"آه، آآه...!"
خرّ كازاكس على ركبتيه، عاجزًا عن الوقوف. اجتاحه شعور بالرهبة المقدّسة لا يقاوم.
"يا، يا بطل الأبطال، يا هاميرد العظيم!"
"لحسن الحظ، لم تتأخر."
"جلالة الإمبراطور المؤسس! أرجوك... أرجوك أنقذ البشرية!"
ضرب كازاكس جبهته بالأرض حتى صدر صوت مكتوم من شدّة الضربة، يتوسّل بخشوع كامل.
"اهدأ قليلاً. اسمعني أولاً، ثم فكّر: لماذا لا يمكن لشجرة العالم أو ملك البحر أن يقدما الدعم الكامل للقارة حتى الآن؟"
المرتبة الإلهية ... كل من شجرة العالم وملك البحر يمتلكان أجسادًا، لكنهما يُعتبران من فئة "الحكام". وجودات كهذه لا يمكنها التحرّك بحرّية.
"الحكام، بحكم طبيعتهم، تؤثر في العالم لمجرد وجودهم. وأنا كذلك، لا يمكنني التدخل عبثًا. استهلاك القوة في معارك بين الحكام– المقيدة بالمفاهيم والقوانين – مكلف للغاية. وخصوصًا الآن، حين علينا الاستعداد لمواجهة كيان قد لا نهزمه حتى لو اجتمعنا كلنا."
فهم كازاخس على الفور مَن يقصده هاميرد بـ"الكيان الجبار".
كاوس . إله الفوضى. الجذر الأول لكل هذه الكوارث.
"ولهذا، يا حفيدي البعيد، قد تكون اختياراتك العظيمة مفتاح خلاص هذه القارة. ارفع رأسك وانظر إلي."
رفع كازاخس رأسه ببطء. وكان هاميرد، الجالس على العرش الذهبي، يبتسم له بلطف لا يوصف.
"وجهك يشي بالتعب… لا تبدو سعيدًا رغم أنك على وشك إنهاء الامتحان، أليس كذلك؟"
"لكن… العالم في الخارج يحترق..."
"صحيح. ولهذا أنا على وشك أن أمنحك القوة اللازمة. اقترب مني."
دعا هاميرد كازاكس مجددًا، بابتسامة مطمئنة.
"تعال إلى مقدّمة العرش. لا تخف. لن يحدث لك شيء."
بتردد، نهض كازاكس وسار بخطى بطيئة نحو العرش الذهبي. وخلال ذلك، واصل هاميرد حديثه.
"شجرة العالم تملك تجسيدًا على هيئة ملكة الجان، وملك البحر كذلك عبر زعيم الحور. هذه التجسيدات، أو لنقل، الوُسطاء، تتيح للحكام استخدام جزء من قواهم دون التسبب في كارثة."
وقف كازاخس أخيرًا أمام العرش. مسافة خطوة واحدة فقط تفصله الآن عن يد الإله.
"هيا، تقدّم. سأجعلك تجسيدي. كازاكس... حفيدي البعيد."
مدّ هاميرد يده. وفي راحته، تشكّلت سيفٌ من ذهب – سيف البطل العظيم، هاميرد.
وفي لحظة، أمسك السيف... وغرسه في صدر كازاخس، مخترقًا قلبه.
"هاه؟!"
شهق كازاكس من الصدمة، لكن هاميرد لم يزل يبتسم له بابتسامة مشرقة. النور الذهبي ملأ الأفق كالشمس، يغمر كل شيء.
"كما رغبت، اذهب وأنر طريق الأبطال في الخارج… وساهم معهم في إنقاذ هذا العالم."
"اللعنة..."
ضربت الحاجز الأسود بيدي. ثم ضربته بقوة حتى دوّى صوت هائل يشبه سقوط جبل. انتشرت موجة صدمة عنيفة... لكن غضبي لم يخمد.
"سي، سيدي..."
كانت لايلك خلفي، لا تدري ما تفعل.
"لا أستطيع العبور؟ أيّ هراء هذا؟!"
في اليوم التالي مباشرةً لهزيمتي للشيطان الأعظم أبرادانتي، كنتُ قد استعدت كامل قوتي. أنا ولايلك توجّهنا مباشرة نحو الحدود، قاصدين أراضي إمبراطورية كوزموس.
