لم يكن سوى... ماري.
"... ماري؟"
"ا-ا-الكحول... نحن لا نزال قُصَّر، لذا لا يمكننا شربه...."
من الواضح أنها كانت خائفة، وكان من السهل أن أرى أنها لجأت إليّ لأنها لم تجد مكانًا آخر تذهب إليه.
"أين تركتِ غيلبرت والبقية؟ لماذا أنتِ وحدكِ؟"
"ه-هناك...."
كان غيلبرت ولينا يتعرضان لسيل من الأسئلة من الضيوف، ولم يكن وضع إليسيا وبورد مختلفًا. ماري، على الأرجح، كانت تهرب من الناس وانتهى بها الأمر عندي.
حسنًا، لا أحد يقترب مني على أي حال.
"إن كنتِ ترغبين في ذلك، يمكنكِ البقاء هنا حتى نهاية الحفل. لن يقترب أحد."
ابتسمت ماري بخجل، وأخذنا طاولة في زاوية بعيدة عن الأنظار، وكأننا نعزل أنفسنا عن بقية العالم.
وبدلاً من النبيذ، تناولتُ كوكتيلًا غير كحولي.
"أ-أم، مارتن...."
"نعم؟"
يمكنني أن أكون قاسيًا مع الآخرين، لكن مع ماري... لا يمكنني فعل ذلك. ربما لأنني، رغم كوني شخصًا سيئًا، لا أريد أن أكون إنسانًا فظيعًا تمامًا.
"م-ما الذي ترغب في تحقيقه، مارتن؟"
كانت تنظر إليّ بقلق، تحاول الاقتراب بحذر.
... يجب أن أكون حذرًا. ماري هي عقل المجموعة المدبر. بسبب شخصيتها، من السهل أن أخفض دفاعي من دون أن أدرك ذلك.
"أريد منع النهاية."
لكن معها، ربما لا بأس أن أخبرها. في القصة الأصلية، وُصفت بأنها حكيمة وصاحبة لسان كَتوم.
"النهاية...؟"
"في يوم ما، ستأتي نهاية العالم. سأوقفها."
"...."
بعد لحظة صمت، سألت ماري:
"هل كان هذا هو السبب وراء غزو جزيرة الضباب؟"
"نعم."
"هل يمكنني... يمكننا فعل أي شيء لمساعدتك؟"
"لا. لا شيء. فقط استمري كما أنتِ، وسأستغلّكم بالطريقة التي أراها مناسبة."
ارتشفتُ رشفة من الكوكتيل، ففعلت ماري الشيء نفسه. ورغم أنني صرّحت علانيةً بأنني سأستخدمهم، لم تُظهر أي خوف.
كانت تمتلك ذكاءً ثاقبًا قادرًا على اختراق المعاني الحقيقية خلف الكلمات.
"ماري، تعلمين ما يجب عليكِ فعله بشأن هذا الحديث، أليس كذلك؟"
"نعم، إنه سر، صحيح؟"
"سر، ها؟ كشخص لديه حفيدة، لا يعجبني سماع ذلك."
لم أشعر بوجوده! عندما استدرت، كان هناك عجوز ذو نظارة أحادية واقفًا أمامنا. دوق بروهادين. الرجل الذي تخشاه ماري، وحيلة سياسية خبيثة. وأيضًا... الرجل الذي وجّه لي ضربة غير متوقعة في وقت سابق.
نظرتُ إلى ماري، فرأيتها ترتجف، وقد اختفى بريق الحياة من عينيها.
"من الجيد رؤيتك، السير مارتن."
"لا أشاركك الشعور، يا دوق."
تقطّبت جبيناه بسبب ردي.
"جئتُ للجلوس مع حفيدتي، لا تمانع، صحيح؟"
خفضت ماري رأسها.
"للأسف، لا يمكنني الموافقة. منذ متى بدأت تهتم بحفيدتك؟"
"كنت أهتم بها دائمًا."
"ألا تقصد شُوغا، وليس ماري؟"
"...."
ارتعشت زاوية عينه.
"وقح، أيها الشاب."
"لستُ شخصًا لطيفًا."
في هذه الأثناء، رفع بروهادين يده ليضعها على الكرسي، لكنني ركلتُه بمهارة وسحبتُ الكرسي بعيدًا.
"أنت...!"
ثم، بكل وقاحة، وضعتُ قدمي فوق الطاولة أمامه.
"بالمناسبة، لا تحاول التسلل للجلوس هنا. أنت بلا إحساس وقحٌ أيضًا."