لكنّ الفوضى التي غطت الإمبراطورية... رفضتني أنا فقط.
المثير للسخرية؟ لايلك عبرت الحاجز بكل سهولة! حتى الجنود العاديون لم يُمنعوا. الفوضى منعت "مارتن" وحده فقط.
جربت كل شيء – قذائف مقدسة، تفجيرات بطاقات الطاقة السامية. لا شيء نجح. وكأن الفوضى وضعت عينيها عليّ وحدي.
وما زاد حنقي... أنني لا أملك أي وسيلة لاختراقه.
"لا يمكن أن أتأخر!"
قوة البشرية كلّها هناك. لا شك أنهم يخوضون معركة تفوق كل تصوّر. وأنا هنا؟ مجرد متفرج خلف جدار.
"هل تأخرت؟ هل أعود الآن إلى جزيرة الضباب؟"
ربما شجرة العالم أو ملك البحر يعرفان حلاً. لكن لا توجد بوابة تنقل هنا، ولا حتى سفينة جوية. رحلة الذهاب والإياب ستستغرق أيامًا !
"هاه!"
بينما كنت أغلي غضبًا، سمعت جلبة خلفي. أصوات الناس، وعجلات عربة ملكية تقترب بصخب.
"من هذا في مثل هذا التوقيت؟!"
ظهرت عربة مذهلة بكل معنى الكلمة. كأن صاحبها يريد أن يعلن وجوده صراحة.
ذهبية بالكامل. مرصعة بالجواهر. مزينة بتماثيل ذهبية لحمام ونسور. وقفت العربة أمامي مباشرة.
ثم انفتح الباب، ونزل رجل ما كنت لأتوقع ظهوره الآن أبدًا.
"الحمد لله، لم أتأخر."
كازاخس. نظر إلى وجهي المصدوم وقال برضا:
"هاه، رؤيتك وحدها تكفيني. كل العذاب الذي مررت به يستحق هذا اللقاء."
إذا كان كازاكس قد دخل القبر الإمبراطوري كما أمره الإمبراطور...
فوجوده هنا الآن يعني:
"صاحب السمو ولي العهد كازاكس... لا. بل..."
رأيت الرداء الذهبي الإمبراطوري على كتفيه، والسيف الذهبي على خصره... أدركت الحقيقة.
"جلالة الإمبراطور كازاكس؟!"
"...هممم. نعم، وإن كنت لا أزال أستحي من اللقب."
قالها بتواضع، وهو يربّت بفخر على سيفه الذهبي.
"أُجريت المراسم بشكل مختصر. قال والدي، الإمبراطور السابق، إن الاحتفال الكبير سيكون بعد نهاية الأزمة."
"فهمت."
"الإمبراطور المتقاعد" لقب يُطلق على والد الإمبراطور. كازاكس... أنهى الاختبار، وتسلّم التاج.
"أبارك لكم، جلالتكم."
"لا داعي للمجاملات. فقط… أبقِ الأمر سراً قليلاً."
وأشار إلى الجنود والعاملين المتجمعين حولنا.
"لم آتِ هنا بحثًا عن الأضواء."
"كما تأمرون."
(لكن… يا ليتك فكّرت في تغيير العربة الذهبية أولاً!)
"رغم ذلك... هو حقًا قائدٌ عظيم."
لقد تخطّى مراسم التتويج، وركض فورًا إلى الحدود.
رفع كتفيه وقال:
"رأيت الشياطين يتسلقون الحدود بعد سقوطك. فركبت العربة الإمبراطورية وهرعت بأقصى سرعة... ومع ذلك، يبدو أنني تأخرت."
استفاق مارتن، وسحق أبرادانتي بنفسه، وطرد جيوش الشيطان.
"مارتن… أنت مذهل حقًا."
"أشكرك."
"...لكن، هناك شيء..."
مال كاجاكس برأسه بتعجب.
"لماذا لا تزال هنا؟"
لقد توجهت قوات الاستطلاع النخبوية، التي تم تجميعها من نخبة القارة، بالفعل نحو عاصمة إمبراطورية كوزموس المدمرة. ومن بقي على أرض القارة كانوا إما في مهمة خاصة كلفهم بها القائد الأعلى أو ضمن فرق منفصلة لتنفيذ مهام جانبية.