"...."
أخذ بروهادين نفسًا عميقًا وزفره ببطء، محاولًا كبح غضبه.
"... متغطرس."
"أسمع هذه الكلمات كثيرًا."
"كيف يجرؤ مجرد وغد طُرد من أسرة الكونت على إذلالي؟"
تصاعد جو مرعب. تشكل حاجز يحيط بالطاولة، بحيث لم نعد أنا وماري وبروهادين نرى سوى بعضنا البعض داخله.
قطّب بروهادين حاجبيه بشدة وكشف عن حقيقته.
"كيف لدمٍ وضيع كان مجرد كلب صيد لتلك المجنونة أن يتجاهل مكانته ويجرؤ على توجيه كلماته إليّ، وهو أحطّ من دودة تزحف على الأرض؟ غبيّ، أحمق، لا حدود لجهله…!"
تحت تأثير السحر القوي والنية القاتلة التي ملأت المكان، دفنت ميري رأسها في الطاولة.
"ويلهيلم استخف بك وفشل في خطته، لكن تظن أنني سأرتكب الخطأ ذاته؟ كنت محظوظًا حتى الآن لا أكثر! لكنني مختلف! سأدمر أسرتك بالكامل، بما في ذلك والدك المتعجرف! وسأحوّل حياتك في الأكاديمية إلى جحيم! وسأطاردك حتى أقاصي القارة لأضمن هلاكك…!"
وسط تهديده القاتل، أسندت ذراعي إلى ظهر الكرسي وابتسمت بسخرية.
"تهديد طفولي. بروهادين، ألا ترى أن هذا مثير للاشمئزاز، ووضيع، وصغير النفس؟"
تصلبت تعابير بروهادين.
"أنت… كيف تجرؤ أن تقول لي…؟"
"أحمق متغطرس يظن نفسه مثقفًا."
"ماذا؟"
"كومة من الخطايا لا يعرف سوى التلويح بالسلطة."
"…."
اتسعت عينا ماري بدهشة، بينما تنقلت نظراتها بيني وبين بروهادين. نهضت من مكاني، واقتربت ببطء منه، حتى أصبحت وجهًا لوجه مع تعابيره المرتجفة من الغضب.
"نصف شخصية، عقل أدنى من دودة، هذه أوصاف تنطبق عليكم أيها الشيوخ المتعجرفون. كل تصرف تتجاهل فيه آراء الآخرين، وتحاول فيه فرض نفسك وقمعهم، لا يظهر سوى مدى نقصك. حتى رائحتك تجلب لي الغثيان."
"أنت… أنت…!"
"مجرد محتال متعجرف لا يظهر إلا في الظروف التي تناسبه. أكره أمثالكم أكثر من أي شيء آخر."
"أوغغ!"
فجأة، ألغى بروهادين الحاجز، فتدفقت أصوات العالم الخارجي إلى الداخل.
ساد صمت ثقيل.
تبادلنا أنا وبروهادين الابتسامات الباردة ونحن نحدق في بعضنا البعض.
"كانت محادثة ممتعة."
"أتفق معك، أيها الدوق."
"سأحرص على زيارتك قريبًا."
"لا داعي، لا تأتي بلا دعوة."
"…."
سمعت صوت أسنانه تطحن.
عذرًا، لكنني شخص بلا شيء لأخسره. لا سمعة تقلقني، ولا منصب يهمني. أما أنت… فأنت مختلف تمامًا.
اقتربت منه وهمست عند أذنه:
"إذا كنت تظن أنني أتيت إلى هنا لأخضع لسلطتك… فأنت واهم."
نظرت إلى وجه بروهادين الذي كان يقاتل للحفاظ على رباطة جأشه، وكتمت ضحكتي.
"هل… تستطيع تحمل العواقب؟"
بروهادين، سيد عائلة ديمينيان الملقب بسحابة العاصفة. ثاني أقوى رجل بعد الإمبراطور نفسه. ما الذي لا يستطيع فعله بكلمة واحدة؟
"أضمن لك… أن النبلاء الذين أهلكتهم الأميرة المجنونة لا يضاهون أولئك الذين سيهلكون بيدي."
لكن حتى لو كنت من الأربعة الكبار، لم تعد مخيفًا كما كنت.
أنا أملك ولاء نيرجين، رئيس مختبرات أبحاث الأبعاد في إمبراطورية كوزموس، وأنا الفارس الأسود للأميرة، ومدعوم من قبل عائلة إليردور المرموقة، بل وحتى أحد صانعي السلام.