وبحسب ما يعرفه كازاكس عن شخصية الفارس الأسود مارتن، كان من الطبيعي أن ينطلق فور استيقاظه إلى ما وراء الحدود. لذا، فإن وجوده هنا كان مثيرًا للريبة.
"سمعت أنك تعرضت لهجوم غامض أُدخلت بسببه المستشفى في حالة حرجة. هل ما زالت هناك آثار جانبية؟ أم أنني أوقفتك في اللحظة التي كنت على وشك دخولها؟"
"لا، لقد تعافيت بدنيًا تمامًا. ولم تعقني يا جلالة الإمبراطور… لكن، هاه، هناك مشكلة."
"مشكلة؟"
حاولت كبح تنهداتي المتكررة، ثم التفتُّ ونظرت إلى الجدار المزعج المصنوع من الفوضى.
"لا أستطيع العبور."
"ماذا تعني؟"
بينما بدا كاجاكس مشوشًا، لكمت جدار الفوضى بقبضتي المشدودة.
كوووم!
مع صوت الارتطام العنيف، اهتزّ الجدار بشدة. اندفعت القوى المقدسة والمانا، واهتزّ السياج القريب بشكل خطير بسبب موجة الصدمة وحدها. جلب وصول كاجاكس أيضًا حشدًا من جنود تحالف البشر على الحدود، الذين ضجّوا بذهول.
"هاه…"
حتى عينا كازاكس الذهبيتان لم تخفيا دهشتهما، إذ خرجت منه كلمات أقرب إلى الإعجاب.
"حتى لو كان سورًا عاليًا من الحجارة، لكان قد انشقّ وانهار من تلك الضربة."
لكن الجدار المصنوع من الفوضى لم يظهر عليه أي خدش، وهذا هو جوهر المشكلة.
"الآخرون يمكنهم العبور بسهولة. لكن لسبب ما، كلما حاولت أنا اجتياز الحدود، يظهر هذا الجدار الفوضوي ويمنعني."
"أحقًا؟"
مدّ كازاكس يده نحو النقطة التي تفصل القارة عن عالم الشياطين. رغم أن الفوضى المقززة تكمن خلفها، إلا أنه لم يُمنع كما حدث معي.
"... إنه حقيقي!"
تنهدت في داخلي، متذمرًا،
"هل كنت تظنه كذبة؟"
"الحمد لله!"
"...؟"
بشكل مفاجئ، سحب كازاكس سيفه المعلّق على خصره.
"كان محقًا! كنت أنتظر هذه اللحظة، كي أكون الدليل الذي ينير طريق البطل! أخيرًا، حان وقت مساعدتي!"
"...!"
انبثق نور ذهبي ساطع يكاد يعمي الأعين.
“هل يُعقل؟! ذلك السيف!”
في اللحظة التي رأيت فيها ذلك النور السامي المنبعث من السيف، أدركت ما هو.
قال كازاكس بفخر وهو يرفع السيف:
"انظر، يا سير مارتن."
كان هذا هو أعظم كنز في المقبرة الإمبراطورية الذهبية، الذي ضاع في القصة الأصلية بسبب انهيار العاصمة على يد أحد أمراء الشياطين: سيف هيميرد الذهبي ، سيف البطل الأسطوري الذي أصبح حاكما.
"يا للعجب."
بمجرد أن شعرت بالنور الذهبي يلفّ جسدي، شعرت بقوة تتصاعد داخلي، كما لو أني شجرة امتصّت مغذيات الأرض.
قال كازاكس:
"سيف هيميرد الذهبي هو تجسيد لأمنيات البشر — دعوات المواطنين الذين أرادوا السلام والطمأنينة. لا يميز بين دولة أو دين أو عرق. كل صلاة رفعت بأمل كحصاد ذهبي في الخريف تنتمي إليه. يمكن القول إنه سلاح مفهومي نشأ من تلك التضرعات."
ولهذا السبب…
"حتى وإن كانت قوة كاوس كونية ومطلقة…"
كان كاجاكس هدية من هيميرد إلى مارتن.
"لا يمكن تجاهل دعاء البشر، الذين قدموه من فوق قارة يحكمها البشر، من أجل حاكم بشري."
في أواخر أيامها، كانت إمبراطورية كوزموس في حالة يرثى لها.