لست فقط فوق الدوقات، بل حتى الإمبراطور نفسه لن يجرؤ على التعامل معي باستخفاف.
"الأيام القادمة ستكون ممتعة. تعال، قاتل بأقصى جهدك، وسأسحقك بكل وحشية!"
وفي تلك اللحظة، اقتحم المشهد فارس يحمل شارة سحابة العاصفة على كتفه، منتميًا إلى عائلة ديمينيان.
"أيها الدوق!"
"ما الأمر؟"
نظر بروهادين إلى الفارس بعصبية، لكنه لم يطرده، إذ بدت ملامح الأخير شديدة الاضطراب.
رغم أنه كان يعلم أن كلماته ستثير غضب سيده، انحنى الفارس وهمس في أذنه. ورغم أنه تمتم بصوت خافت، التقطت أذناي كلماته بفضل حواسي الحادة.
"إنهم قادمون! إنهم هنا!"
اتسعت عيناي، كما اتسعت عينا بروهادين بصدمة مماثلة.
"ماذا؟! لماذا…؟ أين هم الآن؟!"
"لقد تجاوزوا حديقة القصر الإمبراطوري وهم في طريقهم إلى هنا!"
"إذن لقد وصلوا بالفعل! لماذا تأخر التقرير هكذا؟! من هنا إلى هناك مسافة طويلة!"
"لقد… سقطوا فجأة من السماء!"
"تبًا…! لم يعد هناك وقت للتحضير."
استدار بروهادين بغضب، متجهًا لجمع شيء ما، لكنه لم ينس التحديق بي، وامتلأت عيناه بالحقد. من الواضح أن كلماتي السابقة تركت ندبة في كبريائه. وهذا أسعدني.
ابتسمت له مجددًا.
حتى دون النظر، كان من السهل سماع ضجة الفرسان الذين ركضوا في أنحاء القاعة للعثور على أسيادهم.
لم أتوقع حدوث هذا التطور، لكنه كان مثالياً. على وشك أن يُكتب تاريخ جديد هنا.
"أوقفوهم!"
"ك-كيف نوقفهم؟!"
اخترقت أصوات الفوضى معزوفة الأوركسترا في الخلفية.
سكن الجميع، ثم تحول الصمت إلى صدمة.
"م-مستحيل!"
"هل أرى هذا حقًا؟!"
دخلت مجموعة غير متوقعة من الضيوف عبر الأبواب المفتوحة. كانوا يرتدون ملابس مصنوعة من الأوراق الخضراء والأغصان، جميلة كأنها تحف فنية. لكن الأهم من ذلك، أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم كانوا يتمتعون بجمال أسطوري.
"إنهم... إنهم الإلف!"
"إنهم من عرق الإلف!"
صاح كبار الشخصيات في القاعة بدهشة بالغة. الإلف! العرق الذي انقرض منذ أكثر من مئة عام، عندما انطفأت حياة شجرة العالم الأولى، قد عاد للظهور!
كانوا المنفذين لإرادة شجرة العالم، إحدى الحماة الخمسة للقارة. عرق نبيل لا ينحني أمام أحد سوى أمهم، شجرة العالم. أقرب الكائنات إلى النقاء بين الفانين.
أو كما يُطلق عليهم أحيانًا—النسخة المتفوقة من البشر.
"شجرة العالم قد بُعثت منذ وقت قصير فقط، والآن ترسل رسلها...!"
"هل... هل أتوا ليعبروا عن امتنانهم لإمبراطوريتنا؟"
"هذا تفسير منطقي!"
بدأت التكهنات تتطاير بين نخب القارة، بينما تقدم الإلف بخطوات ثابتة نحو مقدمة القاعة، حيث عرش الإمبراطور.
لكن...
عندما صعدوا إلى المنصة المركزية التي تطل على القاعة بأكملها، توقفوا عن السير. بدلاً من التوجه نحو الإمبراطور، بدأوا في النظر حولهم، وكأنهم يبحثون عن شخص معين.
'مستحيل...'
[الحاسة البرية (المستوى 4)] تؤكد أن الأمر ليس مستحيلاً.
حينها، نظر أحد الإلف نحوي، حيث كنت أجلس في أبعد زاوية من القاعة. وعندما أشار إليّ بإصبعه، تحولت أنظار جميع الإلف نحوي. بل حتى أنظار كل من في القاعة تجمّدت عليّ.
"ذلك الشخص هناك؟"
"ذلك الرجل الجالس هناك هو...؟"