بسبب مكائد كاوس وأمراء الشياطين، لم تستطع الطبقة الحاكمة أن تقاوم غواية مشروع العودة الزمنية المحرم، الذي مزّق النظام الطبيعي. فجمعوا المال والموارد من دماء المواطنين حتى كادت الإمبراطورية تنهار.
رغم مقاومة حركة صانعي السلام، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا. وفي النهاية، ابتلع زنزانة "كاوس الزمني" الإمبراطورية.
في تلك اللحظة الفوضوية، كانت صلوات الشعب لأمل الخلاص ترتفع.
[صحيح.]
خلف كازاكس، ظهرت روح ذهبية أمسكت بالسيف معه.
رأيت نفس الهيئة سابقًا، في مسابقة الزنزانة التي تنظمها إمبراطورية إمبيريوم تكريمًا لإرادة هيميرد، أول إمبراطور.
أعلن الروح الذهبي:
[قبل مئة عام، عندما سقطت إمبراطورية كوزموس، كنت أستمع إلى صرخات أمتي الممتلئة باليأس، ولكني لم أستطع فعل شيء سوى أن أراقب.]
آه، اسمه هو البطل العظيم هيميرد.
[لكن تلك الصلوات، لم أتركها. لقد جمعتها. وشاهد الآن، الدعاء المتراكم على مدى قرن كامل، المتفجر الآن في سبيل السلام والطمأنينة!]
وجه هيميرد أنظاره نحو الفوضى. إنسان صغير أصبح إلهًا يعلن التحدي ضد كيان فوضوي كوني.
[كاوس! هل تذكر الأرواح التي التهمتها قبل مئة عام؟! تلك الصرخات، تلك الصلوات، شكلت اليوم الطريق للبطل المختار من إرادة كوزموس والقارة!]
رفع كاجاكس وهيميرد سيفيهما الذهبيين، وضربا بهما جدار الفوضى.
حينها، انفجر ضوء ذهبي شاهق حتى وصل أطراف القارة. وانشقّ جدار الفوضى.
من بين الشقوق، كانت الفوضى تحاول المقاومة، تتلوى كالدود، لكنها لم تستطع مواجهة إرادة حاكم البشر فوق أرض البشر.
[افتح الطريق، يا كاوس!]
انشطر الجدار تحت ضربة السيف الذهبي، وأصبح الضوء الذهبي طريقًا واضحًا وسط الفوضى.
لقد دفعوا الفوضى جانبًا، وفتحوا الطريق أمامي!
[هذا يكفي.]
نظر إليّ هيميرد بابتسامة.
[تابع طريقك، يا كلب القدر القادم من عالم آخر. سأكون معك حتى النهاية.]
ثم تلاشى الجسد الروحي إلى غبار ذهبي. بقينا ننظر إليه بصمت. بلا شك، سيعود لمساعدتنا عندما نحتاج إليه مجددًا.
عدت لأنظر إلى المعجزة مرة أخرى. داخل عالم الفوضى القبيح، هناك الآن طريق ذهبي مفروش لأجل المحارب.
"سيدي، لقد فُتح الطريق!"
"أجل."
"لننطلق، يا سير. ويا آنسة الخادمة."
بإشارة من كازاكس، اقتربت العربة الإمبراطورية المزينة بالسحر والنور المقدس. حتى خيولها كانت من نخبة الجياد.
لكن عندما اقتربت تلك الخيول من جدار الفوضى، بدأت ترتعد.
"يبدو أنهم لا يستطيعون التغلب على الخوف الذي تسببه الفوضى."
"همم، رغم أنهم جياد ذهبية خضعت للتدريب منذ ولادتها."
هزّ كاجاكس كتفيه بلا مبالاة.
"لا بأس، سنسير على الأقدام."
"فلنفعل."
لا نعلم إلى أين يصل هذا الطريق الذهبي، ولا كم سيستغرق منا، لكننا قررنا السير فيه.
وخلفنا، ركع جنود تحالف البشر على الحدود، وبدؤوا يصلّون لآلهتهم.
ليكن الحظ مرافقًا لأولئك الأبطال النبلاء الذين اختاروا بإرادتهم أن يسيروا في طريق الأشواك!
***
م.م احس اني اترجم الرواية ذي من سنين وهي من 4 شهور بس
وتخرجت بالمناسبة من الجامعة عقبال الوظيفة يا رب عشان اكمل معكم في ترجمات اخرى
